مقالات مختارة

من غزة إلى بيروت ودمشق: صراع مفتوح واحتمالات مواجهة كبرى

عصام نعمان
الأناضول
الأناضول
فيما كان أهل المقاومة والأنصار في كل أنحاء العالم، ولاسيما في لبنان وفلسطين، يجدّدون العهد والقسم والوفاء للقائد الشهيد السيد حسن نصرالله في مناسبة الذكرى الأولى لاستشهاده، ويلتزمون تصعيد الجهاد في جميع الساحات والميادين، كان رأس الصهيونية المتوحشة يخاطب قاعةً واسعة شبه فارغة للأمم المتحدة في نيويورك، بعد انسحاب معظم ممثلي الدول الأعضاء لحظةَ لاحَ وجهه المأزوم.

في كلمته الطويلة المملّة جدّد بنيامين نتنياهو تهديداته المتكررة بوجوب نزع سلاح حزب الله. شدّد وعيده بأن كيان الاحتلال سيتولّى بنفسه نزعه، إذا تلكأت حكومة لبنان. الحكومة كانت قد اتخذت قراراً بذلك، رغم كونها غير قادرة على تنفيذه، لأن غالبية الشعب ترفض تجريد المقاومة من سلاحها، بينما العدو الصهيوني يحتل أراضي واسعةً في جنوب البلاد ويدمّر البلدات على امتداد الحدود مع شمال فلسطين المحتلة، ويمنع سكانها من العودة لترميم ما تبقّى من منازل ومرافق.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعلم أن نتنياهو يتعثر في تنفيذ وعيده في لبنان، وفي غزة، أثناء جرفه المتواصل للعمران وتهجيره الوحشي للسكان، في وقتٍ اصبحت الولايات المتحدة تجد صعوبةً في متابعة إغراق كيان الاحتلال بالمال والسلاح. كما كان الأمر في الماضي القريب والبعيد. لأسباب عدّة أبرزها أربعة:

حالة تضخم هائلة خلخلت الاقتصاد الأمريكي وضاعفت المديونية العامة.
تراجع كبير في تأييد الرأي العام لشخص ترامب ولحزبه الجمهوري، وسط ارتفاع ملحوظ في التعاطف الشعبي مع قضية الفلسطينيين المعذّبين، وإدانة صارمة لوحشية الصهاينة المنعزلين، بالتوازي مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية للكونغرس، المقرر إجراؤها في مطلع نوفمبر من العام المقبل.
تزايد تململ الدول الإسلامية الحليفة للولايات المتحدة من دعمها الأعمى لكيان الاحتلال الإسرائيلي ما حمل السعودية على إقامة تحالف عسكري مع دولة باكستان النووية التي تزودها الصين بأسلحةٍ متطورة شديدة الفعالية.

إصرار إيران على شروطها بشأن متابعة تنفيذ برنامجها النووي، والتوسّع في تصنيع صواريخ باليستية فرط صوتية بعيدة المدى وغير قابلة للرصد بواسطة الرادارات الأطلسية المتطورة.

يسعى ترامب لإقناع الدول الإسلامية في غرب آسيا، بأنه جادّ في إرساء مقاربة مشتركة معها بغية وقف الحرب وإنهاء المجاعة في قطاع غزة، والتوقف عن تقويض المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، وتسوية الخلافات بين الأقليات المذهبية وحكومة دمشق. لكن التوافق على خطوط عريضة للمقاربة المشتركة مع الملوك والرؤساء المسلمين، الذين التقاهم ترامب خلال وجودهم في نيويورك للمشاركة في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة بقي (اي التوافق) مقترناً بتحديات وصعوبات أربعة مصدرها أطراف الصراع ذات الصلة:

إصرار نتنياهو على الاستمرار في حرب الإبادة والتدمير والتهجير في قطاع غزة، ورفضه القبول بأي صيغة لدولة فلسطينية مستقلة مجاورة لكيان الإحتلال.

رفض السعودية لأي صيغة للتطبيع مع كيان الاحتلال، لا تتضمن إقراراً وإجراءات مسبّقة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

رفض تركيا لترتيبات أمريكية في سوريا تتيح للأكراد السوريين إقامة حكم ذاتي غير خاضع لحكومة دمشق المركزية.

صعوبة إكراه حكومة لبنان على نزع سلاح حزب الله، مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ ومواقع استراتيجية في جنوب البلاد، وتزايد الاعتداءات الإسرائيلية البرية والجوية في شتى أنحاء لبنان، بدعوى ملاحقة قياديي حزب الله وتدمير مواقعه وأسلحته.

إزاء هذه التحديات والصعوبات تنهض أسئلة أربعة: كيف سيتصرف نتنياهو (أو من يخلفه) مع ترامب؟ كيف سيتصرف رجب طيب اردوغان؟ كيف ستتصرف إيران الجاري تفعيل العقوبات الاقتصادية ضدها؟ كيف سيتصرف حزب الله وسط الاضطراب الأمني والتنازع السياسي اللذين يعانيهما لبنان.

لا أجوبة واضحة، أو متوافرة في المدى القريب على أيّ من هذه الأسئلة. لكن يمكن استشفاف بعض الملامح من ظاهر الحال في كلٍّ من الدول الخمس ذات الصلة بالصراع على النحو الآتي: لا تغيير في سياسة كيان الاحتلال حيال قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا، ما دام نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف في السلطة، وما دام يحظى بدعم مالي وعسكري وازن من إدارة ترامب.

ثمة تململ سعودي وخليجي متصاعد من دعم ترامب لنتنياهو، ومن تلكؤه في إقرار وتظهير موقف واضح من مسألة حق الفلسطينيين بدولة مستقلة، الأمر الذي سيحمل دول الخليج على التراجع عن السير في مقاربات التطبيع مع كيان الاحتلال من جهة، واتجاههها من جهةٍ أخرى إلى إقامة علاقات متطورة، سياسية واقتصادية وأمنية، مع دول غير متحالفة او متعاونة مع الولايات المتحدة.

يبدو الحكم في سوريا بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع متقلقلاً وغير قادر على السيطرة والإمساك بمقاليد الأمور في شمالي شرق البلاد (محافظة الحسكة)، كما في جنوبي شرقها (محافظة السويداء) ما أربك تركيا التي يهمها، تحت قيادة أردوغان، الحؤول دون تمكين الأكراد السوريين من إقامة كيان حكم ذاتي بمحاذاة منطقة جنوبي شرق تركيا ذات الغالبية الكردية.

صحيح أن ثمة علاقات وطيدة بين أردوغان وترامب، لكن الرئيس الأمريكي الحالي، شأن الأسبق، كان وما زال يعتمد سياسةً ترمي إلى إقامة شرق أوسط جديد قوامه كيانات قائمة على أسس طائفية (مذهبية) وإثنية وقَبَلية غير مؤهلة تالياً لبناء تحالفات إقليمية مناهضة للغرب الأطلسي.

كل هذه التحديات والصعوبات تُربك محاولات المسؤولين في تركيا وإيران الرامية للوصول إلى تفاهمات عملية مع القوى الوطنية في سوريا والعراق المناهضة للولايات المتحدة وكيان الاحتلال. إذ يبدو حزب الله متمسكاً بسلاحه، طالما كيان الاحتلال باقٍ وناشط في مناطق متعددة في جنوب لبنان، فمن غير المستبعد أن يقوم نتنياهو، بترخيص من ترامب، بتوجيه ضربةٍ جديدة لإيران بأسلحة نووية تكتيكية.

حزبُ الله كما إيران لا يخفى عليهما هذا الاحتمال الخطير. لذا لن يتردّدا على الأرجح في الردّ، مسبقاً أو لاحقاً، بهجمة صاروخية شديدة لا تستهدف مرافق اقتصادية ومواقع عسكرية بالغة الأهمية في عمق كيان الاحتلال فحسب، بل تستهدف ايضاً تدمير العمود الفقري لقدرات الكيان الاقتصادية: منشآت النفط والغاز البحرية في شمال غرب فلسطين المحتلة. كل هذه الاحتمالات غير مؤكَّدة، لكنها غير مستحيلة.

القدس العربي
التعليقات (0)