تصاعدت في
تركيا حالة الجدل السياسي عقب سلسلة من التحقيقات والاعتقالات التي طالت بلديات يديرها حزب الشعب الجمهوري المعارض، حيث اعتبر رئيس الحزب أوزغور أوزيل، أن ما يجري ليس سوى "عمليات سياسية تهدف لتشويه سمعة المعارضة وإقصاء أبرز منافسي الرئيس رجب طيب
أردوغان"، في وقت يبرز فيه اسم رئيس بلدية أنقرة منصور
يافاش، كأحد أقوى المرشحين المحتملين إذا ما تم منع عمدة إسطنبول السابق المتهم بالفساد والتزوير٬ أكرم
إمام أوغلو من الترشح.
في تصريحات لصحيفة "
إيفرنسل" التركية، قال أوزيل إن التحقيق المتعلق بالحفلات الموسيقية التي نظمتها بلدية أنقرة الكبرى بين عامي 2021 و2024 "يهدف بشكل مباشر إلى ضرب سمعة منصور يافاش وتشويه صورته أمام الرأي العام".
وأضاف: "من الواضح أن هذه العملية ليست قانونية بل سياسية بالكامل، والدليل أن مليح غوكشيك أعلن عنها قبل ساعات من تنفيذها. كما هو الحال في إسطنبول مع إمام أوغلو، عندما لا يجدون جريمة، يبحثون عن مذنب. الشعب يعرف أن استخدام القضاء لأغراض سياسية أمر مرفوض".
وأكد أوزيل أن الاستطلاعات الأخيرة أظهرت أن منصور يافاش يتفوق على الرئيس أردوغان، قائلاً:
"إذا لم يتمكن أكرم إمام أوغلو من الترشح، فإن أقوى مرشح هو منصور يافاش. هو الشخص الذي يمكنه هزيمته. ولهذا السبب يتم استهدافه".
وأشار إلى أن خمس استطلاعات للرأي وصلت مؤخراً، لم يظهر في أي منها حزب العدالة والتنمية في المقدمة بحسب زعمه، مضيفاً: "حزب الشعب الجمهوري يوسع الفارق يوماً بعد يوم. المواطنون يدعموننا لأنهم يرون أن الظلم يطال قياداتنا، ومحاولات تشويهنا انقلبت ضد الحكومة".
تحقيقات واعتقالات
بالتزامن مع هذه التصريحات، أعلنت السلطات التركية، الثلاثاء الماضي، القبض على 13 شخصاً بينهم موظفون سابقون في بلدية أنقرة وملاك شركات خاصة، وذلك في إطار تحقيقات فساد تتعلق بتنظيم 32 حفلة موسيقية خلال السنوات الثلاث الماضية.
ووفق بيان مكتب الادعاء العام في أنقرة، فإن الموقوفين يواجهون اتهامات بـ"إساءة استخدام المنصب العام" و"التلاعب بالعطاءات"، حيث تشير تقارير وزارة الداخلية ومجلس التحقيق في الجرائم المالية ومحكمة الحسابات إلى خسائر مالية بلغت نحو 154.4 مليون ليرة تركية (3.7 ملايين دولار).
وتأتي هذه الإجراءات في سياق سلسلة من التحقيقات التي تستهدف البلديات المعارضة، وفي مقدمتها بلدية إسطنبول برئاسة أكرم إمام أوغلو، المعتقل منذ آذار/ مارس الماضي، على خلفية تزوير شهادات تعليمية٬ وفساد وسرقة أموال أثناء إدارة بلدية إسطنبول٬ بينما تقول المعارضة إنها اتهامات "مفبركة ومسيسة".
وفي أول مقابلة مع وسائل إعلام أجنبية منذ اعتقاله، قال إمام أوغلو لوكالة بلومبرغ إن ما يجري "يهدد الشرعية الديمقراطية في تركيا". وأكد استعداده للتنحي من منصب مرشح حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة لصالح مرشح بديل إذا مُنع رسمياً من الترشح للانتخابات المقبلة، مضيفاً: "لست ساذجاً. إذا مُنعت، فعلى المعارضة الديمقراطية أن تتكاتف. إذا تطلب الطريق إلى الأمام مرشحاً آخر، فعلى هذا الشخص أن يحمل رؤيتنا الجماعية للعدالة والازدهار والسلام".
وتعتبر أوساط المعارضة أن تصريحات إمام أوغلو تكشف استعداده لمعركة قانونية طويلة قد تُقصيه من المشهد السياسي، الأمر الذي يفتح الباب أمام صعود منصور يافاش كخيار بديل.
اظهار أخبار متعلقة
يافاش: "لا أحد فوق القانون"
من جانبه، يذكر أن أول تعليق لرئيس بلدية أنقرة منصور يافاش على اعتقال إمام أوغلو كان: "لا أحد فوق القانون، كل شخص يمكن أن يُحاكم، وإذا ثبتت عليه جريمة فسيُعاقب". غير أن خصومه يتهمونه بمحاولة الظهور بموقف متوازن، في حين يرى آخرون أنه يحاول حماية موقعه السياسي وسط تصاعد الضغوط القضائية على قيادات المعارضة.
من هو منصور يافاش؟
يُصنف منصور يافاش، المحامي والسياسي القومي، كأحد أبرز أقطاب المعارضة منذ فوزه برئاسة بلدية أنقرة عام 2019 بنسبة 50.9 بالمئة، منهياً بذلك سيطرة حزب العدالة والتنمية على العاصمة لأول مرة منذ تأسيسه.
بدأ يافاش مسيرته في حزب الحركة القومية، حيث تولى رئاسة بلدية "بي بازاري" مرتين (1999 و2004)، قبل أن ينضم عام 2013 إلى حزب الشعب الجمهوري، ويخوض معه الانتخابات المحلية. وبعد خسارته بفارق ضئيل في 2014، عاد بقوة في 2019 وفاز برئاسة بلدية أنقرة ضمن تحالف الأمة.
أيديولوجيا قومية
رغم صعوده السريع، لم تخلُ مسيرة يافاش من الانتقادات. فقد ارتبط اسمه بخطاب قومي متشدد تجاه الأكراد واللاجئين السوريين، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مدى قدرته على حشد قاعدة انتخابية واسعة.
ففي انتخابات 2023، حذر الزعيم الكردي السابق صلاح الدين دميرطاش، المسجون حالياً، من ترشيح يافاش للرئاسة، معتبراً أنه لن يحظى بدعم الأكراد بسبب خلفيته القومية. وقال إن ترشيحه قد يدفع حزب الشعوب الديمقراطي لطرح مرشح بديل، ما يهدد وحدة المعارضة.
أما في ملف اللاجئين السوريين، فقد وجهت ليافاش اتهامات بالتحريض ضدهم، خاصة بعد أحداث شغب في أنقرة أعقبت جريمة قتل بين شاب تركي وآخر سوري. حينها، شهدت العاصمة أعمال عنف واسعة ضد اللاجئين، شملت هجمات على منازلهم ومحالهم، وسط اتهامات لبلدية أنقرة بتقديم دعم لوجستي للمعتدين.
اظهار أخبار متعلقة
وطالب يافاش علناً بترحيل السوريين إلى بلادهم "قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة"، ما اعتبره نشطاء حقوق الإنسان خطاباً يغذي الكراهية والعنصرية. وازداد الجدل حين ظهرت اتهامات بأن البلدية وفرت الشاي للمعتدين، فيما انتشرت لافتات تحمل شعارات قومية مثل: "الحدود شرفنا" و"الشباب الأتراك غاضبون".
تطرح هذه التطورات أسئلة كبرى حول مستقبل الحياة السياسية في تركيا، حيث يرى مراقبون أن حزب الشعب الجمهوري٬ تعامل بواقعية في طرح يافاش كبديل محتمل للانتخابات الرئاسية المقبلة إذا ما فشل إمام أوغلو من تبرئة نفسه من التهم الموجه له.