سياسة عربية

هكذا تمدد "المداخلة" في العراق منذ 2003.. تيار ديني أم ورقة سياسية؟

يوالي المداخلة السلطة بشكل مطلق ويفسقون مخاليفهم - جيتي
يوالي المداخلة السلطة بشكل مطلق ويفسقون مخاليفهم - جيتي
أثارت حادثة وفاة الشيخ عبد الستار القره غولي، أحد خطباء المساجد المعروفين في العاصمة العراقية بغداد، بفعل خلافه مع التيار المدخلي السلفي، جدلا واسعا على الصعيد السياسي والشعبي في العراق.

وتوفي القره غولي، الجمعة، إثر مشادة تطورت إلى اعتداء جسدي من عناصر تنتمي إلى التيار المدخلي، بعد رفضهم صعوده المنبر لتأدية الخطبة رغم أنه مكلف رسميا بذلك من ديوان الوقف السني.

تأتي هذه الحادثة بعد ثلاثة أشهر من تراجع مستشارية الأمن الوطني العراقي عن قرار سابق كانت قد اتخذته في شهر نيسان الماضي، يقضي بحظر "المدخلية" كإحدى فروع السلفية في العراق، وتصنفها كـ"حركة عالية الخطورة".

التراجع الرسمي عن حظر "المدخلية"، جاء بعد اعتراضات من قوى سياسية عراقية، والتي وصفت في الحركة في حينها بأنها "لا تمثل أي تهديد على الدولة العراقية، بل أنها تعتبر الحاكم- حتى وإن كان شيعيا- ولي أمر للمسلمين ويجب طاعته".

"مثيرو فتن"

تعليقا على ذلك، قال فاروق الظفيري، الباحث في شؤون الفرق والجماعات الإسلامية لـ"عربي21"، إن "ظهور المدخلية، بدأ بشكل واضح على الساحة العراقية بداية تسعينيات القرن الماضي، وأولى مشكلاتهم كانت في مساجد العراق وأشغلوا الناس فيها وبدعوا وفسقوا مخالفيهم هي مسألة: (هل الإيمان شرط صحة أم شرط كمال؟)".

وأضاف الظفيري أنه "عند مجيء الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، انزووا جانبا ورفضوا قتاله وفضلوا التوجه إلى العلم، ثم أخذوا يطعنون بفصائل المقاومة، ودعمهم في هذا الأمريكيون، وحكومة رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري.

وتابع: "في وقتها ألف كبيرهم آنذاك، أبو منار العلمي - قبل أن يتركهم- كتاباً أسماه  (دحر المثلب على جواز تولية مسلم على مسلم من كافر متغلب) وقرضه له الشيخ السعودي عبد المحسن العبيكان، يقول فيه بأن إبراهيم الجعفري حاكم شرعي يجب طاعته".

اظهار أخبار متعلقة



وعلى إثر ذلك، يضيف الظفيري، أن "الأمريكان أكرموهم بسيارات حديثة، ثم استفحل ظهورهم أكثر بعد 2007 بدعم الحكومة وبعض قادة السنة للحصول على أصوات أتباعهم انتخابيا".

في نهاية عام 2012 عندما خرجت المظاهرات في المحافظات السنية، وقفوا ضدها وأخذ الخطباء التابعون لهم يحذرون من المظاهرات وأنها محرمة وهي من أعمال الكفار فلا تجوز مشابهتهم.

وتابع: "قبل أشهر وبدفع من مجلس الرباط المحمدي (جهة دينية سنية قريبة من إيران) أصدرت مستشارية الأمن القومي كتابا يحذر من المدخلية ويحظر نشاطاتها ويتهمها بالإخلال بالسلم الأهلي، فحصلت ضجة كبيرة وتدخل الساسة واستطاعوا إلغاء هذا الأمر".

وبيّن الظفيري أن "المدخلية ليست خطرا على الأنظمة والحكومات ومنها العراق، بل على العكس فهم يحرمون الخروج على الحاكم بأي نوع من أنواع الخروج، ولا يجوزون حتى الكلام عليه في العلن".

ولفت إلى أنهم "لا يرون أحدا على الحق إلا جماعتهم الخاصة التي أسسها الشيخ السعودي الراحل ربيع المدخلي".

وأكد الباحث أنه "بعد إلغاء كتاب مستشارية الأمن القومي بحقهم، فتحت لهم جميع أبواب الدعم من الحكومة والساسة، وأخذوا ينتشرون بقوة ويبنون المساجد، ويؤثرون في قرارات الوقف السني للسيطرة على منابر المساجد".

وأردف الظفيري، قائلا: "حتى حصلت جريمة يوم الجمعة في جامع كريم الناصر في بغداد، حيث تم الاعتداء على الشيخ القره غولي ومنعه من الخطبة ليخطب الخطيب التابع لهم مكانه، وأدت الحادثة إلى وفاة القره غولي، وهذه جريمة وفتنة عظيمة وشق صف أهل السنة في العراق"، بحسب تعبيره.

"ورقة سياسية"

وعلى الصعيد ذاته، قال كاظم ياور الباحث العراقي في السياسات الإستراتيجية، إن "التيار المدخلي نشأ في السعودية وامتد إلى بلدان أخرى خارجها، الأمر الذي تسبب إشكالات خاصة في العراق، خصوصا أن تطبيقاته تختلف من محافظة لأخرى سواء في السليمانية بإقليم كردستان أو في عموم البلاد".

وأضاف ياور لـ"عربي21" أن "التيار المدخلي يوالي الحكومات ويكون قريبا منها ويحاول أتباعها السيطرة على المساجد ومراكز تحفيظ القرآن، لذلك لديهم تمدد في المحافظات ذاته الغالبية السنية، لاسيما صلاح الدين والموصل، إضافة إلى مناطق حزام بغداد".

وبحسب الباحث فإن "هؤلاء ومن أجل أن يكون لهم موطئ قدم في هذه المدن يتقربون من السلطة، ولا يهمهم من يكون فيها، حتى وإن كان من مذهب آخر كما هو الحال اليوم، فإن أغلبية من بيدهم الحكم في العراق هم من الشيعة".

ولفت إلى أن "هؤلاء ينسقون مع السلطة ويتواصلون معها حتى لا يكون هناك أي تعارض معها، ويحاولون بقدر الإمكان السيطرة على المساجد وإبعاد أصحاب المذاهب الإسلامية العريقة عنها، مما يحدث خلالا إداريا وسياسيا في تلك المحافظات والمدن".

من الناحية السياسة، استبعد ياور "أن يُحظر المدخلية من الحكومة، لأن الأخيرة فيها أحزاب إسلامية شيعية بحاجة غير مباشرة إلى عمل هذا التيار في المدن السنية للترويج لأفكار ضد الديمقراطية والانتخابات والحديث عن عدم جوازها، ولكن إذا فرض الحاكم عن طريقها فإنهم يوالونه أيا كان مذهبه".

اظهار أخبار متعلقة



وتابع: "بقاء المدخلية بهذا الفكر يستفيد منه خصوم التيارات السياسية السنية التي تشارك في الانتخابات، بالتالي التيار المدخلي لن يؤثر على القوى الشيعية والمسيحية وغيرها، بل تأثيرهم يزعزع المجتمع السني من حيث عدم المشاركة بالعملية الانتخابية وهذا يقلل أعداد الناخبين مقارنة بالمكون الشيعي الذي لديه مراجع تحثه على المشاركة وخصوصا في بغداد".

وأوضح ياور أن "إذا أثرت دعوات المدخلية بنسبة 20 بالمئة من الناخبين السنة في مناطق حزام بغداد وهذا سيكون لصالح الأحزاب الشيعية بدرجة أساسية يفقد أهالي هذه المناطق نسبهم ومقاعدهم في البرلمان نتيجة هكذا تيارات وعملهم في المساجد والساحة الاجتماعية، وإن كانوا يعتبرون أنفسهم ليسوا جماعة سياسية".

وأعرب الباحث عن اعتقاده بأن "السلطة والحكومة وأطراف سياسية وخاصة الإطار التنسيقي يستفيدون بشكل مباشر أو غير مباشر في ضرب خصومهم ومنافسيهم من القوى السنية في تلك المحافظات بهؤلاء".

وفي المقابل، أكد مدير سابق في إحدى دوائر الوقف السني ببغداد، لـ"عربي21"، طالبا عدم الكشف عن هويته، أن "النائب السني الحالي طلال الزوبعي هو من يدعم التيار المدخلي في العراق، وهم يحشدون لانتخابه في كل دورة انتخابية، وخصوصا في قضاء أبي غريب ببغداد".

وأكد المتحدث بأن "هذا التيار تغلغل في المناصب المهمة بديوان الوقف السني، وبدأت يعيّن خطباء المساجد وفقا لما يتوافق مع أفكارهم المدخلية، وخصوصا في بغداد، وكل عام يرسل منهم الكثيرون إلى الحج، للالتقاء هناك مع علمائهم السعوديين".

ولفت المدير السابق إلى أن "مشايخ التيار المدخلي يتجولون بين الحجاج في مواسم الحج وينشرون أفكارهم بكل حرية وأول ما ينادون به هو وجوب طاعة ولي الأمر، وهذا لا يتم لغيرهم من الجماعات، وأن من يتأثر بأفكارهم البسطاء من الناس، وتحديدا من القرى والأرياف".

التعليقات (0)

خبر عاجل