لم يتوقف رئيس حكومة الاحتلال عن ترديد خدعة "تحقيق
النصر المطلق" على المقاومة في قطاع
غزة منذ بدء العدوان الوحشي المستمر، في مسعى لتبرير استمرار الإبادة الجماعية في غزة، وقتل كل مكونات الحياة فيها، في إطار سياسة تصعيد وعدوان طويل الأمد، مرتبطة بمصالح شخصية حزبية لنتنياهو، وبأفكاره يمنية متطرفة تسيطر عليه. وفق محللين.
ورغم تحذيرات متكررة أطلقتها المنظومة العسكرية والأمنية في
دولة الاحتلال بشأن مخاطر استمرار الحرب، والنصائح التي أطلقها داعمون غربيون، فضلا عن الانتقاد الدولي، واتساع رقعة السخط والرفض العالمي لاستمرار الإبادة في غزة، إلا أن
نتنياهو المحكوم بائتلاف من المتطرفين، يصر على نهجه وسياسته، رافعا أكذوبة "النصر المطلق".
"من رفح إلى غزة"
أصبح "النصر المطلق" شعارا يلازم خطابات نتنياهو وتصريحاته، وبدى ذلك أكثر وضوحا حين روج إلى اجتياح رفح، مدعيا ضرورة السيطرة عليها لتحقيق النصر المطلق، وموحيا أنها الفصل الأخير في الحرب، لكنه ورغم ما أحدثه من احتلال ودمار وبل وسحق كامل للمدينة الحدودية، عاد مجددا ليستعيد نفس الشعار لتسويغ احتلال ما تبقى من مدينة غزة، مهددا بمسحها وتطهيرها بالكامل.
حماس وفي بيانات سابقة، قالت، إن "النصر المطلق" الذي يروّج له بنيامين نتنياهو "وهمٌ كبير"، مشيرة إلى أن الأخير "يتفنّن في إفشال جولات التفاوض، الواحدة تلو الأخرى، ولا يريد التوصّل إلى أيّ اتفاق".
وأكدت أن "الاحتلال يتعرض لحرب استنزاف في غزة، حيث تُفاجئه المقاومة يوميًا بتكتيكات ميدانية مبتكرة، تُفقده زمام المبادرة وتُربك حساباته، رغم ما يملكه من تفوّق ناري وجوي".
اظهار أخبار متعلقة
"استمرار الحرب أولوية"
الخبير في الشؤون الإسرائيلية، حسن مرهج قال إن ما يجري في غزة، يعكس رؤية استراتيجية لدى نتنياهو ترى في استمرار الحرب أولوية تفوق أي اعتبار إنساني.
وعلى الصعيد السياسي الداخلي، قال مرهج في حديث لـ"عربي21" إن نتنياهو يواجه مأزقًا وجوديًا، فهو محاصر باحتجاجات عائلات الأسرى وضغط الرأي العام، لكنه في الوقت نفسه؛ رهينة لائتلاف يميني متشدد يرفض أي صفقة تُظهر "إسرائيل" في موقع المساومة، مشددا على أن "أي تنازل في هذا الملف قد يُقرأ كهزيمة سياسية تهدد بقاءه في الحكم".
أما على المستوى الشخصي، يرى مرهج أن نتنياهو يدرك أن مصيره السياسي – وربما القضائي – مرتبط بقدرته على تسويق صورة "النصر العسكري"، وصفقة تبادل تُنهي الحرب دون تغيير جذري في غزة ستعني بالنسبة له سقوطًا مدويًا، في حين أن الاستمرار في الحرب يمنحه ورقة قوة أمام قاعدته الانتخابية.
وأكد مرهج أن تدمير غزة وإعادة تشكيل واقعها الديموغرافي والسياسي يُسوَّق داخليًا كإنجاز تاريخي، حتى لو كان الثمن حياة الأسرى الإسرائيليين في غزة، فالنسبة لنتنياهو، الخسائر الفردية تُبرر إذا كان الهدف الاستراتيجي هو إضعاف حماس وتغيير وجه القطاع لعقود مقبلة.
لكن الخبير حذر من أن رهان نتنياهو على الزمن والقوة المفرطة، محفوف بالمخاطر، قد ينقلب عليه داخليًا مع اتساع الغضب الشعبي، و"قد يُسجّل في التاريخ كرجل ضحّى بمواطنيه من أجل وهم سياسي".
"تأجيل النصر"
المؤرخ والمؤلف الأمريكي، دانيال بايبس كان قد اقترح تأجيل فكرة النصر المطلق في غزة، بعد أن تحولت "إسرائيل" من موضع إعجاب وتعاطف، إلى دولةً مُنبوذة على الساحة الدولية.
وقال الكاتب في مقال نشرته صحيفة "
يسرائيل هيوم" مؤخر، إن "إسرائيل أضاعت الفرصة الاستراتيجية بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. فبدلاً من التخطيط لعملية مركزة ودقيقة تستغل روح الدعم الدولي، تصرفت حكومتها بتهور، وتحدث كبار المسؤولين عن الانتقام، ولم يكن الجيش مستعدًا، وعُكست الخطة مرارًا وتكرارًا".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف أنه "في غضون ذلك، بُثّت صورٌ قاسية من غزة - الجوع والدمار ومعاناة المدنيين - للعالم، مما جعل إسرائيل هدفًا للإدانة الدولية، بما في ذلك من قِبل خبراء القانون الإسرائيليين.
وذكر أنه "في الماضي، أيدتُ تحقيق نصر عسكري كامل في غزة والقضاء على حماس. وما زلتُ أؤيد ذلك. لكن للأسف، أخلص إلى ضرورة تأجيل النصر. لا تستطيع إسرائيل تحمّل الصورة الدولية التي بُنيت عليها، لأنها قد تضرّ بها على المدى البعيد. استمرار القتال على المدى القريب لن يُجدي نفعًا، بل سيزيد الوضع سوءًا".
وقال "أقترح أن تُركّز إسرائيل الآن على استعادة صورتها، وإطلاق سراح الرهائن، وبناء حكومة محلية جديدة في غزة تعمل دون سيطرة حماس. حماس لم تنتصر. على إسرائيل تأجيل القضاء عليها لإعادة تأهيل نفسها أولًا، ثم العودة إلى القتال أقوى وأكثر استعدادًا".
"كارثة استراتيجية"
أما الرئيس السابق للقسم السياسي الأمني في وزارة الحرب الإسرائيلية الجنرال في الاحتياط عاموس يادلين، فقد حذر في مقال نشره موقع القناة 12 العبرية من كارثة وخسارة سياسية واستراتيجية عميقة وممتدة قد تطال "إسرائيل"، منبها أن أولئك الذين طالبوا بـ"نصر كامل"، ووعدوا بالقضاء على "حماس"، يواجهون وضعاً تواصل فيه "حماس" السيطرة على غزة من دون بديل، ولا يزال الأسرى في الأسر، وشرعية "إسرائيل" الدولية وصلت إلى مستوى غير مسبوق من الانحدار.
ولفت إلى أن إسرائيل ورغم ما حققته من إنجازات عسكرية لافتة في لبنان وسوريا وإيران، وحتى في غزة، لا تبدو كأنها منتصرة، بل مرهَقة، ومعزولة، وغارقة في ساحة لا تملك فيها هدفاً سياسياً واضحاً، يوجّهها هدف إدارة “حرب لا تنتهي”، الذي يتناقض مع العقيدة الأمنية الإسرائيلية.
وعلى غرار مراقبين إسرائيليين كثر، يؤكد يادلين أن الوعد بـ"النصر الكامل" لم يكن واقعياً منذ اللحظة الأولى، فنتائج المعركة في غزة، والتي شكلت الحرب الأطول في تاريخ "إسرائيل"، تتبخر، وحماس لا تزال قائمة، والمجتمع الدولي يوجّه أصابع الاتهام نحو "إسرائيل"، و"ما كان مقبولاً في سنة 2023، يُعتبر غير أخلاقي في سنة 2025".