قضايا وآراء

غزة بين التهجير والتعمير

أشرف دوابة
"الخطة قُدمت بوصفها تهجيرا ممنهجا أو محاكاة للتطهير العرقي المقنّع"- جيتي
"الخطة قُدمت بوصفها تهجيرا ممنهجا أو محاكاة للتطهير العرقي المقنّع"- جيتي
كشف تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست وجود مسودة خطة داخلية مطروحة للنقاش داخل الإدارة الأمريكية، تحمل اسم: "صندوق إعادة تشكيل غزة وتسريع وتحويل اقتصادها"، وتقترح الخطة وضع قطاع غزة تحت إدارة وصاية دولية مؤقتة لمدة 10 سنوات. ولن تكون هذه الوصاية -حسب التقرير- تحت سيطرة حماس أو إسرائيل أو السلطة الفلسطينية في رام الله بالشكل الحالي، بل ستتم إدارة القطاع خلال هذه الفترة من قبل مجموعة من الخبراء الدوليين والإقليميين، مع وجود دور لجهات فلسطينية، ولكن تحت الإشراف الدولي.

ويتمثل الهدف المعلن للخطة في إعادة إعمار القطاع وتحويلها إلى مركز اقتصادي يرتكز على السياحة والصناعات التكنولوجية المتطورة، على أن يتم تمويل هذا المشروع من خلال مساهمات دولية بقيادة الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة. أما مصير السكان فقد اقترحت الخطة "إعادة توطين" سكان غزة من خلال ما أسمته "انتقالا طوعيا" إلى خارج القطاع.
تعيد خطة ترامب وعد بلفور من جديد على ما تبقى من أرض فلسطين خدمة للصهاينة ، ولئن كان ترامب سعى من قبل لتحقيق صفقة القرن، وتسكين الفلسطينيين في جزء من سيناء بتمويل عربي، فإنه اليوم يريد الشتات لأهل غزة في بقاع الأرض
وفي سبيل تحقيق ذلك سيتم دفع 5 آلاف دولار لكل شخص يغادر، مع دعم للإيجار لمدة 4 سنوات، وسنة طعام، أما بالنسبة لمن يرفضون أو لا يرغبون في المغادرة، تقترح الخطة إنشاء "مناطق آمنة" داخل قطاع غزة نفسها يتم بناؤها وإدارتها ضمن مشروع إعادة الإعمار.

وبذلك تعيد خطة ترامب وعد بلفور من جديد على ما تبقى من أرض فلسطين خدمة للصهاينة ، ولئن كان ترامب سعى من قبل لتحقيق صفقة القرن، وتسكين الفلسطينيين في جزء من سيناء بتمويل عربي، فإنه اليوم يريد الشتات لأهل غزة في بقاع الأرض، خدمة للمشروع الصهيوني بأيد عربية تمول وتنفذ، منها ما هو في العلن ومنها ما هو في الخفاء، وإن كان الواقع المر للخيانة العربية لا يخفى على أحد، ‏حتى أن العديد من وسائل الإعلام الغربية أجمعت على أن الخطة قُدمت بوصفها تهجيرا ممنهجا أو محاكاة للتطهير العرقي المقنّع، وأطلقت تحذيرات قانونية بأن إعادة التوطين القسري يعارض القانون الدولي.

لقد خرج الفلسطينيون في العام 1948م من أرضهم وكان الوعد لهم بالهجرة والعودة بعد فترات قصيرة، ولكن بقيت الهجرة وضاعت العودة، بأيدي الخيانة التي ألمت بتلك القضية وحوّلتها إلى قضية عربية ثم فلسطينية، ونزعت عنها البعد الإسلامي، مع أن أرض فلسطين هي أرض إسلامية مقدسة، وهي وقف إسلامي ولا يجوز التفريط في شبر منها، فهي أرض الإسراء والمعراج لنبينا علىه صلوات الله، وأمانة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله- للأجيال من بعده.

إن تعمير غزة وحماية أهلها فرض عين على كل المسلمين في بقاع الأرض، وباتت الحاجة ملحة لتعميرها، وهذا التعمير يجب ألا يتوقف رغم همجية العدوان، فهم يهدمون ونحن يجب أن لا نيأس من إعادة العمران، بدءا بإعمار الإنسان في غزة بتوفير سبل العيش له، وإذا كانت تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بأنه فتح أبواب الجحيم على غزة، فإن غزة ستكون هي الجحيم له ولعصابته، وسيرتد تصريحه عليه.

ترامب المناقض لنفسه اعترف بأن صورة الكيان الصهيوني في دولته باتت في أسفل سافلين، ففي تصريح له أكّد أن الرأي العام الأمريكي بات أكثر انتقادا لإسرائيل، وأشار إلى أن التأييد لإسرائيل لم يعد كما كان قبل أحداث 7 أكتوبر

إن ترامب المناقض لنفسه اعترف بأن صورة الكيان الصهيوني في دولته باتت في أسفل سافلين، ففي تصريح له أكّد أن الرأي العام الأمريكي بات أكثر انتقادا لإسرائيل، وأشار إلى أن التأييد لإسرائيل لم يعد كما كان قبل أحداث 7 أكتوبر، خاصة بين الجمهوريين الشباب. وكشف أن استطلاعا للرأي أظهر أن حوالي 60 في المئة من الأمريكيين يعارضون إرسال المزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل، وهي نسبة غير مسبوقة بعد الهجوم، وأنه رغم الانتصار العسكري لإسرائيل، فإنها تخسر في الحرب الإعلامية، مما يؤثر عليها سلبا على المستوى الدولي. وعلى إثر ذلك ذكر أنه يرى ضرورة إنهاء الحرب سريعا لتفادي مزيد من الضرر لسمعة إسرائيل داخليا وخارجيا، وهو في الوقت نفسه يدعو إلى الاستيلاء على غزة.

إن الواقع الذي نعيشه يتطلب من الشعوب الإسلامية جميعا أن تتكاتف من خلال مؤسسات المجتمع المدني، فلا أمل في رؤوس ظنت أن سلطتها بيد الصهاينة وسلمت لهم أمرها وتآمرت على بني جلدتها، وباتت أشد خيانة ممن كانوا قبلها منذ النكبة، فلا أمل إلا باجتماع الشعوب الحرة واستخدام وسائل التقنية، كل وسائل التقنية وفي مقدمتها المنصات التمويلية الرقمية، في دعم أهل غزة معنويا وماليا، وعمل مؤتمر شعبي دولي يسهم في توفير التمويل ويفضح ممارسات الصهاينة، والضغط بكل الوسائل حتى تضع هذه الحرب أوزارها، وبعدها سيكون العد التنازلي لنهاية هذه الدولة اللقيطة التي تعرت أمام العالم، ولن يعود أحد ينخدع بأسلوبها في المذلة والمسكنة لكسب التعاطف معها. ويجب أن لا ننسى الدعاء ولا نغفل عنه لأهلنا في غزة، فهو سلاح يأتي نتاجه من السماء للأرض.

x.com/drdawaba
التعليقات (0)

خبر عاجل