ملفات وتقارير

الهجرة تضرب إيران.. مواطنون خارج البلاد وآخرون ينتظرون أمام السفارات

مؤسسة "إستاسيس": 68 في المائة من الشباب الإيراني يفضلون الهجرة -  أكس
مؤسسة "إستاسيس": 68 في المائة من الشباب الإيراني يفضلون الهجرة - أكس
انتشرت مؤخرًا مشاهد طوابير الإيرانيين أمام سفارات بعض الدول مثل الصين، حيث يقفون لساعات طويلة وحتى ينام بعضهم على الأرصفة للحصول على تأشيرة، ما يعكس تصاعد رغبتهم في مغادرة البلاد.


وصف حسين سلاح وورزي، الرئيس السابق لغرفة التجارة الإيرانية، هذه المشاهد بأنها "مدعاة للخزي"، مشيرًا إلى أن شعبًا تؤمّن بلاده أكثر من 70% من وارداتها من الصين، لا ينبغي له أن ينام على الأرصفة للحصول على إذن سفر. ودعا الحكومة إلى إنهاء ما وصفه بـ"طوابير المذلة" قبل زيارة الرئيس إلى بكين، مؤكدًا أن المواطن الإيراني هو الأكثر تضررًا من العقوبات الاقتصادية التي بلغت قيمتها الإجمالية 1200 مليار دولار خلال 12 عامًا.
 

كما دعا حسين ورزي، رئيسَ الحكومة مسعود بزشكيان، قبل زيارته المقررة إلى بكين، إلى إصدار أمر بإنهاء ما وصفها بـ"طوابير المذلة"، لافتا إلى أن كل فرد إيراني خسر أكثر من 12 ألف دولار سنويًا جراء العقوبات المفروضة على البلاد منذ 12 عامًا والتي يقدر مجموعها بـ1200 مليار دولار، كان المواطن هو الأكثر ضررًا منها.

اظهار أخبار متعلقة


وفي وقت تروّج فيه إيران عبر إعلامها الرسمي ضرورة تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع الدول الشرقية، واجهت زيارة مسعود بزشكيان المقبلة إلى الصين ضغط الانتقادات والاستهجان لدى الرأي العام، حيث طالب كثير من الناشطين على مواقع التواصل، الحكومة بالتركيز على معالجة جذور الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد بدلاً من الاكتفاء بتوسيع العلاقات الرمزية، حتى لا يضطر المواطنون لقضاء الليل أمام بوابات السفارات طلباً لمغادرة البلاد، وكتب أحدهم على منصة "أكس" قائلاً: عار على الحكومة التي أذلت الإيرانيين وجعلت أمة كانت تسافر بلا تأشيرة إلى أوروبا، اليوم تنام على الرصيف أمام السفارات الأوروبية.


إيران تحولت إلى دولة مصدّرة للكوادر
ظاهرة الهجرة من إيران بدأت بالتصاعد قبل فترة طويلة من الحرب الأخيرة مع إسرائيل، وكانت جهات ومؤسسات مختلفة قد حذّرت سابقاً من تبعاتها، فقد صرّح بهرام صلواتي، الرئيس السابق لمرصد الهجرة الإيراني، في 28 تموز/يوليو بأن:" ما يقرب من 4 في المائة من الشباب المتعلم والطلاب الإيرانيين غادروا البلاد".


وكان قد أشار بهرام صلواتي في وقت سابق، إلى أن عدد الطلاب الإيرانيين المهاجرين تجاوز 110 آلاف، مؤكدا: "انخفاض معدل عودة المهاجرين الإيرانيين إلى البلاد إلى أقل من نصف بالمائة"، وهو ما عد ناقوس خطر جراء هجرة النخب، والكوادر الطبية، وأساتذة الجامعات، وغيرهم من الأكاديميين خلال السنوات الأخيرة، فيما قال موقع "ديجياتو" في أيار/مايو الماضي أن إيران تحولت إلى دولة مصدّرة للكوادر البرمجية المتخصصة إلى العالم دون رجعة.

حرمان إيران من مواهبها
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة الفايننشال تايمز ، جاء فيه إن الوجهات التي يختارها الإيرانيون تعكس الضغوط المالية والحقائق الجيوسياسية، وأضاف أن العديد من الطلاب الذين اختاروا الدراسة في الخارج، يستقرون بشكل دائم في الدول المستضيفة بعد إكمال الدراسة، ما يؤدي إلى حرمان إيران بشكل شبه دائم من مواهبها، وهو ما تظهر آثاره السلبية بوضوح الآن، حيث أدى نقص المهارات إلى شلل الصناعات الحيوية ووقف عجلة الابتكار.

وحسب تقرير الصحيفة، تتطلب هذه الظاهرة حلولاً شاملة وطويلة الأمد، يجب على الحكومة معالجة الأسباب الجذرية لهذه المشكلة، فالإصلاحات الاقتصادية، إلى جانب الاستقرار السياسي والحريات الاجتماعية، ضرورية لإعادة الأمل إلى المواطنين الإيرانيين، كما أن السياسات التي تشجع عودة المتخصصين الذين تلقوا تعليمهم في الخارج يمكن أن تخفف من الأضرار، لكنها ختمت بالقول:" في الوقت الحالي، لا توجد أي مؤشرات على تباطؤ ظاهرة هجرة العقول من إيران".

الهروب من الوضع الحالي
ووفق تحقيقات نشرها مرصد الهجرة في إيران التابع لجامعة شريف للتكنولوجيا في طهران عام 2022، فأن أهم أسباب هجرة الإيرانيين كانت طريقة الحكم في البلاد، وعدم الاستقرار الاقتصادي، والفساد المؤسسي، والعقوبات التي تخضع لها البلاد، وتراوح سعر العملة، والتضخم والظروف المعيشية الصعبة، ويوضح مرصد الهجرة في كتابه السنوي أن :"خيار الهروب من الوضع الحالي لم يكن ضمن الردود على سؤال أسباب الرغبة بالهجرة سابقا، بينما أضيف هذا الخيار في السنوات القليلة الماضية".

اظهار أخبار متعلقة


بدوره، حذّر العضو السابق بمجلس إدارة منظمة الضمان الاجتماعي في إيران، علي حيدري، من أنه حال استمرار الوضع الاقتصادي الراهن، فإن نحو 40 في المائة من وظائف الإيرانيين ستتحول خلال السنوات السبع المقبلة، إلى العمل عن بُعد لصالح الخارج، مما سيؤدي إلى تفاقم ظاهرة "الهجرة الافتراضية" للنخب.



فشل احتواء الجالية الإيرانية
خلال العقود الأربعة الماضية، اتخذ عدد كبير من الإيرانيين في الخارج موقفاً نقدياً ومعارضاً لنظام الحكم في طهران، ووصل بعضهم إلى حد المعارضة الصريحة للحكومة وسياساتها، وبرزت قوة هذه الجالية بوضوح خلال الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها إيران عام 2022، حين دعموا المتظاهرين في حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، ما يعكس الإمكانات الهائلة لهذه الجماعة التي تضم ملايين الأفراد في التأثير على التطورات داخل إيران، وهو ما أدركته بعض دوائر صنع القرار التي دعت الحكومة لتبني سياسات تحافظ على شعور الإيرانيين في الخارج بالانتماء إلى وطنهم وتوطيد الصلة معهم، إلا أن ضيق الأفق والقيود القانونية شكلا عائقاً دائماً أمام تنفيذ هذه الرؤية.

فقبل 25 عاماً، وخلال حكومة محمد خاتمي، تأسس المجلس الأعلى للإيرانيين في الخارج، إلا أن الخطوات العملية في هذا الصدد لم تكتمل، كما لم تلقَ مقترحات عملية مثل منح الجالية الإيرانية التي تضم نحو 8 ملايين شخص تمثيلاً في مجلس الشورى، أو السماح لهم بالمشاركة في انتخابات البرلمان، اهتماماً حقيقياً، على الرغم من تمكينهم من التصويت في الانتخابات الرئاسية من الخارج، ولهذا يخشى الكثيرون من مجرد التفكير بالعودة خوفاً من الاعتقال في المطارات أو فتح ملفات قضائية ضدهمً.

نحو 68 في المائة من الإيرانيين يفضلون الهجرة
وبحسب نتائج استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "استاسيس" ومقرها واشنطن ونُشر في شباط/ فبراير 2024، فإن 68 في المائة من الشباب الإيراني يفضلون الهجرة والعيش خارج إيران.

ويرى خبراء أن تصاعد التضخم، والفساد الممنهج، والانسداد السياسي، وغياب آفاق العمل والرفاه، خصوصاً أمام الشباب والطبقة الوسطى، من أبرز دوافع موجة الهجرة المتنامية، وقد شهدت الأشهر الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في طلبات الحصول على تأشيرات دراسية وعملية وسياحية إلى دول آسيوية وأوروبية، بما يعكس عمق هذه الظاهرة.

التعليقات (0)

خبر عاجل