سارعت "
إسرائيل" للبحث عما تظنه نقاط ضعف في التقرير الأممي الذي جاء فيه بأن
غزة يسودها جوع من
الدرجة الأعلى، حيث تعالت بعض الأصوات من الداخل المحتل لتعرية الادعاءات التي
تحاول حكومة نتنياهو تمريرها بشأن نفي وجود كوارث إنسانية تسببت بها في القطاع
المحاصر، ومواصلة لعب دور الضحية.
وأكد ، الصحافي
الإسرائيلي نير حسون، في مقال نشرته صحيفة "
هآرتس"، أن هجوم حكومة نتنياهو
على تقرير الجوع الأممي جاء ليخفي عن الإسرائيليين ما تم فعله باسمهم.
وأضاف حسون أن "الكثير
من نقاط الحضيض سجلت في الحرب بقطاع غزة، أضيفت إليها نقطة أخرى أول أمس، عندما
قرر خبراء الأمم المتحدة بأن إسرائيل هي المسؤولة عن وضع
المجاعة الجماعية بدرجة
5، وهي الدرجة الأعلى، بحسب التقرير الذي نشروه، هذا الوضع يسود في مدينة غزة
تقريباً، وقد ينتشر جنوباً إلى مناطق أخرى في القطاع".
وأوضح أنه "لفهم عمق هذا المستوى المتدني، يكفي أن نفحص بأي دول أعلن فيها عن
مجاعة بهذه الدرجة في القرن الحادي وعشرين، فأن جميعها في أفريقيا، وكان آخرها في
السنة الماضية، في السودان وجنوب السودان، ولحقتها في القائمة أثيوبيا، والصومال،
واليمن وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي نيجيريا فقد أعلن عن مجاعة بمستوى متدن
بدرجة أقل في السنوات الأخيرة".
اظهار أخبار متعلقة
وذكر أنه "بالنسبة لإسرائيل الرسمية، يدور الحديث عن كارثة إعلامية وسياسية،
حيث عملت مؤخراً مجموعة كبيرة من الموظفين والضباط ساعات إضافية في محاولة للعثور
على نقاط ضعف في التقرير الأممي بشأن
مجاعة غزة، وشارك للهجوم عليه حتى قبل صدوره،
كل من رئيس الحكومة، وزارة الخارجية، وزارة الدفاع (الحرب)، ووزارة الشتات، فضلا عن وسائل
الإعلام التي سارعت في معظمها إلى تبني السردية التي بحسبها يدور الحديث عن وثيقة
متحيزة وغير موثوقة".
دعاية لن
يصدقها العالم
وأكد حسون "يصعب على العالم التصديق بأن الدعاية الرسمية ستقنع، لكن هدفها
الأساسي واحد، وهو إخفاء الحقيقة عن الجمهور الإسرائيلي حول ما يتم باسمه، وتتبين
هذه الحقيقة من خلال زيارات افتراضية للعيادات في غزة، في إشارة للمقال الذي نشر
في "ملحق هآرتس" نهاية الأسبوع الذي صدر فيه التقرير الأممي".
ولفهم التقرير،
والكلام لحسون، وادعاءات إسرائيل تجاهه:" يجب فهم ما هو مؤشر "آي.بي.سي"،
الذي تم تطويره في 2004 في محاولة لتقدير مستوى الجوع في الصومال، حيث تقوم 21
منظمة إنسانية معروفة، من بينها منظمات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات مستقلة، بجمع
وتحليل إحصائي معقد للبيانات، وفق دليل تقني معقد لـ" آي.بي.سي" يتألف من
نحو 200 صفحة، يظهر تحفظ وحذر حكومات ومنظمات إنسانية من هذا المؤشر بذريعة أنه "متشدد
جداً"، حيث إنه لا تشخص المجاعة في وقت حدوثها، بالضرورة.
وقال
البروفيسور أليكس دي فال، الخبير الدولي في الجوع:" إذا لم ينجحوا في الحصول
على معلومات أو أن هناك من يمنع وصول المعلومات، فقد تحدث مجاعة بدون الإعلان عن
ذلك، ولكن بعد هذا فأنك ستبدأ بإحصاء عدد قبور الأطفال حال وصولك للمنطقة، وتقول:
(نعم، كانت هنا مجاعة جماعية)".
وأضاف حسون أن "الخبراء في آي.بي.سي، وضعوا ثلاثة مؤشرات، إذا تم
اختراقها كلها فثمة مجاعة بالمستوى الخامس، وهي: الأول يتعلق باستهلاك الطعام، هذا
إذا كان هناك ما يكفي من الطعام في منطقة ما، فهل هو في متناول يد جميع السكان، ويتم
فحص مستوى استهلاك الطعام من خلال عمليات مسح تقوم بها المنظمات الشريكة في
المنطقة، وفي التقرير الأخير أبلغت 86 في المئة من العائلات في غزة عن نقص الطعام،
وأكثر من نصف كبار السن أبلغوا أنهم يأكلون وجبة واحدة في اليوم، كما أكد ثلث
الغزيين تقريباً إنهم بحثوا عن الطعام بين الأنقاض، فيما تجنبت إسرائيل النقاش مع
هذه البيانات، حيث لا خلاف حول أنها منعت الطعام عن سكان غزة مدة شهرين، وبعد ذلك
تم إدخال كميات قليلة منه إلى القطاع المحاصر".
أطفال غزة
يموتون جوعًا
أما المؤشر
الثاني:" هو معدل الإصابة بسوء التغذية الشديد والمتطرف، خصوصاً لدى الأطفال،
وتم جمع هذه المعلومات في عشرات العيادات التي تقوم بعلاج الأطفال في القطاع، من
قبل ممرضات، تدعي إسرائيل أن عينة من يأتون إلى العيادات غير تمثيلية، وأن الحديث
يدور من البداية عن الأطفال الأكثر ضعفاً، وأن طريقة القياس لا تعكس وضع التغذية
الحقيقي للأطفال، خلافاً لدمج الوزن والطول (كان هناك من قالوا بأنه تم اختراع
الطريقة بشكل خاص لغزة)، ولكن نفس هذه الطريقة التي تظهر في بروتوكول آي.بي.سي
استخدمت لقياس الجوع أيضاً في السودان، وهي مقبولة في الأماكن التي تتعرض فيها
منظومة الصحة للانهيار ولا يمكن قياس ووزن كل طفل مثلما في غزة، كما أن
الاستطلاعات التي يستند إليها الخبراء تشمل أيضاً أطفالاً معافين يأتون إلى
العيادات للحصول على التطعيمات.
اظهار أخبار متعلقة
وثمة ادعاء
إسرائيلي آخر، وهو أن: "البيانات التي جُمعت في تموز/يوليو، لا تجتاز عتبة
الجوع من الدرجة 5 – 15 في المئة سوء تغذية شديد لدى الأطفال، وإن إجراء حسابات
على البيانات بالنسبة لكل الشهر يظهر أن غزة لم تجتز العتبة، لكن التقرير يميز بين
النصف الأول من الشهر والنصف الثاني الذي تم فيه اجتياز العتبة (التقارير عن الموت
بسبب الجوع في القطاع بدأت تنشر في 20 تموز/يوليو)، المهم هو التوجه، الذي هو نحو
التدهور".
الموت جوعا
بسبب نقص الغذاء
وإلى المؤشر
الثالث:" هو معدل الوفيات بسبب الجوع، هنا النسبة التي تم تحديدها هي حالتا
وفاة من بين كل عشرة آلاف، تدعي إسرائيل أن معدل الوفاة في غزة بعيد عن هذه النسبة،
رغم أن تقارير وزارة الصحة في غزة تؤكد وفاة 205 أشخاص بسبب الجوع خلال الشهر
الأخير، ولكن آي.بي.سي لا يتعامل مع الموت بسبب الجوع، بل مع الوفيات غير العنيفة
عموماً، الجوع الجماعي ليس مشكلة صحية بسبب نقص الطعام فقط، بل أيضاً بسبب انهيار
مطلق لنسيج الحياة، كبار السن والأطفال الرضع يموتون بسبب ضعف مناعتهم، ويعانون
بسبب التلوث من العيش في الخيام بدون منظومة صرف صحي وشبكة مياه، والمرضى بأمراض
مزمنة يموتون لأنهم لا يجدون طريقة للحصول على العلاج أو الطعام الخاص أو لأنهم
أضعف من أن يصلوا إلى العلاج، وهناك ولادات مبكرة كثيرة وتعقيدات في الحمل".
حسون
يقول:" في الأسابيع الأخيرة، تحدثت "هآرتس" مع 13 طبيباً كانوا في
غزة، جميعهم شهدوا بأن وضع المرضى يتدهور بسرعة، وأن وضع جميع السكان سيئ جداً، ومن
المرجح أن الوفيات في القطاع لا يتم الإبلاغ عنها كما يجب، وكتب في التقرير:( بسبب
انهيار منظومة الرقابة، والوضع الصحي المتفاقم بسبب التلوث وبسبب عدوى مقاومة
الأدوية، التي تحول الإصابات التي كان يمكن علاجها في السابق إلى وفيات، وانهيار
وحدات العناية المركزة للأطفال حديثي الولادة)".
بيان حكومة
نتنياهو مليء بالأكاذيب
حسون يتطرق
إلى هجوم الدعاية الإسرائيلية عبر البيان الذي نشره مكتب رئيس الحكومة أول أمس،
واصفا إياه بأنه:" مليء بالأكاذيب والأكاذيب البيضاء وأنصاف الحقائق والتشهير
والاتهام بالفرية الحديثة، الكثير منها تم دحضه في السابق، لكن لا مناص من دحضه
مرة أخرى".
يدعي نتنياهو
أن إسرائيل سمحت بإدخال طن من المساعدات لكل شخص في غزة بالمتوسط منذ بداية الحرب،
ولكن وبدون الدخول إلى مسألة ما إذا كان هذا هو الوضع حقاً، يجب التساؤل: "هل
يعتبر الطن للشخص خلال سنتين كثيراً أم قليلاً، حيث يأكل الشخص المتوسط مئات
الكيلوغرامات من الطعام في السنة، إضافة إلى ذلك، المساعدات ليست طعاماً بالضرورة،
والشاحنات التي دخلت القطاع حملت أيضاً الوقود والخيام والمعدات الطبية، التي من
غير الواضح إذا تم شملها في الحساب، إضافة إلى سرقة الشاحنات والتوزيع غير
المتساوي للطعام، وحقيقة أن من يحتاجه أكثر من الجميع يجد صعوبة في الحصول عليه، وحتى
لو تجاهلنا كل ذلك، فإن ما يزيد الوضع خطورة هو أن إسرائيل منعت إدخال الطعام إلى
غزة لفترة طويلة، الأمر الذي لا يمكن أي تدفق متوسط من المساعدات من إصلاحه".
لا دليل على
سرقة حماس للمساعدات
الصحفي حسون،
يشير في مقاله إلى ادعاء إسرائيل المشكوك فيه، ويكرره نتنياهو، وهو أن حماس سيطرت
على المساعدات التي أُدخلت إلى غزة، قائلا:" عملياً، لا دليل على هذا، كما
اعترف ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي، الذين اقتبست أقوالهم نيويورك تايمز وكما
أظهر تحليل لمنظمة "يو.اس.ايد"، وكرر رئيس الحكومة أيضاً الكذبة التي
تفيد بأن الأمم المتحدة لا تقوم بجمع الطعام الذي يتم إدخاله إلى القطاع، متجاهلاً
أن العنصر الوحيد الذي يزعجها ويعرقل ذلك هو الجيش الإسرائيلي، هكذا، فمن بين الـ
79 طلب حركة قدمتها الأمم المتحدة للجيش في الأسبوع الماضي، لم ينفذ منها سوى 45
فقط لا غير".
اظهار أخبار متعلقة
حسون يشير في
مقالة، كيف أن نتنياهو يتفاخر بأن أسعار الطعام في القطاع انخفضت، ونسي الإشارة
إلى أن ذلك حدث بعد أن ولدت تقارير عن الموت جوعاً، وبعد أن تجاهل جميع التحذيرات،
والضغط الدولي الذي أجبر إسرائيل على إدخال المزيد من الطعام إلى غزة. حتى الآن،
الكميات التي تم إدخالها لن تلبي كل احتياجات السكان.
الجوع في غزة
حقيقي وهو من صنع إسرائيل
الجوع الجماعي
ظاهرة ترافق الناس من الأزل، مثلما شهد "التناخ" وكل الأساطير الأخرى،
ولكنها ظاهرة نادرة جداً في القرن الحادي والعشرين، لقد تعلمت الإنسانية إنتاج
ونقل والحفاظ على الطعام وإطعام حتى الضعفاء جداً في المجتمع، لذلك، فإن الجوع
الجماعي في هذه الأيام هو دائماً من صنع يد الإنسان، أناس يمنعهم أناس آخرون من
الطعام الذي هم بحاجة إليه، والجوع في غزة يشبه ذلك أكثر من أي جوع آخر، يتكدس حول
القطاع كم من السعرات والبروتينات والفيتامينات، شاحنات محملة بالطعام انتظرت في
مصر والأردن والضفة الغربية وإسرائيل أشهراً، حتى يسمح لها بإدخال الطعام إلى
الغزيين، إلا أن حكومة إسرائيل المأسورة بجنون الانتقام والبقاء السياسي، أحدثت
الكارثة بشكل متعمد، الجوع في غزة حقيقي وهو من صنع أيدينا".