نشرت صحيفة
"المصلحة
القومية" nationalint erest الأمريكية تقريراً مطولاً
تناولت فيه تعقيدات العلاقة بين
إيران وحركة
طالبان في أفغانستان، معتبرة أن طهران
تمسك بخيط رفيع في تعاملها وأنها على المدى القصير ستفضل الاستمرار في التعاون الأمني
والاستخباراتي غير المعلن مع طالبان على أن تقدم على خطوة
الاعتراف الرسمي بها.
وقالت الصحيفة إن اعتراف
روسيا في تموز/ يوليو الماضي بحكومة طالبان أثار موجة تفاؤل حذر داخل كابول، حيث رأى
قادة الحركة أن ذلك قد يمثل بداية لتغير تدريجي في المواقف الدولية تجاهها، رغم أن
الاعتراف الأوسع من المجتمع الدولي ما زال بعيد المنال.
وأضاف التقرير أن بعض
الدول غير الغربية المرتبطة بعلاقات وثيقة مع موسكو قد تفكر في السير على خطى الكرملين،
غير أن حالة إيران تظل الأكثر إثارة للاهتمام.
إيران بين الحسابات
القومية والبراغماتية
وأوضحت الصحفية أن العلاقات
بين طهران وموسكو لا تصل إلى مستوى التحالف الاستراتيجي، بل تقوم في الأساس على براغماتية
وتفاهمات ظرفية مثل التعاون في ملف الطائرات المسيرة خلال الحرب الأوكرانية، ولذلك،
فإن قرار روسيا الاعتراف بطالبان كان مدفوعاً بحساباتها الخاصة تجاه مستقبل أفغانستان،
ولن يكون بالضرورة دافعا كافيا لإيران، فالأخيرة، بحسب الصحيفة، ستتخذ قرارها استنادا
إلى مصالحها الوطنية وأولوياتها الجيوسياسية، لا انطلاقاً من اصطفاف آلي مع موسكو.
اظهار أخبار متعلقة
تاريخ معقد ورقصة متوترة
وتابعت الصحفية أن
العلاقة بين طهران وطالبان تعود إلى محطات شديدة التوتر، حيث اقترب البلدان من مواجهة
عسكرية عام 1998 بعد مقتل دبلوماسيين إيرانيين في مزار شريف، قبل أن تنفتح طهران تدريجياً
على الحركة لاحقاً، مستضيفة وفودا منها حتى قبل سقوط الحكومة الأفغانية السابقة، ومع
صعود تنظيم الدولة الإسلامية "ولاية خراسان" بين عامي 2014 و2015، وهو التنظيم
الأكثر عنفاً وتشدداً من طالبان، بدأت إيران ترى في الحركة الأفغانية قوة لا غنى عنها
لتحقيق التوازن.
وأضاف التقرير أنه
منذ عودة طالبان إلى السلطة عام 2021، لم تظهر عداء مباشرا تجاه إيران، كما لم تتخذ
طهران خطوات لتقويض حكم الإمارة الإسلامية، ومع ذلك، تفضل إيران ـ وفق التقرير ـ إبقاء
العلاقة في إطار أمني واستخباراتي بعيد عن الاعتراف الرسمي، باعتبار ذلك الخيار الأكثر
ملاءمة لضبط التوازن بين الحاجة إلى الاستقرار وحماية المصالح من جهة، وتفادي الانجرار
إلى التزامات سياسية واسعة من جهة أخرى.
حدود مشتركة وأعباء
ثقيلة
وأردف التقرير أن إيران
تواجه تحديات كبيرة على حدودها الشرقية، أبرزها تهديد تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان،
وتدفق المخدرات من أفغانستان إلى داخل إيران ومنها إلى أوروبا، إضافة إلى ملف المياه
الشائك المرتبط بنهر هلمند، وترى طهران أن التعامل مع طالبان، رغم ما يشوبه من انعدام
للثقة، يظل وسيلة أفضل من ترك الفراغ ليتحول إلى فوضى تعزز نفوذ التنظيمات المتشددة.
اظهار أخبار متعلقة
وأشارت الصحيفة إلى
أن أفغانستان ما زالت تمثل بؤرة نشاط لمختلف الجماعات السنية المتطرفة، من بينها داعش
– خراسان الذي تبنى هجمات دامية داخل إيران وروسيا، وصولاً إلى تفجير قاعة الحفلات
في موسكو في مارس 2024، وكما أن شبكات مثل "حقاني" والفصائل السلفية التقليدية
تظل فاعلا أساسيا في المشهد الأفغاني، ما يجعل البيئة الأمنية أكثر تعقيدا.
أزمة المياه.. هاجس
دائم لطهران
وأضاف التقرير أن من
أبرز القضايا التي تجعل إيران حذرة في صياغة سياساتها تجاه طالبان ملف المياه، خاصة
نهر هلمند، فطبقاً لمعاهدة 1973، يفترض أن تحصل إيران على حصة سنوية ثابتة من مياه
النهر، إلا أن التزام أفغانستان بالمعاهدة كان متذبذبا، خصوصا في فترات عدم الاستقرار،
وتفاقمت الأزمة بفعل تغير المناخ والجفاف، إضافة إلى المشاريع الأفغانية الجديدة التي
تقيد تدفق المياه إلى الأراضي الإيرانية.
وترى الصحيفة أن إيران
وجدت نفسها، بحكم موقعها كدولة مصب، في موقف ضعيف أمام سيطرة كابول على منابع النهر
والسدود، ولهذا، حرصت طهران منذ سنوات على بناء قنوات تواصل مع طالبان حتى قبل عودتها
للحكم، في محاولة لتأمين نفوذ يحمي حصتها من المياه ويمنع استبعادها من أي ترتيبات
مستقبلية.
سياسة المسارين المزدوجة
أكد التقرير أن إيران
اتبعت طيلة العقدين الماضيين نهجا ثنائيا تجاه أفغانستان، حيث حافظت على علاقاتها مع
الحكومات المدعومة غربيا، وفي الوقت ذاته أبقت على اتصالاتها مع طالبان، وقد سمح لها
ذلك بالاحتفاظ بهوامش مناورة سياسية وأمنية، وضمان مكان على طاولة المفاوضات في أي
وقت، ومع عودة طالبان للسلطة، باتت هذه القنوات أكثر أهمية لإيران، خاصة في ظل الضغوط
المائية والأمنية.
بين الحذر والانخراط
خلصت الصحيفة إلى أن
إيران ستستمر على الأرجح في انتهاج سياسة "الانخراط الحذر" مع طالبان. فهي
ترى في الإمارة الإسلامية شريكاً ضرورياً في مواجهة التحديات العابرة للحدود مثل الإرهاب
والمخدرات والمياه، لكنها في الوقت نفسه تفتقر إلى الثقة الكافية للاعتراف العلني بها.
ولذلك ستبقى العلاقة محكومة بتفاهمات أمنية واستخباراتية غير رسمية، تعكس براغماتية
إيرانية هدفها حماية المصالح الوطنية وضمان الاستقرار الإقليمي، أكثر من كونها اصطفافاً
أيديولوجياً أو دعماً سياسياً صريحاً.