سياسة دولية

أزمة مياه خانقة في إيران وتحذير من اقتراب "يوم الصفر المائي" بعد جفاف مخزون السدود

هبوط مخزون السدود المغذية لمياه الشرب للعاصمة طهران إلى 42 في المائة -  أكس
هبوط مخزون السدود المغذية لمياه الشرب للعاصمة طهران إلى 42 في المائة - أكس
تشهد العاصمة الإيرانية طهران بسكانها البالغ عددهم نحو 15 مليون نسمة، واحدة من أخطر أزمات المياه الخانقة خلال السنوات الأخيرة، حيث انخفض منسوب خزين المياه في خمسة سدود رئيسية تزود المدينة إلى ما نسبته 42 في المائة، وهو أدنى مستوى تاريخي لها بسبب الجفاف، ما دفع بالسلطات لاستخدام "صهاريج المياه المتنقلة" لسد حاجة المواطنين في العاصمة.



صور الأقمار الصناعية من برنامج سنتينال التابع للاتحاد الأوروبي والتي التقطت للفترة ما بين 2020 و 2025 , كشفت عن انخفاض حاد في اثنين من خزانات مياه الشرب الرئيسية في طهران إضافة لبحيرة أورميا ، التي كانت في السابق بحرًا داخليًا مزدهرًا , وهو ما يسلط الضوء على سرعة الانحدار الذي بات يهدد ملايين السكان , بحسب صحيفة نيوزويك الأمريكية .

سد أمير كبير (كرج) بلغ حد "إفلاس المياه"
يقع على بُعد 39 ميلًا شمال غرب طهران، وهو مصدر رئيس لمياه الشرب في العاصمة ، وشريان حيوي للزراعة , إلا أن هذا الخزان المصمم لاستيعاب أكثر من 200 مليون متر مكعب , لا يحتوي اليوم إلا على 6 في المائة فقط من طاقة استيعابه , وفي حال استمرار هذا المعدل فإن احتياطي السد قد ينضب بالكامل بحلول تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.


"لار" .. أعلى سد ترابي يشكو شح المياه
انخفضت سعة سد لار، الذي يُغذي أجزاءً من شرق وشمال طهران، إلى أقل من 10 في المائة من طاقته البالغة 960 مليون متر مكعب , وتُظهر صور المُقارنة للسنوات الخمس الأخيرة مساحات شاسعة من قاع البحيرة الجافة حيث كانت المياه راكدةً في السابق.


وتأتي خسارة هذا الاحتياطي الرئيسي في وقت تعتمد فيه طهران تقليديا على لار، وأمير كبير، وخزان لاتيان القريب للحصول على معظم مياه الشرب ، وهو ما يعرض العاصمة لخطر غير مسبوق


أرومية تجف بعد أن كانت قبلة للسياح والطيور المهاجرة
تشهد بحيرة أرومية شمال غرب إيران والتي تعد ثاني أكبر بحيرة شديدة الملوحة في العالم انخفاضًا غير مسبوق في منسوب المياه بسبب قلة هطول الأمطار، وآلاف الآبار غير المرخصة التي أدت إلى استنزاف شديد لطبقات المياه الجوفية المحيطة ، وقد تجف هذا العام بحسب منظمة حماية البيئة الإيرانية التي وصفت الوضع بالكارثي لدرجة أنه "لا توجد أرقام تُذكر" وهو ما سيُطلق العنان لعواصف ملحية سامة تُسبب نفوقًا جماعيًا للحياة البرية، وتُفاقم أمراض الجهاز التنفسي لدى الحيوانات المجاورة.



تحذير .." لا ماء تحت أقدامنا ولا خلف السدود"  
وكان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قد حذر قبل نحو أسبوعين من أزمة شح المياه قائلًا: "لا يوجد لدينا ماء، لا تحت أقدامنا ولا خلف السدود" , مؤكدا أنه إذا لم يتم التحكم في استهلاك المياه فلن يتبقى ماء في السدود خلال الشهرين المقبلين ولن يكون هناك ماء في طهران , لافتا إلى أن حل مشكلة نقص المياه في مدن طهران وكرج وقزوين لا يمكن إنهائها بواسطة "صهاريج المياه"



طهران ستصل قريبا "يوم الصفر المائي"
محسن دهنوي، المتحدث باسم مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، أعلن عن وصول بعض مناطق طهران خلال الأيام المقبلة إلى ما يُعرف بـ"يوم الصفر المائي"، والذي ستُقطع فيه المياه الصالحة للشرب عن أحياء كثيرة.

اظهار أخبار متعلقة


وكتب دهنوي على منصة "إكس" قائلا:" خمس سنوات من الجفاف المتواصل، والاستخراج المفرط من المياه الجوفية، والنمو السريع في الاستهلاك الحضري، والخلل البنيوي في الإدارة، أوصلت مخزونات السدود الرئيسية إلى مستوى خطير محملًا الحكومة مسؤولية الأزمة بالقول:" هذه الأزمة هي نتاج سنوات من الإهمال، وعدم الاهتمام بالبنية التحتية المستدامة، وسوء الإدارة الواضح في إدارة الموارد الحيوية ومستقبل البلاد والأجيال القادمة".


ويُستخدم مصطلح "يوم الصفر المائي" لوصف حالة نفاد مخزون المياه الصالحة للشرب في مدينة ما , ويرد ذكره لوصف وضع حرج تفقد فيه منطقة حضرية جميع مصادرها المائية ، وتعجز عن تأمين المياه عبر شبكات التوزيع المعتادة.

وتزامن هذا التحذير مع استمرار موجة الحر وانقطاع المياه والكهرباء في إيران ، حيث قررت السلطات الإيرانية مجددًا تطبيق تعطيلات واسعة وتقليص ساعات عمل الدوائر الحكومية في محافظات مختلفة من البلاد.

جفاف للعام الخامس .. وخُمس مياه طهران يُهدر
وكانت إدارة المياه في محافظة طهران، أطلقت في 20 تموز / يوليو الماضي، تحذيرا من أن احتياطيات السدود التي تزود طهران بالمياه وصلت إلى أدنى مستوى لها منذ قرن , كما قال المدير العام لشركة إدارة المياه محسن اردكاني إن:" كمية الأمطار في محافظة طهران انخفضت بنسبة 48 بالمئة مقارنة بالمتوسط" ، مضيفا: "هذه المحافظة تعاني من الجفاف للعام الخامس على التوالي".

كما أكدت مصادر في شركة إدارة المياه , أن 22 في المائة من مياه الشرب في طهران، أي ما يعادل 1.2 مليار متر مكعب سنويا يتم هدرها بسبب تدهور الشبكة، والفروع غير المرخصة، ومشاكل العدادات.

وقف تدفق الناس إلى طهران
وزير الداخلية الإيراني اسكندر مؤمني وجد في وقف تدفق الناس إلى طهران ومن ثم عكسه , حلا لأزمة المياه نظرا لما قاله إن :" العاصمة بلغت حدودها القصوى في استيعاب السكان، لا سيما فيما يتعلق بإمدادات المياه" , وهي تصريحات أثارت حالة من الاستهجان لدى الشارع الإيراني الذي اتهمه بالتلميح لإمكانية استخدام الإجراءات الأمنية التعسفية لطرد المواطنين وترحيل الوافدين من المحافظات الباحثين عن العمل ومن ثم تحويل العاصمة إلى معسكر مغلق.


وفي تصريح له ، جدد وزير الطاقة عباس علي آبادي نداءه إلى الشعب , قائلا:" يجب أن يكون الاستهلاك متوازنا وموحد لجميع الإيرانيين، للأغنياء والفقراء على حد سواء , ليس من العدل أن يسبح شخص في مسبح بينما لا يملك آخر حتى الماء للشرب" , وهو تمييز انتقدته صحيفة "هم ميهن" الإصلاحية التي أشارت إلى خضوع الأحياء الفقيرة لبرنامج قطع المياه المبرج دون الأحياء الثرية.


ومع انخفاض مستوى المياه في الخزانات الحيوية بالقرب من طهران إلى مستويات قياسية، بدأ الوقت ينفد لمنع الأضرار طويلة الأمد، وهو ما دفع المسؤولين إلى سن تدابير طارئة مع حث المواطنين على الحفاظ على المياه للمساعدة في إدارة النقص , ومنها مقترحات بتقليص ساعات العمل في المؤسسات الحكومية وتقليل أيام التحاق الطلبة بالمدارس والجامعات , وهو إجراء ستكون تداعيته سلبية في بلد يأن من تدهور اقتصاده بسبب العقوبات.

وقد أثار منتقدو سياسات النظام الإيراني هذه القضايا مرارًا من منابر مختلفة ، لكن الحكومة كانت غالبًا ما ترد بإجراءات قمعية وأمنية وقضائية ضدهم تحت بند الحفاظ على الأمن القومي للبلاد من المؤامرات.

اظهار أخبار متعلقة


حيث أكد الكثير من الناشطين بأنه في الوقت الذي تتفاقم فيه أزمة الجفاف الرهيبة ، تم إنفاق مليارات الدولارات من ميزانية البلاد على تخصيب اليورانيوم، الأمر الذي لم يأتي للشعب سوى العزلة والعقوبات والصمت والحرب.

وقال آخرون:"  عندما لا يكون هناك ماء خلف السد ، وعندما تكون الطاولات فارغة ولا توجد كهرباء، فإن الوعد بـ"التقدم النووي" للشعب هو مفارقة مريرة أكثر من كونه عطشًا".

خبراء أكدوا إذا ما استمر هذا التوجه ، فقد تواجه العاصمة تقنينًا واسع النطاق لمياه الشرب ، وفقدانًا للأراضي الزراعية، بل وحتى اضطرابات اجتماعية قد تظهر بصورة تظاهرات واحتجاجات غاضبة.
التعليقات (0)

خبر عاجل