حقوق وحريات

بين القضبان والموت.. ثلاث حكايات تكشف مأساة السجون التونسية

أما بخصوص ظروف الاحتجاز فإنّها تشهد الاكتظاظ الشديد- إكس
أما بخصوص ظروف الاحتجاز فإنّها تشهد الاكتظاظ الشديد- إكس
شهدت تونس، في غضون أسبوعين فقط، وفاة ثلاثة شبان داخل السجون، في أحداث مروعة أثارت جدلا واسعاً وتساؤلات عديدة حول الأزمة العميقة التي تعاني منها المنظومة السجنية في البلاد.

وتوفّي كل من: حازم عمارة، محمد أمين الجندوبي، ووسيم بن حافظ الجزيري. جميعهم قد قُيدت حريتهم تحت وطأة منظومة سجنية تواجه أزمة اكتظاظ حادة، وتقصيرا في توفير الخدمات الصحية اللازمة؛ فضلا عن كونهم كانوا يعانون من مشاكل صحية، جرّاء هذه الظروف الصعبة.

من هو حازم؟
منذ طفولته، يعاني حازم عمارة، وهو شاب تونسي يبلغ من العمر 24 سنة من معتمدية قرمبالية، من مرض السكري، وقد أجرى خمس عمليات قلب مفتوح. تم توقيفه إثر خلاف مع زبون في المقهى الذي يعمل فيه كنادل، ونقل إلى سجن بلّي، ما أدّى إلى تدهور حالته الصحية.

وقالت أم حازم، في تصريحات صحفية، إنّها قد مُنعت من إدخال تلك الأدوية إلى السجن، وهو ما يعكس تجاهلا واضحا كان قد لحقه في الرعاية الصحية. كما لاحظت خلال فترة احتجازه علامات تورّم تحت عينيه، وأبلغت عن ظروف احتجاز وصفتها بالمهينة تشمل عدم توفر سرير مناسب وصعوبة استخدام دورة المياه.

Image1_720252295331397061968.jpg

بعد حوالي ثلاثة أسابيع، نُقل حازم إلى مستشفى الطاهر المعموري بنابل، فيما توفي بتاريخ 12 حزيران/ يونيو 2025 وهو مكبّل الأيدي والأرجل، بحسب تقرير صادر عن منظمة "تقاطع"، عقب أن تقيّأ لفترة طويلة دون تدخل طبي كافٍ. 

إلى ذلك، أثارت وفاةُ حازم جُملة تساؤلات بخصوص فشل المنظومة السجنية في توفير أبسط الحقوق الإنسانية إلى نُزلائها المرضى، وحرّكت شبهات حول احتمالية تعرضه لسوء معاملة.

اظهار أخبار متعلقة


الجندوبي.. من يكون؟
محمد أمين الجندوبي، هو شاب يبلغ 22 سنة، مصاب بمرض السكري، قد صدر بحقه قرار "عدم سماع الدعوى" منذ أشهر، غير أنّه لم يُفرج عنه؛ وفي شهر حزيران/ يونيو من عام 2025، نشرت والدته بثا مباشرا وثقت فيه معاناة ابنها خلال احتجازه، قائلة أنه بقي مقيّدا داخل السجن وهو يعاني من تدهور صحي شديد، إلى أن دخل في غيبوبة.

أيضا، وثّق مقطع فيديو، قد انتشر على مواقع التواصل الإجتماعي، بتاريخ 17 حزيران/ يونيو 2025، اكتشاف العائلة لوفاة إبنها منذ 10 أيام في مستشفى شارل نيكول.

وقالت عائلة الجندوبي، إنّ السلطات لم تبلغهم بوفاته، الأمر الذي أثار غضبا واسعا واتهامات بالتعتيم والتقصير في الكشف عن الحقيقة.

الجزيري.. بين المرض النفسي والجوع
وسيم الجزيري، هو شاب يبلغ من العمر 25 سنة من مدينة صفاقس، يعاني اضطرابات نفسية مزمنة. تم إيداعه في السجن المدني بصفاقس، وخلال زيارة والده الأخيرة، أخبره أنه لم يتناول الطعام منذ أربعة أيام.

وعلمت عائلة الجزيري، بوفاته، في اليوم التالي بتاريخ 19 حزيران/ يونيو 2025، وذلك دون الكشف عن أسبابها وظروفها الحقيقية، ما زاد من حالة الغموض والتعتيم. وتبقى هذه الحالة الأقل وضوحا من بين الوقائع الثلاث لقلة المعلومات حولها. 

هذا ما نعرفه عن السجون التونسية
يوجد أكثر من 32 ألف سجين وسجينة، بداخل السجون التونسية، موزعين·ـات على 30 سجنا، وهو ما يكشف عن أزمة حقيقية، إذ تبلغ الطاقة الاستيعابية الاجمالية لهذه السجون حوالي 18 ألف فقط، ما يعني وجود اكتظاظ كبير يفوق القدرة الاستيعابية بأكثر من 12 ألف سجين.

وبحسب رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، فتحي جراي، في عدد من التصريحات الصحفية، فإنّ: "غالبية المساجين هم من الشباب الذين لم تصدر بحقهم أحكام نهائية، ويقضون فترات طويلة في مراكز الاحتجاز، في انتظار البت في قضاياهم، وسط ظروف اعتقال مهينة وغرف خانقة ونقص حاد في الخدمات الأساسية، لا سيما الصحية منها".

وأوضح جراي، أنّ: "هذا الاكتظاظ المتزايد يشكل ضغطا على المنظومة السجنية التونسية، ويؤدي لا محالة إلى تردي الظروف الصحية والمعيشية للسجناء، والظروف المهنية لأعوان السجون".

أيضا، تشير عدد من التقارير الحقوقية، المتفرّقة، إلى أنّ النظام السجني التونسي، يواجه نقصا حادا في توفير الخدمات الصحية اللازمة، خاصّة من حيث الأدوية أو الرعاية الطبية المتخصصة، وهو ما يجعل المرضى في حالة ضعف مستمر دون تلقي العلاج المناسب.

وتبرز التقارير نفسها، أنّ: "جزء كبير من المحتجزين·ـات يعانون من إجراءات غير ملائمة، خصوصًا فيما يتعلق بالتوقيف الاحتياطي الطويل، والذي يحرمهم من الحرية لفترات ممتدة، قد تتجاوز في بعض الأحيان الأجل القانوني للاحتفاظ، دون البت في قضاياهم أو توفير دعم قانوني ملائم، في ظل غياب المحامين·ـات في مراحل التحقيق الأولي، ما يؤثر على حقوقهم الأساسية في الدفاع".

اظهار أخبار متعلقة


أما بخصوص ظروف الاحتجاز، فإنّها تشهد الاكتظاظ الشديد الذي يفاقم من انتشار الأمراض المعدية، ونقص في النظافة والتهوية الضرورية، بالإضافة إلى التقييد الجسدي المفرط. كل ذلك يشكل عبئًا إضافيًا على الوضع الصحي ويزيد من احتمالية وقوع حوادث مأساوية مثل تلك التي شهدتها البلاد مؤخرا.

جرّاء كل هذا، طالبت عدد من منظمات حقوق الإنسان وفاعلون مدنيون بضرورة فتح تحقيقات مستقلة وشفافة في حالات وفاة السجناء، وضمان حقوق المحتجزين·ـات في الصحة والكرامة، كما يفرضها القانون التونسي والدولي.

كما أكدت على أهمية تحسين البنية التحتية للسجون، مع اعتماد عقوبات بديلة من أجل التخفيف من الضغط على مراكز الاحتجاز، وإصلاح المنظومة القضائية التي تعتمد بشكل مفرط على الحبس الاحتياطي.
التعليقات (0)