بالتزامن مع ظاهرة الحرائق.. ماذا وراء انتشار مشاهد "البلطجة" في مصر؟
القاهرة- عربي2117-Jul-2510:49 AM
0
شارك
ما وراء انتشار مشاهد البلطجة وتوزيع المخدرات في الشارع المصري- الأناضول
بشكل لافت، تتصاعد أعمال "البلطجة" التي يرتكبها شباب أقل من 20 عاما في الشارع المصري، وذلك بالتزامن مع ما يحدث من حرائق بشكل متتابع وشبه يومي، وسط تكهنات بأنها قد تكون أعمالا مدبّرة، خلفها جهات أو تكتلات.
وطوال سنوات حكم رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، (2014- 2030)، يشكو مصريون من ظاهرة البلطجة، ويتهمون السلطات بإهمالها بعد تغذيتها والترويج لها، عبر أعمال درامية من إنتاج الشركة "المتحدة للخدمات الإعلامية" التابعة لجهات سيادية مصرية.
ومنذ 7 تموز/ يوليو الجاري، ومع حريق سنترال رمسيس، المثير للجدل، تشهد العاصمة المصرية، القاهرة، حرائق عديدة انتقلت إلى محافظات أخرى، ما رأى فيه مصريون إلى جانب بروز ظاهرة البلطجة أنها عمليات مقصودة وخلفها رسائل مبطنة من النظام.
أصحاب ذلك الرأي، انطلقوا من حديث سابق للسيسي، الذي قال في 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2023: "أنا أقدر أهد مصر بـ 2 مليار جنيه، وأدي 20 جنيه وشريط ترامادول لـ100 ألف إنسان ظروفه صعبة".
ويؤكد معارضون أن الجهاز الأمني بكل تنوعاته (مخابرات عامة، وحربية، وجهاز الشرطة، والأمن الوطني) يهتم بالأمن السياسي وأمن رأس النظام على حساب الأمن الجنائي وحتى الأمن القومي لباقي المصريين.
وذهب بعضهم للقول إنه "الراعي الأول للبلطجية والأعمال المنافية للقانون مثل توزيع وانتشار المخدرات والسلاح في ظل تغافل منه"، مشيرين إلى قرار السيسي، أيار/ مايو 2018، بإخلاء سبيل إمبراطور الليل صبري نخنوخ، رغم حكم سجنه 28 عاما في اتهامات بالبلطجة وحيازة أسلحة ومخدرات، ليشتري في أيلول/ سبتمبر 2023، "فالكون" أكبر شركة أمنية بمصر.
"مشاهد البلطجة والحرائق" خلال الأيام الماضية، تداول نشطاء، عشرات المقاطع لأعمال بلطجة، وعنف، وفرض السيطرة، والإتاوات، واستخدام القوة أو التلويح بها، وترويع الناس بالشارع جرت على يد شباب صغير السن.
في ظاهرة أرجعها مراقبون للأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية الصعبة، وتفاقم نسب التضخم والبطالة والفقر، وتراجع مستوى التعليم، رغم تشديد العقوبة إلى السجن المشدد وحتى الإعدام إذا اقترنت أفعال البلطجة بجرائم السرقة بالإكراه، والاغتصاب، وإتلاف الممتلكات.
ورغم غياب الأرقام الرسمية الدقيقة عن أعداد من يوصفون بكونهم "البلطجية" في مصر، إلا أن دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في كانون الأول/ ديسمبر 2011، قالت إنّ: "البلطجة تحولت من نشاط فردي إلى ظاهرة منذ عام 2005"، وذكرت أن "نواتها كانت 45 ألف بلطجي يعملون لصالح وزارة الداخلية حينها"، وهو الرقم الذي يؤكد مراقبون أنه أضعاف ذلك الآن.
"حرائق يومية ومخدرات بالشارع" بالتزامن مع انتشار أعمال البلطجة تلك؛ يشهد الشارع المصري العديد من الحرائق بأماكن حيوية مثل سنترال رمسيس، ومحطات كهرباء، ومصانع، وأيضا مزارع، وفنادق، ما دفع البعض لطرح الكثير من التساؤلات والتكهن، وإعلان مخاوفه من أن تكون جميعها (الحرائق وأعمال البلطجة) جرائم مدبرة.
في ذات السياق، تداول نشطاء مقطعا مصورا لتوزيع المخدرات علنا فوق كوبري مشاة بين حي المطرية وحي عين شمس، بالعاصمة المصرية القاهرة، في مشهد "يبدو فيه موزع المخدرات في حالة من الثقة والأمان كونه في حراسة بعض البلطجية والمسلحين والمسجلين خطر، وسط غياب تام من الأمن"، بحسب تعبير عدد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي حزيران/ يونيو الماضي، أثار قتـل مجموعة من البلطجية للطالبين الجامعيين محمد عصام، ومصطفى محمد، إثر اعتراضهما على بيع المخدرات في منطقة المعمورة بالإسكندرية (شمال غرب)، حالة عارمة من الغضب.
وتتزايد حالة الرفض الشعبي لانتشار البلطجة والمخدرات في مصر، التي انتقلت من الترويج لمخدر (الحشيش، والبانجو، والهيروين، والكوكايين)، وغيرها إلى أنواع المخدرات المصنعة والأشد خطورة مثل (الشابو، والآيس)، والتي تنشر علنا في الشوارع ويجري توزيعها في المقاهي والمحال المشبوهة والمناطق الشعبية.
والشهر الماضي، خرج أهالي قرية في مدينة كوم إمبو بمحافظة أسوان (جنوب مصر) بمسيرة احتجاجية رفضا لانتشار المخدرات، وقاموا بهدم أحد أوكار توزيع المخدرات وحرقه.
اظهار أخبار متعلقة
"الأمن المعلوماتي" منذ وقوع حريق سنترال رمسيس، تثار المخاوف على أمن مصر المعلوماتي وقواعد البيانات الحكومية، ومنظومات الاتصالات بالبلاد، التي يمثل أي اختراق لها تهديدا للأمن القومي، بحسب خبراء.
ما دفع الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية، محمود جمال، لوصف الأمر عبر موقع التواصل الاجتماعي "إكس"، بأنه "ليس مجرد حادث عرضي، بل إنذار أمني خطير يستوجب أعلى درجات التعاطي الوطني"، داعيا لـ"إعادة هيكلة وتحديث منظومة التأمين والحماية والتوزيع لمراكز الاتصالات المركزية في مصر".
"لخدمة النظام" على الجانب الآخر، يشكو مصريون من دور الأمن في هدم منازلهم وتهجيرهم منها بل والاعتداء عليهم، وبينها خلال عمليات الأمن إخلاء أهالي العريش من حي الريسة غربي المدينة، التي عادت بعد توقف 3 سنوات الاثنين الماضي، لأجل توسعة ميناء العريش بشمال سيناء، وذلك بالتوازي مع استمرار شكاوى أهالي جزيرة الوراق من إجبار الأمن لهم على التهجير القسري من أراضيهم في نيل القاهرة.
في ذات الإطار، تداول نشطاء مقطع لقوات الأمن المصحوبة بموظفي البلدية، وهي تعتدي على أحد الباعة الجائلين وتصادر عربة الطعام التي يعمل عليها، لينشر آخرون مقطعا لاعتداء ضابط شرطة على بعض المواطنين في مدينة العاشر من رمضان، الصناعية.
"تشتيت الشعب وتخويفه" في تقديره لما وراء انتشار مشاهد البلطجة وتوزيع المخدرات في الشارع المصري، بالتزامن مع استمرار الحرائق التي طالت وتطال مرافق حيوية بشكل يومي، قال السياسي المصري، ممدوح إسماعيل، إنّ: "البلطجة عمل ثابت وأداة من أدوات فساد الحكم في مصر؛ وثبت ذلك بالتدخل في انتخابات عهد حسني مبارك".
عضو "مجلس الشعب" المصري سابقا، سرده بعض وقائع استخدام السلطات للبلطجية، مذكرا في حديثه لـ"عربي21"، بدورهم في "التمهيد للانقلاب، وإثارة الشغب، وحرق مقرات الإخوان المسلمين، وخروجهم بمظاهرات مدفوعة 30 حزيران/ يونيو2013، والتعدي على مظاهرات دعم الشرعية بكل أنواع السلاح، تحت سمع وبصر السلطات العسكرية، بل وقيامهم بقتل كثير من المتظاهرين".
وتابع: "عمد العسكريون على تضخيم دور البلطجي عبر عميلهم الممثل محمد رمضان، بإنتاج أفلام ومسلسلات عديدة صور بعضها أثناء تأديته الخدمة العسكرية"، مشيرا إلى أنه: "لا بلطجة بدون مخدرات؛ حيث أنّ الشارع المصري شهد انتشارا كبيرا للمخدرات مع البلطجة، وبدون أي ضبط من قبل الشرطة لحالة الانتشار، تلك".
ويعتقد، المحامي بالنقض، أنّ: "التركيز على نشر مشاهد البلطجة الآن والتي أصبحت جزءا من الشارع المصري هو لأمرين، أولا: تشتيت الانتباه عن حالة الضعف السياسي في ملفات عديدة منها الانهيار المالي والاقتصادي والغلاء، وصنع حالة جدل ينغمس بها الشعب بدلا من الحديث عن تغيير الحكم بالبلاد".
وأشار ثانيا، إلى: "رغبة السلطات بتخويف الشعب من البلطجية، والإشارة لتجهيزهم للاشتراك بمواجهة أي ثورة قد يخرج بها الشعب غضبا ورفضا لنظام الحكم، وذلك مع ما يعرفه الشعب من سوابق للبلطجية".
وختم بالقول: "هو تهديد يستمد قوته من تهديد السيسي، بنشر البلطجة بإعطاء كل بلطجى شريط مخدرات ومبلغ مالي"، مؤكدا أنّ: "كل ذلك يدل على وجود حالة خوف من النظام من حالة الغليان الشعبي المكبوت".
اظهار أخبار متعلقة
"هل بر السيسي بوعده؟" في رؤيته لمشهد انتشار البلطجية، استعاد الكاتب والمحلل السياسي، مجدي الحداد، "ما قاله السيسي، بوصفه حاكما لمصر"، معتبرا أنه "حديث خطير جدا، ولم يخرج من حاكم أي دولة، والأخطر من ذلك قوله أمام مجلس القضاء الأعلى، المختص بتحقيق العدل وصمام الأمن الاجتماعي".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أنّ: "السؤال الأخطر هو عن رد فعل أعلى سلطة قضائية، المنوطة بتطبيق القانون على الجميع، عندما قال حاكم مصر أمامهم هذا الحديث، هل اعترض أحد السادة القضاة، بأن هذا يخالف القانون والدستور لو صدر من شخص عادي، وربما يحكم بالمؤبد، ولو صدر من أعلى مسؤول بالدولة فإنه يرقى لجريمة حرب".
وحول ارتباط أعمال البلطجة بالمخدرات، أضاف: "يبدو أن مخدر الترامادول تتعاطاه مستويات عليا كما أفصح عن ذلك مدير مكتب السيسي السابق ورئيس المخابرات السابق عباس كامل، في فيديو مسرب له، وذكر فيه أنه يتعاطى الترامادول لتخفيف ضغوط العمل".
وأوضح الحداد، أنه: "عندما تتعاطى تلك المستويات المخدرات فلا عجب من انتشارها بشكل وبائي بكل مصر، حتى ظهرت منها أنواع متعددة وأكثر خطورة على صحة الشباب المستهدف الأكبر منها"، ملمحا إلى "مشهد فتاة فاقدة للوعي فوق سيارة في وضع مزري ومخجل ومؤسف".