ملفات وتقارير

لماذا يجري سلب أدوار ونزع ملكيات مركز بحوث مصري لصالح جهاز عسكري؟

السيسي في آب/ أغسطس 2021 وجّه بتطوير أصول وأراضي مراكز البحوث الزراعية- الأناضول
السيسي في آب/ أغسطس 2021 وجّه بتطوير أصول وأراضي مراكز البحوث الزراعية- الأناضول
في الوقت الذي يطالب فيه خبراء وسياسيون مصريون بدعم البحث العلمي، للخروج باقتصاد مصر من أزمات توصف بـ"الهيكلية والبنيوية المعقدة"، تقوم الحكومة المصرية بسلب أدوار أحد أهم المراكز البحثية في البلاد ونزع بعض ممتلكاته لصالح جهاز عسكري، مدعوم من رئيس النظام، عبد الفتاح السيسي.

وخلال اجتماع الحكومة، الأسبوعي، الأربعاء، أقرّ مجلس الوزراء نقل ملكية نحو 70 فدانا، بمحافظة الجيزة من ولاية معهد البحوث الزراعية، و14.39 فدان من ولاية وزارة الري، لصالح جهاز "مستقبل مصر للتنمية المستدامة"، دون تحديد أسباب والهدف من القرار.

البيان الحكومي، أكّد أن نقل 5 قطع أراضي بمساحات: 13.26 فدان، و26.94 فدان، و25.84 فدان، و1.45 فدان، و2.06 فدان، لاستخدامها بمشروعات الجهاز العسكري التابع لسلاح القوات الجوية بالجيش المصري، والذي جرى منحه مؤخرا عشرات المهام في العديد من القطاعات.



وبينما لم يحدد البيان ماهية تلك المشروعات، إلا أن القرار يؤكد تغول الجهاز العسكري الذي تم تدشينه عام 2022، على أدوار معهد البحوث الزراعية، حيث يعني سحب أراضي من المركز وفق مراقبين، إبعاده عن دوره في استنباط البذور، والحفاظ على السلالات، وتطوير الإنتاج الزراعي والحيواني.

ويأتي ذلك القرار بعد أن استولى الجهاز على صلاحيات جهاز "حماية وتنمية البحيرات"، و"هيئة الثروة السمكية"، وأخذ أدوار أجهزة تابعة لوزارات الزراعة والتموين، مثل "الهيئة العامة للسلع التموينية"، ويقوم بمشروعات زراعية كـ"الدلتا الجديدة"، وصناعية كمدينة "مستقبل مصر الصناعية"، وإسكان وتطوير عقاري مثل مشروع "جريان".

الأمر الذي يدعو للتساؤل عن أسباب سلب أدوار ونزع ملكيات أهم مراكز البحوث المصرية لصالح جهاز عسكري، برغم ما تعلنه الحكومة المصرية من مشروعات استصلاح أراضي زراعية كمشروع المليون ونصف فدان، ومشروع الدلتا الجديدة، والتوسع في زراعة منطقة توشكى جنوب البلاد، وحاجته الملحة لدور المركز في البحوث الزراعية.

اظهار أخبار متعلقة


"طمع في قيمتها العقارية"
في إجابته على سؤال "عربي21"، قال الأكاديمي المصري وأستاذ العلوم الزراعية، عبد التواب بركات، إنّ: "جهاز مستقبل مصر هو بديل جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، الذراع الاقتصادي للجيش والذي استحوذ بالأمر المباشر على الأراضي الزراعية والصوب المحمية والإنتاج الحيواني والتي كانت تتبع وزارة الزراعة".

وأضاف: "مشروعات الاستزراع السمكي في بركة غليون وشرق قناة السويس، والبحيرات العذبة والمالحة وكانت جميعها تتبع الهيئة العامة للثروة السمكية"، مبينا أنها "فشلت جميعها بسبب عدم خبرة ضباط الجيش، والفساد، وانعدام الرقابة من جانب الجهاز المركزي للمحاسبات".

الأستاذ المساعد بمركز البحوث الزراعية، يرى أنّ: "استحواذ جهاز مستقبل مصر على أراضي البحوث الزراعية الواقعة في مناطق سكنية حيوية طمعا في قيمتها العقارية".

وأشار إلى "محاولة جمال مبارك (نجل الرئيس الأسبق) الاستحواذ على أراضي مركز البحوث الزراعية وجامعة القاهرة، وتحويلها لأبراج سكنية وناطحات سحاب والتي أفشلتها ثورة 25 يناير 2011".

الأكاديمي المتخصص ببحوث التنمية الزراعية، أكّد أنّ: "استحواذ جهاز مستقبل مصر على نحو 70 فدانا من الأراضي التابعة للمركز، تمثّل "جريمة إهدار مال عام، وستؤدي لإفشال خطط البحوث الزراعية الناجحة في إنتاج البذور والتقاوي عالية الإنتاج، وتهديد للأمن الغذائي، وزيادة تكاليف استيراد الأغذية بالدولار".

ويعتقد أنها "ستكون مقدمة للاستيلاء على مركز البحوث الزراعية وجامعة القاهرة وحديقة الحيوان بالجيزة"، ليخلص للقول إنّ: "هذا دليل على أن النظام غير أمين على مؤسسات الدولة".

مهام وطنية وتقليص أدوار ورواتب
مركز البحوث الزراعية أكبر جهة بحثية تطبيقية في مصر والشرق الأوسط وإفريقيا، بحسب تعريف المركز عبر الإنترنت، وله تاريخ طويل وأدوار حيوية طيلة 54 عاما، منذ إنشائه 7 تشرين الأول/ أكتوبر 1971، بعهد الرئيس أنور السادات؛ يضم 16 معهدا بحثيا و10 معامل متخصصة في بحوث المحاصيل الحقلية، والبساتين، وأمراض النبات، والأراضي والمياه، والإنتاج الحيواني، والهندسة الوراثية.

أيضا يضم 23 إدارة تجارب زراعية، و19 محطة بحوث بالمحافظات، وأراضي للبحث والتجارب الزراعية، ويعمل ويعمل به نحو 10.380 باحثا وخبيرا بالعلوم الزراعية، وفق تصريح رسمي عام 2015.

يقوم علماء المعهد بأدوار منها، استنباط أصناف محاصيل جديدة ذات إنتاجية عالية، ومقاومة للأمراض والآفات، وتطوير التقنيات الزراعية، ونظم الري والصرف، وتحسين خواص التربة، وإدارة المياه، وتحسين سلالات الحيوانات والدواجن والأسماك.

وفي آذار/ مارس 2024، كشف رئيس مركز البحوث الزراعية، عادل عبد العظيم، أنّ: "هناك 8 آلاف فدان يتم استغلالها لإنتاج تقاوي الأساس والتقاوي المحسنة لمحاصيل الأرز والقمح والذرة والكتان".

لكن، تحليلات خبراء تنتقد ما طال المركز من إهمال في عهد السيسي، وتقليص أدواره وأعماله، وتراجع ميزانيته ورواتب الباحثين والعلماء فيه، فيما لفتت تقارير صحفية إلى أنه عام (2014/2015)، تراجعت ميزانية البحوث بمركز البحوث الزراعية من 69 مليونا إلى 20 مليون جنيه، التي تقلصت إلى 3 ملايين جنيه فقط في (2016/ 2017).

بل إن السيسي، وفي آب/ أغسطس 2021، وجّه بتطوير أصول وأراضي مراكز البحوث الزراعية، وإعادة صياغة استغلال الأصول والأراضي، ما أثار مخاوف بيع أصول المركز وأراضيه بحجة عدم الاستغلال للمحطات الـ48 المنتشرة بـ16 محافظة 28 منها للمحاصيل الحقلية و9 للبستانية، والباقي للإنتاج الحيواني.

هذا التقلص في الميزانية ومحاولات الاقتطاع من أملاك المركز وفق مراقبين، أثر على قدرة المركز وفعالية أدواره وأعماله، ما يشير إلى تناقض حكومي بين إعلان دعم قطاع الزراعة وإطلاق مشروعات استصلاح واستزراع كبرى، وتراجع دعم البحث العلمي الزراعي.

ويوضح مراقبون أنه حتى لو أن الموازنة العامة للدولة تلافت ذلك النقص في التمويل، وزادت مخصصات البحوث الزراعية فإن تراجع قيمة الجنيه لا تسعف بحوث وعلماء المركز الذي يعاني من نقص حاد في التمويل منذ عهد حسني مبارك (تراجع عام 2009 من 189 مليون جنيه إلى 25 مليون جنيه)، وهو ما يثير القلق على مستقبل البحوث الزراعية.

إلى ذلك، يشار إلى أنّه: يصعب تحديد القيمة الدقيقة للميزانية السنوية لمركز البحوث الزراعية في الموازنة الجديدة (2025/ 2026) لأنها جزء من ميزانية وزارة الزراعة ولا تُعلن كبند منفصل.

وترصد "عربي21"، في ثلاثة مؤشرات لافتة على تراجع مخصصات المركز وتأثر خدماته وضعف رواتب خبرائه.

أولها، وفي واقعة مثيرة للجدل، جرت إحالة الخبير بمركز البحوث الزراعية، هشام إبراهيم العربي، في كانون الأول/ ديسمبر 2023، لمجلس تأديب بتهمة "محاولة إنقاذ الثروة القومية من سلالات الدجاج المصرية من الذبح بسبب عدم توفر الأعلاف المناسبة لها"، والتي "جرى إنفاق الملايين وجهود سنين طويلة لاستنباطها".

حينها، كشف منشور للصحفي مصطفى السعيد، أن العربي، قد حاول بجهوده الشخصية توفير كمية أعلاف وأجرى اتصالات بالمسؤولين، وتحدث للصحافة عن خطورة ذبح هذه السلالات، محذرا من جعل مصر رهينة لاستيراد أمهات الكتاكيت من الخارج.



ثانيا، مطالبة عضو لجنة الزراعة والري بمجلس النواب النائب إبراهيم الديب، في أيار/ مايو الماضي، بزيادة المخصصات المالية للمركز البالغة حوالي 750 مليون جنيه بموازنة (2025/2026)، مبينا أنه "يمثل عقل الزراعة المصرية وقاطرتها".

ثالثا، ما كشفه رئيس موقع "الفلاح اليوم"، أسامة بدير، في شباط/ فبراير 2024، من أن رواتب قرابة 11 ألف عضو هيئة بحثية بمركز البحوث الزراعية "متدنية للغاية"، ومؤكدا أنها "زهيدة ومخجلة خاصة إذا ما قورنت بمرتبات وظائف آخرى"، رافضا ذكر قيمها.

"حلقات استيلاء على الأراضي"
في رؤيته، لحجم ما طال المركز من استيلاء على ممتلكاته، وتهميش لدوره، وتقليص لميزانيته، وضعف لرواتب الباحثين والخبراء فيه، قال الخبير الزراعي، عبد التواب بركات، إنّ: "الإستيلاء على أراضي البحوث الزراعية التابعة لمركز البحوث الزراعية وكليات الزراعة مخطط من النظام".

وأكد أنه "بداية عام 2021، استولت الإدارة الهندسية للقوات المسلحة على المزرعة البحثية بمحطة كفر حمام التابعة لمركز البحوث الزراعية، طمعا في موقعها الاستراتيجي الذي يبعد عن مدينة الزقازيق المزدحمة بالسكان بـ2 كيلومتر فقط، وقامت جرافات الهيئة الهندسية بتجريف القمح المخصص للتقاوي وتحويل المزرعة لعمارات سكنية".

وأضاف: "في نفس التوقيت هبطت نسور الجيش المصري على محطة بهتيم للبحوث الزراعية والبالغة 380 فدانا، للاستيلاء على أرض المحطة طمعا في موقعها الاستراتيجي التابع لمدينة شبرا الخيمة بجوار الطريق الدائري".

وتابع: "قبلهما تم الاستيلاء عنوة على مزرعة بحوث الإنتاج الحيواني بالصبحية بالإسكندرية، وذلك بغرض تحويلها أيضا إلى مدينة سكنية بسبب موقعها الفريد حيث تمتد حدودها من سموحة حتى باكوس".

وواصل سرده: "أيضا، تم الاستيلاء على مساحة كبيرة من أراضي محطة البحوث الزراعية بالجميزة، ثم في سخا، أكبر وأقدم محطة بحثية في مصر والشرق الأوسط وأفريقيا بغرض تحويلها الى وحدات سكنية".

ومضى يؤكد أنه "مؤخرا اجتاحت قوات الأمن مزرعة الراهب، التابعة لكلية الزراعة بجامعة المنوفية، والتي تبلغ مساحتها 55 فدانا طمعا في موقعها لتحويلها إلى مشروعات سكنية".

ولفت بركات، إلى أنّ: "وزير الزراعة قام بتأجير 9 آلاف فدان من أراضي قطاع الإنتاج والمخصصة للتقاوي عالية الإنتاج إلى القوات المسلحة بسعر 50 جنيها للفدان ولمدة 50 سنة".

"من عرش الإنتاجية إلى مخطط التدمير"
أكد الخبير المصري أنّ: "محطات البحوث الزراعية ومزارع كليات الزراعة منبع الخير والنماء في الريف المصري، منها يحصل الفلاح على تقاوي القمح التي تنتج 25 أردبا للفدان، بعد أن كانت لا تتجاوز 10 أرادب فقط".

وأضاف: "مثلها من الذرة التي زادت إنتاجيته إلى 30 أردبا، والقصب الذي وصلت إنتاجيته إلى 50 طنا، والأرز الذي وصلت إنتاجيته إلى 7 أطنان في مقابل 5 أطنان في أفضل دول العالم، وغيرها من أصناف الخضروات والفاكهة، وسلالات الدواجن والمواشي والأسماك".

وقال إنه: "وباجتهاد الباحثين المصريين المبدعين ومنظومة مزارع البحوث والتجارب تربعت مصر على عرش الإنتاجية العالمية في القمح والأرز وقصب السكر والإستزراع السمكي، وغيرها من المحاصيل".

وخلص للقول: "منذ تولى السيسي الرئاسة وهو ينفذ مخطط لتدمير البحوث الزراعية، فقلص ميزانية مركز البحوث الزراعية إلى 10 ملايين جنيه، بعد أن كانت 250 مليونا في الثمانينات، وخفض رواتب الباحثين وجمدها دون زيادة منذ رفع الرئيس محمد مرسي رواتبهم في 2013".

وبيّن أنّ: "هذا الوضع، أدى لتراجع النشاط البحثي، وتراجعت الإنتاجية الزراعية، وتراجعت نسب الاكتفاء الذاتي من القمح والذرة إلى 40 بالمئة فقط، ليزيد الإستيراد من الخارج بواسطة جهاز مستقبل مصر العسكري الذي حل محل مافيا الاستيراد التي ترعرعت في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك".

وختم مؤكدا أنّ: "ذلك يهدر الأمن الغذائي، وتتراجع مكانة مصر السياسية، لأن الذي لا يأكل من فأسه لا يكون قراره من رأسه".

"جهاز ابتلاع مصر"
في مقابل تقليص مهام وميزانية ورواتب مركز البحوث الزراعية، فإنه منذ العام 2022، يثير تدشين جهاز "مستقبل مصر" التابع للقوات الجوية، الجدل، خاصة مع دعم السيسي، له، ومنحه فرصا استثمارية وتنموية هائلة قفزا على صلاحيات وزارات وهيئات، منها: الزراعة والتموين والصناعة والري والتجارة وغيرها.

وفي 29 أيار/ مايو الماضي، اجتمع السيسي، بمدير جهاز "مستقبل مصر" العقيد بهاء الغنام، لبحث دور الجهاز بتوفير منتجات زراعية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الاستراتيجية، ووجود أرصدة كافية منها، والتوسع برقعة الأراضي الزراعية، وزيادة الإنتاج الزراعي.

في 21 أيار/ مايو الماضي، كلف السيسي، الجهاز بإدارة والسيطرة على 14 بحيرة مصرية هي جميع البحيرات المالحة بالبلاد، وبذلك تغول الجهاز العسكري، على صلاحيات جهاز "حماية وتنمية البحيرات"، و"هيئة الثروة السمكية".

وذلك بعد أن سيطر الجهاز على صلاحيات أجهزة تابعة لوزارات الزراعة والتموين وغيرها، مثل صلاحيات الهيئة العامة للسلع التموينية باستيراد السلع الاستراتيجية كالقمح، بالإضافة إلى إدارة بورصة السلع، واستلام القمح المحلي من الفلاحين.

إلى جانب مشروعات زراعية وحيوانية منها الدلتا الجديدة، وافتتاح العديد من منافذ البيع والتي كان آخرها في حزيران/ يونيو الماضي بمدينة العبور شرق القاهرة، مع مشروعات صناعية مثل مدينة "مستقبل مصر الصناعية" التي جرى افتتاحها أيار/ مايو الماضي.

كما أن الجهاز الذي يعمل في قطاع الاستصلاح الزراعي بالصحراء الغربية والصحراء الشرقية، وتم تدشينه قبل 3 سنوات رغم وجود 3 شركات حكومية عملاقة تعمل في هذا المجال، وتدشين شركتين تابعتين لجهاز "مشروعات الخدمة الوطنية" التابع للقوات المسلحة المصرية.

اظهار أخبار متعلقة


وفي المشروعات الزراعية تم إسناد نحو 8 مشروعات للجهاز، هي: "الدلتا الجديدة" لاستصلاح 2.2 مليون فدان، و"سنابل سونو" 650 ألف فدان بالصحراء الغربية، و"المنيا وبني سويف" لاستصلاح 62 ألف فدان، و"قطاع السادات" 41 ألف فدان.

ومشروعي "الداخلة العوينات"، و"الكفرة" لاستصلاح 660 ألف فدان و600 ألف فدان بالصحراء الغربية، ومشروع "سيناء" لاستصلاح 450 ألف فدان بالصحراء الشرقية، والصوب الزراعية بـ"محور الضبعة"، و"اللاهون" بمحافظة الفيوم، لزراعة 4500 فدان، و12 ألف فدان.

ومطلع حزيران/ يونيو الماضي، جرى توقيع عقد إطلاق مدينة "جريان" بمحور الشيخ زايد بتحالف استراتيجي بين شركتي بالم هيلز، وماونتن فيو و"جهاز مستقبل مصر"، عبر ذراعه الجديدة شركة "نيشنز أوف ذا سكاي"، التي تأسست العام الماضي، بالتعاون مع جهاز سيادي مصري.
التعليقات (0)