كتاب عربي 21

هل ستؤدي الحرب إلى تغييرات استراتيجية في "عقيدة" إيران؟

فراس أبو هلال
"إيران تمتلك برنامجا صاروخيا متقدما نسبيا ومنظومة من الطائرات المسيرة المؤثرة، ولكنها في نفس الوقت تفتقر للدفاعات الجوية"- إكس
"إيران تمتلك برنامجا صاروخيا متقدما نسبيا ومنظومة من الطائرات المسيرة المؤثرة، ولكنها في نفس الوقت تفتقر للدفاعات الجوية"- إكس
مع نهاية العدوان الإسرائيلي على إيران، وتراجع غبار زوبعة النقاشات -غير المجدية- حول النصر والهزيمة، يمكن البحث في الأسئلة الاستراتيجية حول هذه الحرب، وكيف يمكن أن تغير "عقيدة" الطرفين المتصارعين السياسية والاستراتيجية والعسكرية.

سيتناول هذا المقال عقيدة إيران السياسية، التي بدأت بالتشكل بعد الثورة الإسلامية ونضجت خلال العقود التي تلتها، خصوصا بعد منتصف التسعينات، وكيف يمكن أن تتأثر بمسار ونتيجة الحرب الأخيرة.

مواجهة إسرائيل عبر الوكلاء/ الحلفاء

أظهرت إيران عداءها لدولة الاحتلال والولايات المتحدة مباشرة بعد انتصار الثورة الإسلامية، وعبرت عن ذلك عبر الشعارات من جهة، وعبر السياسات، وعبر الدبلوماسية من خلال إحلال منظمة التحرير بديلا للاحتلال في سفارته في طهران.

ولكن الجمهورية الوليدة، كانت تدرك أنها غير قادرة على قتال دولة الاحتلال مباشرة، رغم الشعارات الكبيرة التي كانت ترفعها، ولذلك اعتمدت استراتيجية تقوم على مواجهة "إسرائيل" عبر تشكيل تحالفات وأحيانا وكلاء.

هذه المعادلة مربحة لإيران، فهي تمتلك لاعبين غير دولتيين لمناوشة "إسرائيل" والتأثير في الدول العربية، دون أن تدخل مواجهة مباشرة لا مع الدول العربية ولا مع "إسرائيل". ظلت هذه المعادة هي التي تحكم سلوك إيران، حتى عندما ظهر للجميع بعد عملية 7 أكتوبر أن "دولة الاحتلال" لم تعد هي نفسها قبل 7 أكتوبر، وبالتالي فإن المقاربة الإيرانية التقليدية في التعامل معها هي أيضا لم تعد تصلح

أقامت إيران علاقات استراتيجية مع نظام حافظ الأسد منذ انتصار الثورة الإسلامية، وتابعت واستثمرت في هذه العلاقة مع نظام بشار الأسد. أسست حزب الله ودعمته، ليصبح المعبِّر الأقوى عن الطائفة الشيعية في لبنان بعد انتصاره في صراعه مع أمل في الثمانينات، كما أصبح الطرف اللبناني الوحيد الذي يمتلك السلاح تقريبا بعد اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان. بعد ظهور حركات المقاومة الفلسطينية ذات الخلفية الإسلامية (حماس والجهاد) وتصاعد قوتها، أقامت إيران علاقات جيدة معها، ودعمتها بالمال والسلاح حسب ما تقره هذه الحركات علنا. وبعد احتلال العراق، أصبح لدى إيران عدة أذرع مسلحة في هذا البلد الذي أصبح ساحة شبه فارغة للنشاط الإيراني. وأخيرا، دعمت طهران جماعة الحوثيين التي استطاعت السيطرة على الجزء الشمالي من اليمن، منذ سنوات.

استطاعت إيران من خلال هذه التحالفات أن تصنع نفوذا عابرا لحدود الدول العربية، ولكنها استخدمت أيضا هذه التحالفات كعنصر قوة يناوش أو يهدد "إسرائيل" ويعطيها في نفس الوقت ورقة ضغط في مفاوضاتها وصراعاتها مع الولايات المتحدة والدول الغربية.

كانت هذه المعادلة مربحة لإيران، فهي تمتلك لاعبين غير دولتيين لمناوشة "إسرائيل" والتأثير في الدول العربية، دون أن تدخل مواجهة مباشرة لا مع الدول العربية ولا مع "إسرائيل". ظلت هذه المعادة هي التي تحكم سلوك إيران، حتى عندما ظهر للجميع بعد عملية 7 أكتوبر أن "دولة الاحتلال" لم تعد هي نفسها قبل 7 أكتوبر، وبالتالي فإن المقاربة الإيرانية التقليدية في التعامل معها هي أيضا لم تعد تصلح. وقد ظهر هذا جليا في العدوان الذي شنته "إسرائيل" على إيران بمشاركة الولايات المتحدة، وهو ما نقل الحرب الفعلية للأراضي الإيرانية بعد أن ظل بعيدا عنها لعقود طويلة (باستثناء بعض الضربات الجراحية).

مع انتهاء الجولة الأخيرة من العدوان الإسرائيلي على إيران، فإن الاستنتاج الاستراتيجي الأول الذي يمكن أن تتوصل له إيران هو أن مواجهة إسرائيل لا يمكن أن تتم فقط عبر الحلفاء أو الوكلاء، وأنها بالتالي يجب أن تكون مستعدة للحرب بنفسها، بما يتطلبه ذلك من أدوات سياسية وعسكرية.

ترتيب البيت الداخلي.. والتوسع المحسوب

أظهرت الحرب الأخيرة حجم الاختراق الهائل لإيران من قبل دولة الاحتلال. من المتوقع أن تبدأ طهران بدراسة أسباب هذا الاختراق، وأن تبدأ بالعمل على تجاوز هذه الأسباب.

ثمة عوامل كثيرة يمكن أن تفسر الاختراق الإسرائيلي بمقابل نجاحات استخبارية محدودة لإيران ضد الاحتلال. أهم هذه العوامل هو ما ذكرناه سابقا من استبعاد إيران للحرب المباشرة مع "إسرائيل"، وهو ما أدى كما يبدو إلى نوع من التراخي، قاد إلى النجاح الاستخباري الكبير لدولة الاحتلال في إيران.

أما العامل الثاني فهو الأوضاع الداخلية في إيران، حيث يشكل وجود عداء لدى بعض فئات أي شعب للدولة أرضية خصبة للاختراق، كما يشكل الفقر والبؤس الاقتصادي والاجتماعي سببا مهما في قدرة العدو على اختراق بعض الفئات.

ومن المحتمل أن توسع إيران في المنطقة بطريقة تفوق قدرتها وإمكانياتها، وخصوصا في الساحة السورية خلال 13 عاما من الصراع هناك، يمكن أن يكون سببا رئيسيا آخر في نجاح دولة الاحتلال في اختراقها، بسبب الانكشاف الكبير الذي يسببه مثل هذا التوسع.

إيران يمكن أن تلجأ لتغيير سياساتها في الداخل، بحيث تصبح الدولة أكثر تمثيلا لجميع فئات الشعب، كما أنها يفترض أن تجعل حل أزماتها الاقتصادية هي الهدف الاستراتيجي الأهم خلال السنوات القادمة، لتقليل نسبة الفقر ورفع سوية التعليم، ومنع تشكل أرضية مناسبة للعمل الاستخباري من قبل أعدائها. وعلى الصعيد الخارجي، فإن التجربة السورية وتجربة الحرب الأخيرة يفترض أن تكون جرس إنذار لطهران

إذا صح هذا التحليل، فإن إيران يمكن أن تلجأ لتغيير سياساتها في الداخل، بحيث تصبح الدولة أكثر تمثيلا لجميع فئات الشعب، كما أنها يفترض أن تجعل حل أزماتها الاقتصادية هي الهدف الاستراتيجي الأهم خلال السنوات القادمة، لتقليل نسبة الفقر ورفع سوية التعليم، ومنع تشكل أرضية مناسبة للعمل الاستخباري من قبل أعدائها. وعلى الصعيد الخارجي، فإن التجربة السورية وتجربة الحرب الأخيرة يفترض أن تكون جرس إنذار لطهران، للتوقف عن التوسع غير المحسوب في المنطقة العربية، والذي كلفها الكثير من علاقاتها وصورتها لدى الشعوب العربية واقتصادها ومقدراتها العسكرية، وزاد من انكشاف قدراتها أمام العمل الاستخباري لدولة الاحتلال.

"عقيدة" التحالفات والدفاع

أظهرت الحرب الأخيرة أن إيران تمتلك برنامجا صاروخيا متقدما نسبيا ومنظومة من الطائرات المسيرة المؤثرة، ولكنها في نفس الوقت تفتقر للدفاعات الجوية المناسبة لمواجهة عدوان "إسرائيل" فضلا عن الولايات المتحدة، كما أنها كما يبدو تفتقر للطائرات الحربية المقاتلة التي يمكن أن تصنع توازنا استراتيجيا مقابل قوة دولة الاحتلال الجوية.

ترتبط عقيدة الدفاع والسلاح الجوي لإيران ارتباطا عضويا بالتحالف الخارجي الرئيسي لها، والمقصود به مع روسيا. وإذا أرادت إيران أن تغير المعادلة الجوية المختلة أمام "إسرائيل"، فليس أمامها سوى تعديل عقيدة التحالفات والدفاع من خلال توثيق العلاقات السياسية والدفاعية مع الصين، التي باتت تنافس الغرب في مجال التصنيع العسكري والأمني وقطاع الحرب السيبرانية. كما أنها يمكن أن تتخلى عن تحفظاتها السياسية وتعمل على تمتين العلاقة مع تركيا والباكستان، اللتين تمتلكان برنامجا دفاعيا يمكن أن يساهم في توسيع منظومة الدفاع الإيرانية.

لا يمكن لدولة في صراع مستمر مع الغرب أن تعتمد فقط على حليف واحد، لأن هذه المعادلة هي وصفة حتمية للفشل.

الخلاصة، إذا أرادت إيران أن تستمر بعقيدتها الحالية للسياسة الخارجية والتي تقوم على الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي ومن خلفه الولايات المتحدة، فإنها يجب أن تغير من استراتيجيتها تجاه الاعتماد فقط على الحلفاء غير الدولتيين في الحرب والاستعداد للمواجهة المباشرة، وأن تعيد ترتيب بيتها الداخلي وتحسن علاقاتها مع الجوار العربي وتتوقف عن التوسع غير المحسوب في هذا الجوار، وأن تعيد النظر في عقيدة الدفاع وخارطة التحالفات.

x.com/ferasabuhelal
التعليقات (0)

خبر عاجل