تصدرت
محافظة
تعز الواقعة في الجنوب الغربي لليمن، خلال الأيام الماضية ولا تزال، واجهة
النقاش مجددا، على وقع التصعيد السياسي بين المكتب السياسي لـ"المقاومة
الوطنية" بقيادة عضو مجلس القيادة
الرئاسي العميد طارق محمد عبد الله صالح،
وبين رئيس مجلس القيادة الدكتور رشاد العليمي، تصعيد عكس بقوة صراع النفوذ المحتدم
الذي يخوضه الطرفان حول محافظة تعز؛ المشرفة إداريا على مضيق باب المندب الاستراتيجي
وعلى ثاني أهم ميناء لليمن على البحر الأحمر، ميناء المخا التاريخي.
على
جانبي الخلاف اصطف عددٌ من الموالين وأثاروا نقاشا أخذ في جانب منه منحى سلبيا، فاستدعيت
المفردات والعبارات المسيئة، خصوصا بحق الرموز الكبيرة لمحافظة تعز ومنهم الحاصلة
على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، التي تتبنى موقفا تقليديا مناهضا لجماعة
الرئيس الأسبق
علي عبد الله صالح، يكتسب وجاهته من الأضرار التي تسبب بها نظام
صالح بحق محافظة تعز وأبنائها خلال وجوده في السلطة وبعد أن تركها بفعل ثورة
الحادي عشر من شباط/ فبراير الشبابية الشعبية.
يأتي هذا التصعيد في ظل التحديات الكبيرة التي تهيمن على المحافظة، وتلقي بظلالها الثقيل على سكانها، الواقعين تحت وطأة الحاجة الشديدة للمياه، والافتقار الحاد للطاقة الكهربائية، وتفاقم التحديات الصحية والبيئية الناجمة عن التدهور الكبير في خدمات النظافة والإصحاح البيئي وتفاقم الأمراض
يشعر
العديد من هؤلاء الرموز وعلى رأسهم توكل كرمان بالقلق من التمدد الناعم لنفوذ
العميد طارق، الذي يتسلح بمركزه السلطوي وبالإمداد المالي القادم من
الإمارات،
وبالتركّزِ المتزايدِ للقوة العسكرية التابعة له في مدينة المخا وباب المندب،
بما يتصادم مع الإرث المخيب للآمال الذي ارتبط بالعميد طارق صالح بصفته نجل شقيق
الرئيس الأسبق، وبصفته قائدا لحرسه الخاص، وبسبب الدور الغامض في مواجهة الحوثيين
فيما يسمى بــ"انتفاضة" الثاني من كانون الأول/ ديسمبر 2017، باعتبارها
المحاولة الأخيرة واليائسة للرئيس الأسبق علي عبد الله صالح للانقضاض على سلطة
الحوثيين في صنعاء، بعد سنوات من التخادم التي برز خلالها دور العميد طارق بوضوح
تام في تدعيم وحدات القتال الخاصة والقناصين لرفد الجهد القتالي للانقلابيين؛ ضد
السلطة الشرعية وضد المدافعين عن محافظة تعز على وجه الخصوص.
يأتي
هذا التصعيد في ظل التحديات الكبيرة التي تهيمن على المحافظة، وتلقي بظلالها
الثقيل على سكانها، الواقعين تحت وطأة الحاجة الشديدة للمياه، والافتقار الحاد
للطاقة الكهربائية، وتفاقم التحديات الصحية والبيئية الناجمة عن التدهور الكبير في
خدمات النظافة والإصحاح البيئي وتفاقم الأمراض الناجمة عن هذه المشاكل.
يستخدم
العميد طارق ورقة التمويل المستندة إلى الرصيد المتاح من الجانب الإماراتي، وتقديم
خيارات بشأن حل مشاكل تعز المستفحلة وفي صدارتها مشكلة العجز الهائل في شبكة مياه
الشرب. وتقريبا باتت السلطة المحلية للمحافظة جزءا من أجندة العميد طارق وجزءا من
جهده لفرض النفوذ، عبر التمويل شبه المفتوح.
وكان
اللافت أن العميد طارق قد أصدر بيانا انتقد فيه رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وبدا
في ظاهره أنه يتعلق بمزاعم الإقصاء الذي يمارسه الرئيس بحق المكتب السياسي للعميد
طارق، فيما يخص التمثيل في نقاشات الهيئات السلطوية الناشئة بموجب إعلان انتقال
السلطة ومنها هيئة التشاور والمصالحة. غير أن ما رشح عن العميد طارق ومكتبه
السياسي، أنه يمارس ضغطا معنويا على الرئيس، عبر تحميله مسؤولية عرقلة تنفيذ
المشاريع التي تعهدت الإمارات بتمويلها في تعز، وهو ما يُلقي بالمسؤولية المباشرة
على الرئيس رشاد العليمي المنحدر من محافظة تعز،
أخذا في الاعتبار الجرائم الشنيعة للدعم السريع في السودان، التي تقاتل تحت الإشراف المباشر للإمارات، فإن مخاوف معظم سكان محافظة تعز اليوم تدور حول مخاطر الوجود العسكري للإمارات في ساحل محافظتهم؛ مقترنا بتجهيزات غير محددة من حيث كمياتها وتأثيرها حتى الآن، وإمكانية أن يدفع هذا الوجود نحو إحداث تغييرات في البنية السياسية والأمنية والعسكرية الحالية
والحقيقة أنه يرى الرئيس رشاد
العليمي عقبة في طريقه، رغم أن الثقل الذي يمثله الرئيس لا يسهم حتى الآن في تعزيز
إمكانيات تعز وسلطتها المحلية، ولا تقدم حلولا فورية لمشاكل تعز، وهو النهج الأمثل
الي يمكن أن يساهم في استعصاء تعز ويحررها من ضغوط التنافس على النفوذ والهيمنة
كما يحصل اليوم.
وحتى
لا يبدو الأمر وكأنه صراع بين الأنداد، ثمة حاجة للإضاءة على الجزء المخفي من صراع
النفوذ الذي يبدو فيه كل من عضو مجلس القيادة الرئاسي ورئيس المجلس تحت تأثير
النفوذ الخفي والمعلن لدولتي التحالف: السعودية والإمارات. وإليكم توضيحا لهذا
البعد من الصراع. فقد قطعت الإمارات شوطا متقدما في الإمساك بمعطيات جوهرية مهمة
تدعم نفوذها في المنطقة الجغرافية الحيوية لمحافظة تعز المتمثلة في باب المندب
وميناء المخا وأجزاء من محافظة الحديدة الساحلية المجاورة، ومنها إنشاء مطار عسكري
بمرفقاته في جزيرة ميون التي تتوسط مضيق باب المندب، ومطار مدني في مدينة المخا،
إلى جانب ميناء المخا التاريخي.
هذا
التنامي في النفوذ الإماراتي دفع بالسعودية إلى ممارسة ما يكمن وصفه بالاحتواء
الإيجابي للعميد طارق صالح وقواته، وهذا الاحتواء هو الذي يعيق انتقال طارق من
وضعية قائد الثكنة العسكرية في الساحل الغربي لمحافظة تعز، إلى الحاكم الأوحد لمقاطعة
واسعة تشمل أجزاء من تعز والحديدة، ويراد لها أن تؤدي دورا شديد الخطورة في تدعيم
المشروع الانفصالي، عبر تكريس الشكل الحالي لمناطق النفوذ المتنازع عليها في الجغرافيا
اليمنية.
وأخذا
في الاعتبار الجرائم الشنيعة للدعم السريع في السودان، التي تقاتل تحت الإشراف
المباشر للإمارات، فإن مخاوف معظم سكان محافظة تعز اليوم تدور حول مخاطر الوجود العسكري
للإمارات في ساحل محافظتهم؛ مقترنا بتجهيزات غير محددة من حيث كمياتها وتأثيرها
حتى الآن، وإمكانية أن يدفع هذا الوجود نحو إحداث تغييرات في البنية السياسية
والأمنية والعسكرية الحالية في مركز المحافظة والمديريات التي تقع تحت سيطرة الجيش
الوطني، وتعيق استمرار إرث التغيير وتحرف بوصلة الكتلة السكانية الكبيرة في تعز؛
المتجهة بشكل ثابت نحو إنهاء الانقلاب ومفاعيله والنتائج الكارثية لحرب التحالف في
اليمن، والتمسك بالمرجعيات الضامنة لاستعادة الدولة اليمنية ونفوذها، وعدم المس
بالكيان القانوني لهذه الدولة.
x.com/yaseentamimi68