قال تقرير لوكالة رويترز إن سقوط نظام بشار الأسد لم ينه عمليا حقبة
الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في
سوريا، بل كشف عن استمرار أنماط من الانتهاكات داخل
سجون ومراكز احتجاز تديرها السلطات الجديدة، وسط اعتقالات واسعة شملت مختلف الطوائف والمناطق.
وبحسب التقرير بدأت أولى موجات الاعتقال فور اقتحام فصائل المعارضة لسجون النظام السابق في ديسمبر/ كانون الأول 2024 ٬ حيث أُلقي القبض على آلاف المجندين وضباط الجيش السوري الذين تركوا مواقعهم العسكرية مع انهيار مؤسسات النظام.
وأشار التقرير إلى أن الموجة الثانية وقعت في منتصف الشتاء، واستهدفت مئات من أبناء الطائفة العلوية في أنحاء متفرقة من البلاد، معظمهم من الرجال، قبل أن تتصاعد الاعتقالات عقب مظاهرات وعصيان في الساحل السوري خلال آذار/مارس الماضي، أسفرت عن مقتل عشرات من عناصر الأمن وأعمال انتقامية أودت بحياة نحو 1500 علوي.
وأضافت رويترز أن موجة ثالثة من الاعتقالات الجماعية بدأت خلال الصيف في الجنوب السوري، واستهدفت أبناء الأقلية الدرزية بعد أعمال عنف طائفية دامية، وسط اتهامات لقوات حكومية بتنفيذ عمليات إعدام ميدانية وانتهاكات جسيمة.
الاعتقال بذريعة الأمن يشمل مختلف الطوائف
وذكر التقرير أن الاعتقالات لم تقتصر على طائفة بعينها، بل شملت سوريين من الأغلبية السنية بتهم غير محددة تتعلق بعلاقات مزعومة مع النظام السابق، إضافة إلى نشطاء حقوقيين، ومسيحيين قالوا إنهم تعرضوا للابتزاز، وشيعة اعتقلوا عند حواجز أمنية للاشتباه بصلاتهم بإيران أو حزب الله.
وأكد التقرير أن بعض السجون ومراكز الاحتجاز التي كانت تضم عشرات الآلاف من المعتقلين خلال حكم الأسد، باتت اليوم مكتظة بمحتجزين تحتجزهم قوات الأمن التابعة للرئيس أحمد الشرع دون توجيه تهم رسمية.
أرقام أولية والعدد الحقيقي أكبر
وأفادت رويترز بأنها جمعت أسماء ما لا يقل عن 829 شخصا جرى اعتقالهم لأسباب أمنية منذ سقوط الأسد قبل عام، استنادا إلى مقابلات مع معتقلين سابقين وأقارب محتجزين، إضافة إلى مراجعة قوائم غير مكتملة أعدها منظمو زيارات عائلية إلى سبعة مراكز احتجاز.
وأشارت الوكالة إلى أن شهادات الاكتظاظ في السجون والمقابلات المتعددة تدل على أن العدد الحقيقي للمعتقلين لأسباب أمنية أعلى بكثير من الأرقام التي تمكنت من توثيقها.
عودة ممارسات قمعية
وبحسب التقرير كشفت عشرات المقابلات عن عودة ممارسات كان السوريون يأملون انتهاءها بسقوط الأسد، من بينها الاعتقال دون أوامر قانونية، واستخدام أساليب
تعذيب معروفة، وحالات وفاة أثناء الاحتجاز لا يتم تسجيلها رسميا.
كما نقل التقرير عن 14 عائلة تعرضها لابتزاز مالي مقابل الإفراج عن محتجزين، واطلعت رويترز على مراسلات بين عائلات معتقلين وأشخاص يزعمون أنهم حراس أو وسطاء.
وأوضحت رويترز أن الرئيس أحمد الشرع تعهد في كانون الأول/ديسمبر 2024 بإغلاق “السجون سيئة السمعة” التي أنشأها النظام المخلوع، غير أن التحقيق وجد أن ما لا يقل عن 28 سجنا ومركز احتجاز من عهد الأسد أعيد تشغيلها خلال العام الماضي.
ونقلت الوكالة عن وزارة الإعلام السورية قولها إن “الحاجة إلى تقديم المتورطين في انتهاكات عهد النظام البائد إلى العدالة” تفسر العديد من الاعتقالات وإعادة فتح بعض مراكز الاحتجاز.
حرمان من الحقوق القانونية
وأشار التقرير إلى أن المحتجزين في هذه المرافق يفتقرون إلى سبل الانتصاف القانونية، وأن توجيه تهم علنية للمعتقلين الأمنيين يظل نادرا، مع اختلاف السماح بالزيارات من منشأة إلى أخرى.
وأضاف أن بعض المعتقلين نقلوا إلى سجون كانت تديرها فصائل معارضة سابقا، بما فيها سجون في إدلب كان يشرف عليها الشرع، لينضموا إلى محتجزين منذ سنوات الحرب الأهلية.
وذكرت رويترز أنها وثقت وفاة ما لا يقل عن 11 شخصا أثناء الاحتجاز، من بينهم ثلاث حالات قالت العائلات إنها لم تعلم بوفاة أبنائها إلا بعد دفنهم، بينما لم تقدم الحكومة السورية أرقاما شاملة عن عدد الوفيات.
رد الحكومة السورية
وبحسب تقرير رويترز، قالت الحكومة السورية إن عدد المفرج عنهم خلال العام الماضي يفوق عدد المحتجزين حاليا، دون تقديم أرقام دقيقة، وأكدت أنها فرضت إجراءات تأديبية على 84 عنصرا أمنيا بتهم ابتزاز، و75 آخرين بسبب أعمال عنف.
وأشار تقرير رويترز إلى أن منظمات حقوق الإنسان ترى أن الاعتقالات الجماعية وحالات الاختفاء القسري تلقي بظلال ثقيلة على حكومة الشرع، التي وصلت إلى السلطة متعهدة بإنهاء إرث القمع.
كما نقل التقرير عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تلقيها “روايات مروعة” عن إعدامات وعمليات قتل تعسفي وخطف منذ سقوط الأسد.
ويخلص تقرير رويترز إلى أن التحدي الأكبر أمام سوريا في مرحلة ما بعد الأسد لا يتمثل فقط في محاسبة المتورطين في جرائم الماضي، بل في منع إعادة إنتاج منظومة الاعتقال والانتهاكات ذاتها التي ميزت حكم عائلة الأسد لعقود.