ملفات وتقارير

من هم حلفاء فنزويلا؟.. تعرف على خريطة الدعم الإقليمي والدولي

كولومبيا تبرز كحلقة حساسة في المعادلة- جيتي
مع التصعيد الأخير بين الولايات المتحدة وفنزويلا، تتزايد التساؤلات حول خريطة حلفاء كاراكاس الإقليميين والدوليين، وحجم أدوارهم في مواجهة الضغوط الأمريكية، ولا سيما في ظل التوترات العسكرية في الكاريبي والدور الحساس لكولومبيا ضمن هذه المعادلة الإقليمية المتشابكة.

أعلن حلفاء فنزويلا الإقليميون دعمهم لحكومة الرئيس نيكولاس مادورو خلال قمة عُقدت الأحد عبر الإنترنت، نددوا فيها باحتجاز الولايات المتحدة ناقلة نفط فنزويلية الأسبوع الماضي، في وقت يتصاعد فيه التوتر بين كاراكاس وواشنطن على خلفية تحركات عسكرية أمركيية في منطقة الكاريبي.


وجاء هذا الموقف خلال اجتماع لتحالف دول أمريكا اللاتينية والكاريبي (ألبا)، الذي يضم دولا يسارية من المنطقة، بالتزامن مع حديث مسؤولين فنزويليين عن تصاعد الحشد العسكري الأمريكي في جنوب البحر الكاريبي.

احتجاز ناقلة النفط "سكيبر"
مثّل احتجاز ناقلة النفط "سكيبر" قبالة السواحل الفنزويلية الأسبوع الماضي أول عملية استيلاء أمريكية على شحنة نفط فنزويلية منذ فرض العقوبات الأمريكية على قطاع النفط عام 2019.

وأعلنت إدارة ترامب أن ناقلة النفط "سكيبر" كانت تُستخدم لنقل النفط الخاضع للعقوبات من فنزويلا وإيران، فيما قال مدير مكتب التحقيقات الاتحادي كاش باتيل في بيان: "يُبرز ضبط هذه السفينة نجاح جهودنا في فرض عقوبات على حكومتي فنزويلا وإيران".

مواقف حلفاء مادورو في قمة "ألبا"
قال الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل، خلال القمة، إن أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي "تواجهان اليوم تهديدات غير مسبوقة خلال العقود الأخيرة"، في إشارة إلى السياسات الأمريكية تجاه فنزويلا.

وندد رئيس نيكاراغوا "دانيال أورتيغا" باحتجاز الناقلة، واصفا الخطوة الأمريكية بأنها "سرقة"، ومتهما واشنطن بمحاولة الاستيلاء على النفط الفنزويلي عبر فبركة قصة مفادها أن الكوكايين يأتي من ذلك البلد الجنوبي.

ودعا مادورو دول تحالف ألبا إلى مواجهة ما وصفه بالتدخل غير القانوني في شؤون المنطقة، قائلاً: "لن يُكتب لمشروع الاستعمار النجاح، سنكون أحرارا".

عزلة متزايدة في أمريكا اللاتينية
أفاد تقرير نشرته شبكة "سي إن إن" مطلع الشهر الجاري بأن مادورو يواجه عزلة متزايدة في أمريكا اللاتينية، بعد خسارته حليفين إقليميين هما هندوراس وسانت فنسنت والغرينادين عبر صناديق الاقتراع، بالتزامن مع تصعيد أمريكي تمثل في حشد بحري متزايد في منطقة الكاريبي.

وأشارت الشبكة إلى أن هذه التطورات تعكس تراجعًا للحركة الشعبوية المرتبطة بفنزويلا والمعروفة بـ"التشافيزية"، لافتة إلى أن دولا يسارية أو من يسار الوسط مثل البرازيل وتشيلي والمكسيك وكولومبيا قلصت علاقاتها مع كاراكاس، خصوصًا بعد انتخابات 2024 المتنازع عليها.

وفي كولومبيا، قال الرئيس غوستافو بيترو لشبكة "سي إن إن" إن مشكلة مادورو الأساسية تكمن في غياب الديمقراطية والحوار، رغم نفيه صلته بتهريب المخدرات.


وأضافت الشبكة أن كوبا لا تزال الحليف الأوثق لفنزويلا، رغم معاناتها من أزمة اقتصادية حادة تحد من قدرتها على تقديم دعم عسكري، فيما اكتفت نيكاراغوا بإدانة الحشد العسكري الأمريكي دون تقديم دعم مباشر.

قراءة تحليلية.. إحياء مبدأ مونرو بصيغة جديدة
بالمقابل، رأت الكاتبة لورا كابوتي، في مقال تحليلي نشره موقع "تحليل فنزويلا"، أن التصعيد الأمريكي ضد فنزويلا أعاد إحياء مبدأ مونرو بصيغة محدثة، تقوم على الهيمنة السياسية والعسكرية والاقتصادية على أمريكا اللاتينية، باستخدام أدوات أكثر نعومة من الانقلابات العسكرية التقليدية، مثل العقوبات والحصار والتدخل عبر المنظمات غير الحكومية والضغط القضائي والإعلامي.

وركزت الكاتبة على فنزويلا باعتبارها الهدف المركزي لهذا الهجوم، معتبرة أن المسألة لا تقتصر على النفط أو الموقع الجغرافي، بل تتعلق بكون الثورة البوليفارية تمثل نموذجا شعبيا صامدا منذ أكثر من عقدين، استطاع الاستمرار بعد وفاة هوغو تشافيز، ما كشف، برأيها، سوء تقدير واشنطن لطبيعة هذه التجربة المتجذرة اجتماعيًا وسياسيًا.

كولومبيا والتحالفات الإقليمية
تطرقت كابوتي إلى الوضع في كولومبيا، معتبرة أن وصول غوستافو بيترو إلى الحكم شكّل تحولًا تاريخيًا، رغم استمرار تأثير العقيدة العسكرية الأمريكية ووجود قواعد عسكرية أمريكية في البلاد.

وأشارت إلى أن تهديدات ترامب ضد بيترو، بسبب رفضه استخدام كولومبيا منصة للهجوم على فنزويلا، كشفت حدود السيادة الكولومبية، لكنها في الوقت ذاته ساهمت في رفع مستوى الوعي الشعبي بخطورة التبعية لواشنطن.

وأكدت أن العلاقة بين فنزويلا وكولومبيا تتجاوز الحدود السياسية، نظرًا لارتباط الشعبين بتاريخ وهوية وثقافة مشتركة، محذرة من أن أي عدوان على فنزويلا سينعكس مباشرة على كولومبيا.

وفي ما يخص التحالفات الإقليمية، رأت أن آليات مثل مجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي "سيلاك" تكتسب أهمية خاصة كونها إطارًا مستقلًا عن الهيمنة الأمريكية، رغم التباينات الأيديولوجية بين حكوماتها، داعية إلى مرافقة القمم الرسمية بتحركات شعبية تضمن حضور صوت المجتمعات في معادلة الدفاع عن السيادة والسلام.

وختمت بالتأكيد على أن التضامن المطلوب لا ينبغي أن يبقى في إطار البيانات السياسية، بل أن يتحول إلى ممارسة يومية تبدأ من الدفاع عن الأرض والمياه والموارد، معتبرة أن حماية فنزويلا جزء من معركة أوسع لحماية استقلال أمريكا اللاتينية بأكملها.

حلفاء مادورو الدوليون.. دعم متعدد المستويات
ومن منظور ثالث، قدّمت إحاطة صادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن (CSIS)،  في 19 تشرين الأول/أكتوبر 2020، صورة عن بقاء نيكولاس مادورو في السلطة بوصفه مرتبطا بدعم خمسة حلفاء رئيسيين هم: روسيا، الصين، كوبا، إيران، وتركيا، عبر مستويات متفاوتة من الإسناد المالي والدبلوماسي والاستخباراتي.

وأفاد التقرير بأن روسيا عملت كمقرض الملاذ الأخير للنظام، وساعدته على الالتفاف على عقوبات النفط، وقدمت إمدادات عسكرية، وساهمت في حملات تضليل إعلامي مؤيدة لمادورو.

وربط هذا الدور بتوسع الحضور الروسي في كاراكاس وتداخل المصالح في قطاع الطاقة، حيث لعبت شركات روسية، وعلى رأسها "روسنفت"، دورًا محوريًا في تسويق النفط الفنزويلي وتوجيهه إلى أسواق مثل الهند والصين، إلى جانب رهن مرتبط بحصة 49.9 في المئة من "سيتغو" التابعة لـPDVSA في الولايات المتحدة.

وذكر التقرير أن الصين بقيت داعمًا قويا وإن كان هادئا لمادورو، رغم خفض كبير لأنشطتها التجارية في السنوات الأخيرة، مع بقاء ديون مستحقة لها لا تقل عن 20 مليار دولار من قروض أبرمت قبل عام 2017.

وأشارت إلى أن التعاون شمل قطاعات النفط والبنية التحتية والاتصالات، بما في ذلك إطلاق أقمار صناعية، رغم تعثر العديد من المشاريع بسبب البيروقراطية والفساد وتراجع الخبرات، في وقت واصلت فيه بكين استيراد النفط الفنزويلي، وأخفت بعض التجارة عبر نقل من سفينة إلى أخرى، واستخدمت حق النقض في الأمم المتحدة ضد قرار مدعوم من الولايات المتحدة بشأن الانتخابات الرئاسية.

وعلى إثر آخر التوترات، أعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية عن معارضة بلاده لانتهاكات ميثاق الأمم المتحدة، والتعديات على سيادة وأمن الدول الأخرى، واستخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، وجاء في بيان صدر سابقا: "تعارض الصين تدخل القوى الخارجية في الشؤون الداخلية لفنزويلا تحت أي ذريعة"، كما تتمتع الصين وفنزويلا بعلاقة دبلوماسية وثيقة، بعد أن رفعتا مكانتهما إلى شراكة استراتيجية شاملة في عام 2023، لتكونا أول دولة في أمريكا اللاتينية تصل إلى هذا المستوى.

وصفت الإحاطة كوبا بأنها الحليف الأكثر التصاقا أيديولوجيًا، مع اعتماد وجودي على فنزويلا في النفط، مقابل نفوذ واسع داخل جهاز الاستخبارات والجيش وخطاب النظام.

وأوردت أن حضور الكوادر الكوبية توسع ليشمل الدعم الاستخباراتي والأمني، مع اتهامات بانتهاكات حقوقية وتعذيب منذ عام 2014، إلى جانب مساهمة كوبية في حملات التضليل، ما جعل هافانا طرفا مركزيا في منظومة السيطرة الداخلية التي يستند إليها مادورو للبقاء.

ومن الجانب الإيراني، أفاد التقرير حينها بأن إيران أعادت إحياء شراكتها مع كاراكاس قبيل النشر، على قاعدة التهرب من العقوبات، خصوصًا عبر شحنات الوقود ومكونات التكرير وسط نقص حاد في البنزين.

وأما تركيا، فتعتبر  شريك أحدث نسبيًا، لكنه برز كوسيط سهل لتجارة الذهب غير المشروعة، إذ استوردت نحو 900 مليون دولار من الذهب بين كانون الثاني/يناير   تشرين الثاني/نوفمبر   2018، ووفرت منفذا تجاريا وسوقا للنفط بعد العقوبات، مع خصوصية كونها الدولة الوحيدة ضمن الخمسة التي تحتفظ بعلاقة ثنائية قوية مع الولايات المتحدة، ما يجعلها مسارًا محتملًا للضغط الدبلوماسي.

تحذيرات من مواجهة عسكرية محتملة
يشكل نشر إدارة ترامب سفنا حربية قبالة السواحل الفنزويلية وتشديد الضغوط السياسية والاقتصادية على حكومة مادورو مؤشرات على اقتراب مواجهة عسكرية محتملة بين الولايات المتحدة وفنزويلا، حيث تندرج هذه التحركات ضمن مسعى أوسع لإعادة فرض النفوذ الأمريكي في نصف الكرة الغربي، مع التأكيد على إحياء وتطبيق مبدأ جيمس مونرو.

وحددت مجلة "نيوزويك" في تقرير، ثلاثة مؤشرات لاحتمال اندلاع حرب وشيكة، أولها انتقال واشنطن من فرض العقوبات إلى مصادرة ناقلات نفط فنزويلية، وهو ما وصفه مادورو بأنه قرصنة دولية.

وثانيها تكثيف العمليات العسكرية الأمريكية في البحر الكاريبي بذريعة مكافحة تهريب المخدرات، والتي أسفرت عن سقوط عشرات القتلى وأثارت انتقادات حقوقية.

أما المؤشر الثالث فتمثل في زيادة ملحوظة في حركة الطائرات والانتشار الجوي والبحري الأمريكي قرب فنزويلا، بما شمل مقاتلات متقدمة وقاذفات استراتيجية وحاملات طائرات وتدريبات تحاكي ضربات داخل الأراضي الفنزويلية، في انتشار وُصف بأنه من الأكبر منذ سنوات.

كما أوضحت شبكة "سي إن إن" أن أكثر من اثنتي عشرة سفينة حربية ونحو 15 ألف جندي أمريكي ينتشرون حاليًا في المنطقة ضمن ما تسميه وزارة الدفاع الأمريكية "عملية الرمح الجنوبي"، وأن ترامب عقد اجتماعًا في البيت الأبيض لبحث الخطوات التالية بشأن فنزويلا.