بينما كانت البلاد تستعد لانتخابات رئاسية مقررة في نيسان/ أبريل القادم، عاشت جمهورية
بنين التي ينظر إليها على أنها واحدة من أكثر بلدان غرب
أفريقيا استقرارا، صباح الأحد الماضي تطورات مفاجئة، عندما أعلن ضباط عسكريون الإطاحة بالرئيس
باتريس تالون، في
انقلاب عسكري جرى إفشاله خلال ساعات.
قادة المحاولة الانقلابية سيطروا على مبنى التلفزيون الحكومي وبثوا من خلاله بيانا أعلنوا فيه عن تشكيل مجلس عسكري لإدارة البلاد وإغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية، وتعليق الدستور، وحل المؤسسات، وتعليق نشاط الأحزاب السياسية.
وقد أطلقت مجموعة الضباط التي قادت المحاولة الانقلابية على نفسها "اللجنة العسكرية لإعادة التأسيس" واختارت العقيد
تيغري باسكال رئيسا لها، فيما بررت محاولتها الانقلابية بما سمته "التردي الأمني المتواصل في شمال بنين، وإهمال العسكريين الذين قُتلوا في الجبهة وترك عائلاتهم من دون دعم، والترقيات غير العادلة على حساب من أهم أكثر استحقاقا".
إجهاض المحاولة خلال ساعات
لكن لم تمض سوى ثلاث ساعات تقريبا حتى أطل وزير الداخلية والأمين العام الحسن صيدو، عبر التلفزيون ذاته ليعلن إحباط الانقلاب وعودة الحياة إلى طبيعتها في جميع أنحاء البلاد.
وقال صيدو إنه "في ساعات الصباح الأولى من يوم الأحد 7 ديسمبر 2025، أقدمت مجموعة صغيرة من الجنود على تنفيذ تمرد بهدف زعزعة استقرار الدولة ومؤسساتها" معتبرا أن ردّ فعل تلك القوات "هو الذي مكّن من استعادة السيطرة وإفشال المحاولة الانقلابية داعيا السكان إلى استئناف ممارسة أنشطتهم بشكل طبيعي.
وفي أول ظهور له بعد المحاولة الانقلابية وجه الرئيس البنيني باتريس تالون خطابا إلى مواطنيه، أكد فيه أن الوضع تحت السيطرة بالكامل، بعد تطهير آخر جيوب مقاومة المتمردين.
وأضاف أنه: "بحجة مطالب واهية، قامت مجموعة صغيرة من الجنود بتمرد، يهدف إلى مهاجمة مؤسسات الجمهورية وزعزعة استقرار وطننا، وبالتالي التشكيك في النظام الديمقراطي".
وقال إن "مثل هذه المغامرة كانت ستقود البلد إلى نفق مظلم له عواقب كارثية، وتوقف مسار التنمية" مشيرا إلى أنه تم بتنسيق مع قيادة قوات الدفاع والأمن، اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على السلم بهدف ضمان أمن وطمأنينة الجميع.
وشدد على أن هذه المحاولة الانقلابية "لن تمر دون عقاب" معبرا عن تضامنه مع ضحايا ما وصفها بالمغامرة الطائشة.
كيف تم إفشال المحاولة؟
مباشرة بعد بث التلفزيون البنيني لبيان الانقلابيين، دخلت طائرات أجواء بنين قادمة من
نيجيريا ونفّذت مناورة لافتة، قبل أن تنفذ غارات جوية في كوتونو العاصمة الاقتصادية لبنين.
وعرفت الساعات الأولى للمحاولة الانقلابية تحركا مكثفا للطيران العسكري النيجيري، حيث دخلت في البداية طائراتنا نيجيريتان أجواء البلاد وبدأت تنفيذ غارات جوية، قبل أن تلتحق بها ثلاث طائرات أخرى.
ولاحقا أعلنت نيجيريا بشكل رسمي أنها بناء على طلب بنين المجاورة نفذت غارة جوية في كوتونو العاصمة الاقتصادية للبلاد، ونشرت قوات برية لحماية النظام الدستوري ومنع محاولة الانقلاب.
وقالت الرئاسة النيجيرية في بيان إن طائرات مقاتلة تابعة لسلاح الجو النيجيري دعمت إبعاد مدبري الانقلاب من معسكر كانوا يتمركزون فيه، ومبنى التلفزيون الرسمي.
قوات احتياط تابعة لـ"إيكواس"
واستمرارا للتدخل النيجيري وفي تأكيد على ما يبدو على عدم إتاحة أي فرصة لنجاح انقلاب بنين، أمرت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" بالنشر الفوري لعناصر من القوة الاحتياطية للمجموعة في جمهورية بنين.
وأوضحت المنظمة غرب الإفريقية في ثاني بيان لها بعد محاولة الإطاحة بالرئيس البنيني باتريس تالون، أن القوة العسكرية تتكون من "قوات قادمة من جمهورية نيجيريا الاتحادية، وجمهورية
سيراليون، وجمهورية كوت ديفوار، وجمهورية
غانا".
وأشارت إلى أن هذه القوة "ستدعم الحكومة والجيش الجمهوري البنيني، من أجل الحفاظ على النظام الدستوري والسلامة الإقليمية لجمهورية بنين".
دور فرنسي محتمل
تزامنا مع المحاولة الانقلابية أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل
ماكرون، اتصالا هاتفيا مع الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو، عبّر خلاله عن تضامن
فرنسا مع نيجيريا في مواجهة التحديات الأمنية، ولا سيما التهديدات الإرهابية في الشمال، مؤكدًا استعداد باريس لتعزيز الشراكة ودعم السكان المتضررين، وداعيًا الشركاء الدوليين إلى تكثيف انخراطهم، معتبرًا أن "الحياد لم يعد خيارًا".
ورأى متابعون للشأن الأفريقي أن هذا الاتصال كان بمثابة إشارة سياسية واضحة إلى ضرورة تحرك نيجيريا باعتبارها القوة الإقليمية الأبرز في غرب أفريقيا من أجل إجهاض المحاولة الانقلابية في بنين.
ويرجح متابعون أن تكون باريس قد لعبت دورا رئيسيا في وقف المحاولة الانقلابية، نظرا لأن النظام الحاكم في بنين يعتبر حليفا استراتيجيا لفرنسا في غرب أفريقيا، ما يعني أن وصول العسكر إلى السلطة سيكون ضربة موجعة للنفوذ الفرنسي بغرب القارة السمراء.
وقال الصحفي المتابع للشؤون الإفريقية أحمد محمد فال: "كان واضحا منذ الساعات الأولى للانقلاب أن فرنسا لن تسمح بنجاحه، لأن ذلك قد يكون بداية لنهاية نفوذها بشكل كامل بالغرب الأفريقي".
وأضاف في تصريح لـ"عربي21": "فرنسا خسرت نفوذها في ثلاث دول بغرب القارة شهدت انقلابات عسكرية وهي مالي والنيجر وبوركينافاسو، وبالتالي أي نجاح للانقلاب في بنين قد يمهد الطريق لخسارة نفوذها في آخر معاقلها بغرب القارة الأفريقية".
وأوضح أن الحضور الفرنسي بعد الانقلابات العسكرية في منطقة الساحل الأفريقي، كان يتركز في الأساس على السنغال وساحل العاج وبنين، لكن هذا الحضور بدأ يتراجع بعد أن طلبت السنغال وساحل العاج من فرنسا إنهاء وجودها العسكري، وبدأت باريس بالفعل إغلاق قواعدها العسكرية بالبلدين، ما يعني أن بنين كانت آخر معاقل فرنسا في القارة.
وعلى مدى الـ60 سنة الماضية ظلت فرنسا تضع يدها على العديد من ثروات القارة الأفريقية عن طريق الشركات الفرنسية العملاقة.
ووفق تقديرات بعض الخبراء، فإن 80 في المئة من كل ما يتم استخراجه من الموارد والثروات المعدنية في أفريقيا، يصدّر بإشراف فرنسي نحو القارات الأخرى.
وتشكل محاولة الانقلاب في بنين أحدث تهديد للديمقراطية بغرب أفريقيا التي عرفت خلال السنوات الأخيرة عدة انقلابات عسكرية، حيث يحكم العسكر حاليا في النيجر وبوركينا فاسو ومالي وغينيا، وغينيا بيساو.