نشرت صحيفة "
فاينانشال تايمز" البريطانية تقريرا بينت فيه أن التغيير الذي طرأ في سياسة
اليابان النقدية ليس شأنا داخليا فحسب بل يمثل مشكلة عالمية، ذلك أن رفع اليابان للفائدة يمكن أن يؤدي إلى موجة خروج رؤوس الأموال من الأسواق الدولية ورفع عوائد السندات الأمريكية وهز أسواق الأسهم، إلا أن بعض الأطراف لا تزال غير مقتنعة بأن هذا السيناريو محتمل الحدوث.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، إن بنك اليابان أشار إلى احتمال رفع أسعار
الفائدة مجددا قريبا ما أضفى مزيدا من الزخم على موجة البيع الحادة في السندات اليابانية هذا العام، وأطلق ارتدادات ملموسة في الأسواق المالية العالمية.
وأضافت الصحيفة أن محافظ بنك اليابان، كازو أويدا، استخدم يوم الإثنين الماضي صياغات اعتبرها كثير من الاقتصاديين إشارة واضحة إلى أنه يهيئ الأسواق لخطوة مرتقبة قبل نهاية السنة. وتظهر أسواق المبادلات الآن تسعيرا يرجح بنسبة الثلثين رفعا للفائدة هذا الشهر.
فبعد سنوات من أسعار الفائدة السلبية، التي انتهت العام الماضي وكانت تسمح للمستثمرين بالاقتراض بأثمان زهيدة لشراء أصول أجنبية ذات عوائد أعلى، تستعد الأسواق العالمية اليوم لتأثيرات ارتفاع كلفة الاقتراض في اليابان.
ووفقا للصحيفة، وصل عائد السندات الحكومية اليابانية لأجل عامين أعلى مستوى له منذ 17 عاما في أعقاب خطابه، بينما بلغ عائد السندات لأجل 10 سنوات -الذي ارتفع 0.8 نقطة مئوية هذا العام- 1.906 بالمئة يوم الخميس. ومن المعروف أن العوائد تتحرك عكسيا مع أسعار السندات. كما قفز الين بنسبة تصل إلى 0.8 بالمئة مقابل الدولار يوم الإثنين الماضي قبل أن يخفض جزءا من مكاسبه لاحقا.
انعكست هذه التحركات بشكل ملموس على أسواق السندات العالمية، حيث ارتفع العائد على السندات الألمانية لأجل 10 سنوات بمقدار 0.06 نقطة مئوية، بينما زاد العائد على سندات الخزانة الأمريكية لنفس الأجل 0.08 نقطة مئوية في اليوم ذاته.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه التقلبات تستحضر ذكرى الاضطرابات التي شهدها السوق في وقت سابق من العام، نتيجة المخاوف المتعلقة بالطلب على السندات السيادية اليابانية طويلة الأجل، التي عمقت القلق العالمي إزاء عدم التوازن بين العرض والطلب في أسواق ديون الحكومات حول العالم.
وقد أعقب رفع بنك اليابان لأسعار الفائدة في تموز/يوليو 2024 ثاني أسوأ انهيار يومي في تاريخ سوق الأسهم اليابانية، حيث تراجعت الأسهم بنسبة 12 بالمئة في يوم واحد، وهو ما عزاه المتداولون إلى احتمالات تفكيك صفقات "الكاري تريد" المعتمدة على الين. كما ارتفع الين بقوة، في حين شهد مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" الأمريكي موجة بيع واسعة.
شهدت الأسهم اليابانية والعالمية تراجعا يوم الإثنين الماضي من هذا الأسبوع، وإن كان تأثيره أقل حدة، إذ انخفض مؤشر "توبيكس" بنسبة 1.2 بالمئة.
وفي هذا السياق، قال مانيش كابرا، كبير محللي الأسهم الأمريكية في "سوسيتيه جنرال": "إن أي إجراءات تشددية من بنك اليابان تشكل تهديدا لسوق الأسهم الأمريكية أكبر مما يشكله الاحتياطي الفيدرالي أو السياسات المحلية الأمريكية"، وذلك بسبب احتمال انتقال التأثير إلى عوائد سندات الخزانة الأمريكية.
وأضاف كابرا أن ارتفاع عائد السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات بنقطة مئوية واحدة قد يؤدي على الأرجح إلى تراجع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة تتراوح بين 10 بالمئة و12 بالمئة، مما يجعل تقلبات سوق السندات — رغم أنها ليست السيناريو الأساسي لدى البنك — أحد أكبر المخاطر المهددة لتوقعاته الإيجابية للعام المقبل.
وحسب الصحيفة، ليس الجميع مقتنعين بأن الأسواق العالمية ستتعرض لضربة كبيرة، فرغم ارتفاع الين يوم الإثنين الماضي، إلا أنه شهد ضعفا خلال الأشهر الماضية، بينما قد تبقي الفروقات النسبية في أسعار الفائدة، بعد احتساب تكاليف التحوط، السندات الأجنبية جذابة.
وأشارت الصحيفة إلى أن صندوق استثمار معاشات التقاعد الحكومي الياباني ملتزم بنسبة ثابتة، ونادرا ما يعدلها، تتمثل في تخصيص ربع محفظته لسندات غير يابانية، وتتبع العديد من صناديق التقاعد المحلية هذا النهج. ومن غير المرجح حدوث تعديل واسع وخارج الدورة بشكل مفاجئ.
ونقلت الصحيفة عن ماكس كيتنر، كبير استراتيجيي الأصول المتعددة في بنك "إتش إس بي سي"، أن الوضع اليوم مختلف عما حدث خلال اضطرابات العام الماضي: "هذا العام، لدى المستثمرين المضاربين مراكز شراء صافية قياسية على الين، وبالتالي فإن مخاطر تفكيك صفقات الكاري تريد على نطاق كبير محدودة جدا مقارنة بما حدث في صيف 2024".