في أحدث أخبار صفقات
الاستحواذ الخليجية بالسوق
المصري، باعت الشركة "
السعودية المصرية للاستثمار"، المملوكة
لـ"صندوق الاستثمارات العامة السعودي"، حصتها البالغة 19.328 بالمئة، في
شركة "الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع" المصرية، بقيمة 13.24 مليار
جنيه (278 مليون دولار- مليار درهم)، إلى مجموعة "موانئ أبوظبي".
بتلك الصفقة تعدت حصة الصندوق السيادي
الإماراتي
(القابضة أيه دي كيو) غير المباشرة بـ"الإسكندرية لتداول الحاويات"،
نسبة 51 بالمئة، حيث تمتلك 32 بالمئة عبر تابعتها "ألفا أوريكس"، ما
يضعها بوضع مسيطر وحاكم على قطاع الموانئ المصرية والنقل البحري والخدمات
اللوجستية، ويوسع حضورها بموانئ البحر المتوسط، إلا أن هناك جانب آخر تفجره الصفقة.
مكاسب المستثمرين وخسائر مصر
ويلفت خبراء ومحللون إلى حجم المكاسب الكبيرة التي
حققتها الشركات الخليجية بوقت قياسي، الذي يعتبرونه "
خسائر مصر" من بيع
أصولها الحكومية، وشركاتها العامة، وأراضيها الاستراتيجية، ومنح عقود تشغيل لشركات
أجنبية بقطاعات حيوية وتمس الأمن القومي كالموانئ والمطارات وغيرها.
وخلال 3 سنوات فقط، حققت "السعودية المصرية
للاستثمار"، أرباحا إجمالية بنسبة 188 بالمئة بقيمة 236 مليون دولار تقريبا
نتيجة استثمارها بالشركة المصرية -أحد أكبر مشغلي محطات الحاويات في مصر- ثم
تخارجها منها.
ومدفوعة بما حققته من نمو بإجمالي إيراداتها بلغ 194
بالمئة من 2022 حتى 2025، وبنجاح استراتيجيتها الاستثمارية في مصر، ستعيد
"الشركة السعودية" توجيه حصيلة البيع لقطاعات: الأسمدة، والخدمات
اللوجستية، والتعليم، والصحة، والمدفوعات الرقمية، وتجارة التجزئة، التي تستثمر
بها في مصر.
واشترت "الشركة السعودية" تلك النسبة من
الأسهم بـ"الإسكندرية للحاويات"، بقيمة 126 مليون دولار، آب/ أغسطس
2022، لتصل قيمة عوائد الاستثمار مع إتمام صفقة البيع الجديدة إلى 363 مليون دولار
تقريبا.
وبلغة الجنيه المصري، فقد اشترت "الشركة
السعودية"، حصصا بـ"الإسكندرية للحاويات" بقيمة ٣.1 مليار جنيه
وبعد 3 سنوات تقريبا باعتها بـ13.2 مليار جنيه، ما يعني مكسبا بقيمة 10.1 مليار
جنيه للشركة السعودية، وخسارة لمصر بذات القيمة، وفق خبراء.
الإعلان عن الصفقة دفع أسهم "الإسكندرية لتداول
الحاويات"، لتسجيل أداء قوي بالبورصة المحلية، الخميس، ورفع قيمتها السوقية
بنحو 8 مليارات جنيه لتبلغ 70 مليار جنيه.
و"الإسكندرية لتداول الحاويات"، تأسست عام
1984 على البحر المتوسط، وتمتلك محطتين عملاقتين بمينائي "الإسكندرية"
و"الدخيلة" متصلتين بشبكة السكك الحديدية، وبسعة 1.5 مليون حاوية مكافئة
سنويا، فيما سجلت العام المالي الماضي، إيرادات 8.37 مليار جنيه إيرادات، و6.09
مليار جنيه أرباحا.
تغول موانئ أبوظبي
وحول تملك "موانئ أبوظبي"، نسبة 51 بالمئة
من "الاسكندرية للحاويات"، قال الرئيس التنفيذي لـ"موانئ
أبوظبي"، محمد جمعة الشامسي: "نخطو خطوة نوعية تعزز حضورنا التشغيلي على
أحد أهم الممرات البحرية بالعالم".
ومع لها من استحواذات، وعقود انتفاع، وصفقات تطوير
بمناطق حيوية بساحل البحرين الأحمر والمتوسط، ومدخلي قناة السويس الجنوبي والشمالي؛
تتحكم "موانئ أبوظبي" بالمنطقة الاقتصادية "شرق بورسعيد"
و"ميناء السخنة" جنوب السويس، وما بينهما وهي قناة السويس، وفق خبراء.
كما أن سيطرة صندوق الثروة السيادي لأبوظبي، برئاسة
طحنون بن زايد، على إدارة وتشغيل وتطوير بموانئ: الإسكندرية، والغردقة، وسفاجا،
وشرم الشيخ، والعين السخنة، والغردقة، وبورسعيد، ودمياط، ورأس الحكمة، والعريش،
يثير المخاوف من السيطرة الإماراتية واحتكارها القطاع الحيوي.
وفي أيار/ مايو الماضي، عقدت "موانئ
أبوظبي"، اتفاقية تطوير وتشغيل منطقة "كيزاد شرق بورسعيد"،
الصناعية واللوجستية قرب المدخل الشمالي لقناة السويس و"ميناء بورسعيد"،
مدة 50 عاما قابلة للتجديد.
وإلى جانب ميناء "خليفة" و"جبل
علي"، بالإمارات، لموانئ "أبوظبي"، حضور قوي بالبحر الأحمر عبر
موانئ: "جدة" و"الجبيل" و"الدمام" بالسعودية،
و"العقبة" الأردني، و"بورسودان"، وجيبوتي، بالدولتين
العربيتين.
وبينما مقرر مشاركة "موانئ أبوظبي" بإنشاء
ميناء لليخوت والسفن السياحية في مشروع "رأس الحكمة" بالساحل الشمالي،
وقعت في كانون الثاني/ يناير الماضي، مذكرة تطوير وإدارة مجمع لوجستي بميناء
الإسكندرية بمساحة 1.1 كيلومتر مربع.
وفي حزيران/ يونيو 2024، نالت امتياز تطوير وتشغيل
وإدارة 3 محطات للسفن السياحية بموانئ "الغردقة" و"سفاجا"
و"شرم الشيخ"، 15 عاما بـ4.7 مليون دولار، بجانب امتياز 30 عاما لتطوير
وإدارة وتشغيل محطة لسفن الدحرجة، وأخرى للسفن السياحية بميناء "العين السخنة".
وذلك بعد اتفاقية في 2023، لبناء وتشغيل مشروع محطة
"سفاجا متعددة الأغراض"، بقيمة 200 مليون دولار، فيما استحوذت على شركتي
الخدمات اللوجستية "تسي سي آي وترانسمار"، و"سفينة لخدمات
الشحن"، مع اتفاقية تطوير وإدارة ميناء "العينة السخنة"، في آذار/
مارس 2022.
دليل إدانة للسياسة الاقتصادية
وفي رؤيته، أكد الخبير الاقتصادي والاستراتيجي
الدكتور علاء الدين سعفان، أنها "صفقة تفضح فشل الإدارة الوطنية، وأن بيع
(الإسكندرية للحاويات)، في 2022 جاء تحت ضغط مستحقات سعودية لم تستطع مصر الوفاء
بها"، مثمنا "قرار السعودية إعادة ضخ أرباحها في استثمارات جديدة
بمصر"، موضحا أنه "قرار يوضح حرصهم على مصالح مصر أكثر من حكومة القاهرة
وصندوقها السيادي".
رئيس "كونسورتيوم رؤية تي جي إس 2035"،
لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، قال لـ"عربي21": "يأتي بيع حصة
الشركة السعودية، بالإسكندرية للحاويات، إلى موانئ أبوظبي؛ لتضع بصمات واضحة على
طبيعة أزمة مصر الاقتصادية، وتكشف أبعاد إدارية واستراتيجية خطيرة"، مبينا أن
"مكاسب المستثمر السعودي – 236 مليون دولار في 3 سنوات و10.1 مليار جنيه-
دليل إدانة مزدوج للسياسة الاقتصادية للدولة".
وذهب سعفان، يوضح أن "بيع الأصول ليس استثمارا
في الأصل، كما تدعي الحكومة أنه أحد أشكال الاستثمار والتخارج الناجح"، مبينا
أن "الأرباح الفلكية والمفاجئة تؤكد أن سعر التنازل عن الحصة عام 2022 لم يكن
عادلا، وتم التقييم بأقل من القيمة الحقيقية بكثير، ما جعل المستثمر يحصد ثمرة نمو
الأصول ورواج السوق المصري بفترة وجيزة".
كما تؤكد أن "الأصول المصرية مربحة بطبيعتها
وسوقنا جاذب وقابل للنمو، وعندما يربح مستثمر خارجي 10.1 مليار جنيه من أصل وطني
خلال 3سنوات، فهذا يؤكد أن القرار ببيع الأصول أو التنازل عنها كان ولا يزال قرارا
خاطئا يمثل إهدارا للمال العام"، وفق رؤية الخبير المصري.
ولفت إلى "عجز الإدارة الوطنية وفشل
الحكومة"، موضحا أن "الصفقة تكشف انعدام الكفاءة والقدرات الإدارية
المصرية"، متسائلا: كيف لتلاميذ الأمس (المستثمرين الذين أداروا الأصول)
تحقيق هذه الأرباح القياسية؟، بينما المصريون الذين يدعون الأستاذية والسبق عجزوا
عن إدارة الأصول ذاتها"، مؤكدا أنه دليل أن الدولة تدار بكفاءات منعدمة".
وانتقد الخبير المصري إصرار "الحكومات على بيع
الثروة والموارد تحت ضغط سداد الديون، وغياب الرؤية الاقتصادية التي تخدم الاقتصاد
والشعب، والتركيز على مشاريع (أكبر جامع، أعلى برج، أكبر متحف، الكابتاجون، القصور
الرئاسية... إلخ) بدلا من بناء قاعدة إنتاجية حقيقية".
خطر استراتيجي
يرى سعفان، أنها "النقطة الأكثر خطورة"،
مؤكدا أنه "كان حريا بالصندوق السيادي المصري أن يسترد تلك الحصة بدلا من
تحولها من السعوديين لموانئ أبوظبي"، مبينا أنه "تنازل يمثل خطرا مع
محاولات متزايدة للسيطرة على أماكن ومرافق حيوية تمس الأمن القومي المصري، بدءا من
الموانئ الاستراتيجية مرورا بالاتصالات، والمصارف، والمستشفيات، والتعليم".
وخلص سعفان، للقول إن "المصلحة العامة تقتضي
التوقف فورا عن سداد الديون بالتنازل عن الأصول الوطنية"، محذرا من
"استمرار هذا النهج وما يتبعه من تآكل الثروة الوطنية وزيادة التبعية".
وبينما بلغت حصيلة مصر من طرح 17 شركة على المستثمرين
منذ آذار/ مارس 2022، وحتى أيلول/ سبتمبر 2024، نحو 5.7 مليار دولار، وفقا لبيانات
مجلس الوزراء، تعدت أرباح المستثمرين في 3 سنوات فقط تلك المبالغ بكثير.
وخلال تلك الفترة، استحوذت "صندوق أبوظبي" (ADQ) على 8 شركات مقابل 2.6
مليار دولار، واشترى "صندوق الاستثمارات العامة" السعودي 4 شركات مقابل
1.3 مليار دولار، وحصلت "غلوبال" للاستثمار الإماراتية شركة واحدة بـ625
مليون دولار، واستحوذت "الأصباغ الوطنية القابضة" الإماراتية على شركة
واحدة مقابل 17 مليون دولار.
في نيسان/ أبريل 2022، حصلت (القابضة ADQ) على 18 بالمئة من
"البنك التجاري الدولي"، بقيمة 911.5 مليون دولار، لترتفع أرباح البنك
في 2024 بنسبة 86.24 بالمئة، مسجلة 55.25 مليار جنيه، من 13.2 مليار جنيه عام
2021، وهي سنة ما قبل البيع.
وشهد أيلول/ سبتمبر 2022، شراء "السعودية
المصرية للاستثمار"، 25 بالمئة من "مصر لإنتاج الأسمدة" (موبكو)،
مقابل 370 مليون دولار، لتسجل "موبكو" 15.11 مليار جنيه أرباحا عام
2024، ارتفاعا من 4.79 مليار جنيه خلال 2021.
كما استحوذت الشركة السعودية والصندوق السيادي
الإماراتي على حصص في "أبوقير للأسمدة"، أيلول/ سبتمبر 2022، بنحو 380
مليون دولار، لتسجل "أبوقير" 8.2 مليار جنيه أرباحا في 2024، بعد 3.5
مليار جنيه عام 2020.
في أيلول/ سبتمبر 2022، استحوذت "السعودية
المصرية" على 25 بالمئة من المصرية للخدمات المالية (إي فاينانس)، بقيمة 7.27
مليار جنيه، ليبلغ صافي ربحها 1.83 مليار جنيه عام 2024، بعد أن كان 519.7 مليون
جنيه عام 2021.
في نهاية 2022، استحوذت (القابضة ADQ)، و"السعودية المصرية" على 32 و29
بالمئة من "الإسكندرية لتداول الحاويات"، بحوالي 193 مليون دولار من
الأولى، و126 مليون دولار من الثانية، وبنمو 5 بالمئة حققت 6.6 مليار جنيه أرباحا
بعام (2024/2025)، مرتفعة من 1.41 مليار جنيه في (2020/2021).
ومنذ كانون الأول/ ديسمبر 2024، اشترت شركة
"أيكون" التابعة لمجموعة طلعت مصطفى 51 بالمئة من 7 فنادق تاريخية،
منها: (كتراكت أسوان، سيسيل الإسكندرية، ونتر بالاس الأقصر، ماريوت مينا هاوس)،
بقيمة 800 مليون دولار، لتحصل أبوظبي القابضة (ADQ) مع "أدنيك" الإماراتية على 40
بالمئة من "أيكون"، وضختا حوالي 882.5 مليون دولار.
وقفزت أرباح "أيكون"، بنسبة 200 بالمئة،
محققة صافي ربح بلغ 1.26 مليار جنيه خلال 2024، مقابل 423.59 مليون جنيه في 2023.
استمرار البيع رغم الخسائر
ورغم ما حققته الشركات المستحوذة على شركات حكومية
مصرية من مكاسب منذ إصدار وثيقة ملكية الدولة عام 2022، تواصل القاهرة بيع شركاتها
العامة وأصولها الحكومية.
وفي شباط/ فبراير الماضي، أعلنت عن خطط بيع حصص في
32 شركة، بينها 3 بنوك هي: "القاهرة"، و"المصرف المتحد"،
و"العربي الأفريقي الدولي".
وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلنت طرح 10 شركات هي:
"أمل والشريف للبلاستيك"، و"مصر للأدوية"، و"سيد
للأدوية"، و"ميدور"، و"صافي"، و"وطنية"
للبترول، و"الوطنية للطرق"، و"سيلوفودز للصناعات الغذائية"،
و"تشيل آوت لمحطات الوقود"، و"محطة جبل الزيت".
وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعلنت الحكومة
نيتها جمع بين 1.25 و1.5 مليار دولار بطرح حصص بـ4 شركات مملوكة للدولة بحلول
حزيران/ يونيو المقبل.
وقبل قدوم بعثة صندوق النقد الدولي لإتمام
المراجعتين الخامسة والسادسة من قرض المليارات الثمانية، طالب الصندوق الإسراع في
عمليات الطروحات.