شهدت محافظة حلب أول جلسة للمحاكمات العلنية للمتهمين بارتكاب انتهاكات في
الساحل السوري، وذلك في القصر
العدلي بحلب، أمس الثلاثاء.
وسجلت الجلسة التي حظيت باهتمام واسع مثول 14 متهماً بعضهم من فلول النظام المخلوع، وآخرون من عناصر وزارة الدفاع السورية، وتم تأجيل جلسات المحاكمة للمتهمين إلى 18 و25 من الشهر المقبل.
وقال قاضي المحكمة إن الإجراءات القضائية ستكون وطنية وحيادية ومستقلة، وفقاً لأحكام قانون العقوبات السوري، مضيفا: "نوجّه للمتهمين جرائم الفتنة وإثارة الحرب الأهلية وتزعم عصابات مسلحة، ومهاجمة القوى العامة، والقتل، والنهب، والتخريب".
وكان المتحدث الرسمي للجنة الوطنية المستقلة للتحقيق في أحداث الساحل، ياسر الفرحان، قد كشف عن إحالة 298 متهماً بالاعتداءات على المدنيين، و265 متهماً بالاعتداءات على عناصر الأمن العام إلى القضاء.
من جهته، وصف رئيس اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق، القاضي جمعة العنزي، هذه المحاكمات بأنها "لحظة فارقة" تعكس حرص الدولة على العدالة والشفافية وتعزز الثقة بالقضاء، مع مراعاة حقوق المتهمين وإجراء محاكمات عادلة. وأضاف أن الجهود المبذولة من وزارات العدل والداخلية والدفاع والمؤسسة القضائية والضابطة العدلية كانت ضرورية للتعامل مع تعقيد الملف وضمان دقة الإجراءات القانوني.
والإثنين، أعلنت الحكومة السورية عن بدء المحاكمات في أحداث الساحل السوري، في خطوة لاقت ترحيبا محليا، على اعتبار أن المحاكمات من شأنها نزع فتيل التوتر في هذه المنطقة التي لا زالت تعتبر ساخنة.
وزارة العدل توضح لـ"عربي21"
وقال رئيس مديرية الإعلام في
وزارة العدل السورية براء عبد الرحمن، ليس الغرض من المحاكمات هو نزع فتيل التوتر في الساحل السوري فحسب، وإنما تعزيز سيادة القانون، والمساواة والمواطنة، بغض النظر عن الانتماءات الطائفية والعرقية في
سوريا.
وأَضاف لـ"عربي21" أن المحاكمات تعبر عن توجه الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير العدل مظهر الويس، إلى محاكمة كل من تورط في الانتهاكات، أي الفلول الذين استهدفوا عناصر وزارة الدفاع، وعناصر وزارة الدفاع الذين ارتكبوا الانتهاكات ضد بعض المدنيين.
وقال عبد الرحمن إن المحاكمات ستكون علنية وشفافة، ودون أي تهرب من الواقع، وهذه توجيهات السيد رئيس الجمهورية.
وسبق وأن أكد وزير العدل السوري مظهر الويس أن المتهمين بارتكاب انتهاكات في الساحل السوري، سيخضعون إلى محاكمات علنية من قبل السلطات القضائية، مشيرا إلى أنه لن يكون هناك أي إفلات من العقاب.
وكانت اللجنة المكلفة بالتحقيق في أحداث الساحل السوري، قد أعلنت خلال مؤتمر صحافي التوصل إلى أسماء 298 شخصاً من المشتبه بتورطهم في الانتهاكات، موضحة انها أحالت على النائب العام لائحتين بأسماء المتورطين في الانتهاكات بينهم عناصر من الأمن والجيش السوري.
وذكرت اللجنة أنها تحققت من 1426 قتيلاً، منهم 90 امرأة، والباقون معظمهم مدنيون، وبعضهم عسكريون سابقون أجروا تسويات مع السلطات المختصة، مرجحةً أن معظم حوادث القتل وقعت خارج أو بعد انتهاء المعارك العسكرية.
المحاكمات تعزز مصداقية الحكومة
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي المقرب من دمشق، باسل المعراوي، أن المحاكمات هذه تُعزز مصداقية الحكومة وجدارتها بقيادة البلاد في المرحلة الانتقالية، وتكرس مبدأ العقاب في المؤسسات الأمنية الرسمية.
وأضاف لـ"عربي21" أن المحاكمات من شأنها طمأنة الطائفة العلوية من حيث شعورها بالعدل والحماية الكاملة من الحكومة، وبالطبع ستنزع فتيل النقمة الناتج عن مظلومية علوية يريد الفلول صناعتها وذلك لزعزعة السلم الأهلي الذي تسعى الحكومة لتكريسه على الأرض وليس عبر الخطابات والشعارات.
وبحسب المعراوي، فإن المحاكمات ستضيق قاعدة التجنيد عند الفلول لأن الرغبة في الانتقام تكون قد بردت وخفت حدتها، داعيا الحكومة إلى الإسراع بتفعيل مسار العدالة الانتقالية لأنه الكفيل بالتأسيس لسلم اجتماعي مستدام.
تشكيك بالمحاكمات
في المقابل، يشكك الكاتب راتب شعبو من أبناء الساحل السوري في المحاكمات، ويقول لـ"عربي21" المشكلة في "مجازر" الساحل لا تكمن في قتل أبرياء عزل بدم بارد وبدافع طائفي صريح فقط، بل المشكلة الأكبر هي في موقف السلطة منها.
وقال: "تورط السلطة في مجازر الساحل لا يحتاج إلى لجان تحقيق كي تثبته، وقد أثبته تقرير" رويترز"، ولم يسمع الأهالي ولو كلمة طيبة من مسؤول، وحين تكلم الرئيس الشرع مرتين متتاليتين عقب المجازر، لم يترحم على من قُتل ولم يعزي الأهالي بكلمة ولم يعترف أصلا بالجريمة التي ارتكبت، وما يؤلم استمرار عمليات الاستباحة من قتل شبه يومي إلى خطف شبه يومي إلى تحريض طائفي"، وفق تأكيده.
وتابع شعبو: "على كل حال، محاكمة المجرمين الذين ارتكبوا مجازر الساحل أمر جيد"، متسائلا: "لكن ما قيمة محاكم على جرائم مضت فيما الجرائم مستمرة دون ملاحظة جهد لوقفها".
يُذكر أن الحكومة السورية شكلت لجنة للتحقيق في أحداث الساحل بعد أسبوع من الهجمات التي شنها فلول النظام البائد على دوريات وحواجز أمنية، تلتها اشتباكات تخللتها انتهاكات ضد المدنيين.