نشرت صحيفة "
واشنطن بوست" تقريراً أعدته توبي راجي، قالت فيه إن الإمارات العربية المتحدة تواجه غضباً متزايداً بسبب دعمها لميليشيا حميدتي في السودان، وقالت إن منظمات حقوق الإنسان وأعضاء في الحكومة الأمريكية وخبراء في المنطقة باتوا يحملون وبشكل متزايد الإمارات مسؤولية تغذية العنف في السودان.
واعتبرت الجماعات المناصرة لحقوق الإنسان وأعضاء في الكونغرس الأمريكي وخبراء بالمنطقة ما فعلته قوات الدعم السريع في مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، بأنه إبادة جماعية؛ حيث قام أفرادها بذبح عائلات وأطباء وأعداد من المدنيين الآخرين، كما وحملوا الإمارات مسؤولية تغذية العنف في الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين. وتنفي الإمارات دعمها لقوات الدعم السريع، رغم وجود أدلة تثبت أن الدولة الخليجية زودت هذه الجماعة شبه العسكرية بالذخائر والطائرات المسيرة وغيرها من أشكال الدعم العسكري.
وكانت الحرب قد اندلعت في نيسان/أبريل 2023 بسبب صراع على السلطة بين قائد القوات المسلحة السودانية، الجنرال عبد الفتاح البرهان، ومحمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، قائد قوات الدعم السريع، وقد خرجت الحرب عن السيطرة ودمرت مناطق ومدن السودان، وقُتل فيها أكثر من 140.000 شخص وشُرِّد 12 مليونًا داخل السودان وفي دول الجوار مثل تشاد وجنوب السودان. ويحصل الجيش السوداني على دعم خارجي من روسيا وتركيا وإيران.
وفي كانون الثاني/يناير، فرضت إدارة جو بايدن عقوبات على حميدتي والبرهان متهمة الطرفين بارتكاب جرائم حرب. وردت وزارة الخارجية الإماراتية على مزاعم دعمها للدعم السريع في بيان لـ"واشنطن بوست" في 5 تشرين الثاني/نوفمبر، أدانت فيه "الانتهاكات الإنسانية المروعة والجرائم الرهيبة المرتكبة ضد المدنيين" في جميع أنحاء السودان، وأضافت الوزارة أن "استهداف المدنيين والمناطق السكنية والمرافق الحيوية في جميع المناطق التي تشهد مواجهات مسلحة يشكل تصعيدًا خطيرًا وانتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي وجميع المبادئ الإنسانية والأخلاقية".
وتقول الصحيفة إن تورط الإمارات في الحرب الأهلية السودانية نابع من مصالحها في البحر الأحمر، الذي يمر عبره حوالي 12 بالمئة من حركة الشحن العالمية، وفقًا لخبراء، ويعد هذا الممر الملاحي حيويًا للتجارة في الموانئ الإماراتية، كما أن للدولة الغنية بالنفط مصالح في قطاعي الذهب والزراعة في السودان، كجزء من جهد أوسع لتنويع اقتصادها.
وفي الوقت الذي فرضت فيه الولايات المتحدة عقوبات على شخصيات بارزة في قوات الدعم السريع والقوات السودانية المسلحة، حثت منظمة "هيومان رايتس ووتش" مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على فرض عقوبات إضافية على قيادة قوات الدعم السريع لانتهاكها حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على دارفور عام 2004، كما حثت المنظمة المجتمع الدولي لـ "التحدث علناً وإدانة" الإمارات العربية المتحدة لدعمها المستمر "لهذه القوة التي تواصل ارتكاب الفظائع".
وقالت لاتيتا بادر، مديرة قسم
القرن الأفريقي في هيومان رايتس ووتش: "لم نشهد أي إدانة أو فضح
علني للإمارات العربية المتحدة، وهو ما مطلوب الآن"، وأضافت: "حتى
الآن، لم يفرض أي ثمن سياسي على الإمارات العربية المتحدة لدعمها المستمر، إنها دولة تهتم بصورتها اهتماما
بالغا، ومن الضروري أن ينتقدها شركاؤها في جميع أنحاء العالم على هذا الدعم
المستمر لقوات الدعم السريع".
وفي يوم الأربعاء، وجه كبير
الدبلوماسيين في إدارة ترامب أشد انتقاداته لداعمي قوات الدعم السريع حتى الآن، وعندما سئل وزير الخارجية ماركو روبيو عن تقييمه لدور الإمارات العربية المتحدة في
الصراع، قال إن الإدارة تعرف "الأطراف المتورطة... ولهذا السبب هم جزء من
الرباعية"، في إشارة إلى مجموعة الوساطة التي تقودها الولايات المتحدة والتي
تضم أيضا الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر.
وقال روبيو للصحافيين عقب الاجتماع الوزاري لمجموعة السبع في كندا: "يجب القيام بشيء ما لقطع الأسلحة والدعم الذي تتلقاه قوات الدعم السريع مع استمرار تقدمها"، وأضاف أن قوات الدعم السريع "لا تمتلك قدرات تصنيع" و"أحدهم يمنحهم المال والآخر يمنحهم السلاح، ويمر عبر دولة ما، ونحن نعرف من هم، وسنتحدث معهم بشأن ذلك ونجعلهم يدركون أن هذا - سينعكس سلبا عليهم وعلى العالم إن لم نتمكن من إيقافه".
وفي الكونغرس، دعا السناتور الديمقراطي عن ميرلاند كريس فان هولين والنائبة الديمقراطية عن ميشيغان رشيدة طليب والديمقراطي عن نيويورك غريغوري دبليو ميكس إلى حظر جميع مبيعات الأسلحة إلى الإمارات العربية المتحدة، وانتقدت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكيين من الحزبين دور الدولة الخليجية في الحرب، قائلين إن الإمارات "أججت الصراع واستفادت منه، وشرعنت الوحوش التي تدمر السودان".
وعند سؤاله عن تقارير دعم الإمارات لقوات الدعم السريع خلال قمة أمنية في البحرين الأسبوع الماضي، لم يُقِرَّ أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، بهذا الادعاء، مكتفياً بالقول إن المجتمع الدولي ارتكب "خطأً فادحاً" بفشله في وقف الانقلاب العسكري في السودان عام 2021. وقال قرقاش: "كان ينبغي علينا جميعاً أن نتخذ موقفاً حازماً. لم نُسَمِّهِ انقلاباً".
وقد استخدمت قوات الدعم السريع طائرات مسيرة وذخائر وأسلحة أخرى مقدمة من الإمارات العربية المتحدة لتنفيذ حملتها الإرهابية في دارفور، وفقاً لما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست" سابقاً. ففي عام 2024، سمح مسؤولون عسكريون سودانيون في مدينة أم درمان لصحافيي "واشنطن بوست" بمعاينة طائرة مسيرة، قالوا إنهم استولوا عليها من مقاتلي قوات الدعم السريع، بالإضافة إلى ذخائر مخصصة لها.
ونشر المسؤولون صورًا للصناديق التي استولوا عليها، بما في ذلك صندوق يحمل ملصقًا يشير إلى أن الذخائر صُنعت في صربيا وأُرسلت إلى القيادة اللوجستية المشتركة للقوات المسلحة الإماراتية. علاوة على ذلك، قام مرصد الصراع في السودان، وهو مجموعة ممولة من وزارة الخارجية الأمريكية تتبعت الرحلات الجوية الإماراتية، بتتبع 32 رحلة جوية بين حزيران/يونيو 2023 وأيار/مايو 2024، وخلص "بشكل شبه مؤكد" إلى أنها كانت عمليات نقل أسلحة من الإمارات العربية المتحدة إلى قوات الدعم السريع، وفقًا لتقييم تمت مشاركته مع "واشنطن بوست" في عام 2024.
دخلت الحرب الأهلية السودانية مرحلة جديدة في أواخر تشرين الأول/أكتوبر عندما استولى مقاتلو الدعم السريع على الفاشر بعد حصار المدينة، آخر معقل للقوات المسلحة السودانية في المنطقة. لأكثر من عام، فر حوالي 600,000 شخص من المدينة والمناطق المحيطة بها خلال تلك الفترة، وقالت الأمم المتحدة إن 260,000 شخص قد تركوا في الفاشر عندما اقتحمت قوات الدعم السريع المدينة.
منذ ذلك الحين، لم يتمكن من الفرار سوى أقل من 90,000 شخص، حسبما ذكرت المنظمة الدولية للهجرة يوم الأربعاء، وقد أدى انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء المدينة إلى صعوبة معرفة المزيد عن مصير من بقوا في الفاشر.
وقالت بادر، من "هيومن رايتس ووتش": "لقد حذر ناشطون محليون ومنظمات حقوق إنسان، مثلنا ومنظمات أخرى كثيرة، منذ شهور مما قد يحدث إذا سيطرت قوات الدعم السريع على المدينة"، وأضافت: "في هذه الأثناء، لا يزال آلاف وآلاف وآلاف الأشخاص في عداد المفقودين".
كما أعرب مسؤولون في الأمم المتحدة عن مخاوفهم بشأن العنف في السودان. وفي حديثه في قطر الأسبوع الماضي، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن على المجتمع الدولي ضمان "منع دخول المزيد من الأسلحة إلى السودان"، محذراً من أن الصراع في الدولة المحاصرة الواقعة في شرق إفريقيا "يخرج عن نطاق السيطرة".
لي فونغ، ممثل مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في السودان، قال: "قُتِلَ المئات، بينهم نساء وأطفال وجرحى، كانوا يبحثون عن الأمان في المستشفيات والمدارس. وقُتلت عائلات بأكملها أثناء فرارها، واختفى آخرون ببساطة". وأضاف: "ما نشهده ليس فوضى، بل اعتداء ممنهج على حياة الإنسان وكرامته". وحثّ أكثر من اثني عشر وزيرَ خارجية ومسؤولاً رفيع المستوى من جميع أنحاء العالم كلا الجانبين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وقالوا في بيان مشترك: "إن عملية سياسية واسعة وشاملة مملوكة للسودانيين فقط هي القادرة على حل تحديات السودان".