ملفات وتقارير

كيف يفشل جيش الاحتلال في تبني "عقيدة فخر" كبرى الجيوش العالمية؟

استعاد جيش الاحتلال عددا قليلا ومحدودا من جنده الأسرى في غزة عبر عمليات عسكرية- جيتي
استرجع جيش الاحتلال الإسرائيلي كل جنده الأحياء ومنظم القتلى من قطاع غزة، إلا أن ذلك لم يتم إلا عبر اتفاق مع المقاومة الفلسطينية، باستثناء حالات قليلة، وهو ما يحرمه من التباهي والتفاخر بعقيدة عسكرية شهيرة لدى مختلف جيوش العالم.

ويعد مبدأ "لا نترك أحداً خلفنا" أو "لن نترك رفيقا أصيب" مبدأ أخلاقيا حربيا يؤكد على استرجاع الجنود المفقودين أو المصابين في ساحة المعركة، وهو الذي تتبناه بشكل صريح العديد من الجيوش والدول الحليفة، وقد انعكس ذلك في شعاراتها وقوانينها الداخلية.

وتتضمن مقدمة نشيد الجندي في الجيش الأمريكي عبارة "لن أترك رفيقا"، وهو ما يجسد العقيدة الأساسية بعدم التخلي عن أي جندي، كما يظهر في نشيد القوات الجوية الأمريكية "لن أترك طيارا خلفي".

وإلى جانب الولايات المتحدة، يُعبر أفراد جيوش حلف الأطلسي "الناتو" عن نفس المبدأ باللاتينية “nemo resideo” أي "لا يترك أحد خلفه" داخليا حتى وإن لم يكن شعارا رسميا معلنا. 


ويوجد لدى الاحتلال الإسرائيلي مبدأ مشابه ضمن عقائد بعض الوحدات، فعلى سبيل المثال نصت إرث قتالي لكتيبة 890 ضمن لواء المظليين الإسرائيلي، على عدم "ترك المصابين في الميدان".

ويتردد دائما في خطاب أوساط أسر الجنود الأسرى عبارة "لا تترك أحدا خلفك"، وذلك دعما لأسر وعائلات الجنود جنودهم.

الجيش الأمريكي 
مع بداية حرب فيتنام التي امتدت من 1961 وحتى 1975، لم تكن قدرات البحث والإنقاذ لدى الجيش الأمريكي مثلما هي حاليا، الأمر الذي أدى إلى سقوط عدد كبير من الجنود دون إنقاذٍ فوري، كتب مؤرخون أن وحدات الإنقاذ وصلت متأخرة، وكانت النتيجة أن مات أو أُسرّ العشرات، إن لم يكن المئات.
وشكلت حرب فيتنام فشلا أمريكيا في تطبيق مبدأ "لا نترك خلفنا"، رغم أنه كان بالفعل معلنا في الشعارات العسكرية.

وفي حروب الخليج والعراق التي امتدت بين أعوام 1991 و2003، استثمرت قوات التحالف في تأسيس وحدات إنقاذ متقدمة "طائرات بحث وإنقاذ خاصة"، فحدّ ذلك من ترك الجنود خلف خطوط "العدو".

وتفاخر الجيش الأمريكي حينها في إنقاذ المجندة المتطوعة جيسيكا لينش عام 2003 بعد أسرها في معركة الناصرية، وجرى ترويج العملية على أنها الأولى من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية.

ورغم ذلك، تبين أن التقارير الرسمية الأولية عن أسرها وإنقاذها اتّسمت بعدم الدقة، وفي 24 نيسان/ أبريل 2007، أدلت بشهادتها أمام الكونغرس الأمريكي، مؤكدة أنها لم تطلق النار مطلقًا خلال الهجوم، إذ تعطلت بندقيتها من طراز إم 16، كما أنها فقدت الوعي نتيجة تحطم مركبتها أثناء الكمين من القوات العراقية.

وانتقدت لينش علنًا الروايات الأولى التي بالغت في تصوير دورها القتالي، قائلة: "لم أكن تلك البطلة.. لن أقبل أن يُنسب إليّ ما لم أفعله.. أنا فقط ناجية".

جيش الاحتلال 
في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، ورغم إعلان مسؤولين إسرائيليين عن عزمهم على عدم ترك أي جندي أسيرا، إلا أن عدد المفقودين والجنود المحتجزين تحت مصطلح "أسرى حرب" كان كبيرا آنذاك، وخاضت "إسرائيل" مفاوضات صعبة لإعادتهم خلال سنوات، ولم تنجح جميعها.

وفي الحروب ضد قطاع غزة منذ عام 2008 حتى حرب الإبادة التي بدأت في 2023، تكرر الفشل الإسرائيلي فيترك جنود خلف قواته، وذلك منذ أن كشفت كتائب القسام لأول مرة شريط فيديو مصورا، يظهر فيه الجندي الأسير جلعاد شاليط لمدة دقيقتين، وكان ذلك في تشرين الأول/ أكتوبر 2009.

وأظهر المقطع شاليط مرتديا الزي العسكري وحاملا جريدة إخبارية فلسطينية بتاريخ 14 أيلول/ سبتمبر 2009، وتحدث بالعبرية، مخاطبا رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بالموافقة على شروط حماس، وتأمين الإفراج عنه في أسرع وقت ممكن قبل فوات الأوان. 



وفي حرب 2014، قتل وجرى اختطاف جنديين إسرائيليين (هدار غولدن، وآرون وشاؤول) في اشتباكات جرت جنوب قطاع غزة، ولم تتمكن القوات الإسرائيلية من الوصول إليهما إلا بعد أكثر من 11 عاما وعبر مفاوضات مع المقاومة الفلسطينية.


وفي حرب الإبادة التي بدأت 2023، قُتل وأُسر عدد من الجنود على حدود غزة، أعلنت إسرائيل عملياً مشاركتها في استعادة كل الأسرى والقتلى، ورغم استمرار الحرب لأكثر من عامين، لم يتم استرجاع إلا 4 جنود، ومن ضمنهم جثة الجندي أورون شاؤول المفقود منذ 2014.

فشل متكرر
وكان رون آراد من أبرز العسكريين الإسرائيليين الذين "تركوا"، وهو طيّار إسرائيلي ولد 1958، وسقطت طائرته الحربية في لبنان عام 1986 ونجا من الحادث مع زميله  يشاي أفيرام، لكنه وقع أسيرا في أيدي حركة أمل، وفق ما أعلنت السلطات الإسرائيلية آنذاك.

وفي ذلك الوقت، تمكّن جيش الاحتلال حينها من تحديد موقع الطيار يشاي أفيرام، الذي كان برفقة آراد وإنقاذه، وبقي الغموض يحيط بمصير آراد لسنوات طويلة، ولم تتمكن "إسرائيل" من استعادته حيّا، أو استعادة جثته، بعدما رجحت تقارير وفاته في لبنان.

وآخر معلومات حقيقية عن آراد، كان تسليم صورتين وثلاث رسائل كتبها وأجزاء من مذكراته، إلى زوجته عام 2008 بعد 22 عاما من اختفائه، وذلك كان جزءا من تقرير مكون من 80 صفحة أعده حزب الله، بحسب ما نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" حينها.

ورغم الحديث عن أن آراد كان بحوزة حزب الله، إلا أن التقرير الذي صدر عنه في 2008، كان يتعلق بالجهود التي بذلها الحزب للعثور عليه، بعدما أكدت تقارير عدة أنه في قبضة حركة أمل ثم حزب الله، ثم اختفى أثره.

وناشدت يوفال آراد مطلع كانون الثاني/ يناير 2024، وهي ابنة الطيّار المفقود وعمرها 38 عاما، في منشور على حساب والدتها تامي على فيسبوك، حكومة الاحتلال بأن "تتحمّل المسؤولية"، وأن "تأخذ قرارات مؤلمة" في مسألة التفاوض من أجل إطلاق سراح الأسرى لدى حماس.

وفي الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر أيضا لكن من عام 2000، جرى اختطاف عقيد الاحتياط في جيش الاحتلال إلحانان تاننباوم، من قبل حزب الله اللبناني، واحتجز لمدة أكثر من ثلاث سنوات.

وتم استدراج تاننباوم، للمشاركة في صفقة تهريب مخدرات، واختطف إلى لبنان على يد قيس عبيد واللبناني كايد برو، بحسب قناة "i24news" الإسرائيلية.

وفي 16 تشرين الأول/ أكتوبر أيضا من العام ذاته، أعلن الأمين العام لحزب الله اللبناني حينها، حسن نصر الله، على قناة المنار: "لدينا عقيد إسرائيلي في أيدينا".


وتم إطلاق سراح تاننباوم كجزء من صفقة تبادل أسرى تمت في 29 كانون الثاني/ يناير 2004 بين "إسرائيل" وحزب الله برعاية ألمانية، تم بموجبها إعادة جثث جنود إسرائيليين تم اختطافهم أيضا في 7 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2000.

في 7 تشرين الأول/ أكتوبر مرة أخرى من عام 2000، نفذ حزب الله عبر الحدود عملية تمكن فيها من أسر ثلاثة جنود إسرائيليين، هم: بيني أفراهام، وآدي أفيتان، وعمر سواعد، بينما كانوا يقومون بدورية في الجدار الأمني على طول الحدود مع لبنان، وليس من الواضح حتى الآن متى أو تحت أي ظروف قتل الجنود الذين أعيدت جثثهم إلى "إسرائيل" في صفقة التبادل عام 2004.

رغم الدعم الواسع
وجاء الإخفاق الإسرائيلي رغم الدعم الواسع وغير المسبوق من الولايات المتحدة والجيش الأمريكي وغيره من الجيوش الغربية، وتمثل بعض هذا الدعم في دفعات عاجلة من الذخائر الموجّهة والأسلحة، شملت قذائف دقيقة، وقنابل ومعدات للطائرات، وذخائر مدفعية وذخائر صواريخ ميدانية، إضافة إلى قطع غيار حيوية لمقاتلات وطائرات هليكوبتر. 


وتضمن هذا الدعم منظومات الدفاع الصاروخي ودعم الحماية المدنية، إذ تم تزويد "إسرائيل" بتعزيزات لأنظمة اعتراض الصواريخ وبرامج صيانة ميدانية، إلى جانب مساعدات لتعزيز الحماية المدنية (معدات طوارئ، تمويل بنى تحتية مدنية حرجة). كما شمل الدعم إجراءات تسريع لتوريد قطع وأجزاء أمنية لتعزيز جاهزية أنظمة الدفاع الجوية.

وحصلت "إسرائيل" أيضا على تمويل وقرارات من الكونغرس، لتمكين إرسال مساعدات أمنية عاجلة شملت طلبات طارئة وتفويضات لإعادة تخصيص مخزونيات دفاعية وتسهيل مبيعات عسكرية مُسرَّعة بقيمة مليارات الدولارات.

وأخيرا حصل جيش الاحتلال على دعم لوجستي واستخباراتي وسياسي طويل الأمد، فقد تَمّ تقديم تبادل استخباراتي ومراقبة فضائية ومعلومات استهداف وإمداد جوي، فضلاً عن دعَم دبلوماسي أمريكي مستمر لإبقاء خطوط التوريد مفتوحة.