يعاني النازحون في مدينة
الفاشر غرب
السودان من وضع إنساني قاس، مع ارتفاع نسب سوء التغذية وتراجع الخدمات الصحية، وسط استمرار المواجهات المسلحة التي زادت من حدة معاناتهم وعرقلت وصول المساعدات الدولية.
وتضطلع منظمات
الأمم المتحدة بدور أساسي في محاولة الحد من تفاقم الأزمة، رغم ما تواجهه من صعوبات أمنية ولوجستية تعيق تنفيذ عملياتها الإغاثية بالشكل المطلوب.
وتفيد التقارير بأن وكالات الأمم المتحدة تعمل على تقليص فجوة الاحتياجات الإنسانية من خلال خطط منسقة لتوزيع المواد الغذائية وتقديم الرعاية الطبية الطارئة، غير أن هشاشة البنية التحتية في
دارفور، وتدهور الوضع الأمني في غرب السودان، إلى جانب نقص التمويل، تشكل جميعها عوائق أساسية تحول دون إيصال المساعدات إلى المخيمات والمناطق البعيدة.
تحذيرات منظمات الإغاثة الدولية
ذكرت وكالة "رويترز" أن إحدى المنظمات الدولية العاملة في السودان أفادت في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر بأن عددا من الأطفال الهاربين من مدينة الفاشر يصلون إلى مخيمات الإغاثة في شمال دارفور وهم في حالة من سوء التغذية الشديد، لدرجة أن بعضهم يفارق الحياة رغم تلقي العلاج.
وقالت ماتيلد فو، من المجلس النرويجي للاجئين، واصفة الرحلة الشاقة عبر الصحراء بين الفاشر وطويلة، إن “الناس يصلون وهم في حالة جفاف شديد لدرجة أنهم لا يستطيعون الكلام”.
وأشارت إلى أن ما يصل إلى 10 آلاف شخص فروا إلى طويلة خلال الأسبوعين الماضيين بعد استيلاء قوات الدعم السريع على الفاشر، التي كانت تؤوي مسبقاً أكثر من 600 ألف نازح منذ نيسان/أبريل الماضي.
تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما يقارب 82 ألف شخص نزحوا من مدينة الفاشر ومحيطها منذ 26 تشرين الأول/أكتوبر، فيما لا يزال آلاف آخرون مفقودين، في حين يعتقد أن نحو 200 ألف مدني ما زالوا عالقين داخل المدينة.
وكانت الفاشر آخر معقل للجيش السوداني في غرب دارفور قبل سقوطها بيد قوات الدعم السريع بعد حصار دام 18 شهراً، وسط تقارير عن عمليات قتل جماعي وارتكاب فظائع بحق المدنيين.
من جهته، كرر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، مطالبته بإنهاء العنف فورا في إقليمي دارفور وكردفان، داعيا المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات عاجلة وحاسمة.
وأوضح في بيان صحفي أن "المدنيين المصدومين ما زالوا عالقين داخل الفاشر ويُمنعون من مغادرتها"، محذرا من تواصل "الانتهاكات المروعة، بما في ذلك الإعدامات الميدانية والاغتصاب والعنف القائم على أساس عرقي".
وأضاف تورك أن “العنف لا ينتهي حتى لمن يتمكنون من الفرار، إذ إن طرق الهروب نفسها مسرح لأعمال قسوة لا يمكن تصورها”. وأكد أن التطورات في كردفان تشير إلى تصاعد محتمل في القتال، مشدداً على أن استمرار الدعم العسكري للأطراف المتحاربة يخالف قرارات مجلس الأمن، داعياً إلى وقف فوري لإمدادها بالأسلحة، محذرا من أن التقاعس الدولي سيؤدي إلى مزيد من المجازر والانتهاكات.
وسيطرت قوات الدعم السريع على الفاشر في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2025 بعد حصار استمر 540 يوما، “مرتكبة فظائع جماعية ومتسببة في أزمة إنسانية كارثية”.
شهادات صادمة عن الانتهاكات في دارفور
أكد خبراء من الأمم المتحدة، من بينهم ريم السالم المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات، وقوع انتهاكات جسيمة بحق النازحين في الفاشر بعد دخول قوات الدعم السريع إلى مخيماتهم قرب جامعة الفاشر.
وبحسب شهادات شهود عيان، فقد تم اغتصاب ما لا يقل عن 25 امرأة وفتاة تحت تهديد السلاح، كما أُجبرت أكثر من 100 أسرة على الفرار وسط إطلاق النار، وتعرض كبار السن للترهيب والإساءات.
وأشارت التقارير إلى أن الفارين خضعوا لتفتيش مهين وتعرضوا لحالات اختطاف مقابل فدية، في حين تعرضت النساء لمحاولات اغتصاب إضافية خلال الهروب.
ولا يزال العديد من الناجيات في عداد المفقودين دون الحصول على رعاية طبية أو نفسية. كما وثق الخبراء تنفيذ إعدامات ميدانية على أساس عرقي بحق المدنيين في الفاشر، مؤكدين أن هذه الأفعال تشكل جرائم حرب وقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
وأوضح الخبراء أن هذه الانتهاكات تكرّر أنماطاً شهدتها مناطق أخرى في دارفور مثل زمزم والجنينة وأردمتا، حيث قُتل آلاف المدنيين وتعرضت النساء للاغتصاب المنهجي. وأضافوا أن الاستهداف الممنهج لجماعات الفور والمساليت والزغاوة يتم بدافع ترهيبهم وتهجيرهم وتدميرهم جزئياً أو كلياً.
دعوات لوقف إطلاق النار وخطة المجموعة الرباعية
تشكل خطة المجموعة الرباعية الدولية دعوة إلى وقف إطلاق النار بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تتضمن هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر تتيح بدء حوار وطني ينتهي بتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال تسعة أشهر.
ورغم جهود الوساطة العربية والأفريقية والدولية، لم تنجح أي مبادرة حتى الآن في التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.
ومن جانبه، حذر حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، من أن أي هدنة لا تشمل انسحاب قوات “الدعم السريع” من المناطق السكنية والمستشفيات وتأمين عودة النازحين، “تعني تقسيم السودان”.
تحذيرات أممية من انتشار المجاعة
وبدورها، حذرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي (WFP) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) من بلوغ أعلى مستويات انعدام الأمن الغذائي الحاد وسوء التغذية في الفاشر وكادوقلي.
وأكدت المنظمات الثلاث في بيان مشترك أن استمرار الأعمال العدائية يهدد بمزيد من الخسائر في الأرواح، داعية إلى ضمان وصول إنساني آمن ودون عوائق ومستدام لحماية سبل العيش في السودان.
وأوضحت بيانات التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) أن نحو 21.2 مليون شخص، أي ما يعادل 45 بالمئة من السكان، يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي، فيما تتراوح معدلات سوء التغذية الحاد في الفاشر بين 38 بالمئة و75 بالمئة .
وتزداد المخاطر الصحية بسبب تفشي الكوليرا والملاريا والحصبة في المناطق التي انهارت فيها أنظمة المياه والصرف الصحي، مما يهدد حياة الأطفال بشكل خاص.
سوء تغذية حاد ونزوح متواصل
وكشفت منظمة "أطباء بلا حدود"، الجمعة، عن ارتفاع كبير في حالات سوء التغذية بين النازحين من مدينة الفاشر إلى طويلة بشمال دارفور.
وأشارت إلى أن “قوات الدعم السريع” استولت على المدينة في 26 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وارتكبت مجازر بحق مدنيين وفق مؤسسات محلية ودولية، بينما أقر قائدها محمد حمدان دقلو "حميدتي" بحدوث “تجاوزات” زاعما تشكيل لجان تحقيق.
وأكدت المنظمة أن محاولات المدنيين للفرار ما زالت مستمرة، حيث وصل نحو 300 شخص إلى طويلة خلال يوم واحد، مطالبة قوات الدعم السريع بالسماح “بمرور آمن” للمدنيين، وأفادت بأن فرقها الطبية لاحظت ارتفاعا حادا في معدلات سوء التغذية بين الأطفال والبالغين، فيما لا يزال كثير من الأشخاص عالقين أو محتجزين مقابل فدية في محيط الفاشر.