اعتاد الرئيس الأمريكي
ترامب على إحداث صخب إعلامي دائم يجعله دائما محطا للأنظار،
وبعد فوز ممداني برئاسة بلدية نيويورك رغم دعمه للمرشح المنافس له، وانتظاره لحكم المحكمة
العليا حول رسومه الجمركية، كان بحاجة لحدث إعلامي يحقق له نشوة الإنجاز الذي يزعم
عدم توقفه، فاختار دولة
كازاخستان ذات الغالبية المسلمة والتي تربطها علاقات دبلوماسية
بإسرائيل منذ عام 1992 وفيها سفارة لإسرائيل، ليعلن عن انضمامها إلى اتفاقات أبراهام
التي رعاها بفي فترة الرئاسية الأولى، وأسفرت عن تطبيع عدد من الدول العربية مع
إسرائيل
عام 2020، شمل الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.
وهكذا أراد التخفيف عن إسرائيل نتيجة العزلة الدولية الشعبية التي تمر بها،
لتأكيد أن هناك دولا تسعى للتعاون معها رغم الحرب على غزة التي تتجدد ما بين الحين
والآخر، محاولا تصوير ما جرى في اجتماع شرم الأخير على أنه تحقيق للسلام في المنطقة
ترتب عليه لحاق دولة إسلامية بركب التعاون مع إسرائيل، وتحقيق قدر من الحرب النفسية
على تيار الرافضين لسلوك إسرائيل دوليا، إلى جانب الدعاوى القضائية ضدها في محكمة العدل
الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، باعتبار أن التعاون مع إسرائيل يضيف له دولة جديدة
من خارج المنطقة العربية، رغم وجود علاقات دبلوماسية وتجارية وعسكرية وأمنية وسياحية وعلمية بين كازاخستان
وإسرائيل منذ عقود؛ شهدت زيارة رئيس كازاخستان
السابق لإسرائيل ثلاث مرات، وزيارات رسمية لمسؤولين إسرائيليين كبار لكازاخستان، منهم
نتنياهو ورئيس وزراء سابق.
وهكذا يصبح الأمر مجرد إخراج إعلامي لحدث قديم، مع استغلاله
مستقبلا لدفع دول أخرى خاصة من مجموعة دول آسيا الوسطى الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي،
مثل قيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان وأذربيجان، والتي تربطها علاقات دبلوماسية
وتجارية وسياحية بإسرائيل منذ عقود.
يصبح الأمر مجرد إخراج إعلامي لحدث قديم، مع استغلاله مستقبلا لدفع دول أخرى خاصة من مجموعة دول آسيا الوسطى الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، مثل قيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان وأذربيجان، والتي تربطها علاقات دبلوماسية وتجارية وسياحية بإسرائيل منذ عقود
بيانات التجارة بكازاخستان أضعاف الإسرائيلية
وها هي بيانات دائرة الإحصاء الإسرائيلية التي تشير إلى وجود تجارة بين إسرائيل
وكازاخستان منذ عام 1994 وحتى العام الحالي، وتحقيق إسرائيل فائضا تجاريا مع كازاخستان
بلا انقطاع، مع تذبذب قيمة تلك التجارة، حيث وصلت إلى أقصى معدل لها عام 2020 ببلوغها
123 مليون دولار، كما بلغت خلال الشهور الثمانية الأولى من العام الحالي 34 مليون دولار.
إلا أن البيانات الصادرة عن هيئة الإحصاء الكازاخستانية عن التجارة بين البلدين
لنفس الشهور الثمانية الأولى من العام الحالي بلغت 80 مليون دولار، وهو ما تكرر خلال
السنوات الخمس الأخيرة بارتفاع قيمة التجارة حسب الإحصاء الكازاخستاني عما تعلنه إسرائيل.
ففي عام 2020 كان الرقم ثلاثة أضعاف ما أعلنته إسرائيل، وفي 2021 كان الرقم ثمانية
أضعاف الرقم الإسرائيلي، وفي عام 2022 كان الرقم الإسرائيلي للتجارة بين البلدين 79
مليون دولار، بينما رقم كازاخستان 883 مليون دولار أي حوالي أحد عشر ضعف للرقم الإسرائيلي،
وفي عام 2023 كان الرقم ستة أضعاف الرقم الإسرائيلي، وفي العام الماضي كان الرقم للتجارة
المتبادلة أكثر من أربعة أضعاف الرقم الإسرائيلي.
وهي ظاهرة ليست بجديدة، حيث تكررت مع التجارة المصرية الإسرائيلية، حيث تعلن
إسرائيل أرقاما تقل كثيرا عما تعلنه البيانات المصرية لنفس الفترات الزمنية.
كذلك تشير بيانات السياحة الإسرائيلية خلال العقود الأخيرة إلى وجود سياحة قادمة
إليها من كازاخستان بلا انقطاع، ولقد بلغ عدد السياح الكازاخستانيين نحو 18 ألف سائح
عام 2013، ونفس العدد عام 2015، وإن كانت البيانات الإسرائيلية تشير إلى انخفاض الأعداد
مع موجة كورونا عام 2020، واستمر انخفاضها مع حرب غزة، التي تسببت في انخفاض أعداد
السياح الواصلين لإسرائيل من أنحاء العالم.
وحسب البيانات الإسرائيلية فقد بلغ عدد السياح الواصلين من كازاخستان لإسرائيل
في العام الماضي 1200 شخص، وزاد العدد خلال الشهور العشرة الأولى من العام الحالي
إلى 1300 شخص، مع استمرار وصولهم حتى شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وعلى الجانب
الآخر، فقد أشارت بيانات الإحصاء الكازاخستانية لبلوغ عدد السياح الإسرائيليين، الواصلين
إلى كازاخستان في العام الماضي 4875 سائحا، كذلك شهدت العلاقات تبادل الزيارات بين
عدد من المسؤولين في الوزارات المختلفة والبرلمان في البلدين، وحضور أنشطة تدريبية
في إسرائيل.
جمارك عالية لسلع كازاخستان بأمريكا
وها هي كازاخستان قد ساهمت في موجة الهجرة التي شهدتها دول الاتحاد السوفييتي
السابق بعد تفككه؛ إلى إسرائيل، حيث شهدت هجرة تخطت الألف شخص عام 1990، واستمرت خلال
السنوات التالية حتى بلغ العدد حوالي 18 ألف شخص حتى عام 2001، واستمرت الهجرة وحتى
العام الماضي حسب البيانات الإسرائيلية وإن كانت بوتيرة أقل مما كانت عليه في عقد التسعينات
من القرن الماضي، كما ساهمت أحداث الحرب في غزة في انخفاضها في العامين السابقين لكنها
لم تتوقف خلالهما.
وعلى الجانب الآخر، فهناك أسبابا تخص الرئيس الكازاخستاني في قبوله الطلب الأمريكي
بالاتصال برئيس الوزراء الإسرائيلي، وموافقته على إقامة حفل للانضمام لاتفاقات أبراهام،
حيث فرض الرئيس ترامب رسوما جمركية على السلع الواردة لأمريكا من كازاخستان بنسبة 27
في المائة في الثاني من نيسان/ أبريل الماضي، بسبب تحقيق الولايات المتحدة عجزا تجاريا
مستمرا مع كازاخستان منذ عام 1992 وحتى العام الحالي، عدا ست سنوات معظمها في عقد التسعينات
إلى جانب عامي 2002 و2016؛ حققت فيها الولايات المتحدة فائضا. وفي العام الماضي بلغت
قيمة الصادرات الأمريكية إلى كازاخستان 1.1 مليار دولار والواردات منها 2.3 مليار دولار،
بعجز تجارى أمريكي 1.25 مليار دولار.
وخلال الشهور السبعة الأولى من العام الحالي بلغت قيمة الصادرات الأمريكية إلى
كازاخستان 502 مليون دولار، والواردات منها 3.4 مليار دولار، ليصل العجز التجاري الأمريكي
معها إلى 2.9 مليار دولار.
ويشكل النفط الكازاخستاني نسبة كبيرة في الصادرات إلى الولايات المتحدة، ففي
العام الماضي بلغت قيمة صادرات النفط الخام 1.1 مليار دولار بنسبة 49 في المائة من
مجمل الصادرات لأمريكا، إلا أن الخام الكازاخستاني قد احتل المركز السادس عشر بين أكثر
من 19 دولة موردة للخام لأمريكا، وبنسبة تقل عن الواحد في المائة من مجمل واردات الخام
الأمريكية.
تجارة أمريكية محدودة مع كازاخستان
وفي ظل تركز التجارة الخارجية لكازاخستان على دول الجوار الآسيوية ومنها دول
الكومنولث الروسي والاتحاد الأوراسي إلى جانب الصين وأوروبا، فقد جاءت الولايات المتحدة
في المركز الثالث عشر في الصادرات الكازاخستانية بنصيب 2.4 في المائة فقط في العام
الماضي، وفي الواردات استحوذت روسيا على 31 في المائة، والصين على 25 في المائة، بينما
كان نصيب الولايات المتحدة 3.7 في المائة؛ في المركز الخامس بين دول العالم الموردة
لكازاخستان.
الانضمام إلى اتفاقات أبراهام يمثل ثمنا قليلا لإرضاء الرئيس الأمريكي، خاصة في ظل الحكم الشمولي في البلاد، حيث لم تشهد سوى رئيسين فقط منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي عام 1990؛ ظل أولهما في منصبه 27 عاما، وتولى الرئيس الحالي منصبه في منتصف 2019
وتكرر المشهد خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي بحصول الولايات المتحدة
على نسبة 1.4 في المائة من الصادرات، وعلى نسبة 3.5 في المائة من واردات كازاخستان،
وتتلاقى رغبة البلدين في زيادة حجم التجارة بينهما خاصة مع رغبة الولايات المتحدة في
زيادة وارداتها من المعادن التي تتواجد في كازاخستان، ورغبتها في تقليل مساهمة دول
آسيا الوسطى في تيسير حركة التجارة الصينية إلى أوروبا.
السبب الآخر المهم هو سير كازاخستان في فلك النفوذ الروسي، وعضويتها في الاتحاد
الأوراسي الذي تأسس عام 2014 والذي يضم روسيا وبيلاروس وقيرغيزستان وأرمنيا، وحاجتها
لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة في ظل العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة
على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا، وعلى الدول التي تستورد النفط الروسي. ورأت أن الانضمام
إلى اتفاقات أبراهام يمثل ثمنا قليلا لإرضاء الرئيس الأمريكي، خاصة في ظل الحكم الشمولي
في البلاد، حيث لم تشهد سوى رئيسين فقط منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي عام 1990؛
ظل أولهما في منصبه 27 عاما، وتولى الرئيس الحالي منصبه في منتصف 2019.
وشهدت البلاد احتجاجات شعبية واسعة في كانون الثاني/ يناير 2022 إثر رفع أسعار
الوقود، وأسفرت عن مقتل 277 شخصا واعتقال حوالي عشرة آلاف شخص، في بلد معروف دوليا
بالحكم الاستبدادي وتكميم الإعلام، والأحزاب المستأنسة، والتضييق على الأديان، وتدهور
حالة حقوق الإنسان، وانتشار الفساد.
وهذا مما يجعل الانضمام لاتفاقات أبراهام عربونا للرضا الأمريكي عن حكم الرئيس
الحالي قاسم جومارت توكاييف، الذي كان رئيسا لمجلس الشيوخ في عهد الرئيس السابق نور
سلطان نزار باييف الذي استقال عام 2019 لأسباب صحية، بعدما استمر لخمس دورات رئاسية
متتالية، كان يحصل خلالها على أكثر من 90 في المائة من الأصوات، وقد زادت إلى 97.8
في المائة في انتخابات عام 2015.
x.com/mamdouh_alwaly