صحافة دولية

كيف انهار حلم مشروع "نيوم" السعودي في نهاية المطاف؟

أقر نائب الرئيس التنفيذي لـ"نيوم" ريان فايز بأن ميزانية المشروع تتطور يوميًا ولا بد من  إعادة التقييم فيما إذا كان سينجح أم لا– ديلي ميل
أقر نائب الرئيس التنفيذي لـ"نيوم" ريان فايز بأن ميزانية المشروع تتطور يوميًا ولا بد من إعادة التقييم فيما إذا كان سينجح أم لا– ديلي ميل
تواجه الرؤية السعودية لمشروع "ذا لاين" في نيوم تحديات جسيمة، بعد أن قدّم ولي العهد محمد بن سلمان المشروع الضخم على أنه ثورة في أسلوب حياة البشر، عبر إنشاء مدينة عملاقة متلألئة بطول 170 كيلومترًا، تشق طريقها عبر الصحراء، بارتفاع 500 متر وعرض 200 متر، وتستوعب 9 ملايين نسمة في "يوتوبيا" خالية من السيارات والانبعاثات، إذ تشير مصادر إلى أن المشروع قد انهار فعليًا أمام العوائق الفيزيائية والمالية والسياسية.

Image1_112025715313272680992.jpg

ونقلت صحيفة الإندبندنت البريطانية، عن مسؤول سعودي في منتدى استثماري عُقد في العاصمة الرياض الأسبوع الماضي، قوله: "لقد أنفقنا مبالغ طائلة، كنا نندفع بسرعة هائلة، نحن الآن نعاني من عجز في الميزانية. علينا إعادة ترتيب أولوياتنا"، يأتي هذا بعد أن تم تصور "ذا لاين" كمدينة خطية مستقبلية في الصحراء على البحر الأحمر، كجزء من مشروع مدينة نيوم في المملكة العربية السعودية.

اظهار أخبار متعلقة


صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أشارت في تقرير استقصائي لها، إلى أنه على الرغم من إنفاق 50 مليار دولار حتى الآن على المشروع، لم ينجز سوى الأعمال التمهيدية من حفر وأساسات، في حين جرى تقليص عدد وحدات" مدينة "ذا لاين" من عشرين إلى ثلاث فقط، ما جعل كثيرين يعتبرون المشروع غير مجدٍ من الناحية الاقتصادية، وفيما يلي نص ترجمة التقرير:

كان القلب النابض لمشروع "ذا لاين"، المدينة الخطية الزجاجية الضخمة في السعودية، يتمثل في "المارينا المخفية"، فوفق التصور المعلن، كان من المقرر أن تنزلق أكبر سفن الرحلات البحرية في العالم عبر بوابة شاهقة الارتفاع، شبيهة ببرج "شارد" في لندن، فوق ميناء عميق محفور في قلب الصحراء، وفوق هذا الميناء، كان سيُعلّق مبنى زجاجي وفولاذي مكوّن من 30 طابقًا، على هيئة ثريا ضخمة معلّقة من قوس هائل، في رؤية خيالية أبدعها مخرج فني من هوليوود؛ حتى المصممون أنفسهم حذروا من أن قوانين الفيزياء قد لا تسمح بتنفيذ الفكرة.

Image1_112025715339340687681.jpg

أسفل المارينا، خطط المهندسون لإنشاء محطة قطار فائق السرعة. أما فوق "الثريا"، فكان من المقرر بناء ملعب لكرة القدم يتسع لـ 45 ألف متفرج على ارتفاع 350 مترًا فوق سطح البحر، استعدادًا لكأس العالم 2034. وقال دينيس هيكي، كبير مسؤولي التطوير في "ذا لاين" خلال منتدى دافوس: "سيكون هذا الملعب شيئًا غير مسبوق… الجميع يسأل: هل يمكنكم بناؤه؟".

حتى فريقه الداخلي لم يكن واثقًا من الإجابة، فمع تقدم الدراسات، بدا أن "الثريا" بعيدة كل البعد عن القابلية للتنفيذ. وروى أحد المعماريين أنه حذر طارق القدومي، المدير التنفيذي لـ"ذا لاين"، من صعوبة تعليق مبنى من 30 طابقًا رأسًا على عقب من جسر بهذا الارتفاع، قائلاً: "هل تدرك أن الأرض تدور؟ وأن الأبراج الشاهقة تتمايل؟”. وأضاف أن “الثريا” قد “تبدأ بالتأرجح كمرجوحة”، ثم “تتسارع”، وفي النهاية “تنفصل” لتسقط فوق المارينا”.

Image1_112025715433552425336.jpg

واستمع طارق القدومي للتحذيرات، لكن العمل استمر رغم كل المخاطر. ومع المبنى المقلوب، أصبحت حتى أبسط التفاصيل تحديًا هائلاً؛ حيث قال أحد المعماريين: "عندما تُسحب السيفون، يجب أن يتدفق كل شيء للأسفل، أليس كذلك؟"، فأجابه القدومي، وفق روايته: "لقد وجدنا الحل: سنستخدم مئات العربات الصغيرة تتحرك ذهابًا وإيابًا لالتقاط مياه الصرف عبر جسور قابلة للسحب"، كانت هذه روح نيوم الطموحة؛ المشروع الضخم الذي يتوسطه "ذا لاين"، والذي أراد ولي العهد محمد بن سلمان من خلاله إعادة تعريف الحياة في المملكة وخارجها.

عند انطلاق البناء قبل ثلاث سنوات، قُدم "ذا لاين" كرمز لزخم لا يمكن إيقافه: نموذج حضري بلا شوارع تقليدية أو سيارات، يعمل بالطاقة المتجددة، ويمتد من خليج العقبة إلى جبال الحجاز. كان يمثل جوهرة نيوم، المدينة المستقبلية التي أراد الأمير من خلالها تجسيد طموحه الضخم، في وقت تسعى فيه المملكة للانتقال من عصر النفط إلى اقتصاد رقمي.

Image1_11202571552178868617.jpg
وقال الأمير محمد بن سلمان، المعروف اختصارًا بـ"إم بي إس"، في الفيلم الوثائقي الذي بثّته قناة “ديسكفري” حول مشروع “ذا لاين” لأول مرة في يوليو 2023: “يقولون دائمًا عن المشاريع التي تُقام في السعودية إنها مستحيلة، وإن الطموح فيها يتجاوز حدود الممكن. فليواصلوا قول ذلك… ونحن سنواصل إثبات خطئهم”.

غير أنّ الحلم، مع تقدّم التصاميم، اصطدم بصلابة الواقع؛ فالمعماريون أنفسهم بدأوا يتساءلون عمّا إذا كان بالإمكان تشييد هذا الهيكل كما رُسم في المخيلة، وتضخمت التكاليف بلا توقف، والجداول الزمنية انزلقت من بين الأيدي، والاستثمارات الأجنبية التي راهنت عليها الرياض لم تظهر في الأفق.

Image1_112025715534743642382.jpg
اليوم، وبعد إنفاق ما لا يقل عن 50 مليار دولار، باتت الصحراء مليئة بأعمال الحفر والخنادق العميقة التي تقطع المشهد الصحراوي. ومع ذلك، قرر الأمير محمد، رئيس مجلس إدارة نيوم، تقليص المرحلة الأولى بشكل كبير. وقالت نيوم لصحيفة فايننشال تايمز إن "ذا لاين" لا يزال أولوية استراتيجية تهدف إلى تقديم نموذج جديد للبشرية يغيّر أسلوب الحياة”، لكنها أكدت في الوقت نفسه أنه تطوير متعدد الأجيال، غير مسبوق في الحجم والتعقيد.

اظهار أخبار متعلقة


ويؤكد موظفون في نيوم أن العديد من أجزاء "ذا لاين" قد تكون قابلة للتنفيذ تقنيًا، إلا أنهم غير مقتنعين بوجود من يتحمل كلفة إنجازها. وتباطأت أعمال البناء في معظم مواقع نيوم، فيما يظل منتجع التزلج الصحراوي "تروجينا" — المخطط لاستضافة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029 — من بين المواقع القليلة التي تتقدم على الأرضk وأوضحت نيوم أن التركيز الآن مُنصب على "الهندسة المعقدة والتصميم التفصيلي للمرحلة الأولى" من المشروع، لكن موظفًا سابقًا يعلق قائلاً: "الجميع يعرف أن المشروع لن ينجح؛ المسألة الوحيدة الآن هي كيف نبلغ الأمير بذلك برفق".

واستنادًا إلى مقابلات مع أكثر من 20 شخصًا عملوا على المشروع — من معماريين ومهندسين ومديرين تنفيذيين سابقين — تقدّم هذه الرواية صورة حية لكيفية ولادة حلم الأمير واصطدامه بعقبات الفيزياء والتمويل. وطلب جميعهم عدم الكشف عن هوياتهم حرصًا على سلامتهم القانونية. وتكشف شهاداتهم واحدة من أكثر التجارب الحضرية جرأة في التاريخ الحديث: محاولة لبناء مدينة من الصفر بلا قيود جغرافية أو سوابق، والتي باتت اليوم مهددة بالانضمام إلى قائمة أضخم مشاريع العالم التي انتهت بالفشل.

Image1_11202571566248404547.jpg
رسّخ الأمير محمد مكانته كالحاكم الفعلي للسعودية عام 2017، بعد أن تقلد ولاية العهد في الحادية والثلاثين من عمره، في خطوة وصفها منتقدون بـ"انقلاب القصر"، وكان يقود بالفعل خططًا طموحة — غالبًا ما اتسمت بالسلطوية —ولتحديث الدولة الخليجية وفطامها عن النفط. وجاءت نيوم، التي أُطلقت بعد أشهر من توليه ولاية العهد، بوصفها تجسيدًا لهذه الرؤية: مجمّعًا صحراويًا هائلًا يضم "ذا لاين"، و"تروجينا"، وتطويرًا ساحليًا فاخرًا، ومنطقة صناعية، و"مجتمعًا رقميًا تحت الأرض للمستقبل".

وكانت فكرة المدينة الخطية من الأمير نفسه؛ فقد صممت شركة “مورفوسيس” المعمارية في لوس أنجلوس التصور الأولي كشريط بعرض كيلومترين يمتد من البحر إلى الجبال، متصلًا بالقطار؛ وهو مخطط حضري تقليدي نسبيًا، لكن في أواخر 2020، أصدر الأمير توجيهاته الجديدة: “قلت للفريق: ماذا لو أخذنا هذين الكيلومترين وقلبناهما إلى برجين؟”، مضيفًا يديه كأنه يغلق كتابًا.

Image1_112025715635627589569.jpg
لم يقتصر التوجيه على عرض "ذا لاين" فحسب، بل شدد: “أريده متصلًا، وأريده يشبه المرآة”. ومع سقف ثابت على ارتفاع 500 متر فوق مستوى البحر، سيصبح “ذا لاين” من أطول المباني في العالم، لكنه — على عكس ناطحات السحاب التقليدية — سيُشغَل بالكامل حتى قمته، كجدار متصل من الزجاج والفولاذ، واقترح بعض المستشارين خفض الارتفاع إلى 100 متر للحفاظ على المشهد وتقليل التكاليف، لكن الأمير تمسّك برؤيته: “كان يجب أن يكون ارتفاعه 500 متر وعرضه 200 متر… هذا كله من عنده”، وفق أحد المخططين.

ارتفعت التكلفة إلى أي ما يعادل الناتج السنوي لاقتصاد ألمانيا
بعد كشف المشروع في 2021، انطلقت عملية التوظيف تدريجيًا؛ آلاف المعماريين والمهندسين ومديري الإنشاء والمصممين وغيرهم التحقوا بنيوم. وعاش الكثيرون في الصحراء نفسها، في كبائن صغيرة ومطاعم مشتركة؛ حيث جذبتهم الرواتب المجزية أو الطموح الاستثنائي للمشروع.

Image1_112025715717153133387.jpg
وُضع جدول زمني طموح: إنجاز 16 كيلومترًا من "ذا لاين" — تشمل 20 وحدة — بحلول 2030، مع استقبال السكان الأوائل في 2025. وتفاخر التنفيذيون بأن وحدة واحدة فقط ستصبح أكبر مبنى مأهول في العالم. وقدرت ميزانية المشروع في نهاية 2021 بـ1.6 تريليون دولار، ثم ارتفعت داخليًا في الربيع التالي إلى نحو 4.5 تريليونات دولار؛ أي ما يعادل تقريبًا الناتج السنوي لاقتصاد ألمانيا.

وبدأت الفرق مواجهة تحديات هندسية وتصميمية غير مسبوقة: تخيّل الحياة داخل جدار بطول 170 كيلومترًا وارتفاع 500 متر؛ تأمين كميات هائلة من الفولاذ والإسمنت تلتهم جزءًا كبيرًا من الإنتاج العالمي؛ وتحريك المياه داخل ميناء صناعي بلا تيارات طبيعية.

لم يُجرَّب شيء كهذا من قبل، حتى بدا لبعض العاملين في نيوم أن خصمهم الأكبر هو التفكير التقليدي. ويقول أنطوني فيفس، المدير السابق للتطوير الحضري في نيوم: "كنت أتحدث مع فيزيائيين… قال أحدهم: ربما نحن في زمن الشعراء الآن. نحن بحاجة إلى شعراء"، ويضيف موظف سابق أن مجلس نيوم كان يتخذ قراراته استنادًا إلى التصاميم المجسمة، دون إجراء التصميم التفصيلي اللازم للتحقق من إمكانية التنفيذ، مع الرسالة الواضحة: “عليكم الآن أن تجعلوا هذا ممكنًا”.

مدينة تلتهم العالم
قد يمنح الحجم الضخم بعض المزايا في البناء، لكنه تحوّل إلى عبء هائل على مشروع “ذا لاين”. فالكمّيات المطلوبة من المواد كانت كفيلة بتجاوز قدرة البنية التحتية المحلية ورفع الأسعار في السوق بشكل كبير، وكشف موظف سابق أن إنتاج الإسمنت اللازم للوحدات العشرين الأولى وحدها كان سيتطلب كميات سنوية تفوق إنتاج فرنسا بأكملها. كل وحدة بطول 800 متر كانت تحتاج إلى 3.5 ملايين طن من الفولاذ الهيكلي، و5.5 ملايين متر مكعب من الخرسانة، و3.5 ملايين طن من حديد التسليح. وقال مدير التصميم: “كنا سنستهلك نحو 60 بالمئة من الإنتاج العالمي للصلب الأخضر سنويًا، ما سيؤدي حتمًا إلى ارتفاع الأسعار".

Image1_112025715756487298264.jpg
أما بالنسبة للكسوة، فالكميات المطلوبة كانت تعادل الإنتاج السنوي لأكبر شركة واجهات في العالم، وقدّرت تكلفة كل وحدة بنحو 48 مليار دولار. وقال أحد المعماريين: “لو حاولت شراء كل واجهات العالم، سترتفع الأسعار بشكل لا يرحم”. وأضاف مدير الإنشاء: “ستنفق مبالغ هائلة، فأنت تسيطر على جزء كبير من القدرة الإنتاجية العالمية”.

اظهار أخبار متعلقة


أما المواد والمستلزمات، فلم يكن هناك سوى ميناء صغير نائم على بُعد 80 كيلومترًا جنوب نيوم، مرتبط بموقع البناء عبر طريق ثنائي واحد، حسبما تظهر صور الأقمار الصناعية، داخل المبنى، تخيل المصمّمون سلسلة من الأبراج الخرسانية، أو النوى، تفصل بينها مسافة 140 مترًا، تحتوي كل واحدة على المصاعد والسلالم ومجاري الخدمات. وعلى كل 100 متر من الارتفاع، وُضعت منصة بعمق 16 مترًا “السقيفة الأساسية” التي شكّلت الهيكل الأفقي للمبنى، فوق هذه المنصات، تمتد الشوارع على طول “ذا لاين”، وشبّهها دينيس هيكي، المسؤول عن تطوير المشروع، بشوارع مانهاتن: “الجادة السادسة على ارتفاع 150 مترًا، السابعة عند 250 مترًا، الثامنة عند 350 مترًا، وهكذا”.

الأمر أشبه ببناء السفن في العصور القديمة
وكانت الأبنية التي يصل ارتفاعها إلى 80 مترًا تقف على كل منصة، مع إمكانية هدمها وإعادة بنائها على مر القرون القادمة، ولضمان وتيرة بناء فعّالة، اعتمد الفريق نظام تسليم فوري، بحيث تُصمّم جميع القطع لتتناسب مع حاوية شحن قياسية بطول 40 قدمًا، وتُجمع المنصات في ساحة تصنيع ضخمة مجاورة لـ"ذا لاين"، وقال المدير الإنشائي الأعلى، واصفًا العمل: “كان الأمر أشبه ببناء السفن في العصور القديمة”، قال مدير التصميم الأعلى. فقد جرى توحيد الوصلات والتثبيتات، ووُضعت رموز لونية لتسريع عملية التجميع”، مضيفا: “الفريق الذي طور هذا النهج قدّم أداءً مذهلاً”.

Image1_112025715827107868449.jpg
وكانت وتيرة التسليم المتوقعة استثنائية؛ إذ ذكر المدير الإنشائي أن إنجاز 12 وحدة بحلول عام 2030 كان يتطلّب وصول حاوية بطول 40 قدمًا “كل ثماني ثوانٍ”، على مدار الساعة، ونسّق المخططون الرئيسيون أعمال 75 فريقًا من المعماريين لتصميم الأحياء الفردية في “ذا لاين”، بحيث يتميز كل حي بطابعه الخاص. وشمل المقترح حتى “قصرًا ملكيًا” بارتفاع 500 متر. وقال هيكي في دافوس: “المدينة مكتملة: مستشفيات وجامعات… كل شيء على بُعد خمس دقائق”، مع تكديس عمودي يتيح للسكان الوصول لكل مرافقهم بسهولة فائقة.

كان من المخطط أن يتوقف نظام السكك الخفيفة داخل “السطح الأساسي” لمدينة “ذا لاين” كل 150 مترًا، فيما تعلوه الحافلات والعربات الذاتية القيادة، إضافة إلى البوابات المخصصة للمشاة. وسيربط السلالم العريضة والمتدرجة المساحات العامة الرحبة ببعضها، ما يتيح خلق مناظر بانورامية خلابة، وفقًا لما قاله أوليفييه برون، المخرج الفني الهوليوودي الذي وضع التصميم المفاهيمي لـ”المارينا المخفية”.

تحديات فريدة في مدينة عمودية
غير أن مشكلة الضوء الطبيعي بقيت عائقًا كبيرًا، فمعظم المساحات العامة تقع قرب منتصف المبنى، حيث يغيب ضوء النهار، وفقًا لمصمم عمل على التفاصيل الدقيقة للأحياء. كما أن الملعب، الذي يمتد بعرض “ذا لاين” بالكامل، يلقي ظلًا هائلًا على باقي الأقسام، مضيفًا تحديًا جديدًا للتصميم.
وكانت الحدائق تُعد عنصرًا ضروريًا لمعادلة الكثافة السكانية العالية، لكنها كانت مضطرة للتمركز في “شريحة” واحدة فقط من المبنى، مواجهةً للكانون. أما بقية أجزاء الهيكل، فكانت تفتقر إلى أشعة الشمس الكافية.

الجدول الزمني
– 2017 إطلاق نيوم على يد محمد بن سلمان
– يناير/ كانون الثاني 2021 الإعلان عن ذا لاين
– بداية 2022 بدء أعمال الخوازيق
– يوليو/ تموز 2022 الكشف عن التصاميم
– منتصف 2023 بدء التدقيق الداخلي
– 2030 الموعد النهائي للمرحلة الأولى

وكان لا بد من إعادة التفكير في العديد من العناصر داخل ذا لاين من الصفر. فأمور مثل المياه والصرف الصحي، وتسليم البريد، وأنظمة التأمين، وجمع النفايات، تحوّلت إلى تحديات فريدة في مدينة عمودية. كما تطلّبت السلامة من الحرائق إعادة صياغة كاملة: ففي حالات الطوارئ، لن يتحرك السكان نزولاً نحو الخارج، بل أفقيًا نحو المباني على اليسار أو اليمين.

Image1_112025715858788450234.jpg
وشبّه جيمس ميدلينغ، من شركة “موت ماكدونالد” الهندسية، والمسؤول عن بنية المدينة التحتية، العمل على ذا لاين بتطوير المصباح الكهربائي، الذي غيّر شكل الحياة. وقال خلال فعالية “سيتي سكيب غلوبال” في الرياض عام 2024: “هذه الفرص تتكرر يوميًا في ذا لاين… ويتطلب الأمر في بعض الأحيان طموحًا وشجاعة”.

حتى التنقل من وإلى المطار أُعيد تصوره. فقد لاحظ أحد كبار المعماريين، ممن لديهم خبرة كبيرة في مشاريع النقل، أمرًا غير معتاد في تصميم محطة القطار فائق السرعة: المنصات والمصاعد أصغر بكثير من المعتاد، والقطارات خالية من رفوف الأمتعة، وبعد الاستفسار، قيل لهم إن المحطة لم تُصمم لاستقبال أي ركاب يحملون أمتعتهم من المطار، وأن الخطة تعتمد على إرسال الأمتعة عبر نظام منفصل مع خدمة استلام من أمام المنازل.

فسأل المعماري بدهشة: “متى يجب أن تضع حقيبتك عند الباب؟”، فجاء الرد: “قبل ثماني ساعات من موعد رحلتك"، وقلة قليلة من مراحل التخطيط اتسمت بالتعقيد والضغوط كما هو الحال مع قطاع النقل. كان على البنية التحتية أن تُبنى لتستوعب “ذا لاين” بمجرد أن يتحول إلى مدينة نابضة بالحياة، حتى وإن بدا ذلك مستقبلًا بعيد المنال.

أحلام لم يُسمح بمناقشتها
وكانت الطموحات بلا حدود؛ حيث قال المخطِّط: “أخبره أحدهم في وقت مبكر جدًا أنه يمكن أن يكون هناك قطار فائق السرعة من المطار إلى الساحل خلال 20 دقيقة، فقرر أن يحققه”، ومع ذلك، كانت هناك عقبة؛ فالتقدير الزمني البالغ 20 دقيقة افترض أن القطار لن يتوقف على طول المسار لالتقاط أو إنزال الركاب، وقال أحد المخططين: “القطار فائق السرعة يعمل فقط إذا كان لديه مسار طويل ومتصل. وبدون ذلك، لا حاجة له”. وأضاف: “مرة أخرى، كان أحد تلك الأحلام التي لم يُسمح بمناقشتها”.

أما المارينا، المحفورة بعمق لاستيعاب السفن السياحية الضخمة، فثبت أنها أكثر جدوى على الورق منها على أرض الواقع. وأوضح المخطِّط أن “المشروع لا يعمل”، لأن المياه تفتقر إلى تيار طبيعي، مما يعني أنه بدون دوران صناعي ستصبح المارينا راكدة وتشكل خطرًا صحيًا محتملاً، وكانت إجابة نيوم تركيب مضخات عملاقة تعمل 24 ساعة يوميًا، 365 يومًا في السنة. وقال المخطط: “بالنظر إلى حجم المارينا والمسافة إلى الساحل، فهذا مشروع ضخم للغاية”.

Image1_112025715929826154747.jpg
وبدأت أيضًا أعمال إنشاء مطار نيوم الدولي في الطرف الشرقي من ذا لاين، وبخمس مدارج سيكون قادرًا في النهاية على استيعاب ما يصل إلى 100 مليون مسافر سنويًا، مع تخصيص مدرج للطائرات الأسرع من الصوت، لكن تم اتخاذ قرار لاحقًا بإعطاء الأولوية لمطار نيوم باي القائم قرب ساحل البحر الأحمر، لكون موقعه أكثر جاذبية للسياح، وفقًا للمهندس المعماري الأول.

تعرض الطيور للتقطيع
أما مطار نيوم الدولي فقد أُوقف بشكل غير محدد. وبدون المطار، كما قال المهندس المعماري، “لا فائدة من حفر النفق تحت سلسلة الجبال، ولا جدوى من القطار فائق السرعة”. ومع ذلك، تم إنجاز جزء كبير من أعمال الحفر والأنفاق، وبعض تحديات التصميم بقيت دون حل؛ حيث سيعوق ذا لاين مسارات هجرة العديد من الثدييات عبر الجبال، كما يعبر مسار هجرة ملايين الطيور من أوروبا وآسيا نحو أفريقيا للشتاء، بما في ذلك أنواع مهددة بالانقراض مثل النسر المرقط الأكبر والحمام الأوروبي. وفي أوائل 2024، صنّف خبراء الحفاظ على البيئة ذا لاين كـ “قضية ناشئة تثير القلق بشأن الحفاظ على التنوع البيولوجي العالمي”.

اظهار أخبار متعلقة


وأثار مشروع مزرعة رياح مخطط شمال ذا لاين المزيد من المخاوف البيئية؛ حيث قال المخطِّط: “إذا لم تتعرض الطيور للتقطيع أثناء مرورها عبر التوربينات الهوائية، فستصطدم بسطح زجاجي بارتفاع 500 متر وعاكس”، وأضاف المهندس المعماري الأول: “عقدنا مئات الاجتماعات، حرفيًا مئات، حول الطيور”.
واقترح المصممون استخدام تقنية الطباعة الصغيرة على الزجاج لجعل المبنى أكثر وضوحًا للطيور، لكن ليفيو ري، من المعهد السويسري لعلم الطيور، أوضح أن هذا لن يحل المشكلة. حتى إذا لاحظت الطيور العقبة، ستضطر إلى التحليق 90 كيلومترًا على طول ذا لاين لتجاوزها.

وأشار موظفون سابقون إلى إمكانية إنشاء فتحات كبيرة في الواجهة، على مستوى الأرض وارتفاعات أعلى، لتمكين الثدييات والطيور من المرور. لكن ري لفت إلى أن الطيور تهاجر على ارتفاعات محددة تستفيد فيها من الرياح الخلفية، وقد تختلف هذه الارتفاعات، وأضاف: “بعض الفتحات في المبنى لن تحل المشكلة على الإطلاق”.

تقلص الطموح من 20 إلى 3
ولتحقيق موعد 2030، كان لا بد من بدء أعمال البناء سريعًا. بدأت أعمال وضع الأساسات في ربيع 2022، رغم أن التصميم التفصيلي للمبنى لم يُنجز بعد. وللتعامل مع عدم اليقين، قام فريق التصميم بتكبير حجم الركائز، لتصل قطرها إلى 2.5–3 أمتار. وقال أحد المتخصصين في البناء: “بعض هذه الركائز هي الأكبر في العالم؛ إنها ضخمة للغاية"، في الموقع، عملت 60 آلة حفر على مدار الساعة، لتركيب 60–65 ركيزة يوميًا، وتم حفر نحو 6,000 ركيزة على امتداد 2 كيلومتر من الصحراء، وتكلفت أعمال الأساسات عدة مليارات من الدولارات، وقال المدير التنفيذي للبناء: “فعلت فقط ما اعتقدت أنه منطقي”.

Image1_112025715100863859261.jpg
لكن بينما كانت هذه الأعمال مستمرة، بدأت الخطط الأصلية لـ”ذَا لاين” تتقلص. إذ كان صندوق الاستثمارات العامة، مالك نيوم والصندوق السيادي الذي يقترب من تريليون دولار ويترأسه الأمير محمد، تحت ضغط متزايد لتقديم عوائد بعد سنوات من الإنفاق الكبير. وفي الوقت نفسه، بدأ شعور بالواقعية يتغلغل في الرياض مع سعي الحكومة لإدارة الموارد وسط تراجع أسعار النفط، ما أدى إلى إعادة ترتيب أولوياتها — وأولويات الصندوق — المالية الضخمة.

وتقلّص عدد وحدات “ذا لاين” من 20 إلى 12، ثم إلى سبع وحدات، فإلى أربع، وفي نهاية 2023 أصبح العدد ثلاثة وحدات فقط. وقال المدير التنفيذي للبناء: “عندما انخفض العدد إلى ثلاثة، أصبحت تلك الـ6,000 ركيزة بلا فائدة، على الأقل في الوقت الحالي. كان ذلك نتيجة كلاسيكية لمحاولة الركض قبل أن تتعلم المشي”.

ومع ذلك، كان هناك شرط أساسي لجذب المستثمرين الخارجيين، وهو وجود “كتلة حرجة” من السكان المخطط لهم، والتي قدّرت بين 300,000 و500,000 شخص، أي ما يعادل سبع وحدات. وأضاف المدير التنفيذي: “كلما انخفض العدد عن سبع وحدات، أصبح من الصعب جدًا تسويق المشروع كاستثمار. لهذا أظن أن المشروع قد مات… ببساطة أصبح غير قابل للاستثمار”.

اقتنع الفريق بأن "ذا لاين" لن يُبنى أبدًا
وكان كبار التنفيذيين يطالبون دائمًا بالمزيد من الأموال، لكن “ذا لاين” كان يتنافس مع مشاريع نيوم الأخرى. وقد استثمرت بعض العائلات السعودية الثرية مبالغ متواضعة، فيما لم تتحقق الاستثمارات الكبرى التي كانت الرياض تأمل جذبها من المستثمرين الأجانب، وعند هذه النقطة، قال المدير التنفيذي، اقتنع الفريق بأن “ذا لاين” لن يُبنى أبدًا.

Image1_1120257151350766655977.jpg
في منتصف عام 2023، تم إنشاء تدقيق داخلي سري باسم “مشروع مون”. وكان الهدف منه “فحص كيفية ارتفاع التكاليف… ومدى تمدّد الجداول الزمنية بما يتجاوز ما كان مقدّرًا في البداية”، وفقًا لما ذكره أحد المسؤولين التنفيذيين البارزين، وكان من المقرر أن يقوم بـ “تدقيق المدققين”، غير أن الشخص المكلف بالعملية واجه عرقلة، بحسب المسؤول التنفيذي نفسه، وقال: “أصبح محبطًا جدًا فاستقال”. وحاول كبار الموظفين رفع مخاوفهم إلى مجلس الإدارة، الذي كان يضم الأمير محمد، لكنه “رفض الاستماع”، كما قالوا، ووصف عدد من موظفي نيوم السابقين ثقافة العمل بأنها تشبه أجواء قصة هانز كريستيان أندرسن “ملابس الإمبراطور الجديدة”. فكانت المعارضة مُتجاهَلة أو مُعاقَبَة، ولم تصل المخاوف إلى القيادة، وأصبح تعديل المسار مستحيلًا مع انحراف المشروع عن مساره.

الشعور السائد في الغرفة كان "الخوف"
كان يتم إعداد معارض لأعمال التصميم خصيصًا للأمير محمد، الذي كان يتولى رئاسة نيوم بشكل عملي ومباشر. وقال أحد المخططين: “الشعور السائد في الغرفة كان الخوف؛ كان الناس يقلّدون كل ما يقوله”. وكان الأمير محمد يصل مع مرافقيه البالغ عددهم نحو 40-50 شخصًا، وعندما يتجول في المعرض، يسود الصمت التام. وفي لحظة إذا أعجب بشيء، كان يقول لمرافقيه: “أحبّه”، فيرد الجميع بالموافقة، وإذا لم يعجبه شيء، يهزّ الجميع رؤوسهم ويصدرون أصوات اعتراض.

مع ذلك، حاول بعض المديرين تحدي بعض القرارات؛ حيث قال أحد التنفيذيين الكبار: “كنت أظنه طاغية، والطغاة عادة لا يقبلون النقاش. لكنه كان يشارك في الحوار، خاصة مع الأجانب”. ووصفه عدة موظفين سابقين بأنه ذكي، مجتهد، ويمتلك فهمًا عميقًا لمشاريع نيوم، بينما كانت نقطة ضعفه حبه للأفكار الخيالية والخيال العلمي. وأضاف أحدهم: “هذا بالضبط ما حدث مع مشروع “ذا لاين””.

في مؤتمر عام 2017، بيّن الأمير محمد رؤيته لمشروع نيوم من خلال مقارنة بين هاتفيْن. وفي عرض لاحق بمتحف نيوم قرب “ذا لاين”، عُرض هاتف نوكيا 215 بجانب تخطيط مدينة تقليدية، وهاتف آيفون بجانب التخطيط الرأسي لـ"ذا لاين"، ورفع التنفيذيون عشرات الأسئلة إلى الإدارة، وقال أحد كبار التنفيذيين: “منذ البداية، أرسلنا عددًا كبيرًا من التحذيرات لضمان أن تكون القيادة، وخصوصًا على مستوى المجلس، على علم بهذه المخاطر”.

من أين سيأتي 9 ملايين شخص المتوقع أن يقطنوا "ذا لاين"؟ ما السرعة التي يمكن توقع وصولهم بها؟ هل يمكن بدء أعمال البناء والتصنيع بسرعة كافية؟ هل ستؤدي مستويات الواردات المطلوبة إلى سخونة الاقتصاد؟ ماذا لو انخفضت أسعار النفط، المصدر الرئيسي لإيرادات السعودية؟ ماذا لو لم تتوفر المواد اللازمة؟ وهل تمتلك الدولة الخليجية حقًا الخبرة العلمية والتقنية لتنفيذ مثل هذا المشروع الضخم؟".

الكذب بشأن الجداول الزمنية وتكاليف تنفيذ
ورغم ذلك، ظل الضغط على التنفيذ هائلًا، وقال كبير التنفيذيين: "كان المجلس يتوقع من الرئيس التنفيذي أن يحرك الأمور بسرعة فائقة"، وأضاف كبير مصممي المشروع: "تم تحديد مواعيد للأمير حول ما يمكن تحقيقه، لكنها كانت دون تفاصيل عن كيفية التنفيذ. وعندما تُنشر هذه المواعيد، سيكون هناك فقدان للهيبة إذا لم تُحقق. هنا بدأت تتصاعد التوترات"، وأوضح الموظفون أن الفريق كان “يوضع في موقف يضطر فيه فعليًا إلى الكذب بشأن الجداول الزمنية وتكاليف تنفيذ الرؤية”.
ما تبقى من المشروع

Image1_1120257151424475633326.jpg
في وادٍ بين سلسلتين جبليتين، تبدو أعمال التسوية للمطار ومدارجه واضحة. وقال كبير المهندسين المعماريين: “كما هي عادة نيوم، هناك جبل في نهاية المدرج كان لابد من تفجيره”. وقد توقفت أعمال البناء الآن على كل من العمود الفقري والمطار، ولم يُحدد هدف جديد للمطار، وتظهر أساسات أول وحدات “ذا لاين” — ربما أكبر ركائز تم نصبها على الإطلاق — تنتظر دعم أكبر مبنى مأهول في العالم، إذا ما تم بناؤه يومًا. وقد تم هدم قرية قَيال الواقعة على بُعد بضعة كيلومترات من “المارينا المخفية”. وأُودع 15 من أفراد قبيلة الحويطات السجن، بعضهم لمدة تصل إلى 50 سنة، فيما حُكم على ثلاثة آخرين بالإعدام، وفق مراقبي حقوق الإنسان.

في المارينا، كانت الحفريات حتى أواخر العام الماضي قد أخرجت 100 مليون متر مكعب من التربة، أي ما يعادل 40 هرمًا من الأهرامات الكبرى في الجيزة. وستصل السفن إليها عبر قناة تمتد أكثر من كيلومتر إلى الداخل من الساحل، ويبقى تصميم "الثريا" — المبنى المقلوب المعلق من القوس العملاق فوق المارينا — ضمن الخطط، لكن نيوم لم تعد تعتزم أن يكون مقراً لمقرها الرئيسي هناك.

ميزانية المشروع "تتطور يوميًا"
وأقر نائب الرئيس التنفيذي لنيوم، ريان فايز، الشهر الماضي بأن ميزانية المشروع “تتطور يوميًا”، مضيفًا أن هذا يعد فرصة جيدة “لإعادة تقييم ما نجح وما لم ينجح”، ومع الهدف الآن لبناء ثلاث وحدات فقط من أصل 20 وحدة كانت مخططة، أصبحت طموحات المرحلة الأولى من “ذا لاين” صدى باهتًا لما كانت عليه سابقًا. وقال شخص مطلع على المشروع إن الأعمال توقفت فعليًا، وتركز الجهود الآن على استكمال عدد قليل من المباني حول المارينا، وقد غُطيت بعض الأعمال الأولية للركائز بالرمال.
وقال أحد خبراء التخطيط الحضري العاملين في السعودية: “أعتقد أن الأمر رائع كتجربة فكرية، لكن لا تبنوا التجارب الفكرية”.
التعليقات (0)

خبر عاجل