سياسة عربية

"ضربة كبيرة".. لماذا يهدد الممر التركي طريق التنمية العراقي؟

جيتي
مع إطلاق تركيا "ممر الشرق الأوسط التاريخي" الذي يربطها وأوروبا مع دول الخليج عبر الأردن مرورا بسوريا، برزت تساؤلات ملحة عن مصير "طريق التنمية" العراقي الذي جرى التوقيع عليه في بغداد مع أنقرة والدوحة وأبوظبي في أبريل/ نيسان عام 2024.

وأعلن وزير التجارة التركي، عمر بولات، الأسبوع الماضي، أن طريق الشرق الأوسط، الذي يتيح مرور الشاحنات التركية إلى الأردن ودول الخليج عبر الأراضي السورية، سيدخل الخدمة بكامل طاقته عام 2026، بعد استكمال إعادة تأهيل الطرق البرية ومعالجة العقبات الإدارية.

"مشروع مكلف"

وبخصوص مدى تأثير الممر الجديد على طريق التنمية، قال الخبير الاقتصادي العراقي، حازم هادي لـ"عربي21"، إن "الممر التركي ولد ميتا، لأنه يمر في دول عدة بالمنطقة، وهي: السعودية والأردن وسوريا وتركيا، وكل واحدة منها، تريد أن تأخذ رسوما خاصة بها لتحقيق إيرادات، بالتالي سيكون هذا الخط مكلفا".

وأضاف: "الخط العراقي (طريق التنمية) الذي يبدأ من البصرة جنوبا وينتهي إلى الموصل شمالا، فهو مشيّد وكل ما يحتاج إليه هو إدامة وتأثيث، بالتالي يحقق السرعة في النقل، إضافة إلى ذلك فإن ميناء الفاو سيكون مستعدا لاستقبال البواخر من أجل تشغيل النقل البري والسككي".

ورأى هادي أنه "حتى إذا أعلنت تركيا إنشاء ممر جديد وتحدثت عن أهميته، فإنه مكلف قياسا بالخط العراقي، خصوصا أن الأخير تشترك فيه قطر والإمارات، وأن هذه الدول ستكون موانئها مساعدة للعراق، وليس للخط الذي تحدث عنه الجانب التركي".

وعزا الخبير الاقتصادي سبب تأخير إنشاء طريق التنمية، إلى "سعي العراق لأن يكون تنفيذه عن طريق الاستثمار وليس عبر الموازنة المالية للدولة، خصوصا أنه ليس من السهولة بمكان تنفيذه خلال مدة وجيزة".

وأكد هادي أن "طريق التنمية مشروع إستراتيجي كبير وواعد، يتضمن طرقا برية وأخرى للسكك الحديدة، وهو مخطط له من الماضي وليس وليد اليوم، وتحديدا الجانب الألماني هو من رسم هذا الطريق.

 وفي السياق ذاته، رأى الخبير الاقتصادي، عامر الجواهري في حديث لـ"عربي21"، أنه "ثمة شخصيات ومنظمات وحتى دول لا تريد أن يتحرك طريق التنمية العراقي، الذي يمثل مشروع شراكة رباعية مع قطر والإمارات وتركيا".

وأعرب الجواهري عن اعتقاده بأن "الممر الجديد الذي يجري الحديث عنه من تركيا ليس بالضرورة أن يرى النور، حاله حال الكثير من المشاريع التي جرى الحديث عنها في المنطقة، لذلك فإن الإعلان عنه لا يعني تنفيذه".



في المقابل، يؤكد الجواهري، أن "هناك تباطؤ في مشروع طريق التنمية العراقي، لكن ليس بالدرجة التي يمكن القول إنه لن يرى النور في المستقبل، وإنما النزاعات السياسية والصراعات والتنافس الحاصل في المنطقة قد يكون سببا في تأخر تنفيذه".

وتابع: "لذلك نعتبر حديث تركيا عن ممر جديد يربطها مع الأردن وسوريا وصولا للخليج، هو نوع من أنواع المنافسة، تضاف إلى مشروع أعلن عنه في قمة مجموعة العشرين في نيودلهي عام 2023، والذي قيل إنه يربط الهند والإمارات والسعودية والأردن وحيفا".

وكذلك جرى الحديث في السابق عن مشروع إيراني يربط الجنوب بالشمال، وذلك عن طريق أذربيجان وتركيا، وقبلها مشروع آخر لكنه تحرك بشكل أكثر والذي يربط الصين وآسيا الوسطى ويصل إلى أوروبا، وجرى بالفعل تحريك قطارات لتنقل البضائع عن طريقه، وفقا للجواهري.

وزاد الخبير الاقتصادي، قائلا: "هناك طريق آخر يربط بين الصين وإيران ودول الخليج العربي عبر إلى السعودية تحديدا، لذلك فإن المنطقة تزدحم بمشاريع الطرق الرابطة بين الدول، لكن الكفة لا تزال تميل إلى تفضيل مشروع طريق التنمية العراقي".

ودعا الجواهري الحكومة العراقية إلى "ضرورة الإسراع في تنفيذ طريق التنمية"، كاشفا عن مؤتمر سيعقد في بغداد يومي 3 و4 كانون الثاني/ ديسمبر المقبل، بخصوص هذا المشروع تحديدا.

وأشار إلى أن "الممر الجديد الذي أطلقته تركيا ويدور الحديث عنه مؤخرا ومن المقرر أن يدخل العمل في العام المقبل 2026، لكننا نستغرب أن الجميع يذكر الأردن وتركيا فقط ويقفز على سوريا، وهذا المشروع أراه تحفيزي يطلق لغرض الاستفزاز".

واستدرك الجواهري، قائلا: "لكن التنفيذ الممر الجديد يحتاج إلى اتفاق سياسي وتنسيق كبير، ناهيك عن التصاميم والدراسة الاقتصادية ومدى الجدوى الاقتصادية منه، لذلك أرى أن الهدف من الحديث عن إطلاقه هو لاستثارة أطراف ما في المنطقة".

"ضربة كبيرة"

وفي المقابل، قال الباحث العراقي المختص في اقتصاد النقل، زياد الهاشمي، إن "مشروع تركيا الجديد يركز على استغلال قصر مسافة النقل البري عبر سوريا والأردن للوصول للخليج، بدلا مسار أطول عبر العراق، لضمان تقليل زمن وصول البضائع وتخفيض كلف النقل، وهذا ما أبعد الأخير عن هذا المشروع".

وأكد الهاشمي خلال تدوينة نشرها على "أكس" الأسبوع الماضي، أنه "في حال إطلاق المسار التركي الجديد عبر سوريا والأردن، فمن المؤكد أن طريق التنمية العراقي سيفقد حصة سوقية كبيرة من النقل بالشاحنات كانت الحكومة العراقية تعول عليها كثيرا لتأكيد جدوى طريق التنمية". 




وأوضح: "ذلك يعني بأن المشروع التركي سيجعل الطلب على عمليات النقل بالشاحنات لطريق التنمية بين تركيا والخليج، في أدنى مستوى، وهذا ما يتسبب في جعل الأخير مقتصرا تقريبا على (النقل السككي) للحاويات القادمة بحرا عبر ميناء الفاو، وهذا يعتبر ضربة كبيرة لجدوى مسارات طريق التنمية".

وأكد الهاشمي أن "هذا سيقلص كثيرا من حجم العوائد المتحققة من مسارات طريق التنمية، ويؤدي لخسارات تشغيلية حقيقية لهذا الطريق ستتحملها الجهات الممولة والمستثمرة في هذا المشروع".

ولفت الخبير العراقي إلى أنه "بعد الإعلان التركي، تحتاج الحكومة العراقية الآن لإعادة تقييم النموذج الحالي لطريق التنمية وتقوم بالتغييرات اللازمة، لتحسين جدوى المشروع وتنافسيته وجاذبيته للاستثمارات".

وعلى الصعيد ذاته، قال المحلل السياسي العراقي، نزار حيدر خلال مقابلة تلفزيونية، الأسبوع الماضي، إن "تركيا أدارت ظهرها لطريق التنمية العراقي"، بعد إطلاق هذا المشروع الجديد.

وبعد أيام من الإعلان التركي للممر البري الجديد، أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الاثنين، أهمية الإسراع في إنجاز مشروع قانون طريق التنمية، وذلك خلال اجتماع-عقد للجنة العليا للطريق لمناقشة مسودة مشروع القانون الخاصة بالطريق.




وأضاف البيان أن "الاجتماع استعرض مسودة مشروع القانون والتباحث في تفصيلاتها؛ من أجل إكمالها بالشكل الذي يسهم في تحقيق الأهداف التي انطلق بموجبها هذا المشروع الاستراتيجي والتنموي الدولي، الذي سيعزز دور العراق بوصفه مركزا محوريا للتجارة الإقليمية والدولية وحلقة وصل بين القارات".

وأكد رئيس الوزراء، خلال الاجتماع "أهمية الإسراع في إنجاز مشروع القانون واستكمال جميع متطلبات الانطلاق بتنفيذه، وما يتصل به من هياكل إدارية ومالية وبنى تحتية".
وكان وزير النقل العراقي، رزاق محيبس السعداوي، أعلن الجمعة، أن الوزارة بصدد التعاقد مع طرف ثالث يدقق الشركة الفنية الخاصة بطريق التنمية، فيما أشار الى أن هذا الطريق يعد مشروعا اقتصاديا متكاملا يستهدف ثماني قطاعات.

وقال السعداوي إن "الوزارة عملت على تجاوز التحديات في مشروع طريق التنمية من خلال الاستعانة بالخبرات الأجنبية"، لافتا الى أن "هذا المشروع هو استراتيجي وكبير، يتم إنشاؤه أول مرة في العراق، وبالتالي هناك حاجة إلى الخبرات الأجنبية".

وكشف أن وزارة النقل تستعين فنيا بشركة (بي تي بي) الإيطالية، وماليا بشركة (أوليفر وايمن) الأمريكية، وشركة (كي بي آر) من أجل التدقيق على الأخيرة"، مشيرا الى أن "الوزارة الآن بصدد التعاقد مع مدقق أو طرف ثالث يدقق على الشركة الفنية".

وأكد السعداوي أن "طريق التنمية هو مشروع اقتصادي متكامل يستهدف ثماني قطاعات، وهناك دول راغبة في الاشتراك فيه"، مؤكدا أن "هناك لجنة عليا وهيئة من المزمع تشكيلها لإدارة المشروع".