توافد عشرات الآلاف من
اليهود المتدينين من طائفة "
الحريديم"، الخميس، إلى الشق الغربي من مدينة
القدس للمشاركة في ما يعرف بـ"مسيرة المليون"، احتجاجا على قانون التجنيد الإلزامي الذي تسعى حكومة بنيامين
نتنياهو إلى تمريره، في ظل تصاعد الأزمة بين الأحزاب الدينية والائتلاف الحاكم.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن "عشرات الآلاف من الحريديم احتشدوا في القدس رفضا لقانون التجنيد، استجابة لدعوات كبار الحاخامات ومجالس طلاب التوراة"، مشيرة إلى أن المشاركين رفعوا شعارات تعتبر الخدمة العسكرية مخالفة لروح التوراة و"اعتداء على هوية المجتمع التوراتي".
وأضافت الهيئة أن المسيرة جاءت بدعم من الأحزاب الدينية ومؤسسات التعليم التوراتي، احتجاجا على ما وصفوه بأنه "مساس بحرية دراسة الدين ومكانة طلاب المعاهد الدينية"، مؤكدة أن الحاخام غرشون إدلشتاين، أحد أبرز المرجعيات الدينية للحريديم، دعا إلى المشاركة الواسعة، قائلا إن "التوراة هي درع الأمة، وأي محاولة لفرض الخدمة العسكرية على طلابها تمثل خطرا روحيا على الشعب اليهودي".
وبحسب تقديرات الشرطة الإسرائيلية، فإن عدد المشاركين قد يتجاوز مئات الآلاف، ما يجعلها من أكبر التظاهرات الدينية في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي.
وتأتي هذه الاحتجاجات في ظل توتر متصاعد بين الأحزاب الحريدية ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، على خلفية مشروع قانون التجنيد الذي أنهى عقوداً من الإعفاء الذي كان يتمتع به المتدينون اليهود منذ قيام الدولة، حيث تطالب تلك الأحزاب بسن قانون جديد يمنح طلاب التوراة إعفاء دائما من الخدمة العسكرية، في حين تصفه المعارضة بأنه "قانون التهرب من الخدمة".
وأكدت الأحزاب الحريدية في الكنيست، وعلى رأسها "شاس" و"يهدوت هتوراه"، أنها ستواصل الضغط لإسقاط القانون، مشددة على أن "الحفاظ على طابع المجتمع التوراتي خط أحمر لا يمكن تجاوزه".
وتأتي المظاهرات بعد قرار المحكمة العليا الإسرائيلية في 25 حزيران/يونيو 2024، الذي قضى بإلزام أبناء الطائفة الحريدية بالتجنيد الإجباري، ومنع تقديم الدعم المالي للمعاهد الدينية التي يرفض طلابها الخدمة العسكرية، ما أثار موجة غضب في الأوساط الدينية واعتبر "تدخلا في الشؤون الدينية والتعليمية".
ويشكل الحريديم نحو 13% من سكان الاحتلال الإسرائيلي البالغ عددهم نحو عشرة ملايين نسمة، ويرفضون الخدمة العسكرية بحجة تكريس حياتهم لدراسة التوراة، مؤكدين أن الاندماج في المجتمع العلماني "يهدد هوية مجتمعهم واستمراريته".
ويواصل كبار الحاخامات إصدار فتاوى دينية تحث أتباعهم على رفض أوامر التجنيد، بل و"تمزيقها"، باعتبار أن الالتزام بالدراسة الدينية واجب يفوق أي التزام وطني.
وعلى مدى عقود، تمكن الحريديم من تجنّب الخدمة العسكرية عند بلوغهم سن الثامنة عشرة من خلال الحصول على تأجيلات متكررة بحجة الدراسة في المعاهد الدينية، حتى بلوغهم سن الإعفاء البالغ 26 عاماً.
من جانبها، تتهم المعارضة نتنياهو بمحاولة تمرير قانون جديد يمنح الحريديم إعفاءً دائماً من الخدمة العسكرية استجابةً لضغوط حزبي "شاس" و"يهدوت هتوراه" اللذين انسحبا من الحكومة منتصف العام الجاري، مع استعدادهم للعودة إلى الائتلاف فور إقرار القانون الذي يحقق مطالبهم.
وتعكس "مسيرة المليون" اليوم عمق الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي بين التيار الديني المتشدد والتيارات العلمانية، في وقت تواجه فيه حكومة نتنياهو أزمات داخلية متصاعدة على خلفية ملفات سياسية وأمنية واقتصادية متشابكة.