ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير، أعدته الصحافية فيفيان يي أن التقييم الأمريكي لقتل مراسلة قناة الجزيرة في فلسطين، الصحفية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة، أثار انقسامات داخل الأوساط الرسمية في
واشنطن.
وأشارت الصحيفة إلى أن عقيدا في الجيش الأمريكي أعرب عن قلقه من أن نتائج التحقيق التي أُعلنت عام 2022 بدت وكأنها صيغت لاسترضاء
إسرائيل، وهو ما انعكس "بحسب التقرير" في البيان الغامض الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية عقب مقتل أبو عاقلة في مدينة جنين بالضفة الغربية.
بينما أقرت وزارة الخارجية الأمريكية بأن الرصاص الذي أودى بحياة شيرين أبو عاقلة أُطلق من مواقع تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، واعتبرته "السبب المرجح" لمقتلها، لكنها أوضحت في الوقت نفسه أنها "لم تجد ما يشير إلى أن الاستهداف كان متعمدا".
وأضافت الوزارة أن إطلاق النار جاء "نتيجة لظروف مأساوية"، وهو ما أثار غضبا واسعا بين الفلسطينيين وجهات أخرى، رأت في البيان محاولة جديدة لإعفاء الجيش الإسرائيلي من المساءلة عن قتل الفلسطينيين. ومنذ ذلك الحين، لم تُصدر الولايات المتحدة أي موقف علني جديد بشأن مقتل أبو عاقلة.
وأفادت الصحيفة بأن المسؤولين الأمريكيين الذين تابعوا تفاصيل حادثة إطلاق النار عن قرب انقسموا بشكل حاد حول النتائج التي أعلنتها إدارة بايدن، إذ رأى بعضهم أن إطلاق النار كان مقصودًا، وفق ما نقلته عن خمسة مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين شاركوا في متابعة القضية.
وأضاف التقرير أنه رغم غياب دليل قاطع يثبت أن الجندي الإسرائيلي كان يعلم بأنه يستهدف صحفية، فإن ملابسات الحادث والأدلة المتاحة دفعت عددًا من هؤلاء المسؤولين للاعتقاد بأنه كان مدركًا تمامًا لطبيعة ما كان يفعله.
ومن جانب آخر، أيد مسؤولون أمريكيون كلفوا بمراجعة القضية
تقييم الإدارة الأمريكية الحذر، حسب قول مسؤولين مطلعين.
وكان واحدا من الذين
عارضوا نتيجة إدارة بايدن، العقيد ستيف غابافيتش، وهو رجل شرطة عسكرية بخبرة 30
عاما، بما فيها فترة قاد فيها معتقل خليج غوانتانامو.
وفي وقت العملية كان ضابط
ارتباط في مكتب التنسيق الأمريكي الذي ينسق عمليات التعاون بين قوات الأمن
الفلسطينية والإسرائيلية، وهو الذي قام بإجراء المراجعة لعملية إطلاق النار على
الصحافية.
وبعد تقاعده من الخدمة
العسكرية في كانون الثاني/يناير تحدث علنا، أولا في فيلم وثائقي، والآن في مقابلة
مع صحيفة "نيويورك تايمز"، عبر فيها عن مخاوفه من أن الحكومة الأمريكية
قامت بتخفيف ما توصل إليه المكتب من نتائج لاسترضاء الحكومة الإسرائيلية.
وأعرب عن مخاوفه هذه في
فيلم وثائقي بث في أيار/مايو عن الموقع
الإخباري "زيتيو نيوز"، وكشف لأول مرة عن هوية الجندي الإسرائيلي الذي
أطلق النار على أبو عاقلة. لكن الفيلم لم يذكر اسم العقيد غابافيتش؛ وهو الآن
يتحدث علنا لأول مرة.
وعلى الرغم من أن مسألة ما
إذا كان إطلاق النار متعمدا أشعلت الخلاف داخل المكتب ككل، إلا أن المسؤولين
اللذين اختلفا بشدة بشأن إطلاق النار هما العقيد غابافيتش ورئيسه آنذاك، الجنرال
مايكل ر. فينزل، الذي هدد بعزله.
وطلب المسؤولون الأربعة
الذين تحدثوا إلى الصحيفة باستثناء الخامس وهو غابافيتش، عدم الكشف عن هويتهم.
وكان غابافيتش، رئيس طاقم الجنرال فينزل، والذي قاد مكتب التنسيق في حينه وساعد
على كتابة مسودة بيان الخارجية الأمريكية في 4 تموز/يوليو، حيث رد عملية القتل إلى
"ظروف مأساوية"، وعلق غابافيتش أنه وزملاؤه أصيبوا بالذهول "مما أصدروه علنا".
وقال إن تجنب الحكومة
الأمريكية وصف الأمر بالعمد "ظل يؤرق ضميري باستمرار". ووصف تجربته
بالعمل في المكتب قائلا إن : "المحاباة دائما ما تكون مع الإسرائيليين. ومن
النادر جدا أن تمنح للفلسطينيين".
وفي رد من الجنرال فينزل
أصر على عدم وجود أدلة كافية لاستبعاد احتمال أن يكون ضباب الحرب سببا في حدوث
حادث قتل عرضي، وفقا لمسؤولين.
وفي بيان من الجنرال فينزل في بيان لصحيفة" نيويورك
تايمز" جاء فيه: "في النهاية، كان علي إصدار أحكام بناء على كامل
الحقائق والمعلومات المتاحة لي". وأنا "مصر على نزاهة عملنا، وما زلت واثقا
من أننا توصلنا إلى الاستنتاجات الصحيحة".
وعلق المسؤولون الأربعة عن
اعتقادهم من أن العقيد غابافيتش كان يتصرف بدافع القلق مما اعتبره الحقيقة. ويرى بعض المسؤولين أن
الجنرال فينزل، حاول الحفاظ على علاقة عمل بين مكتبه والجيش الإسرائيلي. وربما كان
هذا عاملا أثر على تفكيره وتعامله مع القضية. وبخاصة أن الجيش الإسرائيلي، كان يقطع
العلاقات عندما لا يكون راضيا.
وقال اثنان من المسؤولين،
أحدهما كان يعمل في مكتب الارتباط وقت إطلاق النار والآخر كان يعمل على القضايا
الفلسطينية، إن الجنرال فينزل سعى إلى الحفاظ على العلاقة مع إسرائيل بينما كان
يضغط في الوقت نفسه على الجيش الإسرائيلي من أجل إجراء إصلاحات.
ووجد المكتب الذي عمل فيه
كل من الجنرال فينزل والعقيد غابافيتش، والمعروف الآن باسم مكتب منسق الأمن، نفسه
يجري تحقيقا في حادثة إطلاق النار بعد أن رفض المسؤولون الإسرائيليون
والفلسطينيون، الذين أجروا تحقيقاتهم المستقلة، التعاون في تحقيق مشترك. ورفض مكتب التحقيقات الفدرالية
(أف بي آي) بداية التحقيق، لأن إسرائيل لم تطلب منه، حسب قول غابافيتش.
ولكنه فتح
تحقيقه في تشرين الثاني/نوفمبر بعد تعرض إدارة بايدن لضغوط من المشرعين في
الكونغرس. وبعد مضي، ما يقرب من ثلاث سنوات، لم يصدر أف بي أي أي نتائج، ولم يحدد
موعدا لذلك.
ففي أعقاب حادثة إطلاق
النار مباشرةً، كلفت إدارة بايدن فريق الجنرال فينزل، وهو ليس وكالة تحقيق، بتقييم
القضية وكتابة تقرير عن الأدلة.
ولتحليل مسار الرصاصات، تم
إرسال العقيد غابافتيتش وزملاء آخرين لفحص مكان الحادث في اليوم الذي قتلت فيه أبو
عاقلة، حسبما قال العقيد ومسؤولون آخرون عملوا على المراجعة.
ولعب الفريق الأمريكي دورا
في الحصول على الرصاصة التي قتلت أبو عاقلة وتسليمها لإسرائيل، كي يقوم خبراء
أسلحة باليستية بفحصها بحضور المسؤولين الأمريكيين بمن فيهم فينزل. كما فحص الخبراء
البندقية التي أطلق منها الجندي الرصاصة باتجاه أبو عاقلة.
وفي بيان من وزارة
الخارجية، قالت فيه إن الضرر الكبير على الرصاصة جعل من الصعوبة تحديد البندقية
التي أطلقت منها.
وراجع المسؤولون
الأمريكيين التحقيقات المنفصلة للفلسطينيين والإسرائيليين، لكنهم لم يجروا فحوصهم
الخاصة أو مقابلات مع شهود العيان.
ومع أن العقيد غابافيتش
وصف نفسه بأنه المحقق الأمريكي الرئيسي في القضية، إلا أن ثلاثة آخرون ممن عملوا
عليها اعترفوا بدوره الرئيسي، لكنه لم يكلف بالتوصل إلى حكم نهائي حسب قولهم، فهذه
المسؤولية تقع على عاتق الجنرال فينزل.
وقال الكولونيل غابافيتش
إنه وآخرون في الفريق اتفقوا على أن الجندي الإسرائيلي الذي أطلق النار على أبو عاقلة لا بد أنه كان يعلم أنه يطلق النار
على صحافي، مع أنهم لا يعتقدون أن مطلق النار كان يستهدف أبو عاقلة تحديدا.
وأضاف العقيد غابافيتش أنه
خلص إلى أن إطلاق النار كان متعمدا بناء على عدة عوامل: منها أن سجلات الاتصالات
اللاسلكية للجيش الإسرائيلي في صباح اليوم السابق لإطلاق النار تظهر أن الجنود كانوا على معرفة بوجود صحافيين في المنطقة، على
حد قوله.
وأضاف أنه لم يكن هناك
إطلاق نار قادم من اتجاه الصحافيين يدفع
الجنود الإسرائيليين إلى إطلاق النار عليهم دفاعا عن النفس، وكانت هناك مركبة عسكرية إسرائيلية على الطريق المقابل
لمكان أبو عاقلة ذلك الصباح، وقال العقيد غابافيتش إن قناصا يراقب الطريق من داخل
السيارة، ليتمكن من رؤية الصحفيين بوضوح.
وعندما
زار موقع إطلاق النار بعد ساعات من وقوعه، قال إن زملاءه، الذين كانوا يرتدون سترات
زرقاء مشابهة للسترة الواقية الزرقاء الداكنة التي كانت ترتديها أبو عاقلة
والمكتوب عليها "صحافة"، تمركزوا في مكان سقوطها. وأضاف أنهم كانوا
مرئيين له من مكان تمركز سيارة مطلق النار. وقال العقيد غابافيتش إن دقة الطلقات،
التي أصابت رأس أبو عاقلة وشجرة خروب قريبة منها، لا تشير إلى وابل من النيران
عشوائي.
وأضاف أن ذلك، بالإضافة إلى أن المطلق، أطلق النار أولا على منتج أبو
عاقلة، ثم عليها، ثم على أحد المارة الذي حاول المساعدة، وهو ما يشير إلى أن إطلاق
النار كان متعمدا.
وخلص تحقيق أجرته صحيفة
"نيويورك تايمز" في حادثة إطلاق النار عام 2022 إلى أن 16 طلقة أُطلقت
من الموقع التقريبي للقافلة العسكرية الإسرائيلية، على الأرجح من قِبل جندي من
وحدة النخبة. قال إنه لكي يكون إطلاق النار عرضيا، كان لا بد من وقوع "أكثر
الأشياء عبثية في العالم".
وأضاف: "خرج الشخص من الشاحنة فجأة، وكان
يطلق النار عشوائيا، وصدف أن طلقاته كانت دقيقة التصويب، ولم ينظر إلى المنظار قط،
وهو ما لم يكن ليحدث". وقد توافق تقييمه مع تقييم
المسؤولين الفلسطينيين. من جانبها، قالت إسرائيل إن أبو عاقلة أصيبت إما برصاص جندي
إسرائيلي أو مسلح فلسطيني أطلق النار عشوائيا خلال اشتباكات مع جنود إسرائيليين،
وأصرت على أن جنودها لم يستهدفوا الصحافية عمدا.
ومع ذلك، أظهرت الأدلة التي
راجعتها صحيفة "نيويورك تايمز" لتحقيقها أنه لم يكن هناك مسلحون
فلسطينيون بالقرب من أبو عاقلة عندما تعرضت هي وزملاؤها لإطلاق النار. وقال الكولونيل غابافيتش إنه
شارك نتائجه شفويا مع الجنرال فينزل، ودونها أيضا في مسودة تقرير المكتب بشأن
إطلاق النار.
غير أن الجنرال فينزل تبنى موقفا مغايرا، إذ نقل تقييمه إلى وزارة الخارجية الأمريكية التي أعلنت رسميا أن إطلاق النار لم يكن متعمدا، ومع ذلك، ظل المكتب المعني مضطرا لاستكمال تقريره حول الحادثة، الأمر الذي أثار خلافات داخلية حادة.
وأوضح العقيد غابافيتش، إلى جانب ثلاثة مسؤولين سابقين في المكتب، أنه أدرج مرارا في مسودة التقرير صياغات أكثر حدة بشأن الحادث، لكن الجنرال فينزل كان يحذفها في كل مرة، قبل أن يأمر في النهاية رئيس أركانه بالانسحاب من القضية، وفق رواية العقيد.
ورفض الجنرال فينزل التعليق على هذه الاتهامات، بينما أعرب غابافيتش عن اعتقاده بأن العدالة أخفقت في قضية أبو عاقلة، مضيفا أنها "ربما كانت القضية التي أزعجتني أكثر من أي قضية أخرى في مسيرتي المهنية، لأننا كنا نملك كل الأدلة أمامنا".