صحافة إسرائيلية

اعتراف إسرائيلي: الحرب كلّفتنا أثمانا باهظة وخسرنا الرأي العام العالمي

تظاهرات حاشدة اجتاحت المدن الأمريكية خلال العدوان- إكس
في حرب العامين الأخيرين، وجدت دولة الاحتلال نفسها لا تقاتل فقط على الأرض، بل أيضًا في ساحة الوعي العالمي، وبينما تأرجح الرأي العام العالمي بين التعاطف مع الفلسطينيين، وانتقاد الاسرائيليين، وبعد أن وقف العالم "غريزياً" في الأسبوع الأول بعد هجوم الطوفان بجانب الاحتلال، بدءً بزيارات رؤساء الدول، إلى الأعلام المضيئة، لكن هذا التعاطف سرعان ما استُبدل برموز وتعاريف جديدة في الشهور الأخيرة.

وكشف شاي غال، خبير السياسة الدولية وإدارة الأزمات والاتصالات الاستراتيجية، أنه "في يوليو 2025، ووفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة غالوب في الولايات المتحدة، أيد 32% فقط من الأمريكيين العدوان الإسرائيلي في غزة، وهو أدنى مستوى تاريخي للدعم الشعبي منذ بدء الحرب".

وأضاف في مقال نشره موقع ويللا، وترجمته "عربي21" أنه "في الوقت نفسه، أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة يوجوف في أوروبا أن الغرب شهد انخفاضًا حادًا في التعاطف مع إسرائيل، وفي دول مثل ألمانيا وفرنسا وإسبانيا، عبّر أقل من 20% من المشاركين عن رأي إيجابي، مقارنةً بأغلبية واضحة أعربت عن تحفظات أو عداء، وقد اندمجت المظاهرات والبيانات والطوفان البصري على الشبكات في سردية نقدية موحدة".

وأشار  إلى أن "هذه الأرقام توضح بما لا يدع مجالا للشك أن الحروب، مثل الحملات الانتخابية، تقاس بالعاطفة، وليس بالنتائج، حيث لم تُشن الحرب على غزة وحدها، بل أيضًا في ساحة الوعي العالمي: في ساحات معارك الرأي العام والروايات والخوارزميات، وبينما كانت حماس تحسب الأهداف بالكيلومترات على الأرض، كان العالم يحسبها ببرمجيات "البكسل"، لقد كانت حربًا حقيقية ضد واقع مُتخيل، ولا سبيل للفوز في كليهما".

وأكد أن "من يحاول من الإسرائيليين إرضاء كلا الطرفين، سييخسرهما معاً، لأننا في عصرٍ حل فيه تأثير تيك توك محل تأثير سي إن إن، وتُقاس الحروب بجماليات المعاناة، وتُكافئ الخوارزمية صورةً تُثير الغضب على سياقٍ يُفسر الواقع، أما دولة إسرائيل فلعلها تعلمت في هذه الحرب التوقف عن ممارسة هذه اللعبة، وربما حان الوقت للتخلي عن مصطلح الهسبارا".

وزعم أنه "لا توجد كلمةٌ تُجسد عقلية اختلاق الأعذار أكثر من هذه، لأننا في عالمٍ يُوثّق فيه كل شيء، ويُترجم، وتُعتبر محاولة "الشرح" تهربًا من اتخاذ قرار، "الهسبارا" ليست سياسةً، بل هي أحد أعراض دولةٍ تتحدث عن نفسها، بدلًا من أن تدافع عنها، وهي ردٌّ مُقنّعٌ في صورة استراتيجية، خطاب اعتذارٍ مُصمم لإرضاء جمهورٍ عالمي قرر مُسبقًا ما سيراه، مما يجعل إسرائيل تظهر كما لو أنها تُحاول شرح ما تقوم به؛ مع أن الدولة التي تثق بنفسها لا تفعل شيئًا من ذلك، على حدّ زعمه".

وأوضح أن "استطلاعات الرأي أو الشبكات الاجتماعية أو الوسوم لم تكن هي التي أنهت الحرب على غزة، مع أننا تحدثنا بلغةٍ متلعثمة، بين الضرورة العسكرية والاعتذارات الأخلاقية، أما ضد إيران، فتحدثنا بلغةٍ مختلفة، قصيرة، باردة، واثقة، وفهمها العالم، ونقلت الحرب على إيران الخطاب الاسرائيلي إلى مفردات: النووي، الردع، الوقاية، حتى أن منتقدينا اضطروا لاستخدام المصطلحات التي أرساها إسرائيل، أما في غزة، فقد كان أسيرا للغة الآخرين، وهكذا جُرّت الدولة إلى لغةٍ ليست لغتها".

وأكد أن "ترتيب الأولويات في الحرب على غزة أصبح الأمن أولاً، ثم الدعاية، صحيح أن الرأي العام مهم، ولكن فقط كمرافق للسياسة، وليس بديلاً عنها، يُمكنه المساعدة في بناء الشراكات وتقليل الخلافات، لكنه لا يحسم الحروب، فقد أنهينا القتال في غزة، ليس لأن التيار الإعلامي والدعائي السائد أملى ذلك، بل لأن الواقع السياسي الإقليمي والدولي أراد ذلك".

تشير هذه القراءة الاسرائيلية إلى أن الثمن الذي دفعه الاحتلال من حربه العدوانية على غزة ظهر واضحا، من خلال موجة غير مسبوقة من معاداته في الغرب، في عصر تُولّد فيه الشبكات الاجتماعية المشاعر السياسية، ويخشى القادة منها، صحيح أن الاحتلال أبدى عدم اكتراثه بها، ولو ظاهرياً، لكنه في الحقيقة أيقن أن دماء الفلسطينيين في غزة بصورته العالمية الى دَرَكٍ غير مسبوق.