كتاب عربي 21

زيادة جديدة للوقود المصري مخالفة للقواعد الحكومية

"غابت مبررات الحكومة لرفع سعر المشتقات هذه المرة، والتي كانت في المرات السابقة تبررها بزيادة سعر خام برنت دوليا، وكذلك بتراجع سعر صرف الجنيه المصري"- الأناضول
في الأسابيع الأخيرة توقع عدد من الاقتصاديين المصريين تريث الحكومة، في رفعها لأسعار الوقود خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، في ظل تراجع أسعار خام برنت عالميا، وكذلك تراجع سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري، وهما المتغيران اللذان تعتمد عليهما اللجنة الحكومية التي تحدد أسعار المشتقات البترولية بشكل فصلى. إلا أن الحكومة كعادتها فاجأت الناس بزيادة لأسعار ستة أنواع من المشتقات هي: البنزين بأنواعه الثلاثة، والكيروسين والسولار وغاز تموين السيارات والبتوجاز المنزلي والتجاري والمازوت، بنسب تراوحت ما بين 10.5 بالمائة وحتى 43 في المائة.

والغريب أن نسب زيادة أنواع البنزين كانت أقل للنوع الأكثر نقاء الذي تستخدمه سيارات الأغنياء، بينما زادت نسبة الارتفاع لدى نوع البنزين الذي تستهلكه السيارات الشعبية وكذلك سيارات النقل.

وغابت مبررات الحكومة لرفع سعر المشتقات هذه المرة، والتي كانت في المرات السابقة تبررها بزيادة سعر خام برنت دوليا، وكذلك بتراجع سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي مما يزيد من تكلفة المشتقات المستوردة، فها هو خام برنت يتراجع سعره من 100 دولار للبرميل عام 2022 إلى 83 دولارا في العام التالي ثم إلى 81 دولار في العام الماضي، ويستمر في انخفاضه في العام الحالي حتى بلغ 61 دولار مع إقفال تعاملات الجمعة الماضية، السابع عشر من الشهر الحالي.

رفع أسعار المشتقات كان شرطا من شروط صندوق النقد الدولي لإقراض مصر ببرامج الإصلاح التي وقعها مع مصر، كما كان من أسباب تأجيل مراجعتين للبرنامج المصري الحالي، لدرجة عدم تحديد موعد لقدوم ممثلي الصندوق لمصر لبحثهما حتى الآن

وهنا سيقول الموالون للحكومة إن احتساب سعر نفط برنت، يكون على متوسط الشهور الثلاثة الأخيرة وليس على سعر الأيام الأخيرة، وهنا نجد أن متوسط سعر خام برنت قد بلغ 76 دولارا للبرميل في الربع الأول من العام الحالي، لينخفض إلى 68 دولارا في الربع الثاني من العام، ثم يصل إلى 69 دولارا في الربع الثالث من العام الحالي، مما يعنى اتجاهه الهبوطي بعد أن قد بلغ متوسطه 75 دولارا في الربع الأخير من العام الماضي.

أما سعر الصرف وحسب بيانات البنك المركزي المصري فقد بلغ متوسطه بنهاية تعاملات الخميس الماضي، السادس عشر من الشهر الحالي، 47.59 جنيه للدولار، وانخفض المتوسط الشهري لسعر الصرف حسب بيانات وزارة المالية المصرية من 51 جنيها للدولار في شهر نيسان/ أبريل من العام الحالي، إلى 50.15 جنيه في الشهر التالي، واستمر في الهبوط لأقل من خمسين جنيها خلال شهري حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو، ثم كسر حاجز الـ49 جنيها خلال آب/ أغسطس بالانخفاض عنه، ثم كسر حاجز الـ48 جنيها بالانخفاض عنه في نهاية أيلول/ سبتمبر، واستمرار ذلك في الشهر الحالي حتى نهاية الأسبوع الماضي.

تعليمات الصندوق السبب الرئيس للرفع

ولقد دعا غياب العوامل الموضوعية لتبرير رفع أسعار المشتقات الأخير؛ وزير البترول الأسبق أسامه كمال، الذي ظل يدافع ويبرر قرارات رفع أسعار المشتقات منذ عام 2014 وحتى الرفع قبل الأخير في نيسان/ أبريل الماضي، إلى التصريح بأن الرفع الأخير لأسعار الوقود غير مبرر!

ويعلم الجميع أن رفع أسعار المشتقات كان شرطا من شروط صندوق النقد الدولي لإقراض مصر ببرامج الإصلاح التي وقعها مع مصر، كما كان من أسباب تأجيل مراجعتين للبرنامج المصري الحالي، لدرجة عدم تحديد موعد لقدوم ممثلي الصندوق لمصر لبحثهما حتى الآن.

والملاحظ على زيادة الوقود الأخيرة ارتفاع وتيرتها بالمقارنة بالزيادات التي تمت في السنوات الأخيرة، ففي عام 2021 جرت ثلاث زيادات لأسعار البنزين كانت قيمة كل زيادة منها بواقع 25 قرشا للتر من أنواع البنزين المختلفة، وفي عام 2022 جرت ثلاث زيادات للأسعار كانت قيمة أولهما وثانيهما بواقع 25 قرشا، بينما زاد في المرة الثالثة إلى 50 قرشا، وفي عام 2023 جرت ثلاث زيادات تراوحت قيمتها من 75 قرشا إلى مائة قرش و125 قرشا.

ارتفاع قيمة الزيادة في العام الحالي

وفي عام 2024 جرت ثلاث زيادات للأسعار تراوحت قيمتها ما بين مائة قرش إلى 125 قرشا ثم إلى 150 قرشا، أما في العام الحالي والذي شهد زيادتين لأسعار المشتقات في نيسان/ أبريل والشهر الحالي، بالإضافة إلى زيادة أسعار الغاز الطبيعي للصناعة خلال الشهر الماضي، فقد كانت قيمة الزيادة ثابتة بالمرتين بزيادة أسعار المشتقات من بنزين بأنواعه وكيروسين وسولار، بقيمة جنيهين للتر في المرتين، أما زيادة أسعار الغاز الطبيعي لأنواع الصناعات المختلفة، من أسمدة وحديد وأسمنت وسيراميك، فكانت بنحو دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية.

وكعادة الإعلام الحكومي في تقليل أثر الزيادات الحكومية على الجمهور، فقد تركزت التغطية الإعلامية على ارتفاع أسعار البنزين والسولار، بينما شملت الزيادات الكيروسين أيضا بنسبة 13 في المائة، وغاز تموين السيارات بنسبة 43 في المائة، وأسطوانات الغاز بنسبة 12.5 في المائة، والمازوت للصناعات المختلفة بخلاف الغذائية والكهرباء بنسبة 19 في المائة، وهو ما حدث مع زيادات أسعار الوقود خلال نيسان/ أبريل الماضي بذكر زيادات بعض المشتقات وليس كلها.

ومن خلال ارتفاع قيمة الزيادة بأسعار المشتقات في العام الحالي يمكن توقع أثرها على أسعار السلع والخدمات بالأسواق المصرية، حيث تمس الزيادة في المرتين أنواع السيارات التي تعمل بالبنزين أو بالكيروسين أو بالسولار أو بالغاز الطبيعي، مما يعني شمول الأثر على السيارات الخاصة وسيارات النقل، وحتى عربات النقل الركاب ذات العجلات الثلاثة المسماة بالتوتوك، والتي تعد وسيلة المواصلات الرئيسة في أنحاء البلاد بسبب سهولة دخولها للشوارع الضيقة بالريف والأحياء الشعبية.

التحايل على الأسعار الحكومية الجبرية
تؤثر زيادة أسعار المشتقات الأخيرة على الأسر من عدة جوانب، سواء خلال استخدام السيارات الخاصة، أو خلال استخدام وسائل النقل العامة للوصول إلى مقر العمل سواء للعاملين في الحكومة أو القطاع الخاص، أو إلى مكان الدراسة للطلاب في المدارس والجامعات، أو خلال شراء السلع الغذائية المختلفة

كما يشمل الموتوسيكلات (الدراجات النارية) التي تُستخدم كوسيلة نقل للأشخاص بالأجرة في العديد من المدن المصرية حتى الراقية منها، حيث تنتشر في منطقة التجمع الخامس في القاهرة الجديدة والمعادي وغيرهما، كما يشمل جميع وسائل المواصلات من سيارات الأجرة وسيارات الميكروباص والميني باص والأتوبيسات، سواء داخل المدن أو ما بين المحافظات، وهو ما أشرف على تنفيذه المحافظون ورؤساء المدن في أنحاء البلاد بتحديد قيمة الزيادة بالأجرة بنسبة 10-15 في المائة للراكب، إلا أن السائقين الذين يعترضون على قلة نسبة الزيادة الجبرية يتحايلون على ذلك، بتقطيع المسافات ما بين المناطق المختلفة لتحقيق أرباح أعلى من المحددة جبريا.

ولأن تكلفة النقل تعد مكونا رئيسا لأسعار السلع، فإن ارتفاع أسعار المشتقات الأخير سينعكس على جميع السلع؛ بداية من الخضر والفاكهة إلى البقوليات والدقيق واللحوم والدواجن وحتى مواد البناء، وهو ما حدث بالفعل منذ اليوم الأول لتطبيق الزيادات في الوقود بارتفاع أسعار الفول والعدس وأنواع الجبن وزيوت الطعام والسكر المعبأ والدقيق المعبأ والمكرونة المعبأة والشاي وغيرها.

كما يمتد ارتفاع التكلفة بسبب الاستخدامات الأخرى للوقود، حيث يُستخدم في العمليات الزراعية من زراعة وحصاد للمحاصيل وتشغيل ماكينات الري، وفي صناعة الدواجن في عمليات تدفئة في فصل الشتاء بالعنابر، وإلى أبراج شركات الاتصالات التي تعتمد على السولار والمخابز السياحية التي تعمل بالسولار، والمراكب السياحية العائمة التي تستخدم السولار ومعدات رصف الطرق ومعدات أعمال البناء وغيرها.

وهكذا تؤثر زيادة أسعار المشتقات الأخيرة على الأسر من عدة جوانب، سواء خلال استخدام السيارات الخاصة، أو خلال استخدام وسائل النقل العامة للوصول إلى مقر العمل سواء للعاملين في الحكومة أو القطاع الخاص، أو إلى مكان الدراسة للطلاب في المدارس والجامعات، أو خلال شراء السلع الغذائية المختلفة، رغم بلوغ نسبة الارتفاع السنوي للإنفاق على النقل الخاص بمصر 28 في المائة خلال شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، بالمقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، وهو ما يعني زيادة النسبة عن ذلك بعد السابع عشر من الشهر الحالي في ظل الارتفاعات الجديدة لأسعار النقل والمواصلات الخاصة والعامة.

x.com/mamdouh_alwaly