ملفات وتقارير

لماذا أغلق الأردن مركز الإمام الألباني؟.. غضب وتساؤلات

مركز الإمام الألباني تأسس في الأردن عام 2011- بترا
قررت وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية، إغلاق مركز الإمام الألباني للدراسات والأبحاث في عمّان، وإيقاف جميع أنشطته بدعوى أنه "يمارس أنشطة وينشر أفكارًا تتعارض مع الفكر الديني العام في المجتمع الأردني، وتمس الثوابت الوطنية والعقدية، وتخرج عن الأهداف التي رُخّص المركز لأجلها".

كما أشار القرار الموقع من قبل وزير الأوقاف محمد الخلايلة إلى أن ذلك "يؤدي إلى المسّ بالوحدة الوطنية والتنوع الثقافي والاجتماعي، ويتعارض مع رؤية الوزارة الهادفة إلى تعزيز الوسطية والاعتدال والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة".

وأثار القرار جدلًا واسعًا في الأردن، لا سيما داخل الأوساط السلفية، التي عبّرت عن استيائها مما وصفته بـ"محاربة علنية للتيار السلفي العلمي" في المملكة، معتبرة أن الإغلاق يمثل "رسالة سياسية ودينية خطيرة". علما أن المركز تأسس في العام 2011.


أسئلة نيابية للحكومة

توالت ردود الفعل البرلمانية عقب القرار، إذ وجه النائب عن كتلة حزب جبهة العمل الإسلامي  أحمد الرقب رسالة مفتوحة إلى وزير الأوقاف قال فيها: "مما تميزنا به نحن في الأردن القدرة على استيعاب المدارس المختلفة والمناهج المتنوعة، فلا يعيب أحد على أحد، ولا نضيق ذرعًا بالمخالف، وهذا ما أسهم في صياغة الشخصية الإسلامية الإيجابية... ومن المستغرب أن تقوم الوزارة بإغلاق مركز الإمام الألباني ومركز غراس وغيرهما، وإن كانت هناك ملحوظات فلتكن لغة الحوار والمدارسة منهجًا ضابطًا تحكمه المناصحة دون حيف أو شطط".

وأضاف الرقب: "ونحن أحوج ما نكون إلى تمتين الجبهة الداخلية وترسيخ القواسم المشتركة، أطالب بالعدول عن مثل هذا القرار وموافاتي بما تم من تصويبات وإجراءات".


وقال النائب عن الكتلة ذاتها، ناصر النواصرة: "بغض النظر عن الموقف من مركز الأمام الألباني، نتفق معه أو نختلف، إنما جاء الاغلاق في سياق التضييق على الحريات عموما والحريات الدينية والمراكز العلمية والقرآنية، وهل هذا يصبّ في تمتين الجبهة الداخلية؟".

 وفي السياق ذاته وجّه النائب  خميس حسين عطية، رئيس كتلة إرادة والوطني الإسلامي، سؤالًا نيابيًا رسميًا إلى وزير الأوقاف، استنادًا إلى المادة (96) من الدستور، حول “أسباب إغلاق المركز بعد 15 عامًا من العمل الدعوي والعلمي".

وطلب عطية توضيح "المخالفات المنسوبة للمركز"، وتزويده بتقارير لجنة الترخيص للمراكز الإسلامية المتخذة، كما سأل عن حيثيات القرار وتبعاته القانونية وفق نظام المراكز الإسلامية رقم (107) لسنة 2020، مشيرًا إلى أن القرار هو "إغلاق للمركز وليس إلغاءً للرخصة".

لا توضيح من الأوقاف
حاولت “عربي21” التواصل مع وزير الأوقاف الدكتور محمد الخلايلة للحصول على رد حول أسباب الإغلاق ومسوغاته، إلا أنها لم تتلقَّ أي إجابة حتى لحظة إعداد التقرير.

كما لم يصدر عن الوزارة أي توضيح حول حيثيات القرار، والمخالفات التي وقع مركز الإمام الألباني بها.

ماذا وراء القرار؟
بحسب ما رصدت "عربي21"، فإن القائمين على مركز الإمام الألباني وهم من التيار السلفي العلمي، أشاروا بشكل غير مباشر إلى أن إغلاق المركز يأتي لتعزيز نفوذ تيارات أخرى في المؤسسة الدينية بالمملكة، لا سيما "الصوفيين" و"الأحباش" و"الأشاعرة".

وتبنى هذا الطرح الوزير الأسبق بسام العموش، الذي انتقد ما وصفه محاولة لإقصاء تيار إسلامي كامل وتقريب تيار آخر على حسابه. وقال العموش في تسجيل مصوّر: “لا نريد أن نكرر محاكم التفتيش التي أقامتها المعتزلة للإمام أحمد، فإقصاء تيار علمي متزن كهذا خطأ كبير”.

إلا أن نشطاء أيدوا القرار بدعوى أن المركز يبث الغلو، ويحرض ضد المذهبين الرسميين في الأردن (الحنفية، والشافعية)، وهو ما يؤدي إلى شرخ في العلاقة بين المجتمع الأردني بحسب وصفهم.

وقال الشيخ عثمان النابلسي أحد الدعاة الأشاعرة في الأردن، في تأييد غير مباشر لقرار إغلاق المركز، إنه "مهما حاولت الوهابية العلمية التنصل من التكفير، ومهما أصدروا كتبا في خطورة التكفير والتكفيريين، ومهما ردوا على الوهابية الجهادية، فلن يجديهم ذلك نفعا، لأن مصادرهم العلمية المعتمدة هي بعينها مصادر الجماعات التكفيرية".



في حين أيد الدكتور نذير الفقير القرار، قائلا إنه يصب في مصلحة التعددية التي يتميز بها الأردن، في إشارة إلى أن مركز الألباني يحث على الفكر الإقصائي.


خطاب مختلف عن غزة
تعرض رموز من التيار السلفي في الأردن إلى هجوم بسبب مواقفهم المختلفة عن بقية المشايخ السلفيين تجاه العدوان الأخير على قطاع غزة.

وكان من أبرز المشايخ الذين قدموا خطابا واضحا بضرورة نصرة المقاومة في قطاع غزة، مشهور حسن آل سلمان، أحد المشرفين على اللجنة العلمية في مركز الإمام الألباني، وخرج آل سلمان عن الخط العام للسلفيين التقليديين الذين يرفضون الدعوة إلى القتال. إذ قال في إحدى محاضراته خلال الحرب: "والله لو كنا أحرارًا من جميع الجهات، وكنا رجالًا، وكنا ذا نخوة، ما اجتمعنا في هذه الندوة، لكنا هناك (في غزة)، ما ينبغي أن تكون هناك أسواق ولا حياة عادية، الواجب على المسلمين جميعًا أن يبذلوا ما يستطيعون لكف أعداء الله عن المسلمين في غزة".

وأكد مشهور حسن آل سلمان أن مسألة الخلاف مع عقيدة "حماس" أو سياساتها، لا ينبغي أن يتم تناولها والحديث فيها خلال الحرب.

وفي بيان نشره لاحقًا على موقعه الرسمي تأكيدا لموقفه، استشهد مشهور آل سلمان بموقف الإمام الألباني نفسه، قائلًا: “إن الواجب على المسلمين جميعًا بذل ما يستطيعون لإيقاف نزيف الدم حالًا، ومن قصّر فهو آثم... وشيخنا الألباني قال منذ أكثر من ربع قرن: (إن المسلمين جميعًا آثمون لتفريطهم فيما يجري في فلسطين)”.

وبسبب هذا الموقف، تعرض التيار السلفي في الأردن إلى هجوم، بدعوى تحريضه على القتال، وتبنيه أفكار متطرفة.

وشارك في التحريض بعض من يوصفون بأنهم أتباع "التيار الجامي" في الأردن، ممن يتهمون مركز الألباني بالتحول من مركز سلفي علمي إلى "سروري" يؤيد الثورات، والمظاهرات، ومناصحة الحكام علنا.




صمام أمان للدولة
ردّ دعاة في المركز على الاتهامات الموجهة لهم، مؤكدين أن المركز يمثل “صمام أمان للدولة الأردنية”.

وقال الشيخ محمد يوسف خشان، أحد المحاضرين في المركز: “مركز الإمام الألباني لا يدعو إلى الحزبيات والتكفير والثورة والتفجير، بل هو مركز سلفي يحث الناس على السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف”.