سياسة عربية

هل رفع تصنيف مصر الائتماني قبيل وصول ترامب محض صدفة أم خطوة محسوبة؟

شهدت الفترة من (2013 إلى 2025) في تصنيف مصر الائتماني تقلبات حادة- جيتي
رفعت وكالة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني، تصنيف مصر، الجمعة، درجة واحدة من "B-" إلى "B" مع نظرة مستقرة، مشيرة إلى حدوث "انتعاش حاد في نمو الناتج المحلي"، لتشاركها وكالة "فيتش ريتنغز" بوضع اقتصاد البلد العربي الأفريقي عند ذات التصنيف وذات النظرة.

ورغم أنّ رفع تصنيف مصر يعتبر: "شهادة ثقة دولية في قدرة مصر على سداد ديونها، ويسمح بالاقتراض من الأسواق الدولية بأسعار فائدة أقل، ويساهم في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتدفق العملة الصعبة، واستقرار سعر الصرف وتعزيز العملة المحلية"؛ لكن البعض كان له رأي آخر.

ودفع رفع تصنيف مصر الائتماني، من قبل أكبر وكالتين عالميتين في التصنيف الائتماني للدول، الذي يأتي قبل أيام من زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لمصر لتوقيع اتفاق السلام بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الاسرائيلي، المقرّر الاثنين، خبراء للربط بين توقيت الزيارة والتصنيف الجديد بل والتشكيك في حقيقته.

وقال الخبير الاقتصادي المصري، هاني توفيق، إنّ: "رفع التصنيف الائتمانى لمصر فجأة، ودون أي تغيير هيكلي حقيقي بالاقتصاد، مع خبر قدوم ترامب لشرم الشيخ، يؤكد أنّ مؤسسات التصنيف الائتماني كلها ما هي إلا وكالات سياسية ذات أهداف".



وأشار مراقبون إلى وجود أزمات هيكلية وبنيوية خطيرة يعاني منها ثاني اقتصاد قاري -بعد جنوب أفريقيا- وثالث اقتصاد عربي، بعد السعودية والإمارات، من حيث الناتج المحلي الإجمالي المتوقّع أن يصل إلى 412.16 مليار دولار نهاية 2025، تقلّل من قيمة التأثير الإيجابي لرفع تصنيف مصر الائتماني.

مبررات الوكالتين
في تبريرها للقرار، قالت "ستاندرد أند بورز" إنّ: "الإصلاحات التي أجرتها السلطات في عام ونصف، والتحوّل لنظام سعر صرف مرن، أدّت إلى: ارتفاع النمو وزيادة تدفقات السياحة والتحويلات المالية"، مشيرة إلى: "تحسن صافي التدفقات المالية، بما يعزز الوضع الخارجي للاقتصاد".

أما عن "فيتش"، فقد أشارت إلى عوامل: "اقتصاد مصر الكبير نسبيا، وإمكانات نمو الناتج المحلي الإجمالي المرتفعة نسبيا، والدعم القوي من الشركاء الثنائيين ومتعددي الأطراف".

وتحدثت الأولى، عن أنّ التزام مصر بـ"سعر صرف تحدده قوى السوق، وبرنامج صندوق النقد الدولي الضخم، يدعمان نمو الناتج المحلي". لتؤكد الثانية على "دور التحسن الذي شهده احتياطي مصر من النقد الأجنبي، وعلى عدم وجود تباين كبير بين أسعار الصرف الرسمية والموازية منذ آذار/ مارس 2024".

"ستاندرد أند بورز" أكدت كذلك، أنّ: "الضغوط على التمويل الخارجي انحسرت، متوقعة ارتفاع الاحتياطيات بالبنك المركزي لـ42 مليار دولار بحلول 2028"، متوقعة انخفاض الدين الخارجي إلى 84 بالمئة من إيرادات الحساب الجاري أعوام (2025-2028)، من 134 بالمئة خلال (2021-2024)".

أزمات تكشفها الأرقام
يلفت خبراء ومراقبون، في المقابل، إلى استمرار الأزمات التي يعانيها الاقتصاد المصري طوال عهد رئيس النظام الحالي، مثل: "ارتفاع حجم الدين الخارجي والداخلي، واستمرار توجّه الحكومة نحو الاقتراض من البنوك المحلية والمؤسسات الدولية، والبحث عن مصادر تمويلية أخرى كطرح السندات الدولية، ما يزيد من حجم الدين وأقساطه وفوائده".

ولفتوا أيضا إلى "ضعف الإنتاج المحلي، وعجز الميزان التجاري وضعف حجم الصادرات بمقابل الواردات، مع تفاقم عجز الموازنة العامة للدولة، وعجز الحساب الجاري، وعدم قدرة الحكومة على جلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والاعتماد على الاستثمارات غير المباشرة وبيع أذون الخزانة للأجانب وتعريض البلاد لخطر هروب (الأموال الساخنة) في أزمة تعرضت لها البلاد 3 مرات منذ 2022، وفاقمت أزمة العملة الأجنبية والدين الخارجي".

وأكدت بيانات "البنك المركزي" الأسبوع الماضي، أنّ عجز الحساب الجاري بالعام المالي (2024/2025)، بلغ 15.4 مليار دولار، كاشفة عن تسجيل ميزان المدفوعات عجزا قدره 2.1 مليار دولار، مقابل فائض 9.7 مليار دولار في (2023/2024).

ووفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بلغت قيمة الصادرات العام الماضي، 45.3 مليار دولار، فيما وصلت فاتورة الواردات ضعف هذا الرقم مسجلة 95.3 مليار دولار، ما يشير لاختلال ميزان المدفوعات، ويشير لرفع الطلب على العملة الصعبة وزيادة الضغوط على المحلية.

اعتراف ستاندرد أند بورز
في تقريرها، ورغم ما تشير إليه "ستاندرد أند بورز" من تقدم أدى لرفعها تصنيف مصر الائتماني، اعترفت بأنّ "عبء خدمة الدين الحكومي ما يزال مرتفعا جدا"، ملمّحة إلى أنّ: "مدفوعات الفائدة كنسبة من الإيرادات الحكومية في 2025 تبلغ 73 بالمئة".

وبينما تتوقع الوكالة تراجع تكاليف خدمة الدين في 2027، لكنها أكدت أنها "ستظل أعلى من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، ما سيحدّ من انخفاض نسبة مدفوعات الفائدة إلى الناتج المحلي الإجمالي".

وتؤكد البيانات الرسمية زيادة حجم الدين الخارجي، ففي 4 أيلول/ سبتمبر الجاري، أعلنت وزارة التخطيط عن ارتفاعه بنحو 6 مليارات دولار ليتعدى في نهاية الربع الثاني من العام الجاري 161 مليار دولار، من 155.1 مليار دولار نهاية 2024.

ما تزامن مع إعلان البنك المركزي مطلع أيلول/ سبتمبر الجاري، عن تراجع أصول النقد الأجنبي للقطاع المصرفي خلال آب/ أغسطس الماضي بنحو 586 مليون دولار ليصل 17.89 مليار دولار، وانخفاض الفائض لدى البنوك التجارية بنحو 761 مليون دولار ليسجل 38.76 مليار دولار.

ويؤكد مراقبون أنّ: "تعرض الاحتياطيات الأجنبية والدين العام لضغوط كبيرة دفع الحكومة لمواصلة توجهها نحو مزيد من الاستدانة الخارجية، وبيع الأصول العامة في ظل تراجع الدخل القومي للبلاد، بفعل أزمات داخلية وأخرى إقليمية.

الأمر الذي يتمثل في أزمة تراجع إيرادات قناة السويس لـ(3.62 مليار دولار)، في (2024/2025) مسجّلا أدنى مستوى منذ 20 عاما، بانخفاض 45.5 بالمئة مقارنة بالعام المالي السابق (8.76 مليار دولار)، وذلك بفعل الأزمات الجيوسياسية بالمنطقة، ومنافسة خطوط ملاحية دولية أخرى.

غير متسق مع الواقع
في السياق، يرى خبراء أنّ: "رفع تصنيف مصر الائتماني غير متسق مع ما قبله من سياقات دولية، حيث مازال صندوق النقد لم يفرج عن المراجعة "الخامسة" التي جرت في أيار/ مايو الماضي، و"السادسة" التي تعقد بين القاهرة وواشنطن الشهر الجاري، ولا الشرائح المقررة عن المراجعتين بـ"قيمة 2.5 مليار دولار"، في إطار قرض المليارات الثمانية".

وقبل أيام من رفع "ستاندرد أند بورز" تصنيف مصر الائتماني وتأكيد "فيتش" عليه، أعلنت شركة "فوتسي راسل"، المزود العالمي للمؤشرات، 8 أيلول/ سبتمبر الجاري، إضافة "بورصة مصر" لقائمة المراقبة لاحتمال إعادة تصنيفها وتخفيضها  من سوق "ناشئة ثانوية" لسوق "مبتدئة".

التابعة لمجموعة بورصة لندن، أرجعت ذلك إلى فشل بورصة القاهرة بتلبية الحد الأدنى من متطلبات عدد الأوراق المالية اللازمة للاحتفاظ بوضع السوق الناشئة، ما يشير لخطر فقدان شريحة استثمارات أجنبية.

ويلفت المراقبون إلى أنّ: الوكالات تتجاهل أمورا ولا تضعها بقائمة اهتمامها عند وضع التصنيف الائتماني للدول، مشيرين إلى سياسة بيع الأصول، والتفريط بالشركات العامة، وطرح أراضي استراتيجية وذات أهمية حيوية وتمس الأمن القومي على مستثمرين أجانب، ما يزيد منافسة الخليجيين للقطاع الخاص المحلي، الذي يشهد تراجعا في أيلول/ سبتمبر الماضي للشهر السابع، ويواصل الانتقال لأسواق أخرى بينها السعودية والإمارات.

ويلمحون كذلك، إلى الإجراءات الحكومية المتتابعة بخفض الدعم عن ملايين الفقراء، واتخاذ قرارات برفع أسعار الوقود والكهرباء والمياه، ما يفاقم أسعار باقي السلع والخدمات ويزيد أعباء 108 ملايين مصري جلهم فقراء وتحت خط الفقر العالمي.

الوضع الذي عبرت عنه خبيرة التخطيط الاستراتيجي، سالي صلاح، بقولها عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "يئن المواطن تحت وطأة ديون وفواتير مرتفعة وخدمات متدهورة"، مضيفة: "على الورق، ترتفع أرقام الناتج المحلي؛ لكن على الأرض، تتدنى جودة الحياة"، مؤكدة أن "الأزمة ليست نقص الموارد، بل سوء إدارتها".

اعتراف حكومي بالأزمات
في ندوة للجامعة الأمريكية بالقاهرة، 9 أيلول/ سبتمبر الجاري، اعترف وزير المالية، أحمد كوجك، بأنّ 96 بالمئة من خدمة الدين وتمويله أصبح محليا حتى يونيو/ حزيران 2025، وأن حجم الدين يبلغ نحو 86 بالمئة من الناتج الإجمالي في 2024، ما يشكل ضغوطا دائمة على الموازنة العامة.

وكشف وزير المالية عن أنّ: "نتيجة بيع الأصول الحكومية والشركات العامة والأراضي الجارية مؤخرا على سواحل البحرين الأحمر والمتوسط وفي القاهرة، وعلى جانبي نهر النيل في محافظات القاهرة الكبرى، سيتم توجيه 50 بالمئة من قيمة البيع لسداد الديون".

وتسعى وزارة كوجك، لإصدار سندات دولية بقيمة 4 مليارات دولار العام الجاري، لتغطية احتياجاتها التمويلية الخارجية، في ظل فجوة تمويل خارجي تصل 11 مليار دولار للعام المالي الجاري.

ومع حاجة الحكومة لسد فجوة عجز الموازنة الذي تفاقم إلى 6.9 بالمئة من الناتج المحلي، وسط ضغوط هائلة لخدمة الدين الذي يلتهم 79 بالمئة من إيرادات الدولة، أعلن وزير المالية إصدار "سندات تجزئة" تستهدف الأفراد.

ما اعتبره مراقبون، تكرارا لأزمة تآكل مدخرات المصريين مع تمويلهم حفر تفريعة قناة السويس عام 2015، بقيمة 64 مليار جنيه (8 مليارات دولار)

تُخفي اختلالات هيكلية
في قراءته لرفع تصنيف مصر الائتماني في هذا التوقيت ودلالات ذلك، ومدى مطابقته للواقع الفعلي، تحدث الخبير الاقتصادي والمستشار الأممي السابق، إبراهيم نوار، لـ"عربي21".

وقال: "بالفعل هناك مؤشرات قوية على تعافي الاقتصاد الكلي من نواحي ارتفاع النمو وتراجع التضخم وزيادة الاستثمار الأجنبي وتراجع العجز في الحساب الجاري".

وأضاف: "بالطبع تهتم مؤسسات التصنيف الائتماني بهذه المؤشرات لمساعدة العالم الخارجي على تقييم ما إذا كان إقراض دولة ما أو الاستثمار فيها مربحا وآمنا"، مستدركا: "لكن المؤشرات الكلية في الوقت نفسه تُخفي اختلالات اقتصادية هيكلية يحتاج علاجها إلى سياسة رشيدة واستراتيجية واضحة قابلة للتنفيذ".

جوانب الخلل.. وتطور إيجابي
لفت إلى أن "أهم جوانب الخلل يتمثل في هشاشة أمن الطاقة، وأمن الغذاء، والعجز الكبير في ميزان الحساب الجاري رغم انخفاضه عما كان عليه في العام الماضي".

ومع ذلك الوضع القاسي، وفي نهاية حديثه، توقّع نوار، تطورا إيجابيا مع "تحسن الظروف الجيوسياسية حول مصر خصوصا اتفاق وقف إطلاق النار في غزة".

وخلص للقول إنه "يمكن أن يفتح شهية المستثمرين أكثر، ويعيد دخل قناة السويس إلى ما كان عليه، ويساعد على المزيد من تنشيط السياحة"، مؤكدا أنها "عوامل إيجابية يمكن أن تساعد على تعزيز توازن الاقتصاد الكلي".

تطورات تصنيف عهد السيسي
هناك 3 وكالات تصنيف ائتماني دولية كبرى (The Big Three)، هم وفق حصتهم السوقية: "ستاندرد أند بورز"، و"موديز"، و"فيتش"، ومقرهم نيويورك، وتهيمن على 90 بالمئة من سوق التصنيف العالمي، ويؤثر تقييمها للجدارة الائتمانية لاقتصاديات الدول على تكلفة الاقتراض والاستثمار.

وشهدت الفترة من (2013 إلى 2025) في تصنيف مصر الائتماني تقلبات حادة تعكس الأوضاع السياسية والاقتصادية المحلية والتطورات الاقتصادية العالمية، وبرامج صندوق النقد والضغوط على العملة الأجنبية.

بين (2013 و2014)، شهد تصنيف مصر تخفيضا لأدنى درجة (CCC+) ثم رفع إلى (B-)، بعد تدفقات الدعم الخليجي، لرئيس النظام عبد الفتاح السيسي، ليشهد عامي (2015 و2016)، تحسنا أوليا ثم تراجعا إلى نظرة "سلبية" (B-) بسبب أزمة النقد الأجنبي.

تحسن تصنيف مصر الائتماني بين أعوام (2016 و2019)، إلى (B) مع نظرة "مستقرة" أو "إيجابية" مع الاقتراض من صندوق النقد الدولي الأول في عهد السيسي خريف 2016.

ليشهد عامي (2022 و2023) موجة تخفيضات حادة، من "موديز" (من B2 إلى B3 ثم إلى Caa1)، مع نظرة "سلبية"، بفعل هروب الأموال الساخنة، وتفاقم أزمة نقص العملة الأجنبية وارتفاع الدين الخارجي.

لتغير صفقة "رأس الحكمة" البالغة 35 مليار دولار، إلى جانب تمويل صندوق النقد لمصر بقيمة 8 مليارات دولار، المشهد، حيث حافظت "موديز" على تصنيفها (Caa1) بنظرة المستقبلية "إيجابية" في آذار/ مارس 2024، ورفعت "ستاندرد أند بورز" التصنيف إلى (B).