ملفات وتقارير

مصر تزيح ذكريات 3 جولات خاسرة وتفوز برئاسة اليونسكو.. وحديث عن ثمن باهظ

الإمارات تراجعت عن تقديم وزير الثقافة السابقة نورة الكعبي - جيتي
لاقى انتخاب وزير السياحة المصري السابق خالد العناني، مديرا عاما لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، بالفترة (2025- 2029)، ترحيبا حكوميا، بعدما أصبح أول مصري وعربي يتولى المنصب الدولي الرفيع بدعم غير مسبوق من 55 دولة من أصل 57 عضوا بالمجلس التنفيذي للمنظمة الأممية.

و"اليونسكو"، وكالة متخصصة تتبع منظمة الأمم المتحدة تأسست عام 1945، عقب الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) في العاصمة البريطانية لندن، بهدف الحفاظ وصيانة التراث الإنساني، ومقرها الرسمي بالعاصمة الفرنسية باريس.

فوز المرشح المصري بمواجهة الكونغولي إدوارد فيرمين، الذي الذي حصل على صوت واحد فقط، يأتي ليزيح من ذاكرة المصريين ذكريات فشل بلادهم في نيل المنصب عبر 3 مرشحين سابقين، هم: السفيرة مشيرة خطاب عام 2017، ووزير الثقافة فاروق حسني عام 2009، ومدير مكتبة الإسكندرية إسماعيل سراج الدين 2001.

وخسرت خطاب، أمام الفرنسية أودري أزولاي، ومن قبلها خسر حسني، أمام البلغارية إيرينا بوكوفا، مستكملا مسيرة الخسائر التي بدأها سراج الدين، أمام الياباني كوشيرو ماتسورا.

لذلك فإن حصول العناني، على أكبر عدد أصوات ناله مرشح للمنصب منذ تأسيس يونسكو عام 1945، ورغم امتناع أمريكي عن التصويت، دفع الإعلام المصري لوصفه بـ"انتصار دبلوماسي"، مشيدا بدور النظام في الترويج لمرشحه ودعمه، ومؤكدا على أحقية مصر بالمنصب لما لها من تاريخ وحضارة، معتبرينها فرصة لاستعادة قوة القاهرة الناعمة.

إجماع دولي وتنازل عربي.. وتساؤل
على الجانب الآخر، تساءل مراقبون حول أسباب فوز العناني، الذي يعد ثاني أفريقي برئاسة يونسكو بعد السنغالي "أمادو ماهتار مبو" عام (1974- 1987)، وبهذه الإجماع الدولي وتلك النسبة التاريخية من الأصوات.

وأشاروا إلى احتمال أن تكون مصر قد دفعت ثمنا لهذا المنصب، الذي أكدت وزارة خارجيتها مرارا على ضرورة وحتمية الفوز به.

ذلك التساؤل، يراه البعض ملحا خاصة مع إجماع عربي غير مسبوق حول مرشح واحد للمنصب من وزراء الخارجية العرب، في أيلول/ سبتمبر 2023، وإفساح المجال أمام العناني، رغم التنافس السعودي الإماراتي الكبير على المنصب، ورغبة الرياض وأبوظبي بالتحكم في أروقة المنظمة الدولية.

وتراجعت الإمارات عن تقديم وزير الثقافة السابقة نورة الكعبي كمرشحة لها رغم خروجها من الوزارة بهذا الغرض في شباط/ فبراير 2023.

ولم تدفع السعودية بمرشحتها مندوبة الرياض الدائمة بالمنظمة هيفاء بنت عبد العزيز آل مقرن، رغم رغبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لزيادة دور اليونيسكو ببلاده.

وعود بهدايا أثرية
كما أن هذا التساؤل أعاد نشطاء طرحه بقوة مستندين فيه على تسريب مثير للجدل لمكالمة هاتفية بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، وسفير مصر لدى هولندا عماد حنا.

الوزير والسفير، تحدثا بمقطع مصور عن دعم حملة الترويج الدولية للعناني، بين مندوبي الدول باليونسكو، ليطلب السفير هدايا عينية، ليقر الوزير بخروج هدايا سابقة عبارة عن آثار فرعونية لدعم ملفات مصرية، وعدم ممانعته من طلب هدايا فرعونية مماثلة وإرسالها لمندوبي الدول، لدعم العناني.



ويلفت نشطاء إلى تزايد معدلات سرقة الآثار، مؤخرا، في حين قال السياسي والأكاديمي الدكتور محمد محي الدين، معلقا على خبر فوز العناني، بـ"فيسبوك"، إنه "خبر جيد جدا وسط أخبار سرقات وتضييع الآثار".

وفي تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، تم الكشف عن اختفاء لوحة أثرية من الحجر الجيري، تعود لـ(عصر الأسرة السادسة)، قبل 4 آلاف عام من مقبرة "خنتي كا" بمنطقة سقارة الأثرية بالجيزة.

وذلك بعد أن شهد أيلول/ سبتمبر الماضي، اكتشاف سرقة سوار أثري من الذهب الخالص ومرصع بحجر اللازورد، يعود لعصر الانتقال الثالث (900 عام ق. م).

وفي 6 آب/ أغسطس الماضي، جرى إحباط تهريب 2189 قطعة أثرية قيمتها حوالي 3.578 مليار جنيه على شاحنة يقودها سائق أجنبي بميناء نويبع بالبحر الأحمر.

سوابق لا تليق بالمنصب
وفي تعليقه، قال الكاتب والباحث المصري محمد فخري: "لاشك أن مصر الحضارة والتاريخ والثقافة أولى دول العالم بأن يكون مدير اليونسكو منها، ولكن هل يمتلك العناني، المقومات وسوابق الأعمال التي تؤهله للمنصب مثلا مقارنة بفاروق حسني أو إسماعيل سراج الدين، بالطبع لا".

فخري، أضاف لـ"عربي21"، إنه "القدر والظروف والأجواء الموائمة، وقوة المرشح المنافس؛ كل ذلك ساهم باختيار العناني، بصرف عن مقوماته وإنجازاته، وبنظرة عادلة لما أنجزه خلال وزارته للآثار، لما تم اختياره من الأساس، ففي عهده هدمت المقابر الأثرية والتاريخية والتي لا تقدر بمال، لبيع الأرض واستغلالها ماديا، وفي عهده تم تسليع الحضارة، وفتح وتأجير الأماكن الأثرية".

وتابع: "في عهده تم ضم الآثار وهى وزارة حضارية عظيمة لوزارة السياحة، ليصبح الهدف الأول الحصول على أكبر قدر من المال بصرف النظر عن المحافظة على المواقع الأثرية التي طُرحت للإيجار وحق الاستغلال والحفلات، وأسندت لشركات المقاولات والخدمات التابعة للجيش ترميم وخدمة وحراسة الأماكن الأثرية ما انعكس على حالة الآثار وسلامتها".

فضيحة كبرى
وحول تسريب وزير الخارجية المصري، رأى أنه "فضيحة من العيار الثقيل، ولو تلقفته وسيلة إعلام عالمية، لأضحى الأمر فضيحة كبرى للمنظمة وللمنصب، وفكرة إهداء مسؤولي الدول هدايا رمزية تأتي لتوثيق العلاقات، أما أن تدفع رشاوي ومن الآثار التي أسست المنظمة للحفاظ عليها فتلك مصيبة كبرى، وخصوصا والأمر كما هو مذكور تم بشكل مرتب وجماعي".

وعن سبب إفساح الإمارات والسعودية الطريق للعناني، قال إنه "يعود إلى أن فرص مرشحيهم ليست بالكبيرة، كما أن تراثهم الأثري والحضاري والتي تعني المنظمة برعايته لا يمكن مقارنته بمصر".

عقبات محتملة
ويشير البعض إلى وضع صعب يواجه العناني، في المنظمة الأممية مع تقليص الولايات المتحدة مساهماتها في تمويل اليونسكو من 40 بالمئة إلى 8 بالمئة، ثم قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالانسحاب منها في كانون الأول/ ديسمبر 2026، ما يضع العناني أمام أزمة تمويل، أو محاولة استرضاء أمريكا وإسرائيل على حساب ملف التراث الفلسطيني.

وعلى خلفية إدراج اليونسكو، مناطق فلسطينية على قائمة التراث العالمي، منها مدينة أريحا القديمة 2023، ودير القديس هيلاريون في غزة 2024، وتنديد أعضاء المنظمة بجرائم الاحتلال بينها قصف المستشفى المعمداني تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أعلنت إدارة ترامب انسحابها من اليونسكو، بسبب ما تقول عنه إنها "سياسات متحيزة للمنظمة ضد إسرائيل".

الصحفي في أخبار الأدب شهاب طارق، وصف وضع المنظمة بأنها "تعيش لحظة أفول"، مؤكدا أنها عجزت عن الحفاظ على المواقع التراثية، أمام رغبة الحكومات بتدميرها لصالح مشروعات تطوير عمراني تخدم أصحاب الأموال.

إرث ثقيل
كما أن العناني، خريج كلية السياحة والفنادق، وغير المتخصص في مجال الآثار أو الفنون أو التاريخ، له سجل ثقيل من الاخفاقات في بلاده، وله تصريحات وقرارات خلال فترة توليه الوزارة (2016- 2022)، دفع البعض لإطلاق عليه لقب "وزير شطب الآثار".

شطب العناني، "الحمام العثماني" في قنا، و"قصر ميخائيل لوقا الزق" بأسيوط، و"محطة القطار الملكية بكفر الشيخ"، ورفض تسجيل الكثير من الأماكن الأثرية، وخرجت بعهده العديد من جبانات القاهرة التاريخية من قائمة التراث العالمي لليونسكو، بعد هدم بعضها لإنشاء محوري "الفردوس" و"صلاح سالم".

وجرت عمليات هدم واسعة بمقابر "الإمام الشافعي"، و"السيدة نفيسة"، و"جبانة المماليك"، و"باب النصر"، و"الخيالة"، و"قبة حليم التاريخية"، والتي بدأت عمليات إزالتها من (2020 وحتى 2024)، بجنوب القاهرة، وجميعها تحمل طابعا معماريا متميزا وقيمة تاريخية ورمزية كجزء من القاهرة التاريخية المسجلة كتراث عالمي.

تخوفات مشروعة
وبينما كان يطالب أساتذة تاريخ ومدافعين عن التراث المصري بمحاسبة العناني، على هدم المناطق الأثرية والتراثية بالقاهرة، يتخوفون الآن من أن تتواصل عمليات الهدم وسط صمت اليونسكو، مع رئاسة العناني لها.

أستاذ التخطيط العمراني بالقاهرة وجامعات فرنسا، الدكتورة جليلة القاضي، أكدت لـ"عربي21"، أن لديها وغيرها من المختصين بقطاع الآثار "تخوفات مشروعة فيما يخص التراث المصري، بعد فوز العناني بالمنصب".

الأكاديمية المصرية، وعبر صفحتها بـ"فيسبوك"، انتقدت زيارة العناني، 70 بلدا، للحصول على منصب منظمة "آفلة ومهلهلة"، والحساب المفتوح لتمويل حملته، مشيرة لصرف الملايين على تذاكر الطيران والإقامة بفنادق فخمة والمشتريات والهدايا والعطايا، على حساب الدولة.



وأعرب الباحث في علم المصريات الدكتور طارق فرج، عن مخاوفه أيضا من أن يدعم بمنصبه الجديد هدم التراث، مشيرا إلى هدمه آثارا إسلامية، ملمحا إلى أن تهريب الآثار بعهده كان بالكونتينر، مشيرا إلى قضية "تهريب 22 ألف قطعة أثرية داخل "حاوية دبلوماسية" جرى ضبطها عام 2019، بميناء ساليرنو الإيطالي.

فرج، انتقد نقل العناني، تماثيل كباش أبي الهول من الأقصر للقاهرة، ونشر مقبرة كاملة من سوهاج ونقلها للعاصمة الإدارية، لافتا إلى تكلفة ترشحه عبر حفلات بملايين الدولارات ودعم رئاسي مالي كبير، دون فائدة حقيقية لمصر.



الصحفي والإعلامي محمد السطوحي، كتب يقول: "جميل أن يفوز مصرى بمنصب مدير يونسكو، لكن الأجمل ألا يحاول البعض استغلال ذلك بالمزيد من الهدم والتدمير لمناطقنا الأثرية والتاريخية باعتبار أن المنظمة الدولية المسؤولة عن التراث العالمى تم احتواؤها".

مديرو اليونسكو
هناك نحو 7 عقود تعاونت فيها اليونسكو مع مصر التي انضمت للمنظمة ضمن 20 دولة عام 1945، ما أسفر عن إنقاذ آثار معبدي "أبوسمبل" و"جزيرة فيلة"، بحملة إنقاذ آثار النوبة من الغرق 1959، تحت بحيرة السد العالي بجنوب مصر، ثم مشروع إحياء "مكتبة الإسكندرية"، وإنشاء "متحف الحضارة" بالقاهرة.

ولنحو 20 عاما لم تسجل اليونسكو أية مواقع مصرية على لائحة التراث العالمي، إذ كان آخر تسجيل لمحمية "وادي الحيتان" بالفيوم (جنوب غرب القاهرة) عام 2005.

وعلى مدار نحو 80 عاما قاد المنظمة الدولية 12 مديرا، وهم كالتالي: البريطاني "جوليان هوكسلي" (1946- 1948)، لينتقل المنصب من أوروبا إلى أمريكا الشمالية عبر المكسيكي "جايمي توريس بوديت" (1948- 1952)، ثم الأمريكي "جون تيلور" (1952- 1953)، ثم الأمريكي الثاني "لوثر إيفان" (1953-1958).

ليعود المنصب إلى القارة العجوز عبر الإيطالي "فيتورينو فيرونيسي"، (1958-1961)، ثم الفرنسي "رينيه ماهيو" (1961- 1974)، لتصل رئاسة اليونسكو لأفريقيا عبر السنغالي "أمادو ماهتار مبو" (1974- 1987)، ثم تعود للقارة العجوز بالإسباني "فيدريكو مايور" (1987- 1999).

ثم يذهب المنصب للمرة الأولى إلى قارة آسيا عبر الياباني "كويشيرو ماتسورا"، (1999- 2009)، ثم تنال أوروبا الشرقية حظوظها على يد البلغارية "إيرينا بوكوفا" عام (2009- 2017)، ثم تسجل فرنسا اسمها للمرة الثانية بالمنصب على يد "اودري ازولاي" عام (2017 -2025)، ثم تعود للقارة السمراء للمرة الثانية مع المصري خالد العناني (2025-2029).