وصلت عناصر من
القوات البحرية
المصرية إلى
تركيا، الثلاثاء، للمشاركة في التدريب البحري المشترك
"بحر الصداقة – 2025"، حسبما أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية،
والتي تستمر خمسة أيام في شرق البحر الأبيض المتوسط بين 22 و26 أيلول/سبتمبر الجاري.
وأوضح المتحدث
العسكري، غريب عبد الحافظ، في بيان، أن "التدريب يشمل تنفيذ العديد من
المحاضرات والأنشطة البحرية، لصقل مهارات العناصر المشاركة، ورفع كفاءتها وتوحيد
المفاهيم العملياتية مما يزيد من قدراتها القتالية على تنفيذ المهام في البيئة
البحرية بكفاءة واقتدار وفق المعايير الدولية".
تمثل هذه
المناورات الأولى منذ 13 عاماً، علامة فارقة في مسار التطبيع العسكري والسياسي بين
تركيا ومصر، بعد سنوات من التوتر والجمود في العلاقات التي تلت أحداث 2013، وهي
تأتي في سياق جهود دبلوماسية مكثفة بين البلدين، تُرجمت مؤخراً بزيارات متبادلة
على مستوى وزراء الدفاع والخارجية، واتفاقيات في مجالات الطاقة والتجارة
والاستثمار.
كما أن اختيار
منطقة شرق المتوسط، وهي منطقة شهدت تنافساً بين البلدين حول حقوق الطاقة والحدود
البحرية، لإجراء المناورات، يحمل دلالة سياسية وأمنية واضحة، مفادها "تحويل
منطقة الخلاف إلى منطقة تعاون ضمن مساعي البلدين نحو الاستقرار، وليس التصعيد"،
إضافة لظهور وتوازن إقليمي جديد.
لا ثقة بأمريكا
وتشهد المنطقة
تحول جذري بالسياسيات الدفاعية بعد الضربة الإسرائيلية على قطر واهتزاز الثقة بأمريكا
التي من المفترض أنها الحليف الأول لدول الخليج، حيث ظهر اتفاق الدفاع المشترك بين
السعودي الباكستاني والذي ينص بأن أي اعتداء على طرف يعتبر اعتداء على كليهما، وهو
الأول من نوعه خارج دول حلف الناتو، ثم تلاه إعلان الإمارات عن تعاون مع الهند،
وذلك في إطار تعزيز شراكاتها الاستراتيجية في منطقة جنوب آسيا، واليوم المناورات
بين أكبر قوتين بحريتين في المنطقة، مصر وتركيا، وفق ترتيب موقع "
WDMMW" المختص بتصنيف القدرات البحرية حول العالم.
توازنات
جديدة، دفعت أكثر من 300 مسؤول أميركي سابق في مجالات الدبلوماسية والاستخبارات
والأمن القومي، إلى توجّيه رسالة لقادة لجان الاستخبارات في مجلسي الشيوخ والنواب،
دعوا فيها إجراء تقييم استخباري سري بشأن "مكانة الولايات المتحدة بين
حلفائها" في ظل التحولات العميقة في السياسة الأميركية بعهد الرئيس دونالد
ترامب وفقدان الولايات المتحدة للثقة الدولية، وفق تقرير لوكالة "بلومبرغ".
فرقاطات وغواصات
وزارة الدفاع التركية قالت إنه من المتوقع أن يحضر كبار قادة القوات البحرية في البلدين "يوم مراقبة رفيع المستوى" في 25 أيلول/سبتمبر، مما يؤكد أهمية المناورات، بعد أكثر من عقد من العلاقات المتوترة بين البلدين، وفق ما نشرت وكالة أنباء الأناضول.
وقال قائد عسكري تركي ل
صحيفة يني شفق التركية إن المناورة ستشمل "الفرقاطتين TCG Oruçreis وTCG Gediz، وزورقي الدوريات السريعين TCG İmbat وTCG Bora، والغواصة TCG Gür، وطائرتين F-16، إلى جانب عناصر من البحرية المصرية، وهي المناورات التي تُركز على تعزيز التوافق التشغيلي بين البلدين وعمليات البحث والإنقاذ".
مناورات غير عادية
يرى خبراء أن توقيت إجراء تلك المناورات البحرية وحجم القوات المشاركة من البلدين وثقل القيادات العسكرية التي ستتابع مجرياتها، كلها أمور تشير إلى أنها مناورات غير عادية، ويقول كمال أولكار، الخبير الاستراتيجي العسكري وعضو هيئة التدريس في جامعة بيكينت: "الغرض الأساسي من التدريبات التي نجريها في هذه المنطقة هو التشغيل البيني، لتمكين المركبات العسكرية والسفن والطائرات من أصول مختلفة من تنفيذ عمليات مشتركة معًا"، بحسب ما أوردته قناة "
TRT World".
ويفسر هاني الجمل، الباحث في الشؤون الإقليمية والدولية في مصر، هذا التعاون من خلال عدسة جيوسياسية أوسع، قائلا: إنها تحذير لإسرائيل وحلفائها بأن هناك طرقًا أخرى يمكن لمصر وحلفائها في المنطقة من خلالها إحباط" مخططاتهم التوسعية في المنطقة، وأكد أن التعاون المصري التركي يثير قلق إسرائيل، خاصة في ضوء استخدامها المتزايد لقبرص الخاضعة للإدارة اليونانية كقاعدة عسكرية.
البعد العسكري يبقى محوريًا
منذ أكثر من عقد من الزمان، وجدت تركيا ومصر نفسيهما في خلاف حاد لأسباب سياسية وأمنية، وع تأكيد الخبيران على أهمية الموقف المشترك بشأن غزة وسوريا وأمن الطاقة، إلا أن البعد العسكري يبقى محوريًا، ويُصرّ أولكار على أن المناورات البحرية لا ينبغي اعتبارها مناورة تكتيكية مؤقتة، بل جزءًا من تحالف استراتيجي طويل الأمد.
ويقول أولكار : "إن مذكرات التفاهم السبع عشرة التي وُقِّعت العام الماضي، ستُوفِّر دعمًا كبيرًا لعدد من الأنشطة، مثل جهود التعاون الاستراتيجي رفيعة المستوى، ولا يبدو الأمر مؤقتًا بهذا المعنى".
ويقترح أيضاً توسيع نطاق مثل هذه التدريبات لتشمل دول البحر الأبيض المتوسط مثل إسبانيا وإيطاليا، التي أعربت حكوماتها عن آراء انتقادية للفظائع التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، وبالتالي توسيع الكتلة الناشئة.
الأبعاد السياسية والدفاعية
نائب وزير الخارجية المصري الأسبق، حسين هريدي، صرح قائلا، بأن: "استئناف هذه المناورات يعكس تطورات العلاقات بين القاهرة وأنقرة، ويتجه نحو البعدين الأمني والدفاعي"، وأشار إلى أن التعاون العسكري جزء من إرساء التوازنات الإقليمية، وأن هذه الخطوة قد تُشير إلى إمكانية تطوير التعاون الدفاعي مستقبلًا.
بدوره، أشاد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، بعلاقات بلاده مع مصر، معتبراً أنها وصلت حالياً إلى "أفضل مستوياتها في التاريخ الحديث"، وأكد فيدان، أن "هناك المزيد مما يمكن فعله ويجب فعله من أجل تحقيق المزيد من الارتقاء في العلاقات الثنائية"، معتبراً أن "كل شيء لا يزال في بدايته"، وتابع: "لأن كلا البلدين بدأ يكتشف ما الذي يمكن أن نحققه إذا استطعنا الجمع بين إمكانات بعضنا البعض، إلى جانب إمكاناتنا الفردية".
التقارب المصري التركي يُقلق "إسرائيل"
في غضون ذلك، شكك المحلل الإسرائيلي مردخاي كيدار في دور مصر الإقليمي وموقفها الفعلي تجاه إسرائيل وحماس، داعيا القاهرة لاتخاذ موقف واضح يدعم أحد الطرفين، مشيرًا إلى مزاعم متكررة بتهريب الأسلحة والمركبات إلى غزة عبر الأراضي المصرية، مما يثير تساؤلات حول التوازن بين الوساطة والدعم العملياتي.
كما سلّطت وسائل الإعلام الإسرائيلية الضوء على التدريب البحري المشترك بين القاهرة وأنقرة، معتبرةً إياه مؤشرًا على تحسن ملموس في العلاقات الثنائية، وفرصة لتعزيز التعاون الأمني والدفاعي بالتزامن مع الوضع الأمني المضطرب في الشرق الأوسط ومخاوف زيادة التصعيد.
ولفتت صحيفة "معاريف" العبرية، إلى أن "هذه الخطوة تندرج ضمن محاولات عديدة تبذلها تركيا وزعيمها الرئيس رجب طيب أردوغان، لترسيخ مكانتها كلاعب مركزي في الشرق الأوسط، بعد سقوط نظام الأسد في سوريا"، وذكرت أن "مصر أيضا ليست مترددة في اتخاذ موقف موحد في ضوء التطورات الإقليمية، ونشرت مؤخرا قوات كبيرة في سيناء".
وتعد "بحر الصداقة" أبرز
المناورات العسكرية البحرية المشتركة التي شهدتها مصر وتركيا، والتي جرى تنفيذها أعوام 2009 و2010 و2011 و2012، قبل إلغائها عام 2013، حيث ترى العاصمتان، أنقرة والقاهرة، أن التقارب بينهما ليس فقط وسيلة لمواجهة الضغوط الخارجية، بل وأيضا فرصة لبناء دور أكثر استقلالية في منطقة تشكلت منذ فترة طويلة على يد قوى خارجية.
الحرب في غزة، والدعم الأمريكي المفتوح لـ"إسرائيل"، ورسوم ترامب الكمركية، كلها وغيرها، باتت تدفع العالم نحو إعادة تشكيل جديد في ظل صراعات الهيمنة وتشكيل التحالفات وتغيير موازين القوى، وهي تحوّلات تُقرأ بوضوح خلال منظور الواقعية في العلاقات الدولية التي تضع خلالها الدول ومصالحها ولا سيما بقاءها وتعظيم قدراتها في محور الاهتمام، وما يجري اليوم ليس فوضى، بل إعادة ترتيب براغماتية.