رغم أن أغلب
الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ـ 147 من أصل 193 دولة ـ تعترف بالفعل بالدولة
الفلسطينية منذ أواخر تموز/ يوليو، إلا أن إعلان بريطانيا وفرنسا الاعتراف بفلسطين
دولة، أصاب على ما يبدوا "إسرائيل" بالذعر، لما تتمتع به الدولتان من ثقل خاص لأنهما
عضوان دائمان في مجلس الأمن، وتملكان حق النقض (الفيتو) على أي قرار جوهري للمجلس،
بما في ذلك قرار قبول دول أعضاء جديدة.
وستعزز
الدولتان موقف معظم الدول الأخرى، وتبعثان برسالة سياسية، قد تشجع آخرين على الانضمام
بحلف دولي مؤيد لفلسطين مثل الصين وروسيا، وهو ما سيترك الولايات المتحدة وحيدة
معزولة، كما أن هذه الخطوة التي طال انتظارها بحسب وصف صحيفة "فايننشال تايمز"، ستؤدي
إلى انضمام دول "الكومنولث الثلاث" إلى جانب العديد من الدول الأخرى في الاعتراف
رسميًا بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تسونامي سياسي
عالمي، يضرب دولة الاحتلال ما بين عزلة دولية وملاحقة جنائية، وهو ما أفقد
السياسيين الإسرائيليين وعيهم، وأظهر تطرفهم للعالم، حيث شن العديد منهم هجوما
لاذعا على قرار اعتراف بريطانيا وكندا وأستراليا بالدولة الفلسطينية، معتبرين
الخطوة "مكافأة للإرهاب"، وأجمعوا رغم خلافاتهم وتشرذمهم، على أن الرد
يجب أن يكون عبر
ضم الضفة الغربية.
وهو ما دفع
بمسؤولين أوروبيين إلى إطلاق تحذير بأن حكومة بنيامين نتنياهو ستتحمل تبعات وعواقب
دبلوماسية وسياسية واقتصادية إذا مضت قدمًا في خطوات لفرض السيادة، أو ضم أجزاء من
الضفة الغربية، بحسب ما نقلته القناة 12 العبرية.
وكشف موقع
"أكسيوس"، أن نتنياهو توعد بالرد على الاعترافات بدولة فلسطين بضم أجزاء
من الضفة الغربية حال حصوله على موافقة ترامب، الذي سيلتقيه في 27 أيلول/ سبتمبر
الجاري، وأضاف الموقع الأمريكي، بأن نتنياهو ينتظر ضوءا أخضر من الولايات المتحدة.
يأتي هذا عقب
تصريح له قال فيه: "لن تكون هناك دولة فلسطينية والرد على الاعتراف بها سيكون
بعد عودتي من الولايات المتحدة"، وأضاف: "منعت إقامة دولة فلسطينية على
مدار سنوات رغم الضغوط الكبيرة من الداخل والخارج".
أما وزير
خارجية دولة الاحتلال، جدعون ساعر، نشر تعليقا مطولا جاء فيه: "لقد اعترفت
معظم الدول سابقا بالدولة الفلسطينية، كان ذلك خطأ في الماضي أيضا، لكن الحكومات
التي قررت الانضمام إلى الاعتراف الآن ترتكب أيضا فعلا غير أخلاقي، وشنيعا، وقبيحا
للغاية"، وأضاف ساعر: "هذه مكافأة لحماس ومكافأة للإرهاب.. كما أنها مكافأة غير مبررة للسلطة الفلسطينية، مستقبل إسرائيل لن يحدد في لندن أو باريس بل في القدس".
بدوره، دعا
وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير إلى ضم الضفة الغربية فورا
و"تفكيك السلطة الفلسطينية بالكامل"، والتي وصفها بأنها "سلطة
إرهابية".
وفي منشور على
منصة "إكس"، أعلن بن غفير عن عزمه تقديم اقتراح في الاجتماع الحكومي
المقبل لـ"توسيع السيادة الإسرائيلية"، في إشارة مباشرة إلى خطوات عملية
نحو ضم الضفة الغربية، ما يمثل محاولة لوضع العوائق أمام تشكيل دولة فلسطينية.
ولم يقتصر
الرد على بن غفير، إذ انتقد رئيس الكنيست أمير أوحانا الاعتراف البريطاني بشدة،
واصفا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بأنه "مهادن عصري اختار
العار"، وفق تعبيره
من جهته اعتبر
وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش أن "الحقبة التي كانت فيها
بريطانيا أو دول أخرى تحدد مستقبل إسرائيل قد انتهت"، وأضاف: "الرد
الوحيد على هذه الخطوة المناهضة لإسرائيل هو إعلان (السيادة) في الضفة، وإزالة
فكرة
الدولة الفلسطينية من جدول الأعمال إلى الأبد،" ووجه سموتريتش رسالة
مباشرة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قائلا: "لقد حان الوقت –
والأمر بيدك".
أما، وزير
الثقافة والرياضة ميكي زوهر، فقد سارع لاستخدام أبرز ما تبتز به "إسرائيل" العالم،
حيث وصف اعتراف كندا وأستراليا وبريطانيا بأنه "تصريح فارغ من المعنى، تفوح
منه رائحة معاداة السامية وكراهية إسرائيل"، مضيفا أن الرد الوحيد على هذا
التصريح هو تطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وغور الأردن".
ضوء أخضر من واشنطن
وفي وقت ينتظر
فيه نتنياهو ضوء أخضر من واشنطن لإعلان خطوته القادمة، وجه الرئيس ترامب إلى
المملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا وكندا رسالة بشأن اعترافهم بالدولة الفلسطينية،
قائلا: "أنتم تكافؤون الإرهابيين".
كما أعلن اعتزامه
التحدث عما سماه "الخير والشر" خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم
المتحدة في نيويورك يوم 23 أيلول/سبتمبر، بما في ذلك مناقشة النزاعات الدولية
وحلها، وقال ترامب في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز": لقد خضنا سبع حروب
وحللناها، وحسمت سبعا منها وتبقى لي حرب أو اثنتان"، مشيرا على وجه الخصوص،
إلى الحرب في قطاع غزة.
"الضم قائم
بالفعل"
والآن، يعيش
حوالي 700 ألف مستوطن إسرائيلي، في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، في مستوطنات،
تصفها الأمم المتحدة بأنها غير قانونية، ومن المرجح أن يرتفع هذا العدد بعد موافقة
حكومة نتنياهو في الأشهر الأخيرة على توسع هائل للمستوطنات، بما في ذلك مشروع مثير
للجدل لبناء آلاف المنازل الجديدة سيقسم الضفة إلى قسمين.
وقال ليور
عميحاي، المدير التنفيذي لمنظمة "السلام الآن" العبرية:" إن الوضع في
الضفة لم يكن يومًا بهذا السوء، وأضاف "يكتشف باحثونا بؤرًا استيطانية جديدة
أسبوعيًا، ويتم إنشاء الطرق بشكل غير قانوني، الضم قائم بالفعل".
وتابع
"عنف المستوطنين الذي يؤدي إلى طرد التجمعات الفلسطينية، والعنف ضد النساء
والأطفال وكبار السن، يحدث على نطاق قياسي، وبشكل منتظم، ودون أي مساءلة، إن لم
يكن بدعم من الجيش والشرطة الإسرائيلية".
في تطور
ميداني وصفه مراقبون بأنه خطوة فعلية نحو ضم مناطق من الضفة الغربية، أبلغت
السلطات الإسرائيلية أهالي بلدات "بيت إكسا" و"النبي صموئيل"
و"حي الخلايلة"، شمال غرب القدس المحتلة، بأنهم باتوا رسميا داخل نطاق
السيطرة الإسرائيلية، ويتعيّن عليهم الحصول على تصاريح خاصة لدخولها، وبات سكان
هذه البلدات، الذين يحملون بطاقات هوية فلسطينية، يعيشون حالة من الخشية المتزايدة
من أن تكون هذه الإجراءات تمهيدا لتطبيق القوانين الإسرائيلية بشكل كامل عليهم،
بهدف محاصرتهم والتمهيد لمصادرة أراضيهم
ما المقصود بـ
"الضم"؟
الضم هو فرض
السيادة الإسرائيلية رسميا على أراضٍ فلسطينية محتلة، وعلى رأسها الضفة الغربية،
لكن من دون الاعتراف بسكانها الفلسطينيين كمواطنين، أي أن الفلسطينيين سيصبحون
سكانا بلا حقوق، وستقيد حركتهم من مدينة إلى أخرى بتصاريح أمنية من جيش الاحتلال،
وفق بحث نشرته
مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
وفي حال تم الإعلان
عن الضم بشكل فعلي، فإن السلطة الفلسطينية ستفقد عمليا صلاحيتها، بينما يخضع أكثر
من 3 ملايين فلسطيني في الضفة لحكم مباشر من "المنسق الإسرائيلي"، أي
حكم عسكري متجدد يذكر بأيام الاحتلال الأولى عام 1967.
ووفق الدراسة،
لن تُمنح الجنسية الـ"إسرائيلية" للفلسطينيين، لكون هذا يُعد تهديدا
سياسيا لفكرة "الدولة اليهودية"، أما خيار الإقامة، فهو أيضا أمر غير
وارد، لأن منح إقامة دائمة بهذا العدد الضخم يميع التركيبة السكانية الـ"يهودية"،
ويقود إلى شكل جديد من التهجير غير المباشر، عبر التضييق والحصار.
حكم عسكري بلا
قانون
إذا استُبعدت
الجنسية والإقامة، يبقى خيار واحد، وهو الحكم العسكري الكامل، وهذا يعني خضوع
الفلسطينيين مجددا لسلطة عسكرية تمارس سلطتها دون رقابة، ولا محاكم مدنية، ولا
قوانين عادلة، وهو نفس النموذج الذي عاشه الفلسطينيون في الضفة الغربية بين عامي
1967 و1993، حيث يُعتقل المواطن بلا تهمة، ويُهدم البيت بلا محاكمة، ويُحاصر
المجتمع بلا حقوق.
اعتراف بلا إجراءات
وبقدر ما أثار
الاعتراف بدولة فلسطينية حالة من النشوة في صفوف الفلسطينيين والمدافعين عن القضية
الفلسطينية، إلا أن بعض المحللين والمراقبين شككوا بأن تؤدي هذه الخطوة إلى لجم
إسرائيل ودفعها لوقف حرب الإبادة ضد سكان غزة، ما لم تقترن بإجراءات عقابية.
ويرى مدير
"مجلس التفاهم العربي البريطاني"، كريس دويل، أن الاعتراف البريطاني
بالدولة الفلسطينية هو في الحقيقة "إخفاق لأنه لم يقترن بإجراءات
كافية"، وقال: "نأسف أن هذا القرار جاء متأخرا ولم يحدث قبل عشرات
السنين".
وتوقع أن
تستمر إسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة وفي مشروعها الاستيطاني في
الضفة الغربية، وفي الفظائع التي ترتكبها، وقال إنها ستفعل ذلك بشكل أسرع الآن،
ولم يستبعد أن تستغل اللحظة من أجل ضم أجزاء من الضفة الغربية أو كاملها.
كما لفت
الخبير بالشؤون الإسرائيلية ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل، الدكتور
بلال الشوبكي إلى أن الإسرائيليين سبقوا الاعترافات الأوروبية والغربية بالدولة
الفلسطينية بإعلان تخطيطهم لفرض سيطرتهم على الضفة الغربية ووأد قيام دولة
فلسطينية.
ولا ترى سارا
تشامبيون، العضو بالبرلمان البريطاني عن حزب العمال، أن الخطوة التي أقدمت عليها
بلادها كافية، بل المطلوب موقف قيادي، وأن تسمح بريطانيا مع دول العالم للدولة
الفلسطينية بأن تمثل أمام الأمم المتحدة، وشددت على أن ما تفعله إسرائيل في الضفة
الغربية ينافي القانون الدولي، فهي تحتل هذه الأرض بشكل غير قانوني ولا يحق لها أن
تبني عليها المستوطنات.
ومع توجيه المملكة
العربية السعودية رسالة شديدة اللهجة إلى إسرائيل، مفادها أن أي خطوة لضم الضفة
الغربية المحتلة، ستغلق باب التطبيع بين الرياض وتل أبيب، أو التوصّل لأيّة
اتفاقيات مستقبلا، إلا أن الخطة الفرنسية السعودية تتجاهل أكثر القضايا إثارة بحسب
"أسوشييتد برس"، والتي هي الحدود، ومصير المستوطنات، وعودة اللاجئين
الفلسطينيين، والترتيبات الأمنية، ووضع القدس، كما أنها تعتمد بشكل كبير على
السلطة الفلسطينية، التي لا تنال قيادتها الحالية تأييد العديد من الفلسطينيين
الذين يعتبرونها فاسدة ومستبدة.