قضايا وآراء

هؤلاء وراء تمويل وتلميع اليمين العنصري المعادي للإسلام

مظاهرة اليمين العنصري دعا إليها وتصدرها خريج السجون المتطرف المعادي للهجرة والإسلام، تومي روبنسون، الذي لديه سجل إجرامي في التحريض على العنف والكراهية.. جيتي
تابعت السبت الماضي، مظاهرة اليمين المتطرف في لندن، والتي بدت بوضوح أنها محاولة لاستعراض القوة وسط ترويج إعلامي مع سبق الإبراز والترصد. شرطة العاصمة البريطانية قدّرت عدد المشاركين فيها بنحو 110 آلاف، فيما حاول منظموها الترويج إلى أنها مليونية، وأنها الأكبر في تاريخ بريطانيا، مع أن ذلك ليس صحيحا فقد عرفت لندن مظاهرات أكبر بكثير، وأشهرها في 2003 ضد غزو العراق، والتي قدر عدد المتظاهرين فيها بمليوني متظاهر، وكذلك المظاهرات الداعمة للشعب الفلسطيني، والمنددة بحرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، وأبرزها تلك التي نظمت في مارس 2024، والتي قدر عدد المشاركين فيها بـ450 ألف.

مظاهرة اليمين العنصري دعا إليها وتصدرها خريج السجون المتطرف المعادي للهجرة والإسلام، تومي روبنسون، الذي لديه سجل إجرامي في التحريض على العنف والكراهية، وعرف في بداياته في مدينة "لوتون" البريطانية، كأحد مثيري الشغب من "الهولينغنز" من مناصري كرة القدم.

وكان تومي روبنسن (42 عاما)، أسّس "رابطة الدفاع الإنكليزية" السابقة، في 2009، وهي مجموعة يمينية متطرفة عُرفت بشغب أعضائه مثله، وبخطاب العنصرية ومعاداة المسلمين بشكل خاص.

والمفارقة أن تومي روبنسن، اسمه الحقيقي ستيفن ياكسلي لينون، ليس إنجليزيا خالصا، فوالدته مهاجرة إيرلندية، كما اعترف هو نفسه. وقد أخذ اسم "روبنسون" من اسم زوج أمه بعد انفصال والدته عن والده، عندما كان صغيرًا.

ورغم "صغر" تأثيره لسنوات وانحساره في أوساط اليمين المتطرف، بدا في السنوات الأخيرة أن هناك صعودا و"تلميعا" و"تطبيعا" واضحا لروبنسون، وكذلك اليمين المتطرف ليس في بريطانيا فقط، بل في عموم أوروبا، والولايات المتحدة، مع تنسيق جلي، ورعاية ودعم من أوساط صهيونية داعمة لإسرائيل.
وقد برز هذا في مظاهرة لندن، التي بدا أن هناك أموالا كثيرة صرفت لتنظيمها.

وحمل متظاهرون فيها علم بريطانيا وعلم إنكلترا، ولباس محاربي "الحروب الصليبية" بينما رفع آخرون الأعلام الأمريكية والإسرائيلية وارتدوا قبعات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحمراء التي تحمل شعار "لنجعل أمريكا عظيمة مجددا".  في المقابل تم تمزيق العلم الفلسطيني، وترديد شعارات بذيئة ومعادية لفلسطين وغزة وداعمة لإسرائيل.

وقد شارك في المظاهرة العديد من الوجوه اليمينية واليمينية المتطرفة البريطانية والأوروبية والأمريكية المعادية للإسلام، من بينها ستيف بانون المستشار السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس حزب "استرداد" اليميني المتطرف الفرنسي إريك زمور، الذي كان مرفوقا بعضو الحزب وأحد "أبشع وجوه" اليمين المتطرف "جان مسيحة"، القبطي المصري المولد (عام 1970)، واسمه الحقيقي حسام بطرس مسيحة، والذي هاجر لفرنسا مع عائلته وهو في الثامنة من العمر، ولم يحصل على الجنسية الفرنسية إلا عام 1990، وغيَّر حينها اسمه إلى جان مسيحة.

والمفارقة أن"زمور"، الذي يعني لقب عائلته "زيتونة"، بالأمازيغية، وأصل عائلته من يهود الجزائر، وقد هاجرت إلى فرنسا في نهاية الخمسينات فقط (حيث ولد هناك)، أثار السخرية عندما قال في كلمته في تجمع مظاهرة لندن، مخاطبا الحضور: “نحن وأنتم عرضة لنفس مسار الاستبدال (السكاني) الكبير لشعوبنا الأوروبية من مهاجرين جاؤوا من الجنوب، ومن ثقافة إسلامية. وأنتم ونحن مستعمرون من مستعمراتنا السابقة"!.

كان المشهد مثيرا فعلا للسخرية، وزمور يقول هذا الكلام، و جان مسيحة يقف خلفه، ثم فجأة يظهر تومي روبنسون (صاحب العرس!)، في الخلفية، وهو يمر غير آبه بهما!

لكن من وراء هذا البروز والصعود لتوني روبنسون؟ صحيفة "الأوبزفر" البريطانية تجيب، أو بالأحرى تذكر بما هو معروف في مقالها الذي صدر في اليوم المالي للمظاهرة، وكتبه محررها للشؤون الداخلية جون سيسمون، بعنوان "الأموال الأمريكية التي حوّلت تومي روبنسون إلى رمز اليمين المتطرف في بريطانيا".

وجدد المقال ذكر ما هو موثق من ومعلومات أن الملياردير اليهودي الأمريكي روبرت شيلمان كان له دور أساسي في تمويل صعود روبنسون إلى النجومية، وقد ذهب إلى حد دفع تكاليف تركيب أسنان جديدة له.

وجاء في المقال إنه "في عام 2018، وخارج محكمة أولد بيلي في لندن، أظهر تومي روبنسون أسنانه الجديدة المثالية لـ 2000 من مؤيديه المتحمسين. وكان روبنسون فجأة مليئًا بالأموال الأمريكية التي حولته من محرض يميني إلى "صحافي مواطن" كما يسمي نفسه، مع فيديوهات أنيقة ومتابعين كثر على وسائل التواصل الاجتماعي".

هناك مخطط واضح لترويج وتلميع واضح لليمين العنصري الإسلاموفوبي المدافع عن إسرائيل (رغم سجله التاريخي في معاداة السامية)، بقدر ما فيه من استغلال لفشل الحكومات الغربية، بقدر ما فيه من تضخيم لظاهرة الهجرة، وللغضب الشعبي منها وربطها بتدهور الأوضاع المعيشية، بقدر ما فيه من تلاعب وتلاقي مصالح بين قوى مهيمنة بالمال والإعلام.
الملياردير الأمريكي روبرت شيلمان، الذي كون ثروته في قطاع التكنولوجيا، يمول إلى جانب روبنسون مجموعة من المؤثرين اليمينيين المتطرفين، الذين لديهم ملايين المتابعين على الإنترنت. ومن بينهم الناشط المحافظ الأمريكي تشارلي كيرك، الذي قُتل في أمريكا مؤخرا. وقد دفع شيلمان مثلا أكثر من 200 ألف دولار لتغطية تكاليف الدفاع القانوني للسياسي اليميني الهولندي غيرت فيلدرز في دفاعه ضد اتهامات خطاب الكراهية الموجهة ضد المسلمين والمغاربة.

ويمول شيلمان كذلك، وسائل إعلام يمينية متطرفة وداعمة لإسرائيل، ومنظمات وجمعيات مثل "منتدى الشرق الأوسط (MEF)" مركز "ديفيد هورويتز لحرية الفكر"، وما يجمع بينها هو الدفاع عن إسرائيل والإسلاموفوبيا.

وقد دعا شيلمان علنا إلى رفض قبول اللاجئين المسلمين السوريين، وهو عضو بارز في منظمة "أصدقاء قوات الدفاع الإسرائيلية". ولم يكن مفاجئا أن يظهر تومي روبنسون بالتزامن مع حرب إبادة غزة، وهو يتباهى بحمل قميص لجيش إسرائيل، التي تباهى أيضا بزيارتها وتبرير جرائمها.

وليس شيلمان وحده من يدعم روبسنون واليمين العنصري المتطرف المعادي للمسلمين بشكل خاص، فتقرير "الأوبزفر" يذكر أن "روبنسون، الذي يدعي أنه مفلس، يتردد أنه مؤخرا قد تلقى أموالاً لتغطية تكاليف الدفاع القانوني من إيلون ماسك وترستان تيت، شقيق مؤثر "الذكورة السامة" أندرو تيت (الذي خدع الكثير من المسلمين بالمناسبة بادعاء إسلامه، بينما هو في الحقيقة يحرض ضدهم)! وعلى الرغم من أن ماسك لم يؤكد هذه المدفوعات، لكن الأكيد أنه أعاد لروبنسون حضوره على منصة "إكس" بعد رفع الحظر عنه من "تويتر" عند شرائه المنصة في 2022 وإعادة تسميتها إلى "إكس"، وقد حقق ملايين الدولارات من خلال إعادة تفعيل وترويج خطاب المتطرفين مثل روبنسون، وفقًا لمركز الولايات المتحدة لمكافحة الكراهية الرقمية".

وقد كان ماسك حاضرا في مظاهرة روبنسون في لندن، في دعم واضح آخر لليمين العنصري المتطرف في أوروبا، بعدما فعل ذلك في ألمانيا. وقد ألقى ماسك كلمة في تجمع المظاهرة، حرض فيها على العنف والكراهية، ودعا لإسقاط الحكومة البريطانية المنتخبة ديمقراطيا.

خلاصة القول ومن خلال متابعتي الدقيقة للموضوع هناك مخطط واضح لترويج وتلميع واضح لليمين العنصري الإسلاموفوبي المدافع عن إسرائيل (رغم سجله التاريخي في معاداة السامية)، بقدر ما فيه من استغلال لفشل الحكومات الغربية، بقدر ما فيه من تضخيم لظاهرة الهجرة، وللغضب الشعبي منها وربطها بتدهور الأوضاع المعيشية، بقدر ما فيه من تلاعب وتلاقي مصالح بين قوى مهيمنة بالمال والإعلام.

*كاتب جزائري مقيم في لندن