مقابلات

المرزوقي لـ"عربي21": قمة الدوحة جسدت تضامنا مع قطر لكن غزة بحاجة لدعم أكبر

قال المرزوقي: "نتائج القمة العربية والإسلامية الطارئة جاءت مخيبة للآمال"- جيتي
قال الرئيس التونسي السابق، الدكتور المنصف المرزوقي، إن "القمة العربية الإسلامية الطارئة التي انعقدت في العاصمة القطرية الدوحة مثلت دعما عربيا وإسلاميا مهما ومطلوبا لقطر في مواجهة عدوان الاحتلال الإسرائيلي الغادر، لكن التحدي الأكبر الآن يتمثل في غزة التي تعيش الجحيم تحت القصف والحصار الوحشي، وهي بحاجة ماسة إلى أكبر دعم ممكن بالأفعال لا مجرد الأقوال".

وأضاف المرزوقي، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، أن "نتائج القمة العربية الإسلامية الطارئة جاءت مخيبة للآمال، وظهرت باهتة وضعيفة بشكل أو بآخر، ولم ترقَ إلى المستوى المتوقع مقارنة بحجم الحدث الجلل، ولم تواكب التحديات المصيرية التي يواجهها الشعب الفلسطيني في غزة والضفة".

وتابع: "يمكن القول إن مخرجات (قمة الدوحة) كانت إيجابية من زاوية واحدة فقط، وهي التضامن مع دولة قطر التي تستحق بلا شك كل أشكال الدعم والمؤازرة؛ فلطالما كانت قطر دولة احتضنت اللقاءات والمساعي الساعية إلى حفظ السلام في العالم منذ عقود، وبالتالي فإن الاعتداء عليها بهذه الصورة يُمثل عملا لا يمكن وصفه إلا بأنه سياسي وضيع وأخلاقيا منحط، فضلا عن كونه تصرفا أحمق جدا".

وفي الوقت الذي أكد المرزوقي فيه أن "قمة الدوحة أظهرت من جهة التضامن المستحق مع قطر، والاعتراف بمكانة الدوحة"، اعتبر أن "هذا التضامن لم يتجاوز كونه لفتة رمزية في لحظة حرجة للغاية"، مُشدّدا على أن "قطر كانت دوما بيتا للحوار ومنصةً لاستضافة الاجتماعات الهادفة لحفظ السلم والأمن الدوليين، ولهذا فإن الاعتداء عليها جريمة لا تغتفر".

وأوضح المرزوقي أن "الاعتداء الجبان والغادر على الدوحة لا يمكن وصفه إلا بأنه عمل سياسي وضيع، وأخلاقيا منحط، فضلا عن كونه تصرفا أحمق لا يليق بدول تُحسب على المجتمع الدولي، خاصة أن قطر كانت عبر تاريخها صوتا داعما لقضايا الأمة، وعلى رأسها فلسطين، وفتحت أبوابها للمبادرات السياسية، وبالتالي فإن استهدافها محاولة لمعاقبتها على مواقفها ومبادئها الثابتة".

خفض سقف مخرجات القمة
وأردف: "لقد كنت أخشى كثيرا من أن بعض القادة المشاركين في هذه القمة أتوا فقط من أجل تخفيض السقف، ومنهم مَن شارك من باب (مكره أخاك لا بطل)، وذلك على الرغم من وجود قادة وزعماء مستعدين لتحمل مسؤولياتهم ومواجهة الإدارة الأمريكية والغطرسة الإسرائيلية".

وأشار إلى أن "القاعة التي احتضنت (قمة الدوحة) جمعت زعماء متناقضين في المواقف والسياسات؛ فمن جهة كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي أثبت في لحظات سابقة شجاعته بمنع مرور السفن والطائرات الإسرائيلية، وقطع علاقة بلاده التجارية مع إسرائيل وأغلق موانئها أمامها، ومن جهة أخرى حضر رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يتحمل المسؤولية المباشرة عن حصار غزة المستمر منذ أكثر من 13 عاما".

وأضاف أن "حصار غزة لم يكن مجرد سياسة عابرة، بل هو جريمة ممنهجة شارك فيها النظام المصري، أدت إلى خنق مليوني إنسان وتجويعهم ومنعهم من أبسط حقوق الحياة"، منوها إلى أن "السيسي، الذي أغلق معبر رفح وضيّق على الفلسطينيين، يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية التاريخية عن الدماء والمعاناة والدمار، وبالتالي فإن حضوره القمة يُسقط عنها أي جدية في تبني قرارات مصيرية".



ونوّه المرزوقي إلى أن "الاحتلال قرأ هذه التناقضات جيدا، واستغل حالة الضعف والهشاشة التي بدت في قاعة القمة"، مؤكدا أن "رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو رد على القمة مباشرة بتوسيع عدوانه وفتح أبواب جهنم على غزة من خلال توسعة عملياته المجرمة في احتلال مدينة غزة، وذلك في رسالة واضحة تعكس ازدراءه الكامل للأنظمة العربية"، مؤكدا أن "هذا الرد يكشف أن الاحتلال لا يأخذ هذه القمم على محمل الجد بأي حال من الأحوال".


كثف جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليات الإبادة في مدينة غزة، وسط تباهي من وزير الجيش يسرائيل كاتس، الذي كتب صباح الثلاثاء عبر منصة "إكس": "غزة تحترق والجيش يضرب بقبضة من حديد، ويقاتل جنوده لتهيئة الظروف لإطلاق سراح الأسرى وهزيمة حماس. لن نلين ولن نتراجع حتى اكتمال المهمة".

واستضافت الدوحة، يوم الاثنين، قمة عربية إسلامية طارئة، لمناقشة العدوان الإسرائيلي الذي استهدف سيادة قطر وسعى لاغتيال وفد حركة "حماس" المفاوض بالدوحة في التاسع من أيلول/ سبتمبر الجاري، بمشاركة رفيعة المستوى رغم غياب عدد من القادة والزعماء العرب.

قرارات مطلوبة عربيا وإسلاميا
وقال المرزوقي إن "القرارات المطلوبة والمعلومة سلفا لدى كل الشعوب العربية والإسلامية لم تُتخذ، رغم أنها تُمثل الحد الأدنى المنتظر. المطلوب كان وقف مسار التطبيع فورا، وطرد ممثلي الكيان الصهيوني من كل مكان إلى أن تتوقف عملية الإبادة الجماعية، وقطع كل العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع الاحتلال، وفرض حظر كامل على الطيران والموانئ تجاه إسرائيل، والسعي لمحاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب، فضلا عن منع أي دعم لوجستي أو اقتصادي يصل إليهم، وإغلاق كافة طرق الإمداد الممتدة عبر الأراضي العربية".

ولفت المرزوقي إلى أن "هناك خط إمداد خطير يربط مرفأ جبل علي في الإمارات بميناء حيفا الإسرائيلي، بعد أن شلّت عمليات الحوثيين ميناء إيلات"، مؤكدا أن "هذا الطريق الذي يمر عبر الإمارات والسعودية والأردن يُستخدم لنقل البضائع وربما الأسلحة"، معتبرا أن "واجب القمة كان قطع هذا الطريق فورا"، لكنه شدّد على أن "مثل هذه القرارات الجريئة لم تُطرح حتى من باب النقاش".

واستطرد قائلا: "كان يجب خلال تلك القمة تنبيه السلطات الأمريكية بأنهم تضحى بصورتها وقيمتها ومكانتها السياسية عند مليار ونصف من العرب والمسلمين - إضافة إلى خسارتها للهند والصين - فقط من أجل الدفاع عن شخص مطلوب للعدالة في بلاده بتهمة الفساد، ومطلوب أيضا للعدالة الدولية بتهمة جرائم حرب. إذن، المطلوب منهم التفكير في هذه المصلحة، فالبشرية كلها في كفة، وهم في كفة أخرى، وكل ذلك من أجل دعم عملية إبادة جماعية لم يسبق لها مثيل".

وانتقد المرزوقي القمة العربية الإسلامية بحدة، معتبرا أنها "كشفت هشاشة المنظومة العربية الإسلامية وعجزها التام عن بلورة موقف موحد"، مشيرا إلى أنها "بقيت أسيرة البيانات التقليدية الفارغة".



وأكد الرئيس التونسي السابق، أن "غياب عدد كبير من القادة العرب والمسلمين عن هذا الاجتماع الهام يفضح تخاذلهم، ويعكس خضوعهم لإملاءات خارجية وخوفهم من اتخاذ مواقف حقيقية".

ورغم ذلك، أوضح أنه "لا يمكن وصف القمة بأنها فاشلة تماما، لأنها شكّلت ردة فعل سياسية على الأقل، لكنها لم ترتقِ إلى مستوى اللحظة التاريخية، والدليل الأوضح على ذلك هو توسع الاحتلال في عملياته البرية في غزة بعد القمة مباشرة، متحديا العالم العربي والإسلامي ومستخفا به إلى درجة لا مثيل لها".

وذكر المرزوقي أن "هذا العجز العربي انعكس سلبا على الموقف الدولي"، منوها إلى أن "الولايات المتحدة، وتحديدا إدارة ترامب، هي الطرف الوحيد القادر على لجم نتنياهو، لكنها لم تفعل شيئا".

وهاجم الرئيس التونسي السابق، سياسة ترامب قائلا إنها "سياسة متخبطة وغير منسجمة، بل مضادة للمصالح الاستراتيجية الأمريكية نفسها، وألحقت ضررا كبيرا بسمعة واشنطن ومكانتها العالمية".

وأضاف أن "استمرار الانحياز الأعمى لإسرائيل يضع الولايات المتحدة في مواجهة ليس فقط مع الشعوب العربية والإسلامية، بل أيضا مع قطاعات واسعة من الرأي العام الغربي"، محذّرا من أن "أمريكا ستفقد مكانتها كقوة عظمى إذا لم يتدارك الشعب الأمريكي الأمر في الانتخابات المقبلة ويتخلص من هذه السياسات ومن رموزها".

الأوضاع تتجه نحو الانفجار

ورأى الرئيس التونسي السابق، أن "الأوضاع ستتجه إلى مزيد من التعقيد والانفجار خلال المرحلة المقبلة"، داعيا إلى "استعداد كامل لمواجهة التصعيد الشامل المرتقب".

وقال إن "مسؤولية الشعوب العربية والإسلامية أصبحت أكبر من أي وقت مضى، وعليها أن تأخذ زمام المبادرة؛ فالمطلوب هو تحركات شعبية واسعة ومظاهرات ضاغطة تجبر الأنظمة المطبّعة، وفي مقدمتها النظامان المصري والأردني، على طرد الممثلين الإسرائيليين ووقف كل أشكال التطبيع والعمليات المشتركة".

وشدّد المرزوقي على أن "هذه الخطوات ليست مستحيلة كما يدّعي البعض، بل قابلة للتحقيق إذا توفرت الإرادة الشعبية، لا سيما وأن الشعوب أثبتت مرارا قدرتها على فرض التغيير، وأن إرادة الملايين أقوى من كل تحالفات الأنظمة الضعيفة مع الاحتلال"، مؤكدا أن "لدى العرب والمسلمين أوراق ضغط كثيرة وقوية، شريطة استخدامها بجرأة وشجاعة واستعداد لمواجهة شاملة، سياسية وإعلامية وشعبية، مع هذا الكيان المارق (إسرائيل)".

ولفت إلى أن "الموقف الدولي يشهد تحوّلات يجب استثمارها"، مُستشهدا بأن "مواقف أوروبا بدأت تتحرك باتجاه مزيد من التوازن، بينما في الولايات المتحدة نفسها تتنامى تيارات شعبية، بينها أصوات يهودية عاقلة، تدرك أن سياسات نتنياهو لا تضر الفلسطينيين وحدهم، بل تضر إسرائيل ذاتها، وتعرضها لعزلة دولية غير مسبوقة".

وهاجم نتنياهو بحدة، واصفا إياه بأنه "حيوان مسعور"، وفق وصفه، مؤكدا أنه "يتصرف كذئب منفلت داخل مدجنة، لكن من الواجب أن تثبت الأمة أن هذه المدجنة ليست بلا حراس، بل فيها رجال وأحرار وأُسود قادرون على المقاومة، وعلى قلب الطاولة في وجه كل مَن يستخف بهم".



وشدّد على أن "ما حدث بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 يُمثل منعطفا خطيرا في تاريخ هذه المنطقة وفي الصراع العربي الإسرائيلي. المؤرخون سيكتبون أن الإسرائيليين يمتلكون ذكاءً تكتيكيا آنيا مكنهم من ضرب خصومهم، لكنهم في المقابل يملكون غباءً استراتيجيا منقطع النظير".

وتساءل: "هل من المعقول أن تتصور دولة تضم عشرة ملايين نسمة فقط، منهم مليونان من العرب، أنها قادرة إلى الأبد على فرض شروطها على ثلاث أمم كبرى في المنطقة وهي: الأمة العربية، الأمة التركية، والأمة الإيرانية؟، هذا وهم؛ ففي نهاية المطاف سيجند العرب والمسلمون كل قواهم لمواجهة هذا الكيان، والكيان الصهيوني نفسه هو الذي يحفر قبره بيديه من خلال هذه العمليات الاستفزازية والقذرة".

وختم المرزوقي بقوله: "علينا نحن العرب والمسلمين أن نتوحد اليوم أكثر من أي وقت مضى، وأن نجند العالم بأسره لوقف هذا الكائن المسعور المسمى نتنياهو، المستعد لتخريب المنطقة كلها من أجل البقاء في السلطة. القضية لم تعد مجرد قضية غزة أو فلسطين، بل كل الشعوب العربية باتت مهددة وفي خطر داهم".