تقف
سوريا اليوم على مفترق طرق تاريخي، إذ
تبذل الحكومة الانتقالية جهودًا حثيثة لجذب الاستثمار وتهيئة بيئة اقتصادية مشجعة.
فقد أُقرت إصلاحات تشريعية وإجراءات إدارية تهدف إلى تسهيل دخول المستثمرين، وضمان
الشفافية وسرعة الإجراءات، مما أعاد ثقة المستثمرين المحليين والعرب والدوليين على
حد سواء.
وقد انعكس هذا التوجه في توقيع اتفاقيات
ضخمة خلال الأشهر الأخيرة، شملت قطاعات حيوية مثل الإسكان، والطاقة، والنقل،
والاتصالات، والبنى التحتية. هذه المشاريع لا توفر فقط فرص عمل كبيرة، بل تمثل
خطوة أساسية في إعادة دمج سوريا في الاقتصاد الإقليمي والدولي بعد سنوات طويلة من
العزلة والحرب. ويبدو أن المستثمرين بدأوا ينظرون إلى البلاد باعتبارها سوقًا
واعدة تتمتع بإمكانات نمو كبيرة.
إن الدمج بين الانفتاح الاقتصادي وجذب الاستثمارات من جهة، وبناء بنية تحتية ومجتمعية قابلة للصمود والتكيّف من جهة أخرى، وتربية مواطنين وجيل واعٍ، هو ما سيمنح سوريا فرصة حقيقية للنهوض المستدام. فالمستثمر يبحث عن بيئة آمنة قادرة على حماية مشاريعه، والمواطن يريد دولة تحمي حياته ومكتسباته.
لكن النجاح الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق
بمعزل عن البيئة السياسية والأمنية. سوريا، بموقعها الجيوسياسي الاستراتيجي في قلب
الشرق الأوسط، تجعلها نقطة تقاطع للمصالح الإقليمية والدولية، ويعرضها لتحديات
مستمرة وأطماع متعددة، خاصة من الاحتلال الاسرائيلي الذي أعلن توجهاته التوسعية في
المنطقة. هذا الواقع يستلزم أن تكون كل عملية إعادة إعمار مرتبطة برؤية شاملة تجمع
بين
التنمية الاقتصادية والصمود الوطني.
في هذا السياق، يجب أن يُبنى كل جزء من
البنية التحتية على أسس متينة وقابلة للصمود والتكيّف. المباني يجب أن تكون
مقاومة، وقابلة للصيانة السريعة وإجراء التعديلات عند الحاجة، مع تقليل الاعتماد
على أنماط معمارية هشة مثل الواجهات الزجاجية الكاملة. كما يجب تصميم شبكات
الكهرباء والمياه والاتصالات بحيث تحتوي على بدائل ومسارات احتياطية تضمن استمرار
الخدمات الحيوية في الأزمات.
ومن متطلبات الصمود البنيوي أن يشترط عند
تقديم رخصة البناء وجود خزان مياه أرضي وملجأ لكل منزل أو عمارة. قد يقول قائل إن
الأسلحة المتطورة قادرة على اختراق أقوى التحصينات، وهذا صحيح، ولكن امتلاك ملجأ
خاص لكل وحدة سكنية سيكون له أثر ملموس بعون الله في حماية السكان ويعزز من قدرتهم
على الصمود.
وفي هذا الإطار، تلعب الطاقة النظيفة
والمتجددة دورًا محوريًا. الاستثمار في مشاريع الطاقة الشمسية والرياح والمصادر
النظيفة الأخرى يساهم في توفير الكهرباء بشكل مستقل عن مصادر تقليدية قد تتأثر
بالحروب أو الأزمات، ويجعل الدولة أكثر قدرة على حماية خدماتها الأساسية. وفي
الوقت نفسه، يشجع هذا الاستثمار المتخصصين في التكنولوجيا النظيفة ويعزز الاقتصاد
الأخضر بما يتماشى مع المعايير العالمية.
بناء سوريا الجديدة يعني تأسيس دولة قوية ومرنة، قادرة على حماية إنجازاتها وصون مستقبلها، مع الحفاظ على فرص النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات في جميع المجالات، بما فيها الطاقة النظيفة، البنية التحتية، والخدمات العامة، لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية المحتملة.
كذلك، يجب أن تراعي إدارة الدولة والقوانين
الحديثة هذا البعد الاستراتيجي، من خلال إنشاء أنظمة إدارية إلكترونية متقدمة
وآمنة، تضمن استمرارية عمل المؤسسات، وتمكّن من اتخاذ القرارات بسرعة وكفاءة، حتى
في ظروف الأزمات.
قبل كل شيء، يجب أن يكون المواطن السوري
واعيًا ومثابرًا، يشيد في ذاته بنية فكرية وعملية متكاملة تقوم على العلم والمعرفة
والعمل الدؤوب، ويجمع بين حب الوطن واستعداد دائم للصمود والصبر في مواجهة
التحديات. عليه أن يكون العين التي ترصد الحدود، والسواعد التي تحمي استقلالها
وعزتها، والروح التي تبني مجتمعًا قادرًا على الصمود والنهوض. كما يجب أن نستثمر
في بناء جيل واعٍ ومثابر، يكون اهتمامه الأسمى بأمن واستقرار وطنه، مجدًا في عمله،
ملتزمًا بالمحافظة على مكتسبات الدولة، ومدركًا أن كل جهد يبذله في العلم والعمل
والتفكير الاستراتيجي هو حجر أساس في صمود المجتمع وبناء الدولة الجديدة..
إن الدمج بين الانفتاح الاقتصادي وجذب
الاستثمارات من جهة، وبناء بنية تحتية ومجتمعية قابلة للصمود والتكيّف من جهة
أخرى، وتربية مواطنين وجيل واعٍ، هو ما سيمنح سوريا فرصة حقيقية للنهوض المستدام.
فالمستثمر يبحث عن بيئة آمنة قادرة على حماية مشاريعه، والمواطن يريد دولة تحمي
حياته ومكتسباته.
لقد بات واضحًا أن سوريا اليوم أمام فرصة
تاريخية لإعادة البناء. لكن نجاح هذه الفرصة يعتمد على وعي جماعي بأن التنمية
المستدامة لا تنفصل عن الأمن الوطني والاستعداد لأي تهديدات. بناء سوريا الجديدة
يعني تأسيس دولة قوية ومرنة، قادرة على حماية إنجازاتها وصون مستقبلها، مع الحفاظ
على فرص النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات في جميع المجالات، بما فيها الطاقة
النظيفة، البنية التحتية، والخدمات العامة، لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية
المحتملة.
إنها لحظة لبناء سوريا التي يستحقها شعبها:
قوية، مستدامة، وآمنة.