قال رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إن "تحرير"
المواطنة الروسية
تسوركوف جاء تتويجاً لجهود كبيرة بذلتها الأجهزة الأمنية على مدى
شهور طويلة".
وكانت تسوركوف، وهي طالبة الدكتوراه في جامعة برينستون والزميلة في معهد نيو لاينز، قد اختطفت، في آذار/ مارس 2023، أثناء إجرائها بحثًا ميدانيًا في بغداد، بعد دخولها العراق بجوازها الروسي، ويُعتقد أنها كانت محتجزة لدى
كتائب حزب الله، بتهمة التجسس لصالح دولة الاحتلال الإسرائيلية.
وفي تشرين
الثاني/ نوفمبر 2023، بثّ مقربون من الفصائل المسلحة مقطع فيديو مدته أربع دقائق لـ تسوركوف
تضمن ما اعتبروه اعترافات بأنها أرسلت من قبل الموساد إلى سوريا والعراق، فضلا عن دعمها لمظاهرات تشرين، وهي اتهامات رفضتها عائلتها على
أنها اعترافات قسرية.
رغم عدم تبني كتائب
حزب الله مسؤوليتها عن اختطاف تسوركوف في العام 2023، لكن مصدرا في الجماعة قال
لـ
وكالة فرانس
برس، إنه "تم إطلاق سراحها ولم يتم تحريرها، ولم تنفذ أي عملية عسكرية لأجل
ذلك"، وأضاف المصدر:" تم إطلاق سراح تسوركوف وفق شروط أهمها تسهيل انسحاب
القوات الأميركية من دون قتال، وتجنيب العراق أي صراعات".
تهديدات ترامب
مع تضارب الروايات
العراقية "حكومة السوداني وكتائب حزب الله"، إلا أن تصريحات المبعوث
الرئاسي الأمريكي، آدم بوهلر، فاقمت من ضبابية المشهد، حيث قال إنّ: إطلاق سراح تسوركوف
جاء مباشرة عقب توقيع ترامب أمرًا تنفيذيًا ينص على أن الولايات المتحدة ستفرض
عقوبات يحددها الرئيس على أي شخص يحتجز حليفًا أو أمريكيًا.
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" تصريحات لـ بوهلر الذي قاد جهودًا استمرت شهورًا، في تأمين إطلاق سراح
تسوركوف، قائلًا: "لم تقدم الولايات المتحدة أي شيء مقابل عملية إطلاق السراح"،
وأضاف أن الولايات المتحدة كانت مستعدة لتهديد الجماعة، والضغط على
الحكومة العراقية لضمان إطلاق سراح تسوركوف، مؤكدا بالقول: "بعد استعادة تسوركوف،
فهم الجميع أن الرئيس ترامب جادٌّ عندما يُهدد".
تصريحات بوهلر
نسفت ما أعلنه رئيس الوزراء العراقي،
محمد السوداني، الذي شدّد على أن العملية كانت
"تحريرًا" ضمن مساعيه لإنفاذ القانون وإعلاء سلطة الدولة، وعدم السماح لأحد
بالإساءة إلى سمعة العراق، خاصة عقب تأكيد
الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي "أكس"، قال فيه إنّ: "كتائب
حزب الله أطلقت سراح إليزابيث تسوركوف، شقيقة مواطنة أمريكية بعد تعرضها للتعذيب
لعدة أشهر".
وفيما نفت كتائب
حزب الله تورطها في اختطاف تسوركوف، قال مسؤول عراقي لـ"قناة 11" العبرية، إنها
احتجزت في البداية من قبل جهاز المخابرات العراق، أو من قبل أفراد ينتحلون صفة جهاز
أمني رسمي، قبل نقلها إلى جماعة مقربة من إيران.
مقايضة الأسرى
أما
وكالة
تسنيم الإيرانية، والتي حاولت التقليل من أهمية الدور الذي لعبه الرئيس
الأمريكي في تأمين إطلاق سراح تسوركوف، نشرت خبرا على موقعها وصفته
بالخاص، حمل عنوان "تبادل أسيرين من المقاومة مع جاسوسة إسرائيلية", ونسبت
مضمونه إلى مصادر مطلعة في بغداد.
جاء فيه بأن تسوركوف تم مقايضتها مع اثنين من
أسرى المقاومة، أحدهما هو عماد أمهز، اختطفه كوماندوز من جيش الاحتلال الإسرائيلي، شمال لبنان في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، قالت إنه ضابط بحرية مدني، فيما تؤكد دولة الاحتلال الإسرائيلي بأنه "عميل بارز" في حزب الله اللبناني، ولم تكشف وكالة تسنيم
التابعة للحرس الثوري الإيراني عن اسم السجين الثاني الذي أفرج عنه الاحتلال الإسرائيلي.
وفي حين لم
يصدر أي تعليق رسمي من طهران بشأن القضية، قال مصدر أمني عراقي لـ"
إيران إنترناشونال" إن
من بين المرشحين للتبادل محمد رضا نوري، عضو فيلق القدس التابع للحرس الثوري
الإسلامي الإيراني.
حُكم على نوري
بالسجن مدى الحياة في العراق في أيلول/ سبتمبر 2023 بتهمة تدبير جريمة قتل الأمريكي، ستيفن ترويل، في بغداد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، ولم يتضح ما إذا كان قد تم
إطلاق سراحه في النهاية.
"تفاهمات معقدة"
أما
صحيفة
الأخبار اللبنانية ، المقربة من حزب الله، قالت إنّ: "إطلاق سراح تسوركوف كان ثمرة "تفاهمات
معقدة"، مهّدت الطريق لتبادل أسرى مع بعض الضمانات الأمنية لحكومة محمد
السوداني التي تخشى انتقاميًا إسرائيليًا عقب ورود تقارير تفيد بأن تل أبيب أعدّت
قائمةً تضم 26 هدفًا داخل العراق يُمكنها استهدافها إذا لم يُطلق سراح تسوركوف".
كذلك، نقلت صحيفة "الأخبار" عن قيادي في أحد الفصائل المسلحة، قوله إنّ: "الإفراج جاء في سياق اتفاقيات خفض التصعيد"، مُقرًا بأنّ: "الرسائل الإسرائيلية الأخيرة،
سواء عبر ضربة قطر أو التهديدات المباشرة للعراق، دفعت جميع الأطراف إلى إبداء
مرونة أكبر في المفاوضات".
تقارير تتحدث أيضاً
أن للأمر صلة بـ"تهديدات أميركية جدية باستهداف 16 موقعاً لـ"كتائب حزب
الله" رداً على قصف القاعدة الأميركية في منطقة الشدادي بسوريا مطلع 2024، قبل
أن تتعهد الحكومة العراقية لواشنطن، بملاحقة المتورطين بعملية القصف، مقابل عدم
توجيه ضربات عسكرية في العراق، وحث الفصائل المسلحة على التزام الهدوء تجنباً لغضب
الولايات المتحدة.
اتهامات
بتقديم وعود كاذبة
تشير مصادر مطلعة
إلى دور محوري لعبه مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي، في عملية إطلاق السراح، بعد
أن اتهم مبعوث الرئيس الأميركي لشؤون المختطفين، آدم مولر، الذي زار
العراق في شباط/فبراير الماضي، السوداني بتقديم وعود كاذبة بشأن الباحثة
الإسرائيلية الروسية.
والسبت
الماضي، نقلت وسائل إعلام إيرانية عن مصادر في مقرب من الفصائل المسلحة في العراق،
أن تواصلا غير مباشر جرى بين "المقاومة العراقية" ودولة الاحتلال الإسرائيلي عبر جهات
إقليمية وسيطة بهدف صفقة للإفراج عن ثمانية عناصر من حزب الله لدى الاحتلال تم
اعتقالهم بين 27 أيلول/ سبتمبر و27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، مقابل الإفراج عن
المختطفة تسوركوف.
أما حصة
العراق، فقد تمت مقايضة نجل قيادي بارز في كتائب حزب الله اعتقلته السلطات العراقية
لتورطه في الهجوم على دائرة الزراعة في الكرخ نهاية تموز/ يوليو الماضي، في محاولة
لإعادة مسؤول تم عزله من منصبه، يحظى بدعم هذا الفصيل المسلح لأنه كان يمنح الكتائب
إمكانية الوصول إلى مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة في جنوب بغداد، بحسب
تقرير لـ
معهد
واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
الغموض يُحرج
العراق
عقب تعدّد
الروايات وتشابك المشهد ما بين العراق وإيران وأمريكا ودولة الاحتلال الإسرائيلي ولبنان، قال مصدر
مقرب من الفصائل العراقية، إنّ: "العديد ممّا تتناقله وسائل الإعلام حول حيثيات
إطلاق سراح "اليزابيث" غير دقيق، وأن تفاصيل العملية سيتم الكشف عنها
لاحقاً عندما تتوفر الظروف المناسبة لعرض الحقائق أمام الرأي العام العراقي".
ويُنظر إلى
البيان المرتقب من الفصائل على أنه محطة فاصلة لحسم الجدل الداخلي، بل أيضاً
لترسيم حدود العلاقة بين الدولة العراقية والفصائل المسلحة في الملفات الحساسة ذات
البعد الدولي نظرًا لكون الغموض قد يزيد من الضغط الدولي على بغداد بشأن مفهوم
السيادة واستقلالية القرار.
لا حصانة
للعراق
وبينما يبدو
أن قضية تسوركوف قد انتهت بعد وصولها إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، يقول محللون لموقع
يديعوت احرونوت العبري إنّ: "هذه الحادثة لن توفر للعراق حصانة طويلة الأمد من أي إجراءات إسرائيلية مستقبلية،
لكونها خاضعا لضغوط الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران والمدمجة في قواته
الأمنية"، مشيرا إلى أنّ: "التقارير التي تتحدّث عن تقديم أمريكا ضمانات بشأن الانسحاب
من العراق، هي مجرد مزاعم لم يتم تأكيدها".
ومع تصويت مجلس
النواب الأمريكي، الخميس 11 أيلول/ سبتمبر 2025، على إلغاء تفويضات استخدام القوة
العسكرية المرتبطة بالعراق، ومواصلة سحب القوات الأمريكية من قواعدها باتجاه
كردستان العراق، فإنّ المجال بات متاحا لإيران من أجل إعادة تأكيد وجودها تدريجيًا
من خلال شبكات سياسية، بحسب مركز "
ستراتفور
وورلد فيو" المختص بالدراسات الاستخباراتية والجيوسياسية، وهو ما سيجعل
استقرار العراق خاضعًا بشكل متزايد لتنافس القوى الإقليمية.