تشهد الساحة السياسية
اليمنية تصعيدا جديدا ضد مجلس القيادة الرئاسي والحكومة المعترف بها دوليا في العاصمة المؤقتة،
عدن، جنوبا، من قبل
المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، يهدد الشراكة السياسية داخل الحكومة والمجلس الرئاسي في آن واحد، وسط تساؤلات عن مآلات هذا التصعيد.
وبرز التصعيد من خلال عدد من القرارات التي أصدرها زعيم المجلس الانتقالي المنادي بانفصال جنوب اليمن عن شماله، عيدروس الزبيدي، الذي هو أيضا، عضو في المجلس الرئاسي، في مناصب حكومية عدة، ليست من صلاحياته، بل اعتبرت أنها تعدي وتجاوز لصلاحيات رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي.
وجاءت هذه القرارات التي وصفت بأنها انقلاب واضح على إعلان نقل السلطة التي تشكل بموجبها مجلس القيادة الرئاسي في نيسان/إبريل 2022 وضرب مؤسسات الدولة، بعد يوم من عودة رئيس المجلس الرئاسي الحاكم، رشاد العليمي رفقة عضوي المجلس، سلطان العرادة وعبدالله العليمي باوزير إلى عدن.
وكان الزبيدي، قد أصدر الأربعاء، قرارات وتعيينات لعدد من الموالين لها ، وكلاء في محافظات شبوة والمهرة ولحج، و أبين والضالع وسقطرى، إضافة إلى منصبين في وزارتي الإعلام والصناعة، وشركة النفط الحكومية والهيئة العامة لأراضي وعقارات الدولة بعدن.
إعلان صريح بالانقلاب
وفي السياق، قال عضو البرلمان اليمني، علي عشال إن القرارات الصادرة عن الأخ عيدروس الزبيدي، عضو مجلس القيادة الرئاسي، خطوة مؤسفة لأنها تمثل خرقاً واضحاً وخطيراً لكل المرجعيات ، إذ لا يملك – بموجب اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة – أي صلاحية تخوّله إصدار مثل هذه القرارات.
وأضاف عشال عبر حسابه بموقع "فيسبوك" إن ما جرى لا يعدّ مجرد مخالفة إجرائية، بل هو انتهاك صارخ للدستور والمرجعيات الوطنية الحاكمة، ومضمونه لا يخرج عن كونه "إعلاناً صريحاً للانقلاب على الشرعية الدستورية وتجاوزاً لمؤسسات الدولة، بما يمسّ جوهر التوافق الوطني الذي أُسِّس عليه مجلس القيادة الرئاسي".
وأشار عضو البرلمان اليمني إلى أن السكوت عن هذه التجاوزات، وعدم صدور موقف واضح يبيّن بطلانها من قِبل رئيس وأعضاء مجلس القيادة، ستكون له عواقب وخيمة على الشرعية، ليس فقط كمنظومة سياسية، بل كمؤسسات دستورية معترف بها دولياً، مؤكدا أن ذلك يمثل تهديداً مباشراً للشرعية أمام العالم الذي تعامل معها بوصفها الممثل الرسمي للدولة اليمنية.
ودعا البرلماني عشال جميع القوى والمكوّنات الوطنية المشاركة في الشرعية، والتي حضرت إعلان نقل السلطة وكانت شاهدة على الاتفاقات والمرجعيات التي أُسِّست عليها مؤسسات الدولة إلى التحرك والوقوف بحزم تجاه هذه الخطوة، محذرا من أن أي صمت أو تهاون أمام هذه التجاوزات سيكون خطأً تاريخياً يجعلها شريكاً في تقويض ما تبقّى من كيان الدولة ومؤسساتها.
كما طالب مجلس النواب، بصفته المؤسسة التشريعية العليا، بتحمّل مسؤوليته الوطنية والدستورية، ورفض أي قرارات أو ممارسات تمثل خروجاً على الدستور والقانون.
وقال أيضا، إن حماية الشرعية والحفاظ على الدولة ومؤسساتها ليست خياراً، بل واجب وطني وأمانة تاريخية لا تحتمل التهاون ولا المساومة.
أزمة وتوجس
من جانبه، قال الصحفي والكاتب اليمني، صلاح السقلدي إنه ليس مهما نوعية قرارات الزبيدي التي معظمها نصت على تعيينات لوكلاء محافظات هي بالأصل محافظات متخمة بالوكلاء ولكن اللافت بهذه القرارات أنها صُدرت من الأخ الزبيدي بمناصب يفترض أنها تشفع بقرارات جمهورية.
وتابع السقلدي لـ"عربي21" بأن هذا يؤكد أن ثمة أزمة متفاقمة تجتاح مجلس القيادة الرئاسي والشراكة السياسية برمتها التي تضم الانتقالي والأحزاب إنفاذا لاتفاق الرياض 2019.
وأضاف أن عودة "العليمي والعرادة والعليمي باوزير" إلى عدن قد أوجد لدى الزبيدي شعورا بالتوجس أن ثمة أمرا قد تم تدبيره في الرياض، حيث أن العلاقات بين الانتقالي والمملكة ليست على ما يرام، على خلفية الأوضاع في حضرموت، شرق البلاد.
وبحسب الصحفي وهو موالي للمجلس الانتقالي فإن الرياض شعرت أن الزبيدي ومن خلفه الإمارات قد تماديا بتحديها وأرادت بالتالي أن تحشد له هؤلاء في معقله الرئيس" عدن"، موضحا أن عودة العليمي إلى عدن ليس مرتبط بالتحضير لسفره وعضوي المجلس العرادة و العليمي باوزير إلى نيويورك، بل إن لزبيدي يعرف ما يدور خلف الكواليس ولهذا أراد أن يقول لهم جميعا أننا على الأرض ونملك قراراتنا ولا نأبه بأحد.
وقال السقلدي إنه بالتأكيد، ستعتبر قرارات الزبيدي بأنها انقلابا على شركائه، إلا أن قرارات التعيين يفترض أن تصدر من رئيس جمهورية ما يزال المجلس الانتقالي يتشارك معه السلطة الرئاسية والحكومية.
ولاشك، وفقا للصحفي والكاتب اليمني فإن القرارات تمثل زلزالا بجسد الشراكة السياسية وستكون لها تبعات كبيرة في قادم الأيام قد تغير شكل التحالفات وتقلبها رأسا على عقب إن لم يفلح التحالف (بقيادة السعودية) بتلطيف الأجواء وإعادة الأمور إلى سابق عهدها من الهدوء، وفق قوله.
هروب من أزمته الداخلية
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبدالعزيز المجيدي إن المجلس الانتقالي على يبدو أنه قرر الهروب من أزمته الداخلية إلى تفجير أزمة في وجه مجلس القيادة الرئاسي.
وأضاف المجيدي في منشور عبر موقع "فيسبوك" أن الصراع المحتدم بين أجنحة المجلس الجنوبي النافذة، أفصحت عنه استقالة سالم العولقي رئيس هيئة الأراضي، ما دفع عيدروس الزبيدي إلى تحويلها إلى أزمة تحت لافتة استعادة الجنوب ورفض انتقاص الشراكة.
وأشار "اللافت أن مصادر الانتقالي وناشطيه أكدت مراراً أن الزبيدي وقيادة المجلس الإنتقالي يرفضون استقالة العولقي التي كانت بمثابة صاعق تفجير الأزمة الداخلية، لكن أول قرارات الزبيدي ذاته "تعيين بديل لرئيس الهيئة المستقيل في مصلحة الأراضي، وكأنه كان يستعجل الإطاحة به قبل أن يقرر رئيس الحكومة قبول الاستقالة من عدمه".
وأوضح الكاتب اليمني أن هناك أكثر من قضية أثارت تذمر الانتقالي وهي "إصلاحات البنك المركزي وتشديده على تحويل إيرادات كافة المؤسسات العمومية إلى حسابات الحكومة لديه، وإغلاق تام لحساباتها لدى شركات الصرافة والبنوك الخاصة".
ومضى قائلا: "لكن ملف الأراضي ورفض الإصلاحات التي اتبعها رئيس الهيئة المستقيل عجلت بدفع المجلس الإنتقالي للتعبير عن انزعاجه واستعادة المضاربة داخل الخطاب الشعبوي الجنوبي.
ويرى السياسي المجيدي أن" معركة الانتقالي هذه المرة في فنائه الخاص"، حتى لو حاول جر الآخرين معه إلى أزمة مفتوحة، مؤكدا أن الإحتقان الداخلي أكبر من أن تعالجه تهويشة في الهواء مع الطواحين.
وكان رئيس هيئة أراضي وعقارات الدولة، سالم العولقي، وهو قيادي بالمجلس الانتقالي، قد أعلن قبل أيام استقالته من المنصب الحكومي، بعد تعذر القيام بمهامه وتنفيذ الإصلاحات التي أراد تحقيقها منذ تعيينه في نيسان/ إبريل الماضي، وسط اتهامات للمجلس الانتقالي وزعيمه، بعرقلة إجراءاته واستبعاده بعدد من المتورطين بملفات فساد بهذه المؤسسة.