سياسة عربية

نيويورك تايمز: هل تحاول سوريا الابتعاد عن الدكتاتورية؟

لجنة الانتخابات أجلت التصويت إلى أجل غير مسمى في ثلاث محافظات - سانا
يواجه النظام السوري الجديد العديد من التحديات خاصة بعد مجيئه بعد نظام ديكتاتوري، حكم البلاد لسنوات بسلاح القمع القتل والتشريد والسجون.

ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلتها في القدس المحتلة، رجا عبد الرحيم، قالت فيه إن قادة سوريا الجدد اتخذوا خطوات لإبعاد البلاد عن الديكتاتورية، مع خطط لإصلاح أنظمة السجون والأمن التي كانت جوهر حكم الخوف في ظل نظام الأسد السابق.

وقالت عبد الرحيم أن تعامل النظام مع موجات العنف الطائفي، وافتقارهم إلى الشمولية، وتركيز السلطة في أيدي قلة من الناس، أثار مخاوف من أن أسلوب حكمهم المتطور لا يزال متجذرا في الاستبداد.

وتابعت أنه لأكثر من خمسة عقود في ظل حكم عائلة الأسد، كانت سوريا دولة أمنية يحكمها الإرهاب، حيث كان نظام السجون أداة قاتمة ورمزا للترهيب. انتشر التعذيب والإعدام في السجون التي استُخدمت لاحتجاز وإخفاء عشرات الآلاف من الأشخاص، وإبقاء السكان تحت سيطرة قمعية.

وأضافت المراسلة أنه في أيار/ مايو، أعلنت وزارة الداخلية أنها ستُجري إصلاحات شاملة على أنظمة الأمن والسجون، بهدف تعزيز حقوق الإنسان والحفاظ على كرامة السجناء. وقالت الوزارة إن هذا قد يستلزم بناء سجون جديدة بالكامل أو تجديد السجون القائمة لتلبية المعايير الإنسانية.

صرح نور الدين البابا، المتحدث باسم وزارة الداخلية، لصحيفة "نيويورك تايمز" بأن "طغيان قوات الأمن" قد انتهى.

وقالت إنه ومع ذلك، هناك عدد من الدلائل على أن أولئك الذين أطاحوا بالرئيس بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي لم يتخلوا تماما عن الأساليب القديمة.

وتابعت أن حكم الرئيس الجديد، أحمد الشرع، وهو زعيم إسلامي سابق للمتمردين، من خلال إبقاء السلطة مركزة في يديه وفي أيدي مجموعة صغيرة من الموالين، بمن فيهم إخوته.

وأردفت أن مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية منى يعقوبيان، قالت: "من الناحية الهيكلية، لا يزال النظام الرئاسي قويا للغاية، على غرار نظام الأسد"، وأضافت أن "هناك مقاومة للامركزية في السلطة" والسماح لمختلف الطوائف بأن يكون لها رأي في الحكم، على الرغم من أن ذلك ضروري لسوريا نظرا لتنوع الأقليات الدينية والعرقية في البلاد.

وقالت لارا نيلسون، مديرة السياسات في منظمة إيتانا سوريا البحثية، إن هناك "مؤشرات مقلقة على استمرارية الوضع".

وتابع التقرير أنه خبراء قالوا إن الاختلافات بين الحكومتين السابقة والحالية جوهرية. وقد رحبت جماعات حقوق الإنسان بالجهود المبذولة لإصلاح نظام الحكم البوليسي في سوريا، على الرغم من أنها تقول إنه من السابق لأوانه تقييم مدى النجاح بشكل كامل.

وأضاف أن وزارة الداخلية أعلنت عن تغييرات في فروع الأمن في أيار/ مايو، قالت إنها ستنشئ مكاتب حكومية لتلقي الشكاوى والحفاظ على المساءلة. وتُعد هذه الفكرة بعيدة كل البعد عن أيام الأسد، عندما كان السوريون يخشون حتى الاقتراب من المباني الأمنية.

وقالت يعقوبيان: "هذه خطوات مهمة"، مما يشير إلى أن قادة سوريا مصممون على عدم العودة إلى نفس مسار الحكومة السابقة. "وهذا أمر مشجع".

وتابع التقرير أنه رُحِّب في البداية باختيار برلمان جديد، المُزمع عقده في وقت لاحق من هذا الشهر، باعتباره خطوة نحو نظام أكثر ديمقراطية. إلا أنه أصبح نقطة خلاف.

من بين 210 مقاعد، سيُعيِّن الرئيس ثلثها مباشرة. أما باقي أعضاء البرلمان، فسيتم اختيارهم من خلال هيئات انتخابية محلية تُشكّلها الحكومة، مع تخصيص خمس المقاعد للنساء.

وأضاف أنه في الأسبوع الماضي، أجّلت لجنة الانتخابات التصويت إلى أجل غير مسمى في ثلاث محافظات لا تسيطر عليها الحكومة، وعينت بدلا من ذلك مرشحين لتمثيل تلك المناطق، وفقا لوسائل إعلام رسمية. وكان ذلك تذكيرا صارخا بالتحديات التي يواجهها الشرع في توحيد بلد مُمزّق بفعل ما يقرب من 14 عاما من الحرب الأهلية.

وكانت حكومة بقيادة الأكراد، والتي لا تزال تُسيطر على مُعظم شمال شرق سوريا، تُجري مفاوضات مع الحكومة المركزية في دمشق لتوحيدها والاندماج في الهياكل السياسية والعسكرية الوطنية. وقد تعثّرت هذه المفاوضات الآن.

وانتقدت القيادة الكردية الانتخابات ووصفتها بأنها "محاولة لإعادة إنتاج السياسات الإقصائية التي حكمت سوريا لعقود"، وقالت إنها لا تعكس إرادة الشعب.

أدى غياب الشمولية في صنع القرار إلى انعدام الثقة بالحكومة بين الأقليات، مثل المسيحيين والعلويين والدروز والأكراد، مما يُمثل ربما التحدي الأكبر لتوحيد البلاد. وقد اعتبر بعض الخبراء أعضاء الأقليات المعينين في مناصب حكومية مجرد رموز.

وبحسب التقرير قالت ديما موسى، المحامية والناشطة المعارضة في عهد نظام الأسد: "الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لي هو عدم الشمولية أو الانفتاح على أصحاب الانتماءات السياسية المختلفة".

وأضاف أن جماعات حقوق الإنسان قالت إنه في جميع موجات العنف الثلاث، تورطت القوات التابعة للحكومة في عمليات قتل خارج نطاق القضاء وأعمال عنف أخرى، بدافع الانتقام أو الطائفية.

أدانت الحكومة عمليات القتل التي ارتكبتها قواتها، التي قالت إنها كانت تتصرف خارج نطاق القانون، وبدأت تحقيقات.

وتابعت عبد الرحيم أن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، جير بيدرسن، صرح لمجلس الأمن الدولي مؤخرا: "لا تزال البلاد هشة للغاية، ولا تزال العملية الانتقالية على حافة السكين".

وقال: "يحتاج السوريون إلى الشعور بأن هذا الانتقال ليس سلسلة من الترتيبات المؤقتة والمؤسسات المنعزلة، بل هو مسار واضح وشامل، قائم على الشمولية والشفافية". وأضاف أنه بدون إصلاحات موثوقة ومؤسسات حكومية أقوى، فإن سوريا تخاطر بتبديد الدعم الدولي الحاسم.

لقد قوّض العنف الانتقامي والطائفي ما وصفه المسؤولون الحكوميون بأنه أولوياتهم: إرساء الأمن والاستقرار، وتعزيز السلام الداخلي، وتوحيد البلاد.

وقالت يعقوبيان إن الاختبار الحقيقي سيكون في تنفيذ الإصلاحات المخطط لها وانضباط قوات الأمن.

وقالت موسى، وهي الآن ناشطة في مجال حقوق المرأة: "لا يزال هناك مجال كبير للتحسين". ونعتقد أنه في هذه المرحلة، ينبغي أن تكون الحكومة قد قطعت شوطا أبعد مما هي عليه من حيث الإنجازات، لا سيما في قضايا مثل الاقتصاد والأمن، بالإضافة إلى إعادة هيكلة القوات المسلحة.

تضم حكومة الشرع بعض الوزراء ذوي الخبرة المهنية من الشتات السوري، بالإضافة إلى أعضاء من الأقليات وامرأة واحدة. وقد ساهم ذلك إلى حد ما في التزامه المعلن بإدارة شاملة.

لكنه عيّن حلفاء مقربين في أقوى الوزارات مثل الدفاع والخارجية والداخلية، معتمدا على دائرة صغيرة من الموالين الذين كانوا معه خلال السنوات التي قاد فيها هيئة تحرير الشام الإسلامية.

أشرف وزير الداخلية، أنس خطاب، على الأمن الداخلي للهيئة التي كانت تابعة سابقا لتنظيم القاعدة. وهو يشرف الآن على إعادة بناء وتنظيم قوات الأمن والشرطة.

بعد أن استولى المتمردون على السلطة، قاموا بفصل جميع ضباط الشرطة والأمن، الذين كانوا يُعتبرون أدوات لنظام الأسد القمعي. سُمح لبعض رجال الشرطة منذ ذلك الحين بالعودة إلى وظائفهم، بينما تم تجنيد آلاف الضباط الجدد على مدار الأشهر التسعة الماضية، وخضعوا لبرنامج تدريبي سريع بهدف نشرهم في الشوارع بسرعة.

كما كان وزير الخارجية، أسعد الشيباني، مع الشرع لسنوات، وكان مسؤولا سابقا عن العلاقات الخارجية لهيئة تحرير الشام. ويمتد دوره الآن إلى ما هو أبعد من العلاقات الخارجية لسوريا، وهو أشبه بدور رئيس الوزراء، حيث يقدم العديد من الوزراء الآخرين تقاريرهم إليه، وفقا لمسؤولين أجانب يتعاملون مع الحكومة.

وقالت نيلسون، مديرة السياسات في إيتانا: "ما رأيناه هو مجرد إشراك رمزي لبعض الوزراء الرمزيين، ولم يُمنحوا أي سلطة. لا تزال هيئة تحرير الشام تسيطر على مقاليد السلطة الرئيسية في الحكومة".