صحافة إسرائيلية

كاتبة إسرائيلية تحذر: مشروع سموتريتش للاستيطان والضم ينبغي أخذه على محمل الجد

أكدت الكاتبة أن سموتريتش أثبت أنه يضع هدفه نصب عينيه وهو قادر على تنفيذ نواياه- الأناضول
طرح وزير المالية الإسرائيلي والمسؤول عن المستوطنات بتسلئيل سموتريش، خطة صريحة لضم نحو 82 بالمئة من الضفة الغربية، تقوم على مبدأ "الحد الأقصى من الأرض والحد الأدنى من السكان"، بما يعني تكريس السيطرة الإسرائيلية مع حصر الفلسطينيين في جيوب معزولة بلا حقوق أو سيادة، وهو ما يعكس انتقال أفكاره المتطرفة من الهامش إلى صلب السياسات الرسمية.

وتحدثت الكاتبة الإسرائيلية، عميره هاس، في مقال لها نشرته صحيفة "هآرتس" عن هذه الخطة بشكل مستفيض، وحذرت محظرة من مخاطر هذه الخطة. وفيما يلي النص الكامل للمقال:

فيما يقرب من عشرين سنة من النشاط السياسي، أثبت سموتريتش أنه من النوع الذي يضع هدفه نصب عينيه، وأنه قادر على تنفيذ نواياه. فمن معارضته لفك الارتباط مع غزة، إلى قيادة منظمة "ريغافيم" اليمينية، والآن بوصفه وزيراً مسؤولاً عن المستوطنات – كان كذلك أول من يتحدث علانية عن أن إطلاق الرهائن (الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة في غزة) ليس أولى الأولويات – كثير من مواقفه غدت سياسات تتبناها الحكومة.

ولهذا فإن إعلان سموترتيش في وقت سابق من هذا الأسبوع، في مؤتمر صحفي إلى جانب شخصيات كبيرة من مؤسسة الاستيطان، ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد: إنه الضم الرسمي لما يقرب من 82 بالمائة من الضفة الغربية.

ليست هذه مجرد حركة بهلوانية استعراضية أو أمراً متعلقاً بأرقام الاستطلاعات. بل إنه برنامج أيديولوجي مترابط. فطبقاً لسموتريتش، لقد قضى هو وإدارة المستوطنات، وهي الوكالة التي أقيمت داخل وزارة الدفاع (الحرب) بناء على طلبه – الشهور القليلة الماضية وهم يضعون مسودات خرائط السيادة.

سوف يكون الضم للأراضي، ولكن ليس للناس. فبحسب الخريطة، تم تخصيص ست جيوب ملونة بالأصفر للفلسطينيين – تكون مفصولة عن بعضها البعض (مدن الخليل ورام الله وأريحا ونابلس وطولكرم وجنين). هذه هي المناطق الحية التي سوف يسمح للفلسطينيين فيها بإدارة شؤونهم. وبهذه الطريقة، كما قال سموترتيش دون أن يرمش، سوف يتم الاحتفاظ "بأغلبية يهودية واضحة في دول إسرائيل اليهودية والديمقراطية".

مضى سموترتيش يشرح الخطة بكل صراحة على النحو التالي: "ليس لدينا رغبة في إملاء سيادتنا على مجموع سكاني يسعى إلى تدميرنا. الأعداء ينبغي أن يحاربوا، وألا يسمح لهم بالعيش الرغيد. ولذلك فإن المبدأ المهيمن لتطبيق السيادة هو: الحد الأعلى من الأرض والحد الأدنى من السكان".

ولكن مع كل هذه الصراحة، لم يفصح سموتريتش عما يتصوره من مصير للفلسطينيين الذين يعيشون في 82 بالمائة من الأراضي – أي خارج الجيوب التي لن يشملها الضم والملونة بالأصفر في الخارطة. ولكنه قال رداً على سؤال من مراسل هآرتس ماتان غولان إن ما يقرب من 80 ألف فلسطيني يعيشون في المناطق التي يتوقع أن يشملها الضم، ووضع هؤلاء سوف يكون مثل وضع المقيمين في شرق القدس.

ولكن ماذا عن مئات الآلاف الذين يعيشون في بيت لحم وسلفيت وقلقيلية وطوباس وأبو ديس، والبلدات والقرى التي تقع فيما بينها، والمجتمعات الرعوية – ماذا عن مقيميهم؟ هل تركت هذه المساحات خارج الخارطة، كجيوب لن يشملها الضم، فقط لمجرد التوافق الخرائطي؟

لا ينبغي أن يفترض أحد أن مثل هذا الحذف كان من باب المصادفة. إن السخرية التي توجه إلى سموتريتش – لكونه وزير مالية فاشل، ولكونه لا يتحدث الإنجليزية، أو بسبب تدنى أرقامه في استطلاعات الرأي – تتفادى الحقيقة الأشمل، ألا وهي أنه نجح في الدفع قدماً بأجندة قطاع المستوطنين الدينيين القوميين، والذين يمثلهم بكل إخلاص.

وكان سموتريتش في أواخر عام 2016، في مقابلة مع مراسل هآرتس رافيت هيخت، قد قال إن هدفه هو إطفاء الآمال الفلسطينية في قيام دولة بين النهر والبحر. ويتحدث عن ثلاث خيارات أمام الفلسطينيين: الهجرة الجماعية الطوعية (وذلك هو خياره المفضل)، أو البقاء في الأرض كراعايا بلا حقوق أو تطلعات وطنية، أو الحرب الشاملة ضد أولئك الذين يرفضون قبول المرسوم.

وأضاف: "حينما دخل يوشع بن نون [النبي التوراتي] إلى الأرض، بعث إلى سكانها بثلاث رسائل: أولئك الذين يرغبون في قبول [حكمنا] سوف يقبلون، أولئك الذين يرغبون في المغادرة سوف يغادرون، أولئك الذين يريدون القتال سوف يقاتلون. كانت استراتيجيته تقوم على التالي: نحن هنا، لقد جئنا، وهذه لنا. والآن أيضاً، لسوف يتم فتح ثلاثة أبواب، ولا يوجد باب رابع. أولئك الذين يرغبون في المغادرة – ولسوف يكون هناك من يغادر – هؤلاء سوف أساعدهم. عندما لا يكون لديهم أمل ولا رؤية، فإنهم سوف يذهبون. تماماً كما فعلوا في 1948".

بحلول شهر أيلول/ سبتمبر 2017، كان قد شرح رؤيته في مقال نشر له في مجلة "هاشيلوش" فيما أطلق عليه اسم "الخطة الحاسمة". من تصريحاته حول الوضع المؤقت للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل (العرب مواطنون في إسرائيل حتى الآن على الأقل، ولديهم ممثلون في الكنيست، حتى الآن على الأقل") في 2021 وحتى حديثه عن الحاجة إلى مسح قرية حوارة من الوجود في 2023، يمكننا أن نستنتج بشكل معقول أن لديه خططاً بالغة الأثر لأولئك الفلسطينيين الذين يقعون خارج الجيوب الصفراء – أولئك غير المشمولين ضمن الثمانين ألفاً "المحظوظين" الذين يتوقع أن يشملهم الضم.

لربما يشمل ذلك الدفع قدماً بقوانين الطرد والإزالة – على نمط تلك التي كانت قد سنت في جنوب أفريقيا في عهد الأبارتايد (الفصل العنصري) – والتي يقصد منها تركيز وضغط ما يقرب من ثلاثة ملايين فلسطيني وذراريهم في تلك الألف كيلومتراً المربعة المقطعة الأوصال.

سموتريتش ليس سوبرمان: إنما نجح لأن القطاع الذي يمثله منظم للغاية ويضع أهدافه بلا هوادة نصب عينيه. ولكن يضاف إلى ذلك أن كثيراً من الإسرائيليين اليهود اكتشفوا أنه يستفيدون – أو لسوف يستفيدون – من استمرار الاحتلال ومن انتزاع الأراضي من الفلسطينيين: من خلال الحصول على سكن جيد وبتكلفة مقدور عليها (مقارنة بالمناطق الواقعة دخل إسرائيل)، ومن خلال ما يتوفر لهم من دعم حكومي، ومن خلال ما يتيسر من قابلية للحركة اجتماعياً واقتصادياً، ومن خلال الوظائف المتاحة في قطاعات الدفاع والتكنولوجيا المتقدمة، والتي تعتمد على استمرار الهيمنة على شعب آخر.

لم يخترع سموتريتش العجلة. إن هدف منع إقامة دولة فلسطينية في المناطق المحتلة عام 1967 طالما كان أمراً مشتركاً بين أولئك الذين يطلق عليهم "المعسكر المعارض". لقد عارض الدولة الفلسطينية إسحق رابين وشمعون بيريز، وكذلك فعل إيهود باراك. ولا أدل على ذلك من أن فصل سكان قطاع غزة عن سكان الضفة الغربية – وهي خطوة أساسية في تخريب مشروع الدولة الفلسطينية – بدأ في التسعينيات.

كما أن المبدأ التوجيهي، أي "الحد الأعلى من الأرض والحد الأدنى من العرب"، ليس جديداً هو الآخر. أحياناً برمشة عين أو هزة رأس، وأحياناً بشكل صريح وعلني، لطالما كان الموجه للحركة العمالية الصهيونية، قبل وما بعد 1948، حتى أثناء صياغة مختلف مخططات "الهندسة السكانية" لقطاع غزة والضفة الغربية.

منذ البداية، صُممت اتفاقيات أوسلو بحيث تترك أجزاء ضخمة من الضفة الغربية في أيدي الإسرائيليين، بحد أدنى من السكان الفلسطينيين. منذ منتصف التسعينيات، ركز قطاع الاستيطان – وصفوفه المتنامية داخل المؤسسة الإسرائيلية – على الحيلولة دون عودة ما يقرب من 61 بالمائة من الضفة الغربية إلى الإدارة الفلسطينية. والأدوات التي يستخدمونها تشتمل على التالي: استشراء المواقع الاستيطانية المتقدمة، وتصاعد العنف الذي يولدونه دونما ردع أو عقاب، والضغط السياسي الهائل الذي يمارس على الإدارة المدنية حتى تمنع كافة أعمال الإنشاءات الفلسطينية، والدفع المستمر باتجاه سن تشريعات حول الضم.

في قطاع غزة، لم تزل إسرائيل منذ ما يقرب من عامين تنفذ الخيار الثالث الذي اقترحه سموتريتش على الفلسطينيين: حملة تدمير وتصفية هدفها تحقيق "النصر الحاسم"، كما ورد في كلام رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير. في كانون الثاني/ يناير 2024، نأت الإدارة الأمريكية بنفسها عن مقترح سموتريتش الخاص "بالطرد في ثوب هجرة طوعية" من غزة. ولكنه الآن يحظى بحليف أيديولوجي في البيت الأبيض – حيث يوجد الآن شخص يبدو له طبيعياً للغاية نقل السكان غير البيض إلى مكان آخر خدمة لرؤية مدفوعة بأطماع رأسمالية وعقارية كبرى، وكما لو كان هؤلاء السكان قطعاً من الليغو.

في الضفة الغربية أيضاً، تعكس السياسة الآن روح الخيار الثالث الذي كان يتبناه النبي التوراتي يوشع بن نون ويتبناه سموتريتش – وإن كان بأدوات أقل فتكاً. في جنين وطولكرم، أثبت الجيش أن الإخلاء والطرد والتدمير هو النموذج.

في أرجاء الضفة الغربية، شنت إسرائيل حرباً اقتصادياً صممت لإفقار السكان: من خلال منع الفلسطينيين من الحصول على تصاريح عمل داخل إسرائيل، ومن خلال طرد الرعيان والمزارعين من أراضيهم، ومن خلال احتجاز أموال السلطة الفلسطينية بحيث يعيش القطاع العام على أنصاف الرواتب، ومن خلال مصادرة الممتلكات الشخصية، ومن خلال إقامة نقاط التفتيش عند مخارج البلدات والقرى، بما يؤدي فعلياً إلى تقطيع الأوصال بينها. ونتيجة لذلك فإن الحركة من أجل العمل والتعليم والتجارة تصبح تكاليفها باهظة وبالتالي تغدو غير مجدية.

حين يتعلق الأمر بالسياسات المنتهجة ضد الفلسطينيين، لم يعد سموتريتش شخصية هامشية، بل لقد بات هو التيار السائد. ولهذا السبب فإن خطته للضم ليست مجرد أوهام.