يواصل الاحتلال الإسرائيلي
سياسة التجويع وحرمان قطاع
غزة من الطعام والغذاء، وهي التي بدأت مع حرب الإبادة المستمرة منذ نحو عامين، واشتدت إلى أقصى مراحلها منذ آذار/ مارس 2025، مع إغلاق "إسرائيل" جميع المعابر المؤدية إلى غزة، ومنع دخول أي مواد غذائية أو علاجات أو مساعدات إنسانية تقريبا.
وتحت ضغط دولي واسع وسخط عالمي ضد التجويع المُتعمَّد لأكثر من مليوني فلسطيني، أعلن الاحتلال في 25 تموز/ يوليو الماضي السماح بإنزال المساعدات الإنسانية جوا على قطاع غزة، وذلك عقب موجة.
ورغم أن الإنزالات الجوية للمساعدات تشكل رفعا للعتب عن الدول المشاركة فيها أكثر من كونها حلا للمجاعة التي تضرب غزة، فقد قرر الاحتلال إيقافها بعد شهر فقط مع الإعلان عن خطط رسمية لاحتلال مدينة غزة، ما يعزز استخدام "إسرائيل" لهذه الإنزالات كدعاية لتحسين صورتها.
متى بدأت سياسة التجويع؟
في عام 2012 وهو بعد 5 سنوات من الحصار الشامل الذي فرضته "إسرائيل" ضد قطاع غزة، جرى الكشف عن سياسة السعرات الحرارية من منسق العمليات في الأراضي الفلسطينية، وهو الكشف الذي جاء بعد ضغط طويل من جمعية "ﭽيشاه–مسلك" الإسرائيلية الهدافة للدفاع عن حرية الفلسطينيين في التنقل، وخصوصًا سكان قطاع غزّة.
وجاء في مقال نشرته صحيفة "
هآرتس" عام 2012 لـ"ياعيل باردا"، وهي محامية وطالبة باحثة في جامعة برينستون ومؤلفة كتاب "بيروقراطية الاحتلال"، أن هذا الكشف تم عن وثيقة تُسمى "الخطوط الحمراء" وهي جدول للسعرات الحرارية التي يحصل عليها كل فرد داخل قطاع غزة، مع اعتبار أن عددهم نحو 1.4 مليون نسمة، بينما يقدر عددهم حاليا بأكثر من 2 مليون نسمة.
وأوضح المقال أن الاحتلال يستخدم تقديرات عام 2007 في حساب كمية الأغذية المسموح بدخولها إلى قطاع غزة (قبل حرب الإبادة الحالية)، مؤكدة حينها أن الوثيقة "غريبة وأشبه بنوع من الألغاز في اختبارٍ نفسي أو جزءٍ من تجربةٍ أجراها علماءٌ في مختبر".
وقال إنه "على الرغم من عرض السعرات الحرارية وأنواع الطعام وتكييف النظام الغذائي مع ثقافة الأكل لدى الفلسطينيين في غزة، فإن وثيقة "الخطوط الحمراء" ليست مجرد وثيقةٍ تشهد على سياسة الإغلاق والقيود الغذائية التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة، بل هي لمحةٌ عن آليةٍ بيروقراطيةٍ واسعة النطاق صُممت لإدارة شؤون السكان المدنيين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية منذ عام 2000 حين انهارت اتفاقيات أوسلو".
وأضاف أنها "آلية بيروقراطية ضخمة، قائمة على تشريعات الطوارئ، تعمل بطريقة مختلفة تمامًا عن الحكومة القائمة على سيادة القانون، وتتميز بعدة مبادئ جعلتها الأكبر والأكثر تطورًا في العالم لفحص وتحديد هوية وتقييد حركة السكان المدنيين والفصل القانوني والإداري بين السكان على أساس العرق؛ والسيطرة من خلال أوامر عسكرية مؤقتة وسرية؛ وإزالة مسؤولية أفعال الحكومة الإسرائيلية؛ وسيطرة شبه كاملة لجهاز الأمن على صنع القرار".
وأكد أن المبرر الرئيسي لتصرفات بيروقراطية الاحتلال هو الادعاء بأن كل فلسطيني يُشكل خطرًا أمنيًا، وبالتالي يجب إبطاء حركته وتقييدها - ليس فقط لمن يُشتبه في أنهم يُشكلون خطرًا أمنيًا، بل لجميع السكان، ولهذا يصنف جهاز الأمن العام "الشاباك" أكثر من ربع مليون فلسطيني في الضفة الغربية مثلا كـ"خطر أمني".
وظلت وثيقة "الخطوط الحمراء" سرية لمدة ثلاث سنوات، ويُزعم أنها كانت تهدف إلى رعاية الوضع الإنساني للفلسطينيين، بينما وضعت قائمة القيود على البضائع والحركة ظاهريًا لـ"أسباب أمنية"، لكن وزارة الحرب ومكتب رئيس الوزراء، المسؤول عن عمليات جهاز الأمن العام، ليس لديهما أي علم بالأمر.
وذكر المقال أن هذه ليست "منظمة فاسدة غير كفؤة تعمل ضمن نظام معطل أو عتيق أو غير فعال، وليست مسألة استثنائية تُذكّر بإدارة معسكرات العمل والعبور أو إدارة شؤون اللاجئين في عصور تاريخية مختلفة"، مؤكدا أن "هذه ليست بيروقراطية معطلة، يديرها حفنة من المسؤولين السيئين، بل هي نظام إداري منفصل، قائم على أوامر عسكرية وسرية، يُطبّق قوانين وممارسات منفصلة لليهود والفلسطينيين في المنطقة نفسها، ويسيطر عليه بشكل رئيسي جهاز الأمن العام. نظام لا تخضع سلطته لأي رقابة قانونية أو قضائية".
وأضاف أن هذا النظام يُحقق هدفه المتمثل في السيطرة شبه الكاملة على الحياة اليومية للفلسطينيين، مع إبعاد المسؤولية الحكومية عن مصير السكان المدنيين الخاضعين لسيطرة الحكومة الإسرائيلية.
وأضاف المقال الذي نشر منذ أكثر من 13 سنة، أن مبدأ الفصل المنصوص عليه في اتفاقيات أوسلو وفك الارتباط عن غزة قد أدى إلى حالة فقدت فيها "إسرائيل" السيطرة على الحياة اليومية للفلسطينيين، ولم تعد مسؤولة قانونيًا عن وضعهم. عمليًا، ومنذ انهيار الاتفاقيات، مارست "إسرائيل" سيطرة أكبر من أي وقت مضى، من خلال نظام من القيود على حركة الفلسطينيين، حتى الموت جوعًا.
تفاصيل الوثيقة
تحسب وثيقة "
الخطوط الحمراء" الحد الأدنى من السعرات الحرارية اللازمة لتجنّب وصول سكان قطاع غزة إلى حالة من سوء التغذية، وذلك بحسب رأي مكتب منسق الأنشطة في المناطق، وهي التي شارك في إعدادها موظفون من وزارة الصحة الإسرائيلية، وتم حساب السعرات الحرارية وفقاً لمفتاح الوزارة، الذي يستند إلى متوسط الاستهلاك الإسرائيلي، مع تكييفه مع "ثقافة وتجربة" سكان قطاع غزة.
ومنذ نيسان/ أبريل 2009، بدأت جمعية "ﭽيشاه–مسلك" إجراءات طلب نشر الوثائق المتعلقة بحصار غزة بموجب قانون حرية المعلومات، في آذار/ مارس 2011، أمرت محكمة تل أبيب المركزية وزارة الحرب بنشر وثيقة "الخطوط الحمراء"، التي جرى الكشف عن وجودها ضمن مقال لـ"أوري بلاو" و"يوتام فيلدمان" في حزيران/ يونيو 2009.
استأنفت الأمنية الإسرائيلية الدولة القرار أمام المحكمة العليا، باعتبار أنها مجرد مسودة لم تُطبّق قط ولا تُوجّه السياسة الفعلية، لذلك، عارضوا النشر بحجة أنه سيتم الكشف عنها دون داعٍ، مع زعم أنه بعد إعداد وثيقة "الخطوط الحمراء" لم يُجرَ أي نقاش إضافي بشأنها.
ووُضع نموذج الخطوط الحمراء بعد حوالي خمسة أشهر من قرار حكومة الاحتلال برئاسة إيهود أولمرت في أيلول/ سبتمبر 2007، بفرض قيود إضافية على حركة الأفراد والبضائع من وإلى قطاع غزة.
ونص القرار على "تقييد نقل البضائع إلى قطاع غزة، وتقليص إمدادات الوقود والكهرباء، وفرض قيود على حركة الأفراد من وإلى القطاع". كما نص القرار على أن هذه القيود ستُطبق "بهدف تجنب أزمة إنسانية"، كما مُنعت جميع الصادرات من القطاع.
في جلسة استماع بالمحكمة العليا بشأن أحد التماسات جمعية "ﭽيشاه–مسلك" ضد هذه السياسة، صرّح محاميان يمثلان الحكومة الإسرائيلية مع دعم بإفادة خطية من العقيد شلومي مختار من جيش الاحتلال بأن "للدولة الحق في أن تقرر عدم نيتها التدخل ماليًا أو مساعدة الطرف الآخر في النزاع، أو التصرف على نحوٍ يُشبه الحرب الاقتصادية".
وتُقيّم الوثيقة الحد الأدنى من السعرات الحرارية المُحدد لكل فئة عمرية وجنسية، مع مراعاة الأغذية الأساسية التي يجب إدخالها إلى القطاع، وعدد الشاحنات اللازمة لنقل هذا الحد الأدنى. وقد حُدد متوسط 2279 سعرة حرارية للشخص الواحد يوميًا، وهو ما يُجسّد في 1836 غرامًا من الطعام، أو 2575.5 طنًا من الطعام لجميع سكان القطاع.
ويتطلب إدخال هذه المواد إلى القطاع 170.4 شاحنة يوميًا (لمدة خمسة أيام في الأسبوع)، مع خصم 68.6 حمولة شاحنة من الغذاء من العدد الإجمالي، باعتبار أنه يعادل الغذاء "المنتج ذاتيًا" داخل القطاع من الخضراوات والفواكه والحليب واللحوم.
وتشير الوثيقة إلى أن "إجمالي الغذاء اليومي يأخذ في الاعتبار تذوق الأطفال دون سن الثانية، مما يضيف حوالي 34 طنًا يوميًا إلى إجمالي السكان، والنتيجة النهائية هي 101.8 شاحنة يوميًا، وبهذا تم منع دخول 13 شاحنة كان من المفترض أن تحمل النسبة المخصومة.
ولا تشرح الوثيقة كيفية إجراء هذا الحساب، في حين تم حساب استهلاك أعلى للسكر (5 شاحنات مقارنة بـ 2.6 وفقًا لنموذج وزارة الصحة الأصلي)، تم حساب استهلاك أقل للخضراوات والفواكه (18 شاحنة مقارنة بـ 28.5 شاحنة)، واستهلاك أقل للحليب (12 شاحنة بدلاً من 21.1 شاحنة) واللحوم والدواجن (14 شاحنة بدلاً من 17.2 شاحنة).
وفي المجمل، حسبت وزارة الداخلية الإسرائيلية أن محتويات 131 شاحنة يجب أن تستمر في الدخول يوميًا باستخدام طريقة يتم بموجبها تفريغ البضائع من شاحنة واحدة على الجانب الإسرائيلي ونقلها إلى شاحنة ثانية على الجانب الفلسطيني.
من بين هذا الإجمالي، تم نقل 106 شاحنات عبر معبر كرم أبو سالم، والباقي عبر معبر "كارني" للبضائع، الذي أغلقته "إسرائيل" بعد بضع سنوات فقط. ووفقا للوثيقة، وافق نائب وزير الحرب آنذاك، ماتان فيلناي، حتى قبل إنشاء وثيقة "الخطوط الحمراء"، على دخول 106 شاحنات يوميًا محملة بالأغذية وغيرها من المنتجات الأساسية، بالإضافة إلى دخول الحبوب الغذائية (القمح والأعلاف الحيوانية) عبر معبر كارني.
وتهدف الوثيقة إلى التأكد من أن هذا العدد من الشاحنات يلبي احتياجات القطاع، بينما تؤكد جمعية "ﭽيشاه–مسلك" أن مقارنة بيانات الأمم المتحدة حول دخول الشاحنات تُظهر أن عدد الشاحنات اليومية كان أقل في كثير من الأحيان.
وقام مكتب منسق العمليات في المناطق، الذي كان يرأسه آنذاك عاموس غلعاد، بترجمة سياسة تقييد الحركة إلى قائمتين: قائمة طويلة للمنتجات المحظورة (من مواد البناء والإبر والأقمشة وغيرها من المنتجات الخام، إلى مواد التنظيف والاستحمام والكتب والآلات الموسيقية أو الحمص المُصنّع)، وقائمة قصيرة للمنتجات المسموح بها.
وكان المبدأ التوجيهي هو أنه لم يعد الطلب على المنتجات هو ما يحدد دخولها إلى القطاع، بل الأنواع والكميات المطلوبة، وفقًا لما تحدده وزارة الخارجية. بين الحين والآخر، كانت فرق الوزارة تجتمع وتُجدد قائمة المنتجات المسموح بها.
على سبيل المثال، في نهاية عام 2008، سُمح بدخول الشامبو، ولكن بدون بلسم الشعر في الأنبوب نفسه، وفي يوليو 2009، سُمح بدخول الحمص المُصنّع لأول مرة، لتنفيذ التوجيه الهادف إلى "تجنب أزمة إنسانية"، وضع مسؤولو هيئة الغذاء والدواء في قطاع غزة ما يُسمونه "أجهزة استشعار" للتحقق من عدم اقترابهم من حالة نقص في السلع المسموح بها أو سوء تغذية.
وبعيدًا عن نموذج الخطوط الحمراء، وُضع نموذج لتقدير مخزونات الغذاء في قطاع غزة وإجراءات التصريح بدخول السلع. وتقول هيئة الغذاء والدواء إن النموذج الذي استرشدوا به في نهاية المطاف هو إجراءات التصريح بدخول السلع وتقدير المخزون، والتي تضمنت حسابات رياضية لتحديد ما إذا كان هناك نقص أو فائض في الكمية القليلة من السلع الأساسية المسموح بها.
وعقب التماس قدمته أيضا جمعية "ﭽيشاه–مسلك" إلى المحكمة العليا، نُشرت الوثائق في تشرين الأول/ أكتوبر 2010، وأكدت هيئة الغذاء والدواء أن "التقدير الكمي لم يُجرَ بهدف الوصول إلى الحد الأدنى أو تحديد الكميات، بل على العكس، لضمان عدم وجود نقص فقط.
وشككت جمعية "ﭽيشاه–مسلك" في مزاعم عدم استخدام الخطوط الحمراء، قائلة إنه على سبيل المثال: إن الحد الأدنى لحصة اللحوم (300 عجل مستورد أسبوعيًا) في هذه الوثيقة كان مُرشدًا لمكتب المدعي العام للدولة، عندما أوضح في المحكمة العليا سبب عدم الموافقة على طلب زيادة الحصة في نهاية أحد شهور رمضان، بينما ويُصرّح جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن حصة الـ 300 عجل حُدّدت بناءً على تقدير المخزون وليس الوثيقة.
تستخدم المنظمات الإنسانية الدولية نموذجًا يُسمى "معايير إسفير" لتحديد احتياجات السكان وتحسين المساعدة المُقدّمة لهم في حالات الكوارث والطوارئ (سواءً نتيجة الكوارث الطبيعية أو الحروب). هذا النموذج أكثر تعقيدًا وأقل رياضية من نموذج وثيقة "الخطوط الحمراء". إلا أن الفرق الجوهري هو أن الوثيقة تقدر المخزون الذي حدد أصلا من قِبل نفس الجهة التي خلقت حالة الطوارئ عمدًا، وهي الجهة التي تُسيطر فعليًا على المنطقة المعنية وسكانها، وهي في هذه الحالة "إسرائيل".
وفي ذلك الوقت، أشار واضعو الوثيقة إلى أنه من المتوقع أن تنخفض الطاقة الإنتاجية المحلية للفواكه والخضراوات من 1000 طن يوميًا إلى 500 طن خلال بضعة أشهر، بسبب الحظر الإسرائيلي على استيراد البذور ومختلف المواد الخام اللازمة للزراعة، وحظر التسويق خارج القطاع. ومن المتوقع أن يلقى قطاع الدواجن مصيرًا مشابهًا، ولم يقدم واضعو الوثيقة حلاً لهذا التراجع، ودون أي تغيير في نسبة الخصم من الشاحنات التي كانت تدخل قطاع غزة.
قال مدير عمليات الأونروا في قطاع غزة في ذلك الوقت، روبرت تيرنر: إنه راجع مسودة الوثيقة "بقلق"، وأنه "إذا كان هذا يعكس سياسة أصيلة تهدف إلى الحد من واردات الغذاء، فإن نهج "الخطوط الحمراء" يتعارض مع المبادئ الإنسانية. وإذا كان الهدف منه منع حدوث أزمة إنسانية من خلال تحديد حد أدنى، فقد فشل".
ضغط داخلي
تزعم وزارة الحرب وجيش الاحتلال الإسرائيلي أن الاعتبارات التي توجههما في تحديد المنتجات التي تُدخل إلى قطاع غزة هي "اعتبارات أمنية وإنسانية بحتة"، إلا أن مراجعة الوثائق الداخلية وشهادات المعنيين باتخاذ هذه القرارات تكشف عن التأثير الحاسم للمزارعين وجماعات الضغط الإسرائيلية الأخرى على سياسة الحصار الذي تفرضه "إسرائيل" على قطاع غزة.
وفي
تقرير أيضا لصحيفة "هآرتس" يكشف ضابط كبير خدم في وحدة تنسيق العمليات في الأراضي الفلسطينية عند فرض الحصار: "إذا تأملنا الوضع سنجد أنه كان حماقة كبيرة". كانت هناك سياسة غامضة وغير واضحة، متأثرة بمصالح جماعات معينة، أو جماعة ضغط أو أخرى.
وأضاف أنه "على سبيل المثال هناك جماعة ضغط قوية تابعة لمنظمة مزارعي الفاكهة، وقد تسببت هذه الجماعة في إيصال ما بين 20 و25 شاحنة من الفاكهة إلى غزة في أيام معينة، ليس الأمر أنها وصلت إلى هناك وأُلقيت في سلة المهملات، ولكن إذا سألت الغزي، فستجد أنها ليست بالضبط ما يحتاجه، ولذلك يبدو أن مصلحة إسرائيل تفوقت على احتياجات السكان".
وبحسب التقرير الذي نشر أيضا عام 2012، ذكر أفشالوم هيرتزوج هو مزارع وعضو في "موشاف" ألماجور (مستوطنة زراعية)، أنه يجد أذناً صاغية من وزير الزراعة شالوم سمحون ونائب وزير الحرب ماتان فيلناي في شكواه بشأن سياسة الحصار والقرار بشأن البضائع التي ستدخل غزة.
وأشار هرتسوغ إلى أهمية سوق غزة قائلاً: "بما أن سوق غزة ليس سوقًا حقيقيًا، بل سوقًا حددته وزارة الدفاع (الحرب)، فإذا قالت الوزارة إن عشر شاحنات فقط ستدخل، فهل سيجني أي عامل في غزة أرباحًا؟".
تُظهر ملخصات المناقشات حول إدخال الغذاء إلى القطاع مدى عمق وتفصيل قلق قادة المؤسسة الدفاعية على جيوب المزارعين الإسرائيليين. ففي نقاش عُقد في مكتب فيلناي، تقرر إدخال 15 شاحنة محملة بالمنتجات الزراعية إلى القطاع يوميًا. وفي ختام النقاش، أمر فيلناي بإدخال ثلاث شاحنات محملة بالبطيخ إلى القطاع أسبوعيًا، "حتى لا يُسبب ذلك فشلًا في السوق في البلاد".
وذكر التقرير أن "الحصار يدعم قطاعًا مزدهرًا من المضاربين وجماعات الضغط وشركات النقل، الذين يستغلون محنة السكان لتحقيق أرباح سهلة. وتقول مصادر فلسطينية وإسرائيلية إن شركات النقل الإسرائيلية تجلب بضائع محظورة مقابل عشرات الآلاف الشواكل، وأن بعض التجار الفلسطينيين يتعرضون للابتزاز والتهديد".
وأكد التقرير أن نيسيم جان، الرئيس السابق لقسم المعابر في جهاز الأمن العام "الشاباك، أحد أكبر المستفيدين من الحصار، فهو مقرب من مدير المعابر لدى السلطة الفلسطينية نظمي مهنا (مازال على رأس علمه)، وفاز بمناقصة من إدارة المعابر التابعة لوزارة الحرب لتشغيل خدمات الرافعات الشوكية في معبر البضائع.
وأكد التقرير أن "جان يُعد من الشخصيات المحورية في المعبر؛ حتى أن التجار الفلسطينيين الذين سُئلوا عنه ظنوا خطأً أنه مديره. وقد أدلى بشهادته بنفسه، في حديث مع صحيفة "هآرتس" حول انخراطه العميق في هذا المجال: "لا شيء يحدث في المعابر إلا ويسمعه الناس".
أكد جان في حديث مع صحيفة "هآرتس" قربه من المسؤول الفلسطيني المسؤول عن المعابر، قائلا: "نظمي صديق شخصي لي. من الصعب على الناس قبول علاقات طبيعية وشرعية بين شخصين بالغين".
وأضاف "أنا رجل أعمال خاص أعمل وفقًا للقانون. أبلغ السلطات المختصة قانونيًا بجميع أعمالي، وبالتأكيد لستُ ملزمًا بالكشف عنها للجمهور. أبلغتُ الوزارة وإدارة المعابر بجميع أنشطتي، كجزء من وثائق المناقصة".