"انتهكت قرية ود النورة، في ولاية الجزيرة بوسط
السودان، بشكل كامل في يوم واحد، وتمّ قتل أزيد من 400 شخص، ولم يعلم العالم ذلك بسبب قطع الاتّصال وقمع أصوات المدنيين والصحفيين" هكذا انطلقت الناشطة السودانية، روان شاهين، في حديثها عمّا تُعايشه السودان قسرا، من أحداث كارثية.
وأضافت شاهين في حديثها لـ"عربي21" بالقول: "في الحقيقة لا نستطيع التحصّل على كافة الحقائق من مناطق سيطرة الميليشيا، بسبب قطع الاتصالات، والسيطرة على وسائل الإعلام ومواقع
التواصل الاجتماعي المهمّة، مع مصادرة هواتف من يوثّقون الحقائق".
أسوأ كوابيس القرن
منذ نيسان/أبريل 2023، يعيش السودان أسوأ كوابيس القرن، إذ تحوّلت المدن، في وقت قصير، إلى مسارح للموت والجوع والخراب. أكثر من 20 ألف قتيل وقرابة 15 مليون نازح، ناهيك عن: مدارس مدمرة، أطفال بلا طفولة، ومستشفيات تلتهمها النيران.
وبحسب عدد من التقارير الإعلامية المحلّية المتفرّقة، فإنّ: "الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ينهشان جسد الوطن، فلا منتصر سوى الدمار، بينما الخرطوم صارت مدينة أشباح، وكردفان ودارفور تختزلان اليوم في مآسٍ بلا نهاية".
وفي السياق نفسه، وصفت الأمم المتحدة، الوضع في السودان، بكونه: "أسوأ أزمة إنسانية على وجه الأرض، مع أكثر من 30 مليون إنسان ينتظرون شربة ماء أو لقمة نجاة، و14 مليون طفل بلا تعليم ولا أفق". في إشارة إلى أنّ: القرى تُباد، العائلات تُهجّر، والأوبئة تجوب الركام بحُرية، من الكوليرا إلى الملاريا والحصبة، في وقت يكتفي العالم بالمشاهدة بصمت.
حتى العائدون إلى الخرطوم وجدوا أنفسهم بين أنقاض ميتة؛ بيوت مهدّمة، مياه ملوّثة، وأمراض تنهش الأجساد. ومع ذلك، هناك من يحاول النهوض من تحت الركام، من أطفال يرسمون الأمل على الجدران المحروقة، وأمهات يزرعن الحياة في أرضٍ اختنقت بالموت.
وبحسب أحاديث لـ"عربي21" مع عدد من
السودانيين، بعضهم فضّل عدم الكشف عن هويّته، فإنّ: "الدعم الدولي ضئيل، والتمويل الإنساني لم يصل إلى ربع ما وُعِد به، ما يجعل السودان يُترَك ليموت ببطء، لأنه لا نفط يغري ولا مصالح تستحق التغطيات الإعلامية المستمرة والجادّة".
التعتيم الإعلامي وصوت المدنيين
في ظل هذا الدمار، بات السودانيين أنفسهم، يتحدّثون عن: "تعتيم إعلامي كبير"، بالقول عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إنّ: "المعلومات عن المآسي اليومية غالبًا ما تُحجب، أو تُقلّل وسائل الإعلام من شأنها، ما يجعل العالم الخارجي يجهل حجم الأزمة الحقيقية".
إلى ذلك، شهادات متسارعة، رصدتها "عربي21" على موقع التواصل الاجتماعي "انستغرام" خلال الأيام القليلة الماضية، بينها حساب الناشطة السودانية، منى حمزة، التي قالت عبر فيديو: "ما يحصل في السودان ليس حرب أهلية، شوية ميليشيات هدفها دعم دول خارجية، لاستنزاف كل ما له علاقة بهذه الأرض".
"السودان تسمّى أرض الذهب، وكانت توصف بسلّة غذاء العالم" تابعت منى، عبر المقطع نفسه مردفة: "في ناس تفتح دولابهم بعد عودتهم من النزوح نزلت الجثث أمام أعينهم، وفي أطفال قتلت أمام أسرها، وفيه ناس كثير جدا نزحت قسرا، وألما".
جرّاء ذلك، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي المنصة الأساسية لنقل الأخبار، لكنها ليست كافية لمواجهة الصمت الدولي، وفقا لتصريحات السودانيين. بالرغم من الخراب والدمار، يحافظون على حياتهم وأملهم في مستقبل أفضل، ويرسلون رسائل صرخة للعالم: "لا تنسونا، فحتى تحت الركام، ما زال لنا حياة".