صحافة إسرائيلية

تحذير إسرائيلي: لسنا قوة إقليمية وإنجازاتنا العسكرية لا تخفي الإخفاقات الكارثية

عنبار قال: هزيمة حزب الله التي أضعفت المحور الإيراني بشكل كبير لا تضمن تغييرا جذريا في لبنان- الأناضول
تتزايد التحذيرات الاسرائيلية من مغبّة تصديق مزاعم حكومتهم بشأن تغيير الشرق الأوسط، على اعتبار أن ذلك "وهم خطير" سيُكلف الاحتلال غاليًا، خاصةً عندما يرى تركيا تُعزّز وجودها، وتُرسّخ نفوذها قرب حدوده.

البروفيسور إفرايم عنبار، رئيس برنامج الاستراتيجية والدبلوماسية والأمن في مركز شاليم الأكاديمي، وباحث بارز في معهد القدس للاستراتيجية والأمن (JISS)، ذكر أن "الإنجازات العسكرية التي حققتها الحرب الجارية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، خاصةً ضد إيران وحزب الله، دفعت بأصوات إسرائيلية تتعالى، وتصف ما حصل بالتطور الاستراتيجي الذي يُبشر بصعود دولة الاحتلال إلى مصافّ قوة إقليمية، كما يُسمع ادعاءٌ بأنها غيّرت الشرق الأوسط، مما يُذكّر بالنشوة التي أعقبت حرب 1967، التي دفع الاحتلال ثمنها غاليًا عام 1973". 

وأضاف في مقال نشرته القناة 12، وترجمته "عربي21" أن "هذه المزاعم تنبع من نشوة القوة والثقة المفرطة بالنفس، أو المبالغة في تقدير النتائج المرحلية للحرب، أو سوء فهم للوضع الاستراتيجي الأساسي لدولة الاحتلال، أو مزيجٍ من هذه الأسباب، لأنه رغم أهمية وقف سباق إيران نحو القنبلة النووية، فيبدو أنها لم تتخلَّ عن حلمها النووي في الوقت الراهن، بل قد تجدده، وتهاجم الاحتلال مجددًا، وليس مؤكدا أن الظروف في المستقبل ستكون مواتية لرد عسكري إسرائيلي". 

وأشار إلى أن "سقوط نظام الأسد فتح الطريق أمام سلاح الجو الإسرائيلي للوصول لإيران، حيث انتهز الفرصة لتدمير أجزاء كبيرة من الجيش السوري، وإنشاء منطقة عازلة، فيما استغلت تركيا الفراغ السياسي لتثبيت وكلائها في دمشق، مما خلق نقطة خلاف بين تل أبيب وأنقرة، القوتان الكبيرتان، وينذر بصعود محور سني مستوحى من جماعة الإخوان المسلمين، التي تستمد قوتها من نفوذ تركيا، والدعم المالي من قطر، المالكة لشبكة الجزيرة، القوة الإعلامية الهائلة التي تُلحق ضررًا بالغًا بالاحتلال". 

وحذر أنه "لا ينبغي الاستهانة بعواقب نمو هذا المحور السني، لأن سوريا أصبحت أيضًا محور خلاف بين واشنطن وتل أبيب، اللتين لا تتفقان بشأن مستقبلها، فالأولى، مثل تركيا، مهتمة بتحويل سوريا لدولة مركزية تحت حمايتها، بينما الاحتلال، نظرًا لالتزامه بالأقليات، خاصة الدروز والأكراد، لديه رؤية مختلفة".
 
وأوضح أن "هزيمة حزب الله، التي أضعفت المحور الإيراني بشكل كبير، لا تضمن تغييرًا جذريًا في لبنان، لأن استعداد نظامه السياسي للانجرار لحرب أهلية لنزع سلاح الحزب أمر مشكوك فيه، ولن ينجح الضغط الأمريكي بالضرورة، بل قد يتوسع الوجود التركي في لبنان هذه المرة". 

وأكد أن قدرة "إسرائيل" على هندسة الكيانات السياسية خارج حدودها الشمالية، سوريا ولبنان، محدودة للغاية، ويجب ألا تتوهم أن قوتها العسكرية قادرة على تغيير الواقع السياسي هناك، بل ستظل هذه الدول تُشكل تحديًا أمنيًا في المستقبل القريب، لأن الشرق الأوسط لم يتغير جذريًا، فهو لا يزال مليئًا بالصراعات، واستخدام القوة أحد قواعد اللعبة، ولا يزال الشرق الأوسط مصدرًا للنفوذ الإسلامي، وانتشار الأسلحة النووية، ولا تبدو الولايات المتحدة حليفًا واضحًا. 

وأضاف أن "الحرب في غزة لم تنتهِ بعد، ولا تزال حماس تسيطر على أجزاء من القطاع، ويبدو أن إدارة الحرب كانت فاشلة بسبب التردد في احتلاله، وإبعاد حماس، وأدى استمرار الحرب وقضية الرهائن لتآكل موارد الشرعية الاسرائيلية محليًا ودوليًا، كما أن بقاء الحركة في غزة يعدّ انتصارٌ لفكرة المقاومة، ويعزز طموحات القضاء على الاحتلال، الذي يبدو هذه الأيام متعباً ومتردداً في تحقيق النصر على جيش حماس، رغم أن الانطباع النهائي عن نتائج الحرب سيتشكّل في غزة". 

وأشار إلى أنه "في غضون ذلك، لا يبدو الاحتلال قوةً إقليميةً يُبنى عليها أي شيء، بل ينسى أنه في نهاية المطاف دولةٌ صغيرة، ويتجلى هذا عند النظر للقوى البشرية اللازمة للجي. وفي المجال الاقتصادي أيضًا، فهو أصغر من أن يكتفي ذاتيًا، ويُلبّي جميع احتياجاته، وكغيره من الدول الصغيرة، يعتمد على الأسواق الدولية والمنتجات المستوردة، وفي عصر العولمة، الذي اندمج فيه جيدًا، تقلّ أهمية الاعتبارات السياسية".

وأكد أن "الاعتماد الاسرائيلي على الولايات المتحدة بات أكثر أهمية، لكن عندما يصوت نصف الديمقراطيين في مجلس الشيوخ لصالح حظر الأسلحة على الاحتلال، فهذا يدعو للقلق والحذر، لأن المساعدات الأمريكية له في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية مسألة وجودية، صحيح أن وضعه هناك لا زال جيدًا، لكن هناك عمليات تجري لا تبشر بالخير، مما يستدعي الحاجة لعمل شاق للحفاظ على هذا الدعم". 

ودعا الكاتب لأن "تتذكر إسرائيل جيدا أنها دولة صغيرة محاطة بمنطقة إسلامية ضخمة، 1.5 مليار نسمة، رغم أنها ليست موحدة، وليس من السهل تجنيدها للنشاط السياسي والعسكري ضده، كما تحاول تركيا أن تفعل اليوم، لكن الكثير من المسلمين يشعرون بالعداء تجاهه".

وأوضح أن "القوة التي تُظهرها دولة الاحتلال لا تعتمد فقط على قوتها العسكرية والتكنولوجية، بل أيضًا على قوتها الداخلية، لأن الانقسام فيها بسبب الانقلاب القانوني، وسلوك الجمهور تجاه قضية المختطفين ينقلان صورة مجتمع منقسم بشدة، وهشّ، وغير قادر على تحمل تكلفة الحرب، فهل يكون مثل هذا المجتمع على استعداد لإرسال جنوده للقتال من أجل أهداف سياسية تمتد لما وراء الحدود، كما هو مطلوب من قوة إقليمية".

وختم بالقول إن "ما تحقق من إنجازات هائلة في مجالات عديدة، لا يجب أن ينسي إسرائيل ما شهدته من إخفاقات عسكرية مدوية، مما يتطلب منها أن يتبنّى مقولة: التقشف هو الطريق الصحيح، وألا يلعب دور القوة الإقليمية، وإلا فسيدخل دور المقامرة التاريخية".