كشفت سبعة
مصادر ووثائق اطلعت عليها
وكالة رويترز أن سوريا ستصدر أوراقا نقدية جديدة وتحذف
صفرين من عملتها، في محاولة تهدف لاستعادة الثقة في الليرة وتعزيز قيمتها بعد
انهيار قوتها الشرائية إلى مستويات لم يسبق لها مثيل في أعقاب حرب استمرت 14 عاما
وانتهت بالإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر.
وتأكيدا لهذه
الخطوة، قال حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية، إن إعادة تقييم العملة
تمثل ركيزة استراتيجية في الإصلاحات المالية والنقدية، مشيرا إلى تشكيل لجان مع
المصارف الخاصة والعامة والمختصين في البنك المركزي لمتابعة احتياجات التغيير لكونها
ليست على اطلاع بشأن التقارير، مضيفا بالقول:" تغيير العملة هي أحد ركائز
استراتيجيتنا بالنسبة للإصلاح المالي والنقدي وهي اليوم ضرورة بالنسبة لنا",
لافتا إلى أن الإطار الزمني لإصدار العملة الجديدة لا يزال "قيد الدراسة".
وبحسب وثيقة
اطلعت عليها رويترز، أبلغ مصرف سوريا المركزي منتصف آب/أغسطس البنوك الخاصة اعتزام
إصدار عملة جديدة مع "حذف أصفار"، في محاولة لتسهيل المعاملات وتحسين
الاستقرار النقدي.
شركة جوزناك
الروسية ستتولى طباعة الأوراق النقدية الجديدة
وتحدثت رويترز
مع خمسة مصادر في بنوك تجارية ومصدر في المصرف المركزي ومسؤول اقتصادي سوري وقالوا
إن المصرف المركزي أبلغهم لاحقا بأنه سيتم
حذف صفرين، وطلبوا عدم الكشف عن هوياتهم
لأن الأمر يتعلق بقرار لم يُعلن بعد، ولم يتضح، فيما إذا كانت إعادة تقييم الليرة ستتطلب موافقة تشريعية، حيث من المقرر أن تُجري سوريا
أول انتخابات لتشكيل مجلس تشريعي جديد في أيلول/سبتمبر.
وقال مصرفيان
ومصدر سوري آخر مطلع على الأمر لرويترز إن سوريا اتفقت مع شركة جوزناك الروسية
الحكومية لطباعة النقود على إصدار الأوراق النقدية الجديدة خلال زيارة وفد سوري
رفيع المستوى لموسكو أواخر تموز/يوليو، فيما لم تستجب شركة جوزناك، التي طبعت أيضا
العملة السورية في عهد الأسد، لطلبات التعليق.
وقال ثلاثة من
المصرفيين السوريين إن أحد العوامل وراء خطة إصلاح العملة هو القلق بشأن تداول ما
يُقدر بنحو 40 تريليون ليرة سورية خارج النظام المالي الرسمي، ومن شأن إصدار أوراق
نقدية جديدة تحسين رقابة الحكومة على النقد المتداول.
دلالة رمزية بالتخلص
من إرث نظام الأسد
ويحمل هذا
القرار دلالة رمزية مهمة بالتخلص من إرث حكم عائلة الأسد الذي دام لأكثر من خمسة
عقود، حيث يظهر وجه بشار الأسد على الورقة النقدية الأرجوانية من فئة 2000 ليرة،
بينما تحمل الورقة الخضراء من فئة 1000 ليرة صورة والده حافظ الأسد.
ويخطط
المسؤولون لإطلاق حملة إعلامية في الأسابيع المقبلة قبل الطرح الرسمي للأوراق
النقدية الجديدة في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر ، الذكرى السنوية الأولى
للإطاحة بالأسد، كما قال مديران في بنكين تجاريين لرويترز إن المصرف المركزي وجه
البنوك للتأهب لإصدار الأوراق الجديدة بحلول منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، فيما تلقى
المسؤولون الخمسة في البنوك التجارية إخطارا بأن فترة انتقالية مدتها 12 شهرا
ستسمح بتداول الأوراق النقدية القديمة والجديدة حتى الثامن من كانون الأول/ديسمبر
2026.
وطلب تعميم
المصرف المركزي، والذي اطلعت عليه رويترز، من البنوك إعداد تقارير مفصلة عن
التجهيزات المتوفرة لديها، بما في ذلك عدد الكاميرات وماكينات عد النقود وسعة
التخزين وإجراء اختبارات لضمان قدرة الأنظمة الآلية على التعامل مع الأوراق
الجديدة.
انفتاح باتجاه
استخدام العملات الأجنبية
في عهد الأسد،
كان محظورا لكن قادة سوريا الجدد تعهدوا بإنشاء اقتصاد السوق الحر ورفعوا القيود
لتسهيل التدفق النقدي، وفي وقت تحول فيه الاقتصاد إلى الدولار سريعا إذ أصبحت
أسعار صرف الدولار في كل مكان من واجهات المتاجر إلى محطات الوقود، هناك مخاوف
بشأن أزمة سيولة في الليرة في بلد ذي بنية تحتية محدودة للمدفوعات الرقمية.
السوريون
يحملون أموالهم بأكياس للتبضع اليومي
وقال كرم شعار
الخبير الاقتصادي السوري البارز والمستشار لدى الأمم المتحدة إن تغيير الأوراق
النقدية التي تحمل صورة الأسد تحول سياسي ضروري، فيما حذر من أن إعادة تقييم
العملة قد يربك المستهلكين، وخاصة كبار السن، إلى جانب الافتقار إلى إطار تنظيمي
واضح أو خطة للتطبيق الكامل على مستوى البلاد نظرا لتفاوت سيطرة الدولة على مناطق
البلاد، وقال شعار لرويترز "بدلا من ذلك، يمكن لسوريا أن تصدر فئات أعلى من
العملة نفسها، مثل أوراق نقدية من فئة 20 ألف ليرة أو 50 ألف ليرة، وهو ما من شأنه
أن يحقق أهدافا مماثلة من حيث تسهيل التعامل مع النقد وتخزينه، مع تجنب التكلفة
الكبيرة لإصلاح العملة بالكامل، والتي قد تصل إلى مئات الملايين من الدولارات".
وفقدت
الليرة السورية أكثر من 99 بالمئة من قيمتها
منذ اندلاع الحرب في عام 2011، ووصل سعر الصرف الآن إلى حوالي 10 آلاف ليرة مقابل
الدولار مقارنة مع 50 ليرة قبل 14 عامًا تقريبا، وتسبب الانخفاض الحاد في قيمتها
بزيادة صعوبة المعاملات اليومية والتحويلات المالية، وعادة ما تحمل الأسر وهي
تشتري طلباتها الأسبوعية من البقالة أكياسا بلاستيكية سوداء تحتوي على نصف
كيلوجرام على الأقل من الأوراق النقدية من فئة خمسة آلاف ليرة، وهي أعلى فئة حاليا.