اقتصاد دولي

لماذا جددت مصر صفقة استيراد الغاز من إسرائيل؟.. هل تهدد الأمن القومي؟

ستمد دولة الاحتلال مصر بالغاز لمدة 15 عاما - جيتي
تطور جديد يشهده ملف الطاقة المصري، كشفت عنه شركة (NewMed Energy) الإسرائيلية، الخميس، معلنة مد اتفاق تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر حتى عام 2040، في تعديل على العقد الموقع عام 2018، والذي تتضاعف بموجبه الكميات الموردة للقاهرة.

وذلك رغم ما كشفته الممارسات الإسرائيلية العام الجاري بوقف إمدادات الغاز إلى مصر، من خطأ استراتيجي وقعت فيه الإدارة المصرية من ربط أمن الطاقة المصري بدولة الاحتلال لفترات طويلة، بحسب خبراء ومراقبين.

الصفقة، التي تقدر قيمتها بـ35 مليار دولار خلال 15 عاما، وصفت بالأكبر بين الجانبين، ومنتظر أن تلبي الطلب المحلي والتصدير من محطات الغاز المصرية التي ستستقبل 130 مليار متر مكعب غاز من حقل "ليفياثان".

التعديل الجديد، الذي جرى توقيعه بين الشركة الإسرائيلية وشركة "أوشن إنرجي" المصرية التي يمتلكها المصريين علاء عرفة، وأبوبكر أبوعودة، يأتي استكمالا لاتفاقية 19 شباط/ فبراير 2018، لتوريد 64 مليار متر مكعب غاز، مدة 10 سنوات بقيمة 15 مليار دولار،بين الإسرائيلية "ديليك للحفر"، وشركتي "دولفينوس" و"غاز الشرق"، اللتين يمتلك جهاز المخابرات العامة المصرية غالبية أسهمها.

صدمة ومخاوف وتساؤلات

أثار الخبر، صدمة لدى البعض والتساؤلات حول أهمية الصفقة الاقتصادية لمصر، وفرص تعويض نقص الغاز وتراجع الإنتاج وتغطية الاستهلاك المحلي المتزايد، وإعادة دور مصر في تصدير الغاز لأوروبا وفق اتفاقيات موقعة 15 حزيران/ يونيو 2022، عقب تسييله بمحطتي "إدكو" و"دمياط" على البحر المتوسط.

لكن توقيت الصفقة أثار حفيظة سياسيين ومراقبين مصريين، خاصة لما واجهته القاهرة من أزمات صيف 2024، و2025، مع وقف تل أبيب تدفق إمدادات الغاز 4 مرات بالنصف الأول من العام الجاري، والتي قرأ فيها سياسيون ضغوطا على مصر لتنفيذ مخططات تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.

ويلفت بعضهم إلى أن التوقيت صادم، وفي وقت تتواصل فيه أزمة "الحرب" في غزة، وسط الحصار و"الجوع" والقتل الذي يواجهه 2.3 مليون فلسطيني.

ووصف الباحث الاقتصادي المصري وائل جمال، الصفقة بقوله: "عار ما بعده عار"، ملمحا إلى خطر اعتماد مصر في هذه الظروف على غاز إسرائيل، وتوقيع الاتفاقية في هذا التوقيت.

ماذا عن "الضبعة النووية" والطاقة النظيفة وحقل "ظهر"؟

انتقد البعض الاتفاق، وقلل من أهميته، خاصة وأنه يأتي في ظل تسارع العمل لتنفيذ محطة "الضبعة النووية"، بتكلفة 28.75 مليار دولار، والمتوقع تشغيل مفاعلها الأول عام 2028، وإضافة 3 أخرى بحلول 2030، بقدرة 4.800 ميجاوات، ما يغني مصر عن استيراد الطاقة وفق العقد المعدل مع إسرائيل حتى 2040، وفق رؤيتهم.

أيضا، يأتي الاتفاق الذي لم تعلن مصر عن تفاصيله، في ظل توجه حكومي لزيادة عمليات الكشف عن الغاز وطرح مناطق استكشافية جديدة أمام شركات عالمية، وإعادة تطوير الحقول القائمة وبينها حقل "ظهر"، وذلك إلى جانب توسع مصر في مشروعات الطاقة الخضراء النظيفة، كالشمسية، والكهرومائية، والرياح.




في حزيران/ يونيو الماضي، أسندت شركة "إيجاس" المصرية (حكومية) 6 مناطق امتياز جديدة بالبحر المتوسط، ودلتا النيل، وشمال سيناء، لشركات عالمية كبرى للبحث والاستكشاف.

بدأت شركات عالمية منها: "إكسون موبيل" و"شيفرون"، حفر آبار استكشافية بمناطق امتيازها بالبحر المتوسط، فيما تخطط "شل" لحفر بئرين عام 2026، وذلك بجانب تنمية الحقول الحالية لإضافة 2.2 تريليون قدم مكعب.

وقبل أيام طرحت وزارة البترول مناقصة عالمية لشركات المسح السيزمي لإجراء مسح يشمل 100 ألف كيلومتر مربع شرق البحر المتوسط، لتقييم احتياطيات الغاز.

أزمة الغاز في مصر

مع اكتشاف شركة "إيني" الإيطالية حقل "ظهر" بالبحر المتوسط عام 2015، تصاعدت أحلام المصريين بالثراء، وكشفت الحكومة المصرية عن رغبتها بأن تصبح القاهرة مركزا إقليميا لتصدير الطاقة، الأمر الذي لم يتحقق مع تراجع إنتاج "ظهر"، في أزمة ممتدة حتى اليوم.

على سبيل المثال: في عام 2023، تراجع إنتاج مصر من الغاز 10 مليارات متر مكعب إلى (59.29)، لينخفض مجددا في 2024 بقيمة مماثلة إلى (49.37) مليار متر مكعب، لتشهد شهور الصيف تطبيق خطة تخفيف الأحمال مع نقص إمدادات الغاز لمحطات الكهرباء، وتشير التوقعات لانخفاض بنسبة 22.5 بالمئة في 2028.

بدأ ضخ إسرائيل الغاز لمصر لأول مرة في 2020، بنحو 200 مليون قدم مكعب يوميا، ارتفعت في 2024، إلى 981 مليونا، لتصل في حزيران/ يونيو الماضي، ما بين 800 مليون ومليار قدم مكعب يوميا.

في حين، واجهت مصر وقف إمدادات الغاز من إسرائيل بتشغيل 3 سفن تغويز في تموز/ يوليو الماضي، لزيادة طاقتها إلى 2.25 مليار قدم مكعب يوميا، لمواجهة نقص الغاز.

وفي أول 5 أشهر من العام الجاري، استمر إنتاج الغاز في التراجع، ليبلغ 17.71 مليار متر مكعب، في انخفاض حاد بمقدار 4.26 مليار متر مكعب، ما يقابله زيادة بالاستهلاك المحلي، حيث تتوقع وزارة البترول وصوله 2.7 مليار متر مكعب شهريا بالصيف الجاري.

وإزاء هذا النقص، تخطط مصر لاستيراد ما بين 155 و160 شحنة من الغاز المسال لتلبية احتياجاتها المحلية العام الجاري.

ويبلغ إجمالي الطلب على الغاز حاليا حوالي 6.2 مليارات قدم مكعبة يوميا، في حين لا يتجاوز الإنتاج المحلي 4.2، مما يمثل فجوة كبيرة تصل 2 مليار قدم مكعبة يوميا.

خطر الاعتماد على الغاز الإسرائيلي

أدى استمرار حرب الإبادة الدموية الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلى توقف جزئي في إمدادات الغاز من إسرائيل أثر على الصناعة ومحطات الكهرباء، ما دفع مراقبون للتحذير من أن هذا الاعتماد يجعل قطاعات حيوية عرضة للاضطرابات السياسية ويشكل خطرا على أمن الطاقة.

وزير البترول الأسبق أسامة كمال، أكد في حزيران/ يونيو الماضي، أن مصر تواجه تحديا كبيرا بسبب انقطاع الغاز من إسرائيل، مبينا أن الاعتماد عليه يضاعف التكلفة المالية والأعباء الحكومية.




المخاوف والاعتراضات وصلت رجال أعمال بينهم الملياردير نجيب ساويرس، الذي حذر في حزيران/ يونيو الماضي، من اعتماد مصر على الغاز من إسرائيل، لأنه "غاز سياسي"، يمكن إيقافه بأي وقت بسبب خلافات سياسية، ما يُؤثر على قطاعات حيوية.

وفي آيار/ مايو الماضي، تسبب انخفاض إمدادات الغاز من إسرائيل إلى مصر بنسبة 60 بالمئة في وقت تزايد فيه استهلاك الكهرباء إلى تعطيل مصانع الأسمدة وخلق ضغوط اقتصادية وسياسية على البلاد فاقمتها مطالبة تل أبيب بزيادة أسعار الغاز بنسبة 40 بالمئة.

صحيفة "أرجوس ميديا"، أشارت في تقرير لها حزيران/ يونيو الماضي، إلى اضطرار مصر زيادة وارداتها من الديزل لتشغيل محطات الكهرباء بعد توقف إمدادات الغاز من إسرائيل، مما يؤكد أن أي اضطراب في تدفق الغاز الإسرائيلي يُلقي بعبء مباشر ومكلف على الاقتصاد المصري.

ومع وقف إمدادات الغاز من إسرائيل، توجهت مصر لاستيراد الغاز المسال من السوق الفورية بأسعار كبيرة، (160 شحنة خلال العام الجاري، بتكلفة 5.8 مليار دولار)، بجانب تكلفة استئجار سفينتي تغويز  بتكلفة 4 ملايين دولار يوميا، 1.46 مليار دولار سنويا.

لماذا الإصرار المصري؟

بررت الحكومة المصرية عقد صفقة استيراد الغاز من إسرائيل عام 2018، بأنه ضرورة اقتصادية واستراتيجية، وأنه يتم إعادة ضخه عبر محطات التسييل المصرية إلى أوروبا، لتشير لاحقا إلى مبررات جديدة بأنه "الحل الأسرع والأقل تكلفة لسد الفجوة وتجنب انقطاع الكهرباء".

وتشير تصريحات رئيس شركة غاز الشرق المصرية محمد شعيب،  عام 2018، إلى أن مصر كانت مُجبرة على استيراد الغاز من إسرائيل في بدايات الاتفاق لإنهاء قضايا تحكيم دولية مُرفوعة ضدها بعد توقف إمدادات الغاز المصرية لإسرائيل، وفق اتفاقية 2005.

وفي أيلول/ سبتمبر 2018، أصدرت هيئة تحكيم تابعة للبنك الدولي قرارا بإلزام مصر بدفع 2 مليار دولار كتعويض عن توقف إمداد الغاز عام 2012، لمحطة إسالة الغاز في دمياط التي تديرها شركة "يونيون فينوسا" الإسبانية.

في المقابل، تعتبر إسرائيل مصر "زبونا استراتيجيا"، تحقق تلك الصفقات لها دخلا هائلا، في حين تؤكد تقارير صحفية أن جهات سيادية مصرية مستفيدة من تلك الاتفاقيات، رغم ما يطالها من انتقادات.

هل أخطأت مصر؟

ووفقا لخبراء بملف الطاقة، أخطأت حكومة مصر بإدارة ملف الطاقة، بالاعتماد المفرط على الغاز الإسرائيلي دون تنويع المصادر، مع سوء إدارة حقل "ظهر"، واستنزاف احتياطياته بدلا من استخدامه كمصدر يُدار على المدى الطويل، إلى جانب تأخير التحول إلى الطاقات المتجددة التي تصل نسب الاعتماد عليها 12 بالمئة، وفق موقع "أتلانتيك كاونسل" شباط/ فبراير الماضي.

ويلفت خبراء إلى أن مصر ارتكبت خطأ استراتيجيا عندما وضعت خطة لتكون مركزا إقليميا للطاقة وتصدر الغاز لأوروبا للحصول على العملة الصعبة، قبل تأمين احتياجاتها المحلية المتزايدة، ملمحين لتصديرها الغاز للأردن، حزيران/ يونيو الماضي، وسط الأزمة وتطبيق تخفيف الأحمال محليا.

وفي حديثه لـ"عربي21"، قال رئيس حزب الخضر المصري محمد عوض: "الشعب لا يعلم كيف تدار ثرواته، وبعد أن كنا نصدر الغاز ونمتلك احتياطي يكفي استهلاك 60 عاما، وفق تصريح وزير البترول الأسبق سامح فهمي بالبرلمان عام 2010، نضبت تلك الثروة الغازية بـ10 سنوات".

وتساءل عن "الأسس التي ارتكز عليها قرار أن تكون مصر مركزا دوليا للغاز، بينما لجأت للاستيراد من إسرائيل لسد احتياجاتها المحلية"، مبينا أن " حزب الخضر بإسرائيل تقدم ببلاغ للمدعي العام لما شاب اتفاقية 2018، من فساد".




وأشار في المقابل، إلى حالة العجز التي تعانيها الأحزاب المصرية إزاء تلك الاتفاقيات، وتغييب دورها في الرقابة على أداء السلطة التنفيذية، ملمحا إلى أننا نعرف بالاتفاقيات وبما يجري بالوطن من الصحافة العالمية.

وأكد أن "توقيع صفقة غاز جديدة مع إسرائيل، رغم مشروعات إنتاج الطاقة الجاري تنفيذها كمحطة الضبعة، أمر يثير التساؤل حول السبب الحقيقي وراء الاتفاق الجديد".

مناطق غامضة

وتساءل: "هل الأمر يعد مساندة للحكومة الإسرائيلية المتطرفة في صفقة تجارية مربحة لهم"، أم أن إعلان الصفقة بهذا التوقيت تعبير عن موقف سياسي تجاه الأحداث السياسية والعمليات العسكرية الجارية في المنطقة؟".


عوض، صاحب الخبرات السابقة بقطاع البترول، تساءل: "هل ستكون إسرائيل البائع المباشر للغاز إلى أوروبا، وينحصر نصيب مصر برسوم المرور بشبكة الأنابيب؟، ولمن الحق في رسوم الإسالة، مصر أم ملاك معمل إدكو ودمياط؟، أم أن إسرائيل ستكون بائع الغاز لمصر وليس لأوروبا؟".

وقال إن تلك التساؤلات وجهناها حول الاتفاقية الأولي للوزير السابق طارق الملا، ولم يقدم إجابات، وأوجهها للوزير الحالي كريم بدوي".

وختم مبينا أن "إسرائيل تظل الأفضل تجاريا كمصدر للغاز لمصر؛ لكن ليس بعقود توريد طويلة الأجل آثارها سلبية على مصر"، مشيرا إلى استغلال إسرائيل "السوق المصري الكبير، ودون تكلفة إضافية سواء بشبكات النقل أو محطات الإسالة والتغويز".