طب وصحة

لماذا يكون الجهل الاختياري أحيانا أفضل لعقلك وصحتك النفسية؟

الجهل المتعمّد يعني تجنّب بعض الحقائق عن قصد- الأناضول
نشر موقع "سايكولوجي توداي" تقريرا يتناول مفهوم "الجهل الاختياري" الذي يعني تجنب معلومات متاحة عمدا، وهذا السلوك يمكن أن يقلل التوتر ويحمي الصحة النفسية ويعزز القدرة في اتخاذ القرارات.

ويستعرض الموقع كيف يستخدم بعض الأشخاص الجهل الاختياري لتبرير قرارات أنانية أو لتجنب الحمل المعرفي والضغط النفسي الناتج عن كثرة المعلومات.

وأوضح الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي 21"، أن الجهل المتعمد - أي تجنب المعلومات المتاحة عن قصد - يمكن أن يكون مفيدًا للصحة النفسية ودعم اتخاذ قرارات أفضل، فضلا عن تقليل التحيز اللاواعي.

وقد استعرضت دراسة نُشرت في دورية "كارنت أوبينيَن إن سايكولُجي" هذا المفهوم، مشيرة إلى أن تجاهل بعض المعلومات ليس بالضرورة ضعفا، بل قد يكون أحيانا خيارًا نفسيًا سليمًا.

وقد يبدو هذا التصرف غير بناء، لكن في ظل الظروف المناسبة، يمكن لتجنب المعلومات غير الضرورية أن يعزز الوضوح، ويقلل التوتر، ويحسّن القدرة على التقييم الموضوعي.


لماذا يختار المرء الجهل؟
الجهل المتعمّد يعني تجنّب بعض الحقائق عن قصد، حتى عندما تكون متاحة بسهولة. وغالبا ما يتجاهل الناس تفاصيل معيّنة لأسباب عاطفية أو اجتماعية أو معرفية:

1. لتبرير القرارات الأنانية
يمتنع مدير تنفيذي عالي الدخل عن الاطلاع على تأثير تقليصات الشركات على الموظفين، ويتجنب محب اللحوم مشاهدة مشاهد من مزارع التربية الصناعية، ويتعمد مسافر دائم تجاهل تقارير حول الأضرار البيئية للسفر الجوي. فما السبب؟

وأرجع الموقع ذلك إلى أن المعرفة قد تولّد لديهم شعورًا بالذنب وتعرّضهم للنقد، وكثيرًا ما يتعمّد الناس تجاهل بعض الحقائق لحماية صورتهم الذاتية أو لتبرير سلوك أناني أو غير أخلاقي. فالمجتمع يميل إلى إصدار أحكام قاسية على من يدرك تمامًا عواقب تصرّفاته النرجسية، لذا يصبح الجهل المتعمّد آلية دفاع مريحة.

2. لتجنب الحمل الزائد على العقل
وذكر الموقع أن هناك سبب شائع آخر للتجاهل المتعمد هو الكسل الذهني أو الإرهاق العقلي. فقد يشعر البعض بالإرهاق نتيجة كثرة الخيارات، أو بعدم القدرة على تحديد التفاصيل الأكثر أهمية.

لهذا السبب نتجاوز التفاصيل الدقيقة أو نتخذ قرارات متسرعة، كأن نرضى بشقة غير مثالية لمجرد إنهاء عملية البحث. نحن نبحث عن طريق مختصر لحل سريع، حتى وإن أدى ذلك إلى نتائج أقل جودة.

هل تجنب المعلومات مفيد لك؟
يفترض الناس عادةً أن المزيد من المعرفة يؤدي إلى قرارات أفضل، لكن في بعض الحالات، قد يكون قلة المعرفة مفيدًا فعليًا للصحة النفسية وجودة اتخاذ القرار:

1. للتحكم في العواطف
في بعض الأحيان، تؤدي كثرة المعلومات إلى زيادة التوتر بدلًا من توضيح الأمور. وتجنُّب الحقائق المؤلمة قد يكون استراتيجية تكيّف قصيرة الأمد عندما تكون تلك الحقائق مرهقة عاطفيًا أو خارج نطاق سيطرتنا.

وقال الموقع إن عند استخدامها بحذر، تُعدّ الحماية العاطفية للذات شكلًا صحيًا من تنظيم المشاعر. لكن مع مرور الوقت، يصبح الاطلاع على الحقائق ذات الصلة أمرًا ضروريًا لتعزيز القدرة على التكيف والمرونة على المدى الطويل.

2. لتقليل التحيز من خلال التعمية الذاتية
التعمية الذاتية هي طريقة فعالة تستخدم لدعم اتخاذ قرارات ذكية وغير متحيزة. وهي تنطوي على استبعاد المعلومات التي قد تشوش حكمك عن قصد.

في العلوم، يظل الباحثون غير مدركين لأي المشاركين تلقوا العلاج الحقيقي مقابل العلاج الوهمي، وهذا يساعد على ضمان الموضوعية. وإلا، فقد يتصرفون بشكل مختلف عن قصد (على سبيل المثال، إظهار توقعات بالتحسن) تجاه المشاركين في مجموعة العلاج ويؤثرون على النتائج.

وفي مجالات مثل التوظيف والقانون والأوساط الأكاديمية، يمكن أن تعني "التعمية الذاتية" إزالة الأسماء أو الصور أو التفاصيل الديموغرافية من التقييمات. فقد يقوم مدير التوظيف بمراجعة السير الذاتية دون الاطلاع على أي معلومات تعريفية، مما يسمح له بالتركيز فقط على الخبرة والمؤهلات.

ومن خلال استبعاد البيانات غير ذات الصلة، يمكننا اتخاذ قرارات أكثر دقة وشمولا.

لماذا يصعب التجاهل المتعمد، حتى عندما يكون مفيدا؟
حتى عندما يكون لتجاهل المعلومات عمدًا (الجهل المتعمّد) فوائد واضحة، فإن معظم الناس يجدون صعوبة في ممارسته. وهناك قوتان نفسيتان رئيسيتان تعرقلان ذلك:

1- الفضول: يدفع البشر بطبيعتهم إلى سد فجوات المعرفة؛ حيث إن يكون الشخص على دراية بوجود فجوة معرفية دون أن يسعى لملئها قد يُشعره بعدم الارتياح.

2- الثقة الزائدة: كثير منا يفترض أن المزيد من المعلومات يساعد في اتخاذ قرارات أفضل، لكن غالبًا ما يؤدي تراكم البيانات إلى مزيد من الضوضاء والتحيّز.

كيفية ممارسة الجهل الانتقائي الذكي؟
متى يكون من الأفضل ألا تعرف شيئًا؟ وكيف تقاوم الرغبة الدائمة في معرفة المزيد؟

إذا كان الفضول هو الدافع:
اسأل نفسك: "هل أريد هذه المعلومة أم أحتاج إليها؟"
ركّز على ما هو ضروري لاتخاذ قرار سليم.

تذكّر: يمكنك إشباع فضولك لاحقًا بعد اتخاذ القرار.
أما إذا كان الدافع هو الثقة الزائدة:

تعلّم كيف يمكن للحقائق غير المهمة أن تؤثر على تفكيرك، مثل تأييد المشاهير أو شعبية المنتجات ("الأكثر مبيعًا").

درّب نفسك على تدوين خطوات اتخاذ القرار، وراقب مستوى ثقتك، ثم راجعه لاحقا، قد تكتشف أن تقليل المدخلات غير الضرورية يساعدك على اتخاذ قرارات أوضح وأفضل.


الاعتراف بالجهل المتعمد يمكن أن يحمي صحتك النفسية ويقلل من التحيّزات
يحمل الجهل المتعمد سمعة سيئة، لكنه قد يكون في بعض الحالات إستراتيجية نفسية ذكية. إذ يمكنه أن يحمي صحتك النفسية، ويدعم رفاهك العاطفي، ويقلّل من التحيز، ويعزز التركيز، ويساعدك على اتخاذ قرارات أكثر حكمة.

وإذا كنت غير متأكد مما إذا كان تجاهل بعض المعلومات هو الخيار الصحيح في موقف معين، فقد يكون من المفيد التحدث مع معالج نفسي. فوجهة نظر خارجية قد تساعدك في توضيح مشاعرك وتحسين قراراتك.

في عالم اليوم المغمور بالمعلومات، فإن القدرة على التمييز بين ما يستحق انتباهك وما ينبغي تجاهله، قد تكون من أقوى الأدوات لصحة نفسية أفضل وحل أكثر فاعلية للمشكلات. لذا، تحلَّ بالوعي في ما تختار أن تتلقاه، وما تختار أن تتجنبه عن قصد.