قضايا وآراء

الهيئة الوطنية الشعبية لدعم منظمة التحرير.. عبث سياسي جديد بوجه وطني مستعار

"الفلسطيني اليوم لا يحتاج إلى كيانات "تدعم" تمثيله.. بل إلى آليات تمكّنه من استعادته"- وفا
في زمن اختناق الفلسطيني من فائض الشعارات ونقص الإنجازات، يخرج علينا من يطرح ما يُسمى "الهيئة الوطنية الشعبية لدعم منظمة التحرير الفلسطينية". وهنا لا يسعنا إلا أن نسأل: تُرى من طلب منكم ذلك؟ ومن منحكم هذا التفويض؟

أن تُعلن هيئة "وطنية" و"شعبية" و"لدعم" كيان يفترض أنه الممثل الشرعي والوحيد لشعب كامل، فتلك ليست مبادرة.. بل مهزلة. فالخلط بين الدعم والمحاسبة، بين الاستقلال والتبعية والشعبية، بين الحاضنة السياسية والديكور الوطني.. هو خلط لا ينم عن سذاجة بقدر ما يكشف عن نوايا مضلّلة.

فكيف يُعقل أن تدعم شعبيا وأنت "مستقل" مؤسسة منهارة، دون أن تطالب أولا بإصلاحها؟ وكيف تُنشئ هيئة جديدة بقرار فوقي باسم الشعب، في وقت لا يستطيع فيه الشعب انتخاب لجنة شعبية لمخيم؟ وهل الدعم هنا هو دعم للتمثيل الوطني، أم مجرد دعم صوتي لشرعية متآكلة بلا مساءلة؟

الخلط بين الدعم والمحاسبة، بين الاستقلال والتبعية والشعبية، بين الحاضنة السياسية والديكور الوطني.. هو خلط لا ينم عن سذاجة بقدر ما يكشف عن نوايا مضلّلة

هذه الهيئة، بصياغتها المرتبكة، ليست سوى مكياج إضافي لوجه سياسي فقد ملامحه. هي جهاز إنعاش لفظي لمنظمة لم تعد تمثّل إلا ذاتها، أو من يدّعون تمثيلها في المحافل، في حين يُقصى نصف الشعب الفلسطيني، بل غالبيته، من قرارها، ويُختصر القرار على حفنة مغلقة من كبار السن والمصالح الشخصية والفئوية الحزبية الضيقة والمنتفعة.

هيئة "الدعم" هذه لا تدعم إلا وهْما، فلا مشروع تحرريا، ولا إعادة بناء شاملة، ولا انتخابات حقيقية، ولا وحدة وطنية. "دعم منظمة التحرير" بهذا الشكل ليس دعما.. بل تعويما مقصودا لحالة الموت السريري التي تمر بها مؤسسات التمثيل الفلسطيني، وهروبا من أي تفكير جذري في استعادة شرعيتها.

وبينما تكشف هذه الهيئة عن أزمة الشرعية التي تمر بها المنظمة، فإن المسار البديل لا يُبنى فقط بالرفض، بل بخطة وطنية تشاركية تستعيد الناس إلى ميدان القرار. فالفلسطيني اليوم لا يحتاج إلى كيانات "تدعم" تمثيله.. بل إلى آليات تمكّنه من استعادته. كل هيئة لا تبدأ من هذا، فهي في أحسن الأحوال إعادة ترتيب للديكور داخل غرفة مغلقة.

إذا كانت هذه الهيئة لدعم المنظمة، فهل من المنطقي ألا يكون أول بند في جدول أعمالها: الدعوة لإجراء انتخابات مجلس وطني جديد؟ وهل يُفترض أن نُبايع منظمة فقدت القدرة على جمع الكل الفلسطيني، دون أن يُفتح نقاش وطني حول أزمة التمثيل ذاتها؟

الخطير في هذه "الهيئة" ليس فقط في غموضها المؤسساتي، بل في ما تحمله من منطق بوليسي مبطن: أن تبايع المنظمة بلا شروط، وأن تصمت عن إخفاقاتها، وأن تنقذها من نقد الناس، لا من عجزها عن إنقاذ الناس. وهكذا، يتحول دعم المنظمة من واجب سياسي إلى اتباع وولاء أعمى.. ومن وسيلة تحصين إلى وسيلة تخدير جماعي.

هذا الرأي لا يأتي من نخبة معزولة أو معارضة دائمة، بل من نبض عام يتنامى داخل الشتات والمخيمات والجامعات والبيوت الفلسطينية، من رفح إلى عين الحلوة.

الفلسطيني لا يبحث عن كيان جديد لتمثيله، بل عن حقه البديهي في اختيار من يمثله. يحتاج إلى منظمة تحرير تُبنى من الشعب، لا يُدعم إسفلتها المتشقق بلجنة مطاطية اسمها "هيئة وطنية مستقلة".

تبقى ثمّة تساؤلات مشروعة:

• من هم المؤسسون الفعليون لهذه الهيئة؟ ولماذا لا تُعلن أسماؤهم بشكل واضح؟

• ما طبيعة استقلاليتها إذا كانت تُعلن دعمها المطلق لمنظمة تعاني فقدانا في شرعية التمثيل؟

• هل هذه الهيئة بديل عن المنظمة؟ أم لجنة ظل؟ أم مبادرة دعم إعلامي فقط؟

• لماذا جاءت في هذا التوقيت بالذات؟ ومن هو جمهورها المستهدف؟
ما تحتاجه الحالة الفلسطينية ليس "هيئة دعم"، بل "هيئة تأسيس".. لا تحاكي ما هو موجود، بل تبتدع مسارا من الناس ولهم، عبر نقاش وطني مفتوح، يقود إلى صيغة تمثيلية ديمقراطية جديدة

• هل لديها خطة عمل أو برنامج سياسي تفصيلي؟ أم مجرد شعارات إنقاذية فارغة؟

• ما الفرق بينها وبين المبادرات الأخرى؟

• هل هناك تمويل خلفها؟ ومن أين؟ وهل تم الإعلان عن مصادره؟

• هل هناك أي فعالية ميدانية نظمتها الهيئة؟ أم أنها مجرد كيان إلكتروني؟

• ما هي الآلية التي تتيح للناس المشاركة فيها أو مساءلتها؟

• هل وجودها يساهم في تجاوز الانقسام السياسي.. أم في تكريسه تحت لافتة "الدعم"؟

خلاصة القول: الهيئة الوطنية الشعبية لدعم منظمة التحرير الفلسطينية تبدو حتى الآن كيانا ضبابيا من حيث التأسيس والوظيفة. هي تفتقر إلى الشفافية المؤسسية، وتطرح خطابا عاما فضفاضا دون برنامج سياسي ملموس أو نشاط ميداني واضح. وظيفتها الأساسية كما يبدو ليست الإصلاح أو إعادة بناء التمثيل، بل تعويم شرعية مهترئة وتقديم واجهة وطنية تخفي أزمة التمثيل بدل أن تفتح نقاشا حولها.

ما تحتاجه الحالة الفلسطينية ليس "هيئة دعم"، بل "هيئة تأسيس".. لا تحاكي ما هو موجود، بل تبتدع مسارا من الناس ولهم، عبر نقاش وطني مفتوح، يقود إلى صيغة تمثيلية ديمقراطية جديدة.

إن لم تطرح الهيئة رؤية إصلاحية حقيقية، فهي لن تكون إلا واجهة لإدامة الأزمة تحت لافتة "الوطنية".. لا تجاوزها.