كتاب عربي 21

سوريا.. وأحلام العصافير!

"اختلف في الموقف بشأن الثورة السورية، فدافعوا عن بشار الأسد، ونددوا بالثورة، ولم يدينوا إجرامه ضد الشعب"- فيسبوك
ارتحت؟! فها هي إسرائيل تقصف سوريا، وتنتقل ضرباتها من السويداء إلى دمشق، وتستهدف الجيش السوري ووزارة الدفاع، وتسقط صواريخها بالقرب من القصر الرئاسي، هل لا يزال أحمد الشرع عميلا للموساد وللمخابرات الأمريكية؟!

منذ سقوط نظام بشار الأسد بهذا الشكل المُخزي والجبان، وحملة التشهير بالرئيس السوري الجديد لم تتوقف، يشارك فيها ذباب إلكتروني يتبع الأنظمة، ومثقفون لا ينتمون لهذه الأنظمة، ولا يعرف المرء ما الذي يدفع لجانا إلكترونية للاجتهاد في إثبات عمالة الشرع لإسرائيل، في وقتٍ تتبع فيه أنظمة لا تنكر أن حماية أمن إسرائيل من مقتضيات العمل الوظيفي لديها، وهذه اللجان ليست موضوعنا الآن!

فمن بين النخبة العربية المهزومة، من أصابتهم لوثة عقلية وهم يشاهدون انهيار آخر العنقود، في أنظمة الصمود والتصدي، فصاحوا في البرية بما لم يصح به بشار الأسد بأن ما جرى كله وليد خيانة، وأن الشرع هو عميل وخائن. انظر كيف أنه يتقاعس عن الدخول في حرب مع إسرائيل، ولم يُحرّك جيشه لتحرير الجولان، وهو المُحتل من أيام الأسد الأب، دون أن تُطلق منها أو من أجلها رصاصة، ولم يطلب هؤلاء من الأسدين الابن والأب لإثبات طهرهما الثوري فعل شيء من أجل الجولان أو في مواجهة إسرائيل!

إذا كان أحمد الشرع في موقعه بقرار أمريكي وإسرائيلي، فهل أمريكا وإسرائيل هما من أبقوا على حكم الأسد لأكثر من عشر سنوات من عمر الثورة السورية وإلى سقوط النظام، ما دام بيد الملأ تقرير المصير وفرض الرؤساء، وما دام الحكم السوري هشا فتكفي كلمة: بخ، لإسقاطه؟!

ويولولون الآن على اللبن المسكوب، ويعطون تصورا أن بشار كان يقف في مواجهة إسرائيل على خط النار، وكأن الكيان لم يهدر كرامة الأب والابن باختراق طائراته لأكثر من مرة المجال الجوي السوري والقيام باستعراض للقوة فوق القصر الرئاسي، وفي كل مرة يكون الرد المزلزل: إن أحدا لن يحدد لسوريا موعد الحرب. فهي تحتفظ بحق الرد، وهكذا تمر سنوات طويلة من الاحتفاظ بحق الرد بدون أي رد!

القوميون العرب.. من القوميون العرب؟

لقد اندفعت هذه النخبة، ومعظمها ممن يُطلق عليهم القوميون العرب، خفافا وثقالا انحيازا للربيع العربي، لتكون الفتنة الكبرى بأن الثورة قد انطلقت في سوريا، عندئذ فوجئنا بالكيل بمكيالين، فهم مع الثورات في مصر، واليمن، وتونس، لكنهم تململوا بشأن الثورة الليبية، ولولا النهاية السريعة للقذافي لكانوا لملموا أشلاءهم المبعثرة ودافعوا عنه. بيد أن الأمر اختلف في الموقف بشأن الثورة السورية، فدافعوا عن بشار الأسد، ونددوا بالثورة، ولم يدينوا إجرامه ضد الشعب، ولم يُخزِهم تدميره للبلد ليبقى في السلطة!

لن أتعرض لملف انتهاك حقوق الإنسان، فهذه شريحة من الناس لها العجب، فالقوميون العرب هم نتاج مراحل الاستبداد، فلا يوجد حاكم قومي لم يحكم بالحديد والنار، ولم ينتهك أعراض الرجال في سجونه، ولم يعادِ الديمقراطية، وبعض هؤلاء من ضحايا الاستبداد، لكنهم خرجوا من السجون أكثر تأييدا لهذه الأنظمة، لأنها أنظمة استقلال وطني، من وجهة نظرهم، وكأن الوصول للاستقلال لم يكن ليكون إلا عبر أجسادهم وأجساد الوطنيين!

رأينا هذا من قِبل اليسار المصري في الموقف من عبد الناصر، لكن قد يُغفر لهم أن عبد الناصر كان يواجه إسرائيل، حتى وإن كانت مواجهته كلامية، انتهت بتمكين الكيان من الاحتلال الواسع من التراب العربي، ولأرضٍ لم يكونوا بالغيها ولو بشق الأنفس، فما هو المبرر لتأييد بشار الأسد، واعتبار سقوطه خسارة للقضية.. ما هي القضية؟!

لقد عادت سوريا الأسد النظامَ العراقي، واستمر العداء إلى ما بعد الحصار الأمريكي، وعندما بدأ العدوان والاحتلال لم يتغير موقف الأسد، فقد كان سعيدا بسقوطه، وقد تجاوز العروبة ليتحالف مع إيران، ومنذ الحرب العراقية الإيرانية، فرأى فيما يحدث رمية بغير رام، ولم يتصرف كإنسان شهم عندما استجار به نجلا صدام حسين وحفيده، ودفع بهم للخروج فكانوا في مرمى نيران الجيش الأمريكي، لكنهم واجهوا هذا الجيش ببسالة، بينما الأسد مختبئ في قصره، فأي معنى لدفاع القوميين العرب عن نظام الرجل، الذي لم يُضبط متلبسا البتة بأي موقف قومي أو إنساني، إلا رطانة خطابية لا تُقدم ولا تُؤخر؟!

وإذا كان أحمد الشرع في موقعه بقرار أمريكي وإسرائيلي، فهل أمريكا وإسرائيل هما من أبقوا على حكم الأسد لأكثر من عشر سنوات من عمر الثورة السورية وإلى سقوط النظام، ما دام بيد الملأ تقرير المصير وفرض الرؤساء، وما دام الحكم السوري هشا فتكفي كلمة: بخ، لإسقاطه؟!

ما قال مالكٌ في الخمر:

في الوقت الذي كان فيه الشرع (الجولاني) يواجه المحتل الأمريكي للعراق، كان بشار الأسد يطرد من حمايته نجلي صدام حسين وحفيده، في حين أن بلادا عربية لم تدّعِ يوما أنها من عواصم الصمود والتصدي أجارت العديد من قيادات النظام البعثي العراقي، وفتحت أبوابها لمن استجاروا بها كضحايا للحروب التي شهدتها المنطقة، ليس في العراق فقط!

لقد قالوا في الشرع ما قال مالكٌ في الخمر، لمجرد أنه لم يُعلن الحرب على إسرائيل منذ اليوم الأول، ولو فعل لما حرّموا سمعته على ألسنتهم، فهم جعلوه هدفا لهم ومن ثم يقومون بجمع الإدانة، وأصدروا حكمهم ضده ثم ذهبوا يكتبون الحيثيات، وكان من بينها اتهامه بالعمالة لإسرائيل. انظر كيف أنه لم يُعلن الحرب عليها، بل إنه يسعى للسلام معها!

فمطلوب منه أن يفعل ما لم يفعله بشار الأسد وأبيه، وما لم يطالبوهما به، ولم يعتبروه معيارا للفصل في قومية الابن والنجل. فالشرع مطاَلب بإعلان الحرب على إسرائيل، وتحرير الجولان المحتل منذ هزيمة العرب بفضل قائد القومية العربية في 1967، ومطلوب من الجيش السوري الجديد، الذي لم يكتمل بناؤه وتسليحه، ما لم يفعله جيش الغبراء، الذي صار أثرا بعد عين بمجرد عقد الفصائل عزمها على إسقاط نظام بشار الأسد، المسنود بتحالفات وظروف خارجية، فلما انتهت هذه الظروف انتهى معها، وهذا بيت القصيد!

التحالفات الخارجية بين بشار والشرع:

فقد كانت قوة بشار في الحماية الإيرانية، وعدم الممانعة الإسرائيلية في استمراره، وفي حماية الروس وحزب الله له، وهي كلها دوائر خارجية، وليس من بينها دائرة واحدة داخلية، فحتى الجيش السوري تبيّن أنه كبيت العنكبوت، لاعتماده الكامل على القوى الأجنبية في حماية النظام. وكان طوفان الأقصى سببا في إعلان إسرائيل الحرب على إيران والجنوب اللبناني، وهما جبهتان لم تُحاربا ولم تمتنعَا عن الحرب، وقد تبيّن أن الاختراق الإسرائيلي للجبهتين يفوق أكثر الخصوم جنونا!

وقد بدا أن كُلا من إيران وروسيا (المنهكة في الحرب الأوكرانية)، فقدتا حماسهما للأسد، مع هذا الحرص من جانب الفصائل على أن تُحرر سوريا من الاستبداد المسكون بالإجرام؟!

هم ينحازون إلى إسرائيل الآن، فقد كشفوا عن نواياهم، إنهم يريدون تدمير تجربته بحربٍ كهذه، ساعتها لن يذرفوا دمعة واحدة عليه، وربما يقولون إنه متهور لم يستوعب دروس التاريخ، ثم يقفون على قارعة الطريق في انتظار عودة بشار الأسد من موسكو إلى قصر الشعب

يقولون تركيا.. ما لها تركيا؟ هل حدثت هناك اشتباكات مع الجيش السوري البطل، فعجزت الفصائل عن صده واستعانت بالجيش التركي؟!

بيد أن الأتراك حلفاء، كما كان الأمريكان حلفاء لعبد الناصر في ثورة يوليو/تموز، ولم يكن عبد الناصر عميلا أمريكيا، كما أن الشرع ليس عميلا تركيا، لكن يحدث أن تتلاقى الإرادات، وفي الأخير فإن الأتراك لم يتدخلوا لصد العدوان الإسرائيلي على سوريا، لأنهم في الولاية الحالية لأردوغان لا يبدو أنهم على استعداد للدخول في أي مقامرة تتضرر تركيا منها!

فماذا في الحليف الإيراني (وأذرعه) والحليف الروسي (وجيشه)، يُعطيان بشار الأسد امتيازا، عند المقارنة بحليف أحمد الشرع، ولا أدري لماذا لا يتحدثون عن الحلفاء الجدد له، من السعودية إلى الإمارات!

عموما فلا يمكن الآن الحديث عن الحليف الإسرائيلي، وقد اخترقت الصواريخ الإسرائيلية المجال الجوي السوري، وخلقت عملاء واضحين في السويداء يطلبون تدخل الكيان ضد نظام بلادهم، وقد كانوا من حلفاء بشار الأسد الذين لم يخرجوا يوما عن طوعه!

المدهش أن القوميين العرب، الذين يريدون من الشرع إثبات نقائه الثوري، بإعلان الحرب على إسرائيل، انحازوا لإسرائيل، وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين، الأمر الذي يُوضح أنهم يريدون دفعه لكمين، فيتصرف مثل الزعيم المُفدى الذي كان جيشه في اليمن منهكا ومكشوفا لأجهزة الاستخبارات الغربية، وهو يدق طبول الحرب، فكانت الهزيمة، واحتلال الضفة والقطاع وغزة والجولان وسيناء!

وهم ينحازون إلى إسرائيل الآن، فقد كشفوا عن نواياهم، إنهم يريدون تدمير تجربته بحربٍ كهذه، ساعتها لن يذرفوا دمعة واحدة عليه، وربما يقولون إنه متهور لم يستوعب دروس التاريخ، ثم يقفون على قارعة الطريق في انتظار عودة بشار الأسد من موسكو إلى قصر الشعب!

".. أحلام العصافير"!

x.com/selimazouz1